«داعش سرت» يكفّر منشقيه ويخوّنهم

قيادات جزائرية ومالية تترك خطوط القتال وتفر إلى خارج ليبيا

أعلام داعش مرفوعة في قاعة واغادوغو بمدينة سرت وسط حضور متطرفين ومؤيدين له ({ الشرق الأوسط}) - أحد عناصر داعش يتصفح منشورا في إحدى المناطق الشرقية
أعلام داعش مرفوعة في قاعة واغادوغو بمدينة سرت وسط حضور متطرفين ومؤيدين له ({ الشرق الأوسط}) - أحد عناصر داعش يتصفح منشورا في إحدى المناطق الشرقية
TT

«داعش سرت» يكفّر منشقيه ويخوّنهم

أعلام داعش مرفوعة في قاعة واغادوغو بمدينة سرت وسط حضور متطرفين ومؤيدين له ({ الشرق الأوسط}) - أحد عناصر داعش يتصفح منشورا في إحدى المناطق الشرقية
أعلام داعش مرفوعة في قاعة واغادوغو بمدينة سرت وسط حضور متطرفين ومؤيدين له ({ الشرق الأوسط}) - أحد عناصر داعش يتصفح منشورا في إحدى المناطق الشرقية

ردَّ تنظيم «داعش ليبيا» على منشقين في صفوفه بإطلاق موجة جديدة من «فتاوى التخوين والتكفير»، ووصف الفارين من سلطته في عدة بلدات ليبية خاصة مدينة سرت بأنهم «مرتدون»، وذلك بعد أن تركت قيادات جزائرية ومالية من «داعش سرت» خطوط القتال وفرت إلى خارج ليبيا خلال الأسبوعين الماضيين.
وبينما بدأ التنظيم في تنفيذ عملية واسعة لإعادة الانتشار بين قياداته وعناصره حمَّل منظرون تابعون له مسؤولية الخلافات إلى من يروّجون لـ«الديمقراطية والقبول بحكومات لا تحكم بما أنزل الله»، على حد وصفهم. وشارك في شن هذه «الحملة الفقهية» عدد من منظّري التنظيم من بينهم خطَّاب المُهاجر ومعاذ البرقاوي. وجرى توزيع منشورات على نطاق واسع في مواقع يسيطر عليها «داعش» في وسط ليبيا وغربها.
كفّر «داعش ليبيا» وخوّن منشقين عنه، في أعقاب فرار مجموعات أغلبها من العناصر الجزائرية والمالية، من الجبهات التي كانت تتمركز فيها، خاصة في مدينة سرت التي بدأت تتعرض لحملة عسكرية من الجيش الليبي ومن قوات تابعة لمدينة مصراتة أو ما كان يعرف باسم قوات «فجر ليبيا».
وكذلك مجاميع داعشية كانت فارة من مواقع الاشتباكات مع الجيش في درنة وبنغازي، إلى العاصمة، لما وصفه التنظيم بـ«الانقلاب عليهم» من جانب «إخوة في طرابلس كنا نظن أنهم يقفون مع المجاهدين والمهاجرين».
وطافت سيارات تابعة لـ«داعش» في وسط مدينة سرت ووصلت إلى جبهات يتمركز فيها مقاتلو التنظيم، ووزعت منشورات ومطويات ورقية على المقاتلين وكوادر التنظيم، وحذرت فيها من مغبة أي تأثر بمن «تركوا الساحة وأظهروا خيانة»، بينما أفادت مصادر تعمل بالقرب من العناصر المتطرفة في ليبيا أن كبار قادة «داعش» في كل من سرت وطرابلس، أصيبوا بارتباك بعد هروب كوادر جزائرية ومالية.
وتابعت المصادر قائلة إن أحد قادة التنظيم في سرت ويدعى «أبو أنس»، أبلغ من يطلق عليه «أمير إمارة طرابلس» في «داعش»، ويلقب بـ«المدهوني»، بهروب مقاتلين من المدينة وأنهم عادوا إلى بلادهم التي كانوا قد جاءوا منها قبل عدة أشهر. ووفقا للمصادر، تأكد لدى تنظيم داعش في سرت أن عشرات من الجزائريين والماليين ممن طلبوا زيارة ذويهم في بلادهم، على أن يعودوا مرة أخرى، لم يعودوا في الموعد المقرر لهم وهو منتصف شهر مارس (آذار) الماضي.
ونفض التنظيم يده من هؤلاء باعتبارهم «فارين»، بحلول يوم التاسع من أبريل (نيسان) الماضي، وذلك حين قرر «أبو أنس» أن يستبعد فرضية حدوث تأخير من جانب من تركوا سرت لأي أسباب طارئة. وأبلغ القيادي الداعشي في سرت «أمير طرابلس» بأن الأمور في المدينة ليست على ما يرام، قائلا إن الإخوة الذين سافروا من سرت إلى الجزائر، وكان من المفترض أن يعودوا يبدو أنهم قرروا البقاء في بلادهم، ويبدو أنهم انشقوا علينا، وكذلك مجموعة الدواعش الماليين الذين سافروا لزيارة بلدهم، لم يرجعوا، وانقطع الاتصال بهم.
وبعد يوم التاسع من أبريل، وبحسب إفادات من مصادر قريبة من الجماعات المتطرفة، قرر التنظيم قطع صلته بالهاربين من سرت، ووصف «أمير إمارة طرابلس» من تركوا المدينة، بأنهم «جبناء» وأنه كان في داخلهم نوايا بالخيانة، سواء ظلوا مع التنظيم في سرت أو انشقوا عنه كما حدث. وبعد مشاورات بين قيادات «داعش» جرى التوصل إلى نظرية لامتصاص الصدمة التي خلفتها حادثة الفرار في هذه الظروف. وتقول النظرية إن «عدم بقائهم مع التنظيم أفضل من بقائهم داخله وهم يضمرون نوايا أخرى تضر الإخوة» في «داعش».
أما الردود المكتوبة على المنشقين على التنظيم، والتي جرى توزيعها على العناصر الداعشية في عدة مناطق في ليبيا، فقد ألقت باللائمة على تنظيم «القاعدة» في المنطقة، وتطرقت في الشروح والتنظير إلى أن تأثير القاعدة على عناصر «داعش»، لا يقتصر على سرت وطرابلس فقط، بل هو منتشر في مناطق أخرى منها العراق وسوريا وأفغانستان. وتطرق خطَّاب المهاجر في رسالة طويلة إلى المفاوضات الجارية بين الأطراف الليبية للوصول إلى حكومة وفاق وطني، بـأنها «إجراءات كفرية»، مهاجما في الوقت نفسه القيادات الدينية الليبية التي تدعو إلى سرعة صياغة دستور للبلاد، بدلا من الانضمام إلى دعوة التنظيم بتحكيم «شرع الله» بدلا من «دستور وضعي»، بحسب توصيفه.
وبعد انشقاقات دواعش ليبيا نقلت منشورات التنظيم الورقية خطابا تنظيريا آخر مطولا بتوقيع معاذ البرقاوي شن فيه هجومًا حادًا على الجيش الوطني الليبي بقيادة الفريق أول خليفة حفتر، وعلى قوات «فجر ليبيا». ويبدو أن هذه المنشورات، التي وزعت كميات كبيرة منها في اجتماع للدواعش في قاعة واغادوغو بمدينة سرت، أواخر الشهر الماضي، تسعى لشحذ همم باقي عناصر التنظيم في المدينة، وغالبيتهم من التونسيين والسودانيين والمصريين.
ويبدو أن معالم القلق بدأت تنتشر بين صفوف تنظيم داعش في ليبيا قبل نحو شهر من إعلان الجيش عن نيته اقتحام مدينة سرت وطرده منها. ووفقا للمصادر، جرت مشاورات بين قادة تابعين للتنظيم في طرابلس حول هذا الموضع قبل ثلاثة أسابيع، أي أثناء الانتصارات التي حققها الجيش ضد الدواعش في مدينتي درنة وبنغازي. وتطرقت هذه المشاورات إلى جدية الجيش في التحرك من بنغازي إلى سرت. وحتى أسبوعين ماضيين، لم يضع التنظيم في حسبانه أنه يمكن أن يتعرض للحصار في أهم معاقله في تلك المدينة المعروفة بأنها مسقط رأس معمر القذافي.
وقال مصدر على علاقة بالجماعات المتطرفة في العاصمة إن «أمير ولاية طرابلس»، التي تضم سرت ومناطق غرب البلاد، رفض أخذ التحذيرات التي وصلته مبكرًا بخصوص تحركات الجيش مأخذ الجد. ورد على مساعديه حينذاك بالقول إن ما يتردد حول هذا الموضوع ما هو إلا محاوله ممن سماهم «دعاة الكفر والمناهضين للإسلام» لتفريع طرابلس من عناصر التنظيم واستدراج مقاتليه في غرب البلاد إلى سرت، عن طريق تسريب أخبار عن استعداد الجيش للتوجه إلى هناك.
واتضح فيما بعد أن تقديرات «أمير طرابلس» لم تكن دقيقة لا بالنسبة للجيش ولا بالنسبة لميليشيات مصراتة التي أعلنت هي الأخرى محاربة التنظيم. وإلى جانب حركة الانشقاقات داخل «داعش» في سرت، بدا التنظيم في أسوأ أحواله سواء على مستوى القيادة أو على الأرض.
مشكلة خلافات تنظيم داعش في سرت لم تقتصر على الداخل فقط، بل امتدت إلى قيادات التنظيم في الخارج، والتي يبدو أنها اضطرت للتدخل في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد واقعة هروب المقاتلين الجزائريين والماليين من صفوف «داعش» سرت. وبحسب معلومات من قيادات في ميليشيات طرابلس، تلقى «داعش ليبيا» وعودا من قيادات التنظيم في العراق، بشحن عناصر متطرفة آتية من ماليزيا ومن السودان ومن موريتانيا، من أجل تعويض نقص الكوادر في سرت، والوقوف ضد النزعات الانفصالية المتنامية بين باقي المقاتلين الذين يرابطون في المدينة منذ نحو سنة.
وعقب هذه الوعود بعدة أيام لوحظ في طرابلس الغرب أن طلائع الدواعش بدأت تصل عبر محورين: الأول الطريق البري الجنوبي، والثاني مطار معيتيقة الموجود قرب العاصمة. ومن بين القيادات التي دخلت من مطار معيتيقة مع عناصر داعشية غير ليبية، ورصدتها الجهات المختصة في طرابلس، سوداني يلقب باسم «العين». ولقد جرى توجيهه بمن معه من مقاتلين إلى سرت، بعدما أقام لفترة للاستراحة في معسكر تابع لـ«داعش» بمنطقة القربولي في العاصمة. وبحسب المصادر انطلق «العين» وعشرات من المقاتلين القادمين من الخارج، من طرابلس، عبر البحر إلى سرت.
وللتغلب على فرار العشرات من العناصر الداعشية إلى خارج ليبيا، جرى أيضا توجيه مجاميع تابعة للتنظيم كانت تتلقى التدريبات في معسكرات في غرب طرابلس، للالتحاق بسرت وتعويض النقص فيها. ويدور عدد المقاتلين في سرت حول الثلاثة آلاف عنصر غالبيتهم من العرب والأجانب والليبيين، ويبدو أن المهم بالنسبة للتنظيم هو القادة والكوادر الوسطى، وهذه الشريحة يظهر أنها تأثرت إلى حد كبير بعد فرار الجزائريين والماليين، وبعض الجنسيات الأخرى التي لم تتمكن المصادر من تعريفها على وجه الدقة.
وأصدر تنظيم داعش في «إمارة طرابلس» تعليمات مشددة لقادته في سرت بعدم الخوض في قصة المنشقين أو موضوع رحيل قادة وكوادر عن المدينة. وفي رسالة من هذا النوع شدد التنظيم على أنه محظور على القادة في سرت التحدث في العلن عن «حالة التنظيم، أو تدارس ما يحصل في صفوفه».
وتتميز العناصر الداعشية التي كانت في معسكرات تدريب معزولة في غرب طرابلس، بأنها لم تتأثر بالجدل الدائر في سرت حول جدوى الاستمرار في القتال بعد هزائم درنة وبنغازي. وقال مصدر يتعامل مع المتطرفين ويقيم في سرت إن غالبية المجاميع الداعشية التي انشقت وتركت المدينة كانوا يتبعون قياديا في سرت يدعى «الشيخ سيَّاف»، ومعظم هؤلاء جزائريون، أما المجموعة المالية التي انشقت وغادرت سرت أيضا فكانت تتبع قيادي في المدينة يدعى «أبو الليث».
وعلى أثر هذه التطورات ظهرت أسماء جديدة في سرت، بمن في ذلك أسماء جزائرية لم تكن معروفة من قبل، تختلف عن المجموعة التي كانت تتبع «الشيخ سيَّاف»، ومن بين هؤلاء قيادي جزائري كان ينشط في غرب طرابلس يدعى «عبد العظيم». وتشير المصادر إلى أن «عبد العظيم» محل ثقة لدى «داعش»، لأنه سبق وسافر إلى الجزائر وعاد عدة مرات. وهو «من المخلصين للتنظيم».
وبمجرد تمركزه في سرت، بدأ «عبد العظيم» في جمع عدد من القادة لترتيب الأوضاع ولم شمل الدواعش في المدينة، وبعد عدة أيام من دراسة الأمر طلب من قادة طرابلس إرسال شاحنات محملة بالأسلحة والمؤن الغذائية إلى سرت، وأمر أيضا بمبرّدات متحركة (محمولة على سيارات كبيرة) لحفظ الطعام والأدوية وتوفير المياه الباردة، بسبب عدم انتظام التيار الكهربائي في المدينة. وقبل عدة أيام وصلت إلى سرت بالفعل كميات كبيرة من الأسلحة والتمور والطحين.
كذلك واصل «داعش»، منذ أواخر الشهر الماضي، إرسال مجموعات جديدة غالبيتها من التونسيين والمصريين إلى سرت. منها مجموعة كانت تتدرب قرب الحدود التونسية بقيادة ليبي يسمى «أبو طلحة»، وانتقلت في زوارق بحرية من ميناء مدينة الخُمس قرب طرابلس إلى سرت. وتولى قيادي آخر يلقب بـ«كشلاف» عملية توجيه مقاتلين دواعش كانوا يتدربون في منطقة اسمها «قطيس» غرب العاصمة الليبية، إلى سرت. وتتكون هذه المجموعة من نحو أربعين مقاتلا من المصريين والتونسيين أيضا، وهم مسلحون بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
وبالتزامن مع حملة توزيع المنشورات، لبث الحماس و«الثبات» بين مقاتلي التنظيم، واصل «داعش» شن هجوم شديد اللهجة على من كانوا يتعاونون معه من العناصر ذات الخلفيات المرتبطة بتنظيم «القاعدة» وجماعة الإخوان. وقالت المصادر إن قيادات كثيرة ظهرت لأول مرة على السطح في سرت معظمها من الأفارقة خاصة تنظيم «بوكو حرام» الموالي لـ«داعش». ويوجد قيادي آخر أصبح له دور لافت للنظر بعد هروب كثر من الجزائريين والماليين، وهو صومالي الجنسية يدعى «أبو عبد الله»، ومعروف عنه أنه غير متعمق في العلوم الدينية، ومحترف في أجهزة الاتصال الحديثة، وسريع الغضب ولا يتقبل المزاح.
وفي كلمات حماسية وجهها البرقاوي لخصوم التنظيم وعلى رأسهم الجيش الليبي، حذر من «التورط» في قتال، وأضاف: «عليكم أن تتعلموا مما حصل لأميركا في العراق». ودعا إلى تأمل حال كل من قاتل التنظيم في العراق وسوريا وزعم أنهم أصبحوا اليوم قتلى أو أسرى أو مطاردين. ولوحظ من منشورات «داعش» أن عناصر التنظيم تأثرت باللغط الدائر عن توجهات قادته واحتمال تورطهم في علاقات خفية مع جماعات أخرى في ليبيا لا تؤمن بفكره. وقال إن من يروجون لمثل هذه الأمور «يروجون افتراءات».
رغم كل هذه المحاولات النظرية والعملية، إلا أن الخلافات داخل صفوف «داعش ليبيا» خاصة سرت، تجاوزت مرحلة الانشقاق والهروب، ووصلت إلى منعطف أخطر من كل التجارب السابقة، ألا وهو تنفيذ بعض القيادات في سرت لعمليات قتالية دون تنسيق مع زعماء التنظيم، ودون تنسيق مع باقي المجاميع الداعشية في المدينة. جرت واقعة من هذا النوع على تخوم سرت ضد بوابة كان يسيطر عليها تنظيم تابع لمدينة مصراتة، ما أدى إلى سقوط قتلى من الجانبين. وقال مصدر قريب من دواعش سرت، إن القيادات في طرابلس فوجئت بالعملية التي هاجم فيها التنظيم البوابة على تخوم مصراتة، وحين اتصل بـ«أبو عبد الله» الصومالي، الذي يتمركز بالقرب من المنطقة، لمعرفة ما حدث قال إنه لم يصدر أي أوامر وأنه لا يعرف من أعطى الإشارة بالهجوم.
وجرى تعنيف الصومالي وثلاث قيادات أخرى بينهم مصري يدعى «أبو أحمد». وقال زعيم التنظيم في «ولاية طرابلس» لقيادات سرت، وفقا لمصادر على صلة بالمتطرفين في المدينة: أنا لست ضد سحق العدو. أنا ضد عمليات غير مدروسة.. فردية، تشجع الكل على عدم طاعة ولي الأمر. هذه خيانة.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».