«مهرجانات بعلبك الدولية» تفتتح مع «فرقة كركلا» ويتوسطها المتنبي

إعادة إحياء «طريق الحرير» بمناسبة مرور 60 سنة على تأسيسها

جانب من المؤتمر الصحافي الذي عقدته لجنة مهرجانات بعلبك أمس («الشرق الأوسط»)
جانب من المؤتمر الصحافي الذي عقدته لجنة مهرجانات بعلبك أمس («الشرق الأوسط»)
TT

«مهرجانات بعلبك الدولية» تفتتح مع «فرقة كركلا» ويتوسطها المتنبي

جانب من المؤتمر الصحافي الذي عقدته لجنة مهرجانات بعلبك أمس («الشرق الأوسط»)
جانب من المؤتمر الصحافي الذي عقدته لجنة مهرجانات بعلبك أمس («الشرق الأوسط»)

ستون سنة هو عمر «مهرجانات بعلبك الدولية»، وبهذه المناسبة فإن العام الحالي هو احتفالي ومميز، والافتتاح في الثاني والعشرين من شهر يوليو (تموز) سيكون لابن المدينة الموهوب الذي ملأ الدنيا فرحا وألوانا ورقصا بأعماله التي جابت العواصم، عبد الحليم كركلا بعمل جديد يحضره مع ولديه إيفان (إخراجا) و(أليسا) تصميما.
وفي «معبد باخوس» البديع في القلعة الرومانية الخلابة سيقف راقصو كركلا ليلتي 22 و23 يوليو، ليقدموا مسرحية «عَ طريق الحرير» الغنائية، في تصور تخييلي لما حفلت به تلك الدرب الشهيرة من قصص وغرائب، وما شهدت من تلاقح بين ثقافات وحضارات، ولقاءات بين شعوب وأمم. وينتهي هذا التلاقي باحتفال كبير ضمن نطاق الوحدة الإنسانية التي تجسد التنوع بين الشعوب ثقافيا وحضاريا في فضاء المحبة والسلام. وتحدث عبد الحليم كركلا خلال المؤتمر شارحا أن العمل تشارك فيه فرق من بلاد فارس والهند والصين، ومواهب ونجوم لبنانية، حيث سيستمتع المتفرج بأداء وغناء هدى حداد، إيلي شويري، جوزف عازار، سيمون عبيد، والصوت التراثي هادي خليل، والممثلين الكبار: رفعت طربيه، غبريال يمين، وروميو الهاشم، وغيرهم.
ووعد كركلا جمهوره بـ«رائعة على أدراج بعلبك»، وأن تبقى «(فرقة كركلا) حاملة بكل ضمير ووجدان حلم لبنان الثقافي».
وعقدت لجنة «مهرجانات بعلبك الدولية» مؤتمرا صحافيا أمس، في وزارة السياحة اللبنانية بمشاركة رئيستها نايلة دوفريج إلى جانب وزير الثقافة ريمون عريجي، ووزير السياحة ميشال فرعون، وكذلك الفنان عبد الحليم كركلا وولداه. وقالت دو فريج في كلمتها: «تحتفل هذه السنة مهرجانات بعلبك الدولية بعيدها الستين! في سنة 1956 بادر الرئيس كميل شمعون إلى إطلاق الجمعية الأولى لمهرجانات بعلبك المؤلفة من نخبة مثقفين ورجال أعمال، لهم شغف للفن والثقافة. ومنذ ذلك أصبح كل رئيس جمهورية، خلال ولايته، رئيس شرف لنا. ونأسف اليوم لغياب رئيس جمهورية، إلا أننا سنقيم مهرجانا بمستوى هذه الذكرى التي تأسر قلوبنا»، وأضافت دو فريج بالقول: «ما تملك بعلبك من نفيس بمعابدها الرائعة تجعل هذا المهرجان وتاريخه العريق من الصعوبة بمكان منافسته».
لكن وزير الثقافة ريمون عريجي أحب أن يذكر، أن للمهرجانات في بعلبك جذورا تعود إلى ما قبل الستين سنة التي يتم الاحتفال بها، مذكرا بأنه «في زمن الانتداب وبدعم من المفوضية الفرنسية، قدمت في معبد جوبيتر عام 1922. مسرحية (عشتروت وأدونيس) عبر نص يستعيد الإرث الميتولوجي للبنان القديم، للكاتب الفرنسي Georges Vayssie. يومها أدت دور عشتروت قرينة الرئيس شارل درباس!».
وسيكون من الجميل هذه السنة، حضور حفل جان ميشال جار في الثلاثين من يوليو، الشهير بعروضه الكبرى التي تمزج بين الموسيقى الآلية ولعبة الضوء والليزر. وهذه ليست المرة الأولى التي يأتي فيها الفنان الفرنسي الموهوب إلى لبنان، لكن هذا النوع من الحفلات التي يكون فيها بهاء المكان جزءا من المشهدية، سيكتسب ألقا خاصا في القلعة الرومانية الخلابة.
وعلى لائحة برنامج المهرجان الغنية هذه السنة، حفل للفنان العالمي ميكا الذي يعود في الرابع من أغسطس (آب) ليقدم عرضا جديدا بعد مشاركته سابقا في أكثر من مهرجان لبناني؛ نظرا لشعبيته الكبيرة، بين الشباب، ولجذوره اللبنانية.
وهناك حفل غناء شرقي طربي، سيجذب على الأرجح الكثيرين؛ نظرا لأنه للفنانة شيرين عبد الوهاب، التي تطل على جمهورها اللبناني مساء 26 أغسطس (آب) بعد عودتها عن قرارها بالتوقف عن الغناء.
عشاق المتنبي سيجدون ضالتهم في حفل الفنانة اللبنانية عبير نعمة، التي ستنطلق في رحلة موسيقية على خطى كبير شعراء العرب أبو طيب المتنبي عبر محطات رحلاته وإلى أبعد، حيث لم تطأ قدما الشاعر قط. فمقابل أغاني العراق الذي ولد فيه المتنبي، أخرى من الأندلس، ومقابل أهازيج البادية العربية أنغام من غجر هنغاريا، ومع فلكلور دمشق وحلب تتردد أغان من اليونان وأرمينيا وتركيا، ومقابل الترانيم الروحية الآرامية من سوريا إنشاد صوفي من المغرب، فيما تتعانق موسيقى لبنان مع أغاني جزيرة سردينيا في الجهة المقابلة من البحر المتوسط، حيث استوطن الفينيقيون المشرقيون يوما. وهناك أغنيات من مصر وإيران والهند وآسيا الصغرى.
وبين كل تلك المحطات، تقدم عبير أعمالا مبتكرة من إشعار المتنبي أو من وحيها. هذه الخلطة الموسيقية ستحمل عنوان: «المتنبي... مسافرا أبدا»، وستقدم في التاسع عشر من أغسطس.
الحفلات الأجنبية بدورها كثيرة، ففي 12 أغسطس، يقام عرض جاز أميركي مع عازف البيانو بوب جيمس، الذي نال جائزتين Grammy awards.
وفي 21 أغسطس، تعود ليزا سيمون Lisa Simone على خطى والدتها نينا سيمون Nina Simone، التي غنت على أدراج بعلبك منذ 20 عاما تقريبا.
وحفلة الختام، في 28 أغسطس تقام على أنغام التانغو الأرجنتيني مع Baryton البلجيكي المشهور جوزيه فان دام Jose Van Dam الذي سيغني لكارلوس غاردال Carlos Gardel مع فرقته الثلاثية.
وذكر وزير السياحة ميشال فرعون، أن إقامة المهرجانات في بعلبك منذ ثلاث سنوات، واجهت صعوبات أمنية بالغة بسبب الأوضاع في سوريا وعلى الحدود اللبنانية. «وكان هاجسنا أنا ووزير الثقافة عريجي أن تنجح الخطة الأمنية بفضل الاتفاق السياسي عليها؛ لأن بعلبك، بوصلة استتباب الأمن والسياحة والحضارة في لبنان. ومثلما الجيش يدافع عن الأراضي في لبنان كان علينا جميعا ولجنة مهرجانات بعلبك أن ندافع عن سيادة الحضارة». وأضاف فرعون: «يومها عقدنا اجتماعات عدة لنقول ممنوع ألا تقام مهرجانات بعلبك، وستقام كل سنة».
جدير بالذكر، أن سائر الحفلات ستقام هذه السنة في قلعة بعلبك، وفي داخل معبد باخوس الذي تم ترميمه. وسيعاود الجمهور اكتشاف هذا الجوهر، سحر رنين الصوت في هذا المكان التاريخي الساحر.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».