مطبخ روما القديمة.. أول المطابخ العالمية وأكثرها تطورا وتعقيدا

طهاته استخدموا السرية فيما يحضرونه من طعام

مطبخ روما القديمة.. أول المطابخ العالمية وأكثرها تطورا وتعقيدا
TT

مطبخ روما القديمة.. أول المطابخ العالمية وأكثرها تطورا وتعقيدا

مطبخ روما القديمة.. أول المطابخ العالمية وأكثرها تطورا وتعقيدا

تبدلت ثقافة المطبخ والطبخ في روما القديمة على مدى فترات طويلة، طول عمر الإمبراطورية الرومانية نفسها. فقد تأثرت تقاليد المطبخ المبني على تقاليد يونانية قديما بالتقاليد الملكية ثم بالتقاليد الجمهورية ثم بالتقاليد الإمبراطورية، وقد ساهم توسع الإمبراطورية الرومانية الهائل في تبني الرومان حضارات وثقافات الشعوب التي سيطروا وقضوا عليها، وخصوصا جنوب المتوسط. ومن هذه الثقافات مواد وأدوات مطابخ الشعوب والمناطق التي حكموها في جنوب المتوسط وشمال أفريقيا وآسيا، وغيرها في أنحاء المعمورة. ومع هذا التوسع العسكري والتجاري، ازدهرت معظم قطاعات الإمبراطورية ومنها فن الطبخ الذي ساهم في تطور علم الطب لاحقا كما يؤكد جالينوس.
ونقلا عن أعظم المؤرخين الرومان تيتوس ليفيوس، الذي عاصر الغزو القرطاجي لإيطاليا وكتب بالتفصيل عن واقعة تراسيمين، وكما تقول بلقيس شرارة في كتابها «الطباخ ودوره في حضارة الإنسان»، يبدو أن الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش الروماني عام 187 ق. م، هي التي أدت إلى تطور المطبخ وعالم الطبخ الروماني، إذ إن هذه الانتصارات أدت إلى استيراد كثير من العادات من الشرق، وانتشر البذخ في الولائم وبدأت عملية توظيف الأغنياء للطباخين في قصورهم، وبدأ التمييز بين الفقراء والأغنياء في استخدام الأدوات المصنوعة من الفخار والمصنوعة من الفضة.
وتشير شرارة إلى أن «في البدايات الرومانية، كانت النظرة إلى المهن والحرف تحط من مكانة الفرد الاجتماعية، على ما جاء في كتابات وفلسفات الفيلسوف الروماني المعروف شيشرون. ومن هذه المهن مهنة الطباخ: (... ليس هنالك أحط من الكذاب... وأقلهم احتراما هي التجارة التي تتعامل في إشباع الملذات، كبائعي السمك والجزارين والطباخين وبائعي الدجاج)».
بدأ احترام الطباخ واحترام مكانته في روما، بعد جلب أبناء الطبقات العليا من أثينا كثيرا من الطباخين وذواقة الطعام، وتحول مفهوم تناول الطعام من الضروريات الحياتية إلى فن من الفنون الأخرى. وقد اهتم الأباطرة بهذه الظاهرة حيث بدأوا الاحتفاظ بطباخ خاص والاهتمام بالطبخ بأنفسهم. ويقال إن الإمبراطور الروماني دوميشن أوقف النقاش في المجلس الروماني ليسأل أحد النواب عن نوع الصلصة التي استخدمها مع سمك الترس - Turbot.
وبعد هذا التطور الكبير وضع أهل روما أول أكاديمية لتعليم الطبخ أيام الإمبراطور العظيم أدريان، ورغم هذا التقدم ظل الطباخ يتعرض للعقاب الشديد مثل السجن والجلد في حال الفشل، وللمكافأة الضخمة في حال النجاح، كما حصل مع طباخ وليمة كليوباترا، الذي منحه أنطونيوس ماركوس ضاحية بكاملها مكافأة على وليمته الرائعة.
ورغم الروابط المهمة بين المطبخين الروماني والإغريقي، فإن الأول كان محليا وأكثر تقشفا وأبسط وأقل اعتمادا على التوابل، على عكس الروماني الذي كان أول المطابخ العالمية وأكثر تطورا وتعقيدا.
وقد اعتمد الرومان على استعمال «الصلصات ذات الطعم الحلو والحامض أو الحلو والمالح. واستعملت هذه الصلصات لتحسين بعض أنواع الخضراوات، مثل البصل والقرع واللفت والخيار والخس والجزر. وقد تجادل الرومان في تلك الأزمان حول موضوع إبقاء نكهة الطعام الأصلية والإكثار من استخدام التوابل وغيرها لتغيير تلك النكهة، كما تؤكد شرارة.
وفضلا عن أن الطباخين أيام الرومان كانوا يحافظون على تقليد السرية فيما يفعلون وكيفية تحضيرهم للطعام، فإن من الأمور المثيرة للاهتمام التي تذكرها شرارة في كتابها، أن أسلوب الطبخ تغير أيام الرومان وأصبح أكثر اعتمادا على الأطعمة المفرومة أو المقطعة لتسهيل عملية تناول الطعام للناس الذين كانوا يتكئون على الأرائك أثناء تناولهم الطعام كتقليد إغريقي، وكما يفعل البدو أو العرب.
ومن الأمور المهمة أيضا التي درج عليها الرومان هو استخدامهم ووعيهم أهمية الزيت والملح في تحضير الطعام، وكان الأخير كما هو معروف يستخدم بدلا من النقود كمعاشات للجنود، ويعود جذر كلمة «سالري - Salary» الإنجليزية التي تعني معاشا إلى «سالاريوم – Salarium» اللاتينية، التي تعني الأموال التي تعطى للجنود الرومان لشراء الملح. كما كانت قوافل الملح التي تسافر من بلد إلى آخر تضم آلاف الجمال.
كما كان الزيتون من المواد المهمة في المطبخ الروماني، وكان يباع في الشوارع كالمأكولات السريعة. وقد كان يحفظ بالخل وأحيانا بالتوابل والملح. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن الرومان عرفوا 30 نوعا من أنواع الزيتون و40 نوعا من أنواع التين والإجاص المحلي والمستورد من الأقاليم الأفريقية والمتوسطية والشرقية. كما عرفوا 54 نوعا من أنواع الخضراوات المألوفة، و43 نوعا من أنواع الخضراوات البرية، التي لم توجد في العصر الحالي. ومن هذه الخضراوات الجزر الذي لم يكن برتقالي اللون كما هو الحال هذه الأيام، بل كان ليلكيا داكنا وأبيض وأصفر وغيرها. وتقول الموسوعة الحرة في هذا الإطار، إن الكثير من الخضراوات والحمضيات التي نتناولها هذه الأيام ويتناولها الإيطاليون أيضا، لم تكن موجودة قديما، وقد أتت لاحقا إلى إيطاليا عبر التجار العرب، مثل السبانخ والباذنجان، وعبر اكتشاف العالم الجديد والتبادل الكولومبي الكبير مع كريستوفر كولومبوس، مثل البندورة والفليفلة.
كان الرومان مغرمين بالفاكهة الطازجة، ويجففونها لأيام الشتاء، وقد عرفوا التفاح والإجاص والخوخ والفراولة والعنب والسفرجل والتوت والكشمش والرمان والبطيخ، ولم يعرفوا الكرز والمشمش والزعرور إلا في القرن الأول قبل الميلاد، والبرتقال والليمون والتكر والدراقن في القرن الأول للميلاد. ولم يزرع الليمون في روما حتى الفترة الأولى من تاريخ الإمبراطورية الرومانية، أو ما يعرف بعهد الزعامة - Principate.
أما الخضراوات التي عرفها الرومان قديما فكانت تضم: الجزر الليلكي والأبيض، والخيار، والفجل، والخس، والبصل، والملفوف، والقرع، والثوم، والكرفس، والكالي، والقرنبيط الأخضر أو البروكلي، والهليون، والكراث، واللفت، والهندبة، والشمندر، والبازلاء، والسلق، واللوبيا، والخرشوف، والزيتون، والفول، والحمص، والترمس.
لقد دأب أهل روما على استخدام حليب الغنم والماعز للطبخ، وتركوا البقر للحراثة، ولم يذبح إلا في المناسبات الدينية. وكانت أكثر اللحوم التي اعتمدوا عليها هي لحوم الغنم والطيور والأرانب والأسماك، وخصوصا الدجاج والأوز والحمام والطاووس والتونة والسردين والسلطان إبراهيم.
ولغرامهم بالأسماك كان الرومان أول من عرفوا الزراعة المائية أو ما يعرف بتربية الأسماك أو الاستزراع البحري للأسماك، وقد فعلوا ذلك بمهارة وعلى نطاق واسع مع المحار والسلطان إبراهيم.
ويعرف أن الرومان اخترعوا أول ماكينة عجين على يد العبد ماركوس برويساسس في القرن الميلادي الأول تعمل بالحصان، وكان السكان يتناولون أرغفة الخبز المصنوعة من حبوب قريبة من القمح مع الملح، وكان الأغنياء يتمتعون بتناول البيض والجبن والعسل إلى جانب الحليب والفاكهة. ولم يتم تناول الخبز المصنوع من القمح العادي إلا بعد نهاية الفترة الإمبريالية وبداية الفترة المسيحية. وكان يتم غطس الخبز بالنبيذ ومع الزيتون والجبن والعنب، كما يفعل الناس حتى الآن في كثير من البلدان.
ويصعب الحديث عن المطبخين الإغريقي والروماني من دون التعرض لموضوع الإسراف والبذخ في الطعام، وتقول شرارة في هذا الإطار، إن البذخ والترف في الولائم الرومانية تواصل حتى مجيء الإمبراطور أغسطس عام 63 ق. م، حيث أصدر القوانين الخاصة للحد من هذه الظاهرة، وتحد من كميات الطعام المسموح باستهلاكها للحفاظ على الصحة والأخلاق، وبالطبع وجد أهل روما كثيرا من السبل للتحايل على هذه القوانين.
ويقال إن الإسراف في الطعام والاستهلاك الكبير لكثير من المواد في نهاية القرن الميلادي الأول أدى إلى إتلاف التربة والتصحر، وكان أحد أهم أسباب أفول أو انهيار الإمبراطورية الرومانية البطيء.
ولمعرفة حجم البذخ والترف في الولائم، لا بد من المرور على عالم الإمبراطور نيرون، وما كتبه تيتوس بيترونيوس في روايته العالمية الساخرة والجامعة بين النثر والشعر والمترجمة إلى الإنجليزية، رواية «ستريكن». يقول بيترونيوس في هذه الرواية الخاصة بسلوك الناس والحياة اليومية الرومانية: «كانت لدينا صينية مستديرة نقشت على أطرافها أبراج النجوم، ووضع الخادم على كل برج ما يلائمه من الطعام، فوضع الضأن على برج الحمل، ولحم البقر على برج الثور... أقبلت راقصات ليرفعن الغطاء عن الطعام. كان من تحته طيور محشوة... يتوسطها أرنب، وفي الجانب أربعة تماثيل يخرج من مثانتها حساء مبتل يقع على السمك الذي يسبح في الصحاف...».
ومن أهم شخصيات المطبخ الروماني الذواقة والكاتب غافيس أبيسيوس الذي وضع كتاب «فن الطبخ» الضخم والشهير، باللغة اللاتينية والذي يعتبر من أقدم وأهم الكتب الأوروبية حول الطبخ، ويقال إن أبيسيوس كان من أشهر أصحاب الموائد الفاخرة، ومن الأفراد الذين ابتكروا كثيرا من سبل الطبخ ووصفات الطعام. وحسب كتاب «مائدة الحكماء» لأثينايوس، فإن أبيسيوس الذي عاش أيام الإمبراطور الروماني تيبيريوس، كان «مفرط الشهوة... وقد سافر خصيصا إلى ليبيا للحصول على القريدس الليبي الكبير الحجم. ولم يكن غريبا أن يموت أبيسيوس انتحارا خوفا من الموت جوعا بعدما بذر كل ثروته على الولائم».
ويشير أبيسيوس في كتابه الذي جمع فيه كثيرا من الوصفات التي حصل عليها من كثير من البلدان التي سافر إليها، إلى أن ميزات المطبخ القديم تعتمد - حسب الكاتبة شرارة - على الاستخدام الكثير للتوابل والأعشاب، مثل البصل والكمون والكزبرة والفلفل والزعتر والدارسين والنعناع والهيل. أضف إلى ذلك الاستخدام المكثف للكحول الذي يكون أحيانا مخلوطا بالفواكه والتمر والرمان وأوراق الأزهار، كالورد والبنفسج، والاستخدام الكثير للعسل والصنوبر واللحوم المفرومة، والأهم استخدام الصلصات الزكية.
كما بدأ الرومان على هذا الصعيد عمليات تسمين الحيوانات وإجبارها بالقوة على تناول بعض المواد لتسمينها بسرعة، وهي تقاليد لا تزال مستخدمة حتى عصرنا هذا في بعض البلدان الأوروبية وخصوصا فرنسا.
كان أهل روما القدماء يتناولون الفطور (ientaculum) عند الفجر، ثم يتناولون غداء خفيفا قبل الظهر، وكانت الوجبة الرئيسية هي العشاء (cena) عند المساء جريا على التقاليد الإغريقية القديمة. ومع تطور وتوسع الإمبراطورية الرومانية وجلب الكثير من الخيرات المختلفة من الأقاليم الشرقية والغربية والجنوبية تطور العشاء، تطور حجمه وتطورت أطباقه وانتقل من المساء إلى بعد الظهر ليحتل مكان وجبة بعد الظهر الخفيفة (vesperna) التي اختفت تماما بعد ذلك. وهذه التغيرات في التوقيت طالت الصبح والظهر، إذ تمت إضافة وجبة فطور ثانية عند الظهر. ومع الفترة الجمهورية تطور العشاء أيضا ليضم ثلاثة أطباق تنتهي بالحلوى.



«أورفلي بروز» بدبي... لكل طبق قصة تستحق ضجة النجاح

«أورفلي بروز» بدبي... لكل طبق قصة تستحق ضجة النجاح
TT

«أورفلي بروز» بدبي... لكل طبق قصة تستحق ضجة النجاح

«أورفلي بروز» بدبي... لكل طبق قصة تستحق ضجة النجاح

تربع مطعم «أورفلي بروز» Orfali Bros في دبي على عرش المطاعم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للمرة الثالثة على التوالي، وتسلم الجائزة الأشقاء السوريون الثلاثة الشيف محمد ووسيم وعمر الذين أسسوا المطعم في الرابع عشر من مارس (آذار) عام 2021 ليصبح اليوم من أشهر المطاعم في المنطقة العربية والعالم، فإلى جانب حلوله في المرتبة الأولى في لائحة أفضل 50 مطعماً في المنطقة العربية وشمال أفريقيا، احتل أيضاً المرتبة 47 في لائحة أفضل 50 مطعماً في العالم.

الشيف محمد يتوسط الشيف وسيم وعمر أورفيلي (الشرق الاوسط)

أعلنت نتيجة التصويت خلال حفل ضخم أقيم في فندق إيرث في أبوظبي بحضور ألمع نجوم الطهي العالميين من تنظيم 50 Best restaurants حيث تم تقدير مطاعم مميزة في 11 مدينة، تتولى الأكاديمية التابعة للجهة المنظمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عملية التصويت، وهي مؤلفة من 250 شخصاً من أبرز الأسماء في عالم المطاعم والكتابة المتخصصة في مجال تقييم الطعام والمطاعم في العالم.

بعد إعلان النتائج كان لا بد لـ«الشرق الأوسط» التي كانت مشاركة في حفل الجوائز طرح سؤال بديهي على الشيف محمد أورفلي: «لماذا تفوزون في كل مرة؟» ضحك الشيف محمد وقال: «لا أعرف».

كبدة الاوز على قطعة من الخبز المقرمش (الشرق الاوسط)

رد الشيف محمد كان فيه نوع من التواضع، لأنه ومما لا شك فيه يعرف سبب فوز المطعم ووصوله إلى العالمية، حيث أصبح معلماً إضافياً من معالم دبي المعروفة، حيث يأتي إليه الذواقة من كل أصقاع العالم لتذوق أطباقه المميزة.

صور الأطباق جميلة وشهرة المطعم واسعة ولكن يبقى السؤال الأهم: ماذا عن نكهة الأطباق؟ وما سر النجاح؟ وهل يستحق هذه الشهرة؟

للإجابة على هذه الأسئلة كان لا بد من زيارة المطعم وتذوق الأطباق.

عصائر و مشروبات مصنوعة في المطعم (الشرق الاوسط)

نبدأ بالحجز المسبق، فهو ضروري جداً لأن المقاعد والطاولات محدودة والطلب عالٍ جداً.

المطبخ مفتوح، فهو موجود تحت قنطرة من الحجر تذكرك بأسواق وقلاع حلب والخان العتيق المزين بالقناطر الحجرية البيضاء التي تجدها في الكثير من الأماكن في مدينة حلب السورية، العمل في هذا المطبخ هو في حركة دائمة تماماً مثل خلية النحل، الطابق الأرضي مخصص للأطباق المالحة، والطابق العلوي مخصص لتحضير الحلوى، ويشرف عليه كل من عمر ووسيم أورفلي، أما محمد فهو بمثابة ركن من أركان المطعم فهو موجود بشكل كبير هناك، وهذا سبب من أسباب النجاح.

المحار بتتبيلة خاصة (الشرق الاوسط)

العاملون في المطعم يختلفون من حيث الجنسية، ولكن ما لا يختلفون عليه هو حبهم وانتماؤهم للمطعم، فيعتبرون أنفسهم عائلة واحدة، وهذا ما أكده لنا كل من النادل إحسان من سريلانكا وجورج من الشام. واللافت هو أن جميع العاملين يعرفون الأطباق عن ظهر قلب ويقدمون النصائح في مكانها.

الطاولات مربعة مع تصميم مميز يمزج ما بين الحجر والحديد الذهبي، وأجمل ما يزين الجدران هي الجوائز التي حاز عليها المطعم منذ افتتاحه بما فيها دخوله إلى دليل ميشلان.

أوفلي بايلدي (الشرق الاوسط)

لائحة الطعام متنوعة، وقد لا تكون مألوفة، فإذا كنت تظن بأن المطعم سوف يقدم المأكولات السورية أو اللبنانية أو الشامية بشكل عام على الطريقة التقليدية، فسوف تفاجأ جداً لأن ما يقدمه أورفلي يختلف عن الطريقة المألوفة، وهنا يقول الشيف محمد إن أطباق المطعم تمثل الجنسيات الـ170 المقيمة في دبي، فترى هناك أطباقاً مستوحاة من المكسيك وأخرى من إيطاليا أو سوريا... ولكنها كلها تحمل طابعاً لا يمكن وصفه إلا بالإبداع.

الأطباق صغيرة الحجم ويوصى بطلب نحو 7 أطباق لكل شخص، أما إذا كنت تزور المطعم للمرة الأولى فأنصحك بتذوق اللائحة Menu Tasting وهنا يأتي دور النادل لاختيار الأطباق التي يعتقد بأنها تناسب ذائقتك.

توستادا الذرة من بين أشهر أطباق المطعم (الشرق الاوسط)

قبل وصول أول طبق جاء النادل بزجاجة من مشروب فوار تظن أنه شمبانيا، ولكنه في الواقع مشروع خال من الكحول، ولكن تم تطويره في المختبر Lab التابع للمطعم ليكون على شكل شراب فوار يهيئ الفم والذائقة لبدء مهرجان الأكل.

أول طبق كان عبارة عن خبزة وعلى رأسها كمية من الكافيار Aviar Bun Smetana، وبعدها يأتي دور طبق توستادا الذرة Corn Bomb وهو اسم على مسمى، لأنه بالفعل هو قنبلة من نكهة الذرة اللذيذة وعليه طبقة من جبن البارميزان عالي الجودة (عمره 36 شهراً) وهذا الطبق يأتي الناس من المكسيك وغيرها من البلدان لتذوقه. وبعدها جاء دور طبق «أو لا لا» Oh la la وهنا يقول النادل: «ستتناول هذه القطعة وستقول (أو لا لا) من شدة زخم نكهة كبدة الإوز»، وبعدها تذوقنا كروكيت OB croquettes مع جبن كونتي (عمره 18 شهراً) الفرنسي وزيت الكمأة.

أطباق جميله ملؤها النكهة (الشرق الاوسط)

وعندما جاء النادل بطبق أورفلي بايلدي Orfali Bayildi أخبرنا القصة التي ترافق الطبق التركي، فأشار إلى الحائط إلى اليمين وعليه صورة كاريكاتيرية لرجل مرمي على الأرض، وقال هذا هو الرجل صاحب قصة الطبق، وبحسب الرواية فقد جاء إمام تركي إلى منزله فقدمت له زوجته طبقاً من الطعام، عندما تذوقه أغمي عليه ووقع على الأرض من لذة طعمه فأطلق عليه اسم بايلدي ويعني بالتركية (الإغماء). هذا الطبق هو عبارة عن باذنجان مشوي مع محمرة المكدوس والجوز المهروس ومزين بالزهور القابلة للأكل.

وتذوقنا أيضاً طبق Stracciatella وهو عبارة عن قطعة خبز «ساوردو» تغمس مع خلطة من الطماطم وبهارات حلبية وحبق.

ديكور بسيط وعصري (الشرق الاوسط)

أما شيش البرك، فهو عبارة عن قطعة واحدة توضع على الزبادي، جزء منها مشوي والآخر مسلوق، وهنا يخبرنا النادل بأن عمته وأم الشيف محمد كانتا تختلفان على طريقة طهي الشيش برك، ومن المعروف عن الشيف أنه دبلوماسي ويحب السلام، ويحب إرضاء الجميع فقرر بأن يطهو الشيش برك بطريقتين لإرضاء الطرفين، وكانت النتيجة أكثر من رائعة.

اخترنا أيضاً طبقاً لا بد من تذوقه لأنه يحمل نكهة حلب فيه وهو كباب حلب وأطلق عليه اسم Come with me to Aleppo وهو مصنوع من لحم الواغو الأفضل في العالم مع الكرز والصنوبر والقرفة، الطعم لذيذ وطريقة التقديم رائعة.

المربع الياباني المصنوع من السمسم المحمص (الشرق الاوسط)

من الأطباق الشهيرة في «أروفلي بروز» طبق التشيز برغر، وأنصحكم هنا بأكل البرغر فقط دون أي طبق آخر لأن حجمه كبير ولا يتماشى مع تذوق لائحة الطعام متعددة الأطباق، طعمه مميز لأنه يستخدم فيه لحم الواغو ويصنع خبز البريوش في المطعم وهو خبز هش يذوب في الفم.

والآن جاء دور الحلوى، وهنا لا توجد لائحة فتذهب إلى مكان توضع فيه قطع الحلوى المنمقة والجميلة، فهي تتبدل بحسب المواسم وتوفر المنتجات التي تستخدم فيها، ويقوم النادل بشرح كل مكوناتها ونكهاتها، وبما أنني لست من أنصار السكر اخترت «المربع الياباني»، ويا له من مربع، لونه أشبه بلون الفحم فهو مصنوع من السمسم المحمص الذي يشكل طبقات أشبه ببسكويت الويفر، الطعم لذيذ ومميز جداً وليس حلواً جداً.

أما بالنسبة للشراب فجربنا Elderflower Kombucha وهو عبارة عن شاي مخمر، وRaspberry and Summac tepache وهو عبار عن توت مخمر مع العسل الطبيعي والسماق، وBlackberry tepache وهو شراب توت مخمر في مختبر المطعم.

وفي نهاية عرس الطعام الأفضل في المنطقة العربية وشمال أفريقيا، لا بد أن نقيم هذا المطعم ونجيب على الأسئلة التي طرحناها في مستهل الموضوع: هل يستحق المطعم هذا النجاح؟ نعم يستحقه. لماذا؟ لأن الشيف محمد رسم لنفسه خطاً جديداً من نوعه. هل يرضي المطعم جميع الأذواق؟ لا. السبب هو أنه من الصعب أن يرضي أي مطعم كل الأذواق، لأن الذائقة الخاصة بكل شكل تختلف عن غيره كما أن هذا المطعم ليس مطعماً سورياً تقليدياً، فإذا كنت تزوره معتقداً بأن صحن الفتوش والحمص والكباب على قطعة من الخبز المغمسة بدهن اللحم ستكون بانتظارك فقد لا يعجبك هذا النوع من الطعام، ولكن ما لا يمكن أن يختلف عليه اثنان هو أن نجاح هذا المطعم وتبوأه المرتبة الأولى بين مطاعم العالم، والمرتبة 46 ما بين أفضل 50 مطعماً في العالم لم يأتِ من فراغ، إنما جاء من مثابرة ورؤية لثلاثة شبان جاءوا من سوريا واختاروا دبي لتكون نقطة الانطلاق إلى العالمية.