«ألوان كناوة» بالصويرة.. مبادرة ترصد تجليات الألوان في الثقافة الكناوية

الأبيض للصفاء والبنفسجي للخيال.. والأسود للسكينة والأزرق للثقة

جانب من ليلة «ألوان كناوة» التي احتضنتها «دار لوبان» ونشطها فنانون «كناويون» متمرسون ({الشرق الأوسط})
جانب من ليلة «ألوان كناوة» التي احتضنتها «دار لوبان» ونشطها فنانون «كناويون» متمرسون ({الشرق الأوسط})
TT

«ألوان كناوة» بالصويرة.. مبادرة ترصد تجليات الألوان في الثقافة الكناوية

جانب من ليلة «ألوان كناوة» التي احتضنتها «دار لوبان» ونشطها فنانون «كناويون» متمرسون ({الشرق الأوسط})
جانب من ليلة «ألوان كناوة» التي احتضنتها «دار لوبان» ونشطها فنانون «كناويون» متمرسون ({الشرق الأوسط})

إلى جانب الحفلات الموسيقية المبرمجة في إطار الدورة الـ19 من «مهرجان كناوة وموسيقى العالم» وتدافع الأفكار الذي ميز فعاليات «منتدى حقوق الإنسان»، في دورته الخامسة، كان للألوان والصورة الفوتوغرافية نصيبهما ومكانهما في إبراز غنى موروث «كناوة»، ضمن برنامج التظاهرة، وذلك من خلال فقرة «ألوان كناوة»، التي نظمت على هامش التظاهرة، بهدف تكريم الرواد الكناويين، في سياق سلسلة من المبادرات الفنية المتمحورة حول مفهوم وتجليات الألوان في الثقافة الكناوية.
وتوزعت المبادرة بين ليلة موسيقية حول «ألوان كناوة» ومعرض للصور. وأبرز المنظمون أن «ألوان كناوة» هي عصارة لقاء وبحث دام عدة أشهر، ما بين الفنانين حسن حجاج ومروان البهجة، اللذين جابا ربوع المغرب بحثًا عن الكناويين القدامى، الذين واكبوا كبار «المعلمين»، منذ أربعينات وخمسينات القرن الماضي. واستلهامًا من هذه اللقاءات، ارتأى مروان البهجة أن يقترح على حسن حجاج التعريف بأعمال هؤلاء الفنانين على الخشبة، والتقاط صور لهم ضمن عالم زاخر بالألوان. ولذلك فتاريخ «كناوة» الذي يحكي عنه الفنانان «تاريخ استثنائي وفريد لدى كل واحد منهما، تاريخ غني بكلمات وعبارات بسيطة، تنبع من أعماق القلب، بعيدا عن كليشيهات ونظريات العلماء».
ويقيم حسن حجاج، الملقب بـ«أندي وارهول مراكش»، بلندن، وسبق له أن عرض أعماله بمتحف بروكلاين، وبالمتحف البريطاني للندن، فضلا عن بلدان أخرى، بينها الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة. كما فاز سنة 2011 بجائزة فنون الشرق الأوسط وأفريقيا. أما مروان البهجة فهو من وجوه الجيل الجديد للمعلمين الكناويين. ويتميز بالبحث في معاني ودلالات الألوان في الثقافة الكناوية.
وجاءت ليلة «ألوان كناوة» عبارة عن سهرة احتضنتها «دار لوبان»، ونشطها عشرة فنانين كناويين متمرسين، تلتها سلسلة من الألوان الزاهية والأغاني المقدمة تحت إشراف المعلم الكناوي عبد السلام عليكان، المدير الفني للمهرجان، فيما تضمن معرض الصور كليشيهات من إنجاز الفنان حسن حجاج، تم عرضها بالحجم الكبير طيلة فترة المهرجان بـ«دار لوبان».
ومن الفنانين الذين قدمهم لنا حسن حجاج نجد أحمد غاني (مدينة العرائش)، وبو جمعة الوصيف (نواحي الصويرة)، ومحمد الغزاوي اللقب بـ«بابا حوت» (مدينة القصر الكبير)، ومولاي الطاهر المصلوحي (مدينة مراكش)، وعبد القادر أكتاوي (مدينة الرباط)، وعبد السلام عسال (مدينة الصويرة)، وعلال أكلاو (مدينة مراكش)، وعبد القادر بوني (مدينة الصويرة)، وعبد الرحمن نيميني (مدينة الصويرة)، وعبد الله الحيزي (مدينة القصر الكبير).
وتم تقديم «ألوان كناوة» من خلال التوقف عند رمزيتها في ارتباط بالفن الكناوي، وهكذا فاللون الأبيض هو «عنوان الصفاء والنقاوة والغنى، ينجح في خلق توازن ما بين جميع ألوان الطيف، كما يمثل، في نفس الوقت، الوجه الإيجابي والسلبي للون، ويستمد جوهره من القيم التي يحملها على غرار المناصفة والمساواة والتكافؤ والاستقلالية. كما يعكس، أيضًا، صفاء العذرية والطهارة»؛ فيما يقدم البنفسجي كـ«لون للخيال والروحانية، ينعش خيال وإلهام عالم المثل، فضلاً عن أنه يتيح تفتح الأفكار العميقة والدفينة»؛ بينما يوحي الأسود بـ«الوقاية من الضغط النفسي، والأرق والمضايقات، ويحصن ضد هموم العالم الخارجي، ويخلق ظروفا للراحة والسكينة التي تعتبر ملاذًا لكل من يعاني من فقدان الثقة في النفس. مع الإشارة إلى أن ازدواجية اللونين الأبيض والأسود، في الفن الكناوي، تحيل على شخصيات تكاد تكون مزوجة القطبين، متقلبة وتعاني من الحرارة والبرد، إما مهذبة أو متحفظة، وغالبًا ما ارتبط مزيجها هذا بشخصية (عيشة قنديشة)، التي تتمتع بمزاج جنوني، إلى حد أنه جعل منها أسطورة كل الحقب والأزمنة». أما الأخضر، فيقدم باعتباره «لون التوازن والتناسق والنمو. وهو مرتبط طبيعيًا بالنبات الأخضر، وهو لون كل الألوان، يحظى بمزايا منعشة ومهدئة في آن واحد». من جهته، يقدم الأحمر بوصفه «لون الطاقة والحب والعمل والتفرد»؛ والبني «رمزًا للسلامة والحماية والغنى المادي، إذ هو لون الثبات والتوازن والصلابة، يصلح لحماية الخلية العائلية من العوارض الخارجية، كما يمنح إحساسًا كبيرًا بالمسؤوليات والنجاعة عند كل امتحان»؛ أما الأزرق فهو «لون الثقة والمسؤولية، وهو يمتد نحو آفاق متعددة، يقلد بها السماء ورحابتها. وعلى غرار ماء المحيط المتعذر إمساكه فهو ينساب بكل حرية ولا شيء يقدر على مجاراته أو الوقوف ضد تدفقه»؛ أما الوردي فلون «الحب المطلق والتربية، لون يزاوج بين الاتحاد والحب. لون العطف والإيثار»؛ فيما يبقى الأصفر «لون الروح والأفكار، لون المطلق والإثارة الدماغية، ومرادف للوضوح والضوء والإشعاع والحرارة والحركة. إنه لون القمح الذي نحصده ورمز المودة المكتسبة والأرض الخصبة المعطاء».
تجدر الإشارة إلى أن موسيقى «كناوة» ليست موسيقى عادية، فهي من جهة تتميز بإيقاعات قوية، محملة بثقل الأساطير والمعتقدات الموغلة في القدم، ومشحونة بالإرث الحضاري للمغرب في علاقة بعمقه الأفريقي، كما أنها، كما يكتب الشاعر محمد الصالحي، «مزيج من حنين وشوق وألم وغربة وانفصام»، حيث «يصيحُ الكناوي مهتزًا نحو الأعلى، كما لهيب نارٍ، في ضوء ضَربات الطبل وإيقاع السنتير، وهي آلة محض أفريقية، وآلات يدوية حديدية ذات إيقاع حادّ، يبدأ بطيئًا ليتسارع كلما اقتربت الذات الكناوية من لحظة الجذبة».
وتتميز الموسيقى «الكناوية» بإيقاعاتها الأفريقية المميزة، التي تستخدم فيها، بحسب الباحث المغربي محمد الكوخي، عدة آلات موسيقية، هي الكنبري أو الهجهوج والطبل والمزمار وصنوج حديدية، فيما يلبس العازفون لباسًا خاصًا يميزهم، يتكون، عادة، من ألوان فاقعة، مثل الأحمر والأزرق، ويضعون على رؤوسهم طرابيش تتميز بلونها وزخرفتها بالصدف. وعادة ما يترافق العزف الصاخب بأهازيج وأغاني مبهمة المعاني تظهر عليها بوضوح اللكنة الأفريقية عند نطق الكلمات، مع طابع حزين يمكن لمسه خلف صخب الأصوات والألوان، والذي يحيل على تاريخ العبودية في المنطقة والواقع القاسي التي كانت تتصف به حياة العبيد السود.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».