فضائيات مصرية في شكل جديد بأفكار «خارج الصندوق» وبرامج شبابية

هل تعكس الحُلة الإعلامية الجديدة التي ارتدتها بعض القنوات الفضائية المصرية الخاصة مناخا وتوجها جديدين، من شأنهما أن يوسعا دائرة المشاهدة والمتابعة، بشكل أكثر جدية وموضوعية، يقترب من هموم الناس والمجتمع؟.. خبراء إعلام مصريون قالوا إن «الشكل الجديد التي ظهر عليه عدد من القنوات الفضائية الخاصة من حيث البرامج والأفكار غير التقليدية والتي تُعد خارج الصندوق، نتيجة ملل المشاهد من برامج (التوك شو) المُعتادة»، مؤكدين أن «ظهور برامج جديدة في قنوات (النهار) و(الحياة) للقضاء على ثقافة الاستهلاك التي اعتادت الفضائيات الخاصة على تقديمها مؤخرا، وإزاحة بعض الوجوه الإعلامية (المحروقة) لإعادة كسب المشاهد وبالتالي إعادة التمويل الإعلاني الكثيف».
وطالب خبراء الإعلام بأن «يكون التغيير، وهذا ما سوف تثبته الأيام المقبلة، ليس فقط في الشكل، لكن في المضمون الذي يقدم للمشاهدين».
وغير كثير من الفضائيات المصرية من شكلها وارتدت «نيولوك» جديدا من أجل جذب المشاهدين ببرامج ووجوه شبابية جديدة غير معروفة، بعدما سئم المشاهدون الوجوه المعتادة من مقدمي البرامج التي تسببت مؤخرا في فوضى إعلامية، فضلا عن إصابة كثير من الأسر المصرية بالاكتئاب نظرا لما تقدمه هذه البرامج من صورة «قاتمة وكئيبة».
وقال أحمد سامي، مُعد برامج في فضائية «النهار» الخاصة، إن «شبكة تلفزيون النهار أجرت خلال الفترة الأخيرة استطلاعات للرأي ودراسات مُتعددة للتعرف على احتياجات الجمهور والفئات المستهدفة خاصة الشباب»، لافتا إلى أن العزوف عن مشاهدة البرامج السياسية الكبيرة التي كانت تُقدم بشكل يومي دفعت القناة للتفكير في ذلك، لكسب شعبية كبيرة عن طريق تطوير خريطة برامجها، فضلا عن تغيير شكل الاستوديوهات والديكورات النمطية القديمة لتكون مناسبة مع تكنولوجيا المجتمع الآن.
وأوضح سامي أن مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإتاحة الفرص في جميع المجالات للشباب، كانت دافعا للفضائيات الخاصة لإتاحة فرص عمل للشباب عن طريق خلطة سياسية واجتماعية بها كل ما يهم المواطن المصري بطرق مُحببة ومبُسطة تدعو للتفاؤل والأمل في الغد، لافتا إلى أنه حتى برامج «التوك شو» في الشكل الجديد تُقدم بطريقة كوميدية وليست بالطريقة السابقة التي جعلت المواطن يهرب من متابعتها، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أن «باقي القنوات الفضائية في مصر سوف تحذو حذو (النهار) خلال الفترة المُقبلة، بسبب أن هناك توجهات للقيادات المسؤولة عن هذه القنوات بمراعاة ذلك، بعد أن درسوا السوق والمحتوى الذي سوف يُقدم بشكل جديد».
وكانت شبكة قنوات «النهار» قد أطلقت الشكل الجديد لقنواتها والذي تضمن كثيرا من البرامج الجديدة مع تطوير البرامج التي كانت تُقدم من قبل بمشاركة عدد كبير من الإعلاميين الذين يمثلون كل أجيال الإعلام المصري فضلا عن نجوم الفن، منها على سبيل المثال برنامج «نهار جديد» الذي يقدمه الفنان الكوميدي خالد عليش والبرنامج يبتعد عن السياسة ويهدف إلى بث الأمل وروح التفاؤل لمشاهدي البرامج الصباحية.. والإقبال على اليوم والحياة والتخلص من هم «التوك شو» الليلي.
وسبقت شبكة تلفزيون «الحياة» الفضائية، «النهار»، وأطقت خطة برامجية جديدة تناسب كل الأذواق وترضي جميع الفئات.. كما أعلنت القناة أنها انتهت من وضع خريطة جديدة تبدأ عقب انتهاء شهر رمضان المقبل وتضم برنامج غنائيا للمطرب عمرو دياب، وبرنامجي «المسرح 13» للفنان أحمد مكي، و«عيلة سمورة» وتقدمه أسرة الفنان الكوميدي سمير غانم وزوجته الفنانة دلال عبد العزيز وابنتاه دنيا وإيمي.
من جانبه، قال الخبير الإعلامي الدكتور محمد سلطان إن التوجه الجديد لبعض القنوات الفضائية المصرية الخاصة وفي مقدمتها «النهار» و«الحياة» راجع لحتمية التطوير في عصر المعلومات لمنافسة الإعلام البديل المتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«تويتر» والهواتف الجوالة، لافتا إلى أنه لم تعد الفضائيات المصدر الوحيد للخبر الآن، لذلك لجأت للتطوير لجذب المشاهدين من جديد للشاشة عن طريق تغيير شكل البرامج، لكن سلطان تخوف من أن يكون التغيير فقط في الشكل وليس المضمون، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إنه لا بد أن تتضمن البرامج مضمونا جديدا يغير صورة القنوات الفضائية التي اعتمدت خلال الفترة الماضية على ثقافة الاستهلاك والترويج للفضائح والتشهير أكثر من الترويج الإعلامي.
ويرى مراقبون أن «الفضائيات الخاصة فطنت لكارثة البرامج الـ(خادشة للحياء)، خصوصا (التوك شو) لما تحتويه من ألفاظ خارجة إلى جانب معارك (السباب) المتبادلة على الهواء، وهي التي أثارت غضب الشارع المصري، وجعلت هذه البرامج عرضة للانتقادات والمطالبة بمنع عرضها».
وأضاف الخبير الإعلامي سلطان أن الفترة الماضية شهدت برامج سطحية بعيدة عن الهدف، لكن تطوير المضمون يتحقق من خلال عودة التفاؤل للمشاهدين وبث روح الأمل في الشباب بدلا من دعوتهم للاكتئاب، فضلا عن البعد عن القصص التجارية التي تحكم المشهد الإعلامي في الفضائيات الخاصة، بالإضافة إلى عودة التخصص في البرامج بأن يكون مُقدم البرامج إعلاميا مُتخصصا في هذا الشأن وليس ممثلا أو فنانا أو يُمارس أي مهنة أخرى، مثلما يحدث في كثير من البرامج التي يقدمها نجوم ليس لهم علاقة بالإعلام.
ويؤكد المراقبون أن «السبب فيما تشهده الساحة الإعلامية المصرية من فوضى هو أن معظم مقدمي برامج (التوك شو) ليسوا من خريجي كليات الإعلام، ومن ثم فإن فقدان المهنية معيار خطير يتسبب في الخروج عن الإطار على معظم القنوات الفضائية التي تدخل كل بيت مصري وعربي، حتى إنهم يفتقدون لغة الحوار التي تبتعد كثيرا عن المهنية وتصل لدرجة ارتكاب جرائم على الهواء يُعاقب عليها القانون، سواء باستخدام ألفاظ خارجة تخدش الحياء العام أو التحريض على الفسق والفجور أو جرائم سب وقذف».
وطالب الخبير الإعلامي الدكتور محمد سلطان أن تتغير سياسيات هذه القنوات التي تدعو للتحرش والدعوات اللاأخلاقية، لافتا إلى أن جرائم كثيرة ترتكب في المجتمع سببها التخلف الأخلاقي وانخفاض الذوق العام، وتتحمل الفضائيات الخاصة الجزء الأكبر منه، لأن هذه الفضائيات ليس عليها رقيب من أحد، مؤكدا أن القنوات الخاصة الأخرى سوف تحذو حذو القنوات التي غيرت من شكل برامجها، لأن المنحى الإعلامي يتجه لذلك الآن، كما أن رجال الأعمال مُلاك هذه الفضائيات يركزون الآن على إبراز دور الإعلام الموضوعي الذي يساهم في خدمة المجتمع ورقيه، لا الإعلام الهدام الذي يضر بالشباب ويدعو لإثارة الفتن والقلاقل في مصر.
في ذات السياق، قال الدكتور أحمد سمير أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر إن تغيير القنوات لخرائطها البرامجية مسألة مُتعارف عليها من وقت لآخر، حيث تُحدد كل قناة استنادا إلى التقييمات المستمرة لمدى جماهيرية برامجها، وفعاليتها في جذب الإعلانات، وقدرتها على الاستحواذ على ذهن المشاهد.. وبناء على هذا التقييم والتحديد يتم الاستقرار على البرامج التي تحتاج إلى تعزيز، وإلى تغيير أو إلغاء، ثم يتم اقتراح مجموعة برامج أخرى لتحل محل البرامج التي يتم إلغاؤها.
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «حين تقوم القناة بما نطلق عليه (تغيير الشاشة) فإن مرحلة التغيير تخطو خطوات أوسع وأكبر، فتغيير الشاشة يعني تغيير التصميم وتغيير اللوجو أو الشعار وتغيير الألوان المهيمنة على العناوين وتغيير الديكورات والخلفيات.. والأهم وراء كل ذلك تغيير أسلوب التناول»، موضحا أن «التغيير الذي يحدث في البرامج بشكل عام في العالم راجع لتغيير الإدارة التحريرية بالقناة والتي تقوم على تقديم نفسها باعتبارها أنجح من الإدارة القديمة.. فالحاجة تنشأ إلى إدارة جديدة رغبة في تغيير وضع راهن غير مقبول، وكل إدارة جديدة ترغب في تقيم نفسها كصانعة تغيير التغيير الاعتيادي، والذي تقوم به أغلب القنوات بمعدلات تغيير مختلفة بعد عدة سنوات رغبة في مواكبة التطورات والتغييرات في مجال العمل التلفزيوني ويتراوح من ثلاث إلى خمس سنوات تقريبا ففي أغلب القنوات التلفزيونية».