وريا أحمد.. مسيرة نصف قرن من الإبداع

{خالد دلير} يجمع مذكراته وقصائده وأغانيه

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

وريا أحمد.. مسيرة نصف قرن من الإبداع

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يحمل كتاب «خالد دلير»، الذي جمع خلاله الملحن والكاتب الكردي وريا أحمد الأناشيد والقصائد والتونات وقسما من مذكرات وكتابات الفنان الكردي الراحل خالد دلير، كثيرا من جماليات الموسيقى الكردية الأصيلة التي كان الفنان الراحل من أهم روادها؛ فقد رفد الغناء والأدب الكردي بكثير من الألحان والكلمات الجميلة.
يتألف كتاب خالد دلير، الذي صدرت طبعته الأولى باللغة الكردية عام 2015، مطبعة شهاب في مدينة أربيل، عاصمة، برعاية الشخصية السياسية الكردية تحسين قادر برزنجي، من 248 صفحة، إضافة إلى القسم الأخير من الكتاب الذي عرض خلاله المؤلف كافة الألحان والأناشيد والأغاني التي وضعها الفنان خالد دلير وغناها بنفسه، خلال مسيرة فنية مليئة بالعطاء الفني امتدت من أربعينات القرن الماضي، وانتهت عام 2011 بوفاة هذه الشخصية، التي حملت بداخلها كثيرا من المعاني والإبداع في شتى المجالات. فإلى جانب جمال الصوت وعذوبة الألحان والقصائد، كان الفنان الراحل كاتبا بارعا في السياسة، ترك خلفه العشرات من المقالات السياسية والتاريخية الخاصة بالشعب الكردي ونضاله.
التجول بين صفحات هذا الكتاب ينقل القارئ من زحام الحياة اليومية المليئة بالمصاعب والمشاكل إلى عالم آخر يسوده الهدوء بطعم الماضي وفنه وقصائده وكلماته. ويضم الكتاب كثيرا من القصائد الوطنية التي كتبها الفنان عن كردستان، وعن معاناة الشعب الكردي والأوضاع السياسية التي شهدتها المنطقة في القرن الماضي؛ لذا يمكن تصنيف غالبية القصائد التي كتبها الشاعر ضمن خانة القصائد الوطنية.
قسم المؤلف وريا أحمد كتابه إلى عشرة فصول، اختص كل فصل فيه بقسم من حياة الفنان. فكان الجزء الأول منه خاصا بالمذكرات الفنية التي كتبها الفنان بنفسه عن مسيرته في مجال الفن والألحان. وفي الفصل الثاني عرض مؤلف الكتاب مجموعة من الملاحظات حول هذه المذكرات. أما الفصل الثالث فتضمن بعض المقالات التي كتبت عن الفنان ومسيرته الفنية. ويستكمل الفصل الرابع هذه المقالات بعدد من المقابلات الصحافية التي أجراها مع الصحف والمجلات الكردية. أما الفصل الخامس فيسلط من خلاله المؤلف الضوء على تكريم الفنان الراحل. وتوزعت الفصول الأخرى من الكتاب ما بين عرض مجموعة من صور الفنان وصور لمؤلفاته. وخصصت الصفحات الأخيرة للكتاب لعرض القصائد والأناشيد والأغاني والألحان التي وضعها وغناها الفنان خالد دلير خلال مسيرته الفنية والموسيقية.
ويعد كتاب خالد دلير واحدا من أهم كتب البيوغرافية الكردية، التي قدمها الكاتب والملحن وريا أحمد إلى المكتبة الكردية في مجال توثيق مسيرة حياة الموسيقيين الكرد، الذين بدأوا نتاجاتهم خلال القرن الماضي؛ فهو إلى جانب تسليط الضوء على أهم محطات حياة الفنان خالد دلير، يتناول أيضا تاريخ الموسيقى والغناء الكردي، ويحيي ذكرى كثير من الفنانين الكبار الذين يكاد أن يغمرهم النسيان.



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.