«ذا نيو داي».. قصة العدد الأخير

بعد شهرين على انطلاقها.. هل تعلمت «ذا ديلي ميرور» الدرس؟!

غلاف العدد الأخير من جريدة «نيو داي» يوم الجمعة الماضي
غلاف العدد الأخير من جريدة «نيو داي» يوم الجمعة الماضي
TT

«ذا نيو داي».. قصة العدد الأخير

غلاف العدد الأخير من جريدة «نيو داي» يوم الجمعة الماضي
غلاف العدد الأخير من جريدة «نيو داي» يوم الجمعة الماضي

كان لدى جريدة «ذا نيو داي» حتى اللحظة الأخيرة تصميم على عمل الأشياء بطريقة مميزة ومختلفة. انتظرت الجريدة التي عمرها 9 أسابيع حتى عددها الأخير لنشر قصة على صفحتها الأولى تجذب اهتمام وسائل الإعلام المتنافسة. حصلت القصة على كثير من التنويهات في برنامج «اليوم» على محطة راديو 4 الإذاعية صباح الجمعة، التي تعاملت معها كما لو كانت قصة حصرية. هل كانت كذلك فعلا؟ حسنا، هذا أمر مثير للاهتمام... لكنها كانت كذلك فقط إلى حد ما. كشفت القصة التي استندت إلى أرقام خاصة بدائرة التعليم، عن أن هناك «معلمين مزورين» يقومون بتزوير نتائج اختبارات التقييم المدرسي المعيارية بأعداد متزايدة.
وتضمن ما سمي «سوء الإدارة»، موظفين كبارا - من بينهم مدرسون أوائل ومساعدو مدرسين أوائل - ساعدوا معلمي الفصول على «تغيير محتوى أوراق الإجابات» في حال كان أداء أحد الفصول سيئا.
ونقلت «ذا نيو داي» عن أحد معلمي المرحلة الابتدائية، الذي يتمتع بخبرة 20 عاما من العمل في مدارس شمال إنجلترا، قوله: «هناك عدد كبير من الوسائل التي يساعد بها المعلمون الأطفال - تتراوح من المساعدة الصغيرة إلى الغش الصريح».
وقد أوردت لجنة أمثلة على «كيف يغش المعلمون». وتضمنت هذه الأمثلة القيام بشكل واضح وصريح بإعطاء التلاميذ الإجابات الصحيحة، وتأكيد المقاطع الصعبة عند قراءة اختبارات الهجاء، ومساعدة الأطفال قبل بداية الاختبارات عبر إطلاعهم على الأسئلة مسبقا، ومراجعة أوراق الإجابة بعد ذلك لملء الإجابات غير الموجودة وتصحيح الإجابات الخاطئة.
واعتمدت القصة على كشف أرقام حكومية تظهر أن الغش الذي تمارسه المدارس في اختبارات التقييم المدرسي المعيارية المهمة في المرحلة الأساسية الثانية، زاد من 32 في المائة بين 2012 و2014 (من 345 إلى 506)، زيادة «غير معقولة» بلغت 72 في المائة في المرحلة الأساسية الأولى (من 25 إلى 89). وقد أظهر هذا من دون شك أنه كانت هناك زيادة. لكنّ - وهذا هو الجزء الحصري في القصة - بيانا من الجمعية الوطنية للمعلمين الأوائل وضع المشكلة في هذا الإطار: «هناك نحو 17.000 مدرسة ابتدائية في إنجلترا ونحو 500 حالة مبلغ عنها تنطوي على سوء إدارة. وفي حين أن بعض الحالات الفردية قد تستلزم مزيدا من المراجعة، فإن الصورة هي صورة لنظام يعمل بشكل جيد ويدار بطريقة مناسبة في الغالبية الكاسحة من المدارس. وينبغي للآباء أن يثقوا تماما في النظام»، بحسب الغارديان البريطانية.
ومن ثم، فللأسف لم ترق القصة تماما لما وصفت به، وهو ما ينطبق كذلك على الصحيفة نفسها. كانت هذه تجربة لـترينتي ميرور كان ينبغي لها أن تظل في المختبر فعلا. وبالتأكيد، فإنه عند تأمل هذه القصة، أما كان من الأفضل إنفاق مليونين من الجنيهات على تحسين موقع «ذا ديلي ميرور» الذي دون المستوى؟ أو الإنفاق على تعيين عدد أكبر من صحافيي الميرور، أو تهدئة متقاعدي مجموعة ميرور (الذين أقر بأنني وزوجتي منهم).
يقول الرئيس التنفيذي للشركة، سيمون فوكس، إن الشركة تعلمت دروسا من الإخفاقات. لم ير كثير من المراقبين، بمن فيهم ناشرون ومحررون وصحافيون منافسون، جدوى للتجربة منذ البداية. هل علينا أن نقبض على الجمر لنتعلم درسا عن الحرارة؟
وذكرت «ترينتي ميرور»، الشركة الناشرة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني أنه «على رغم تلقي «ذا نيو داي» ردود فعل إيجابية وإثارة كثير من الحماس على (فيسبوك)، فإن انتشار المطبوعة ما زال دون مستوى توقعاتنا». وأضافت المجموعة التي تصدر نحو 150 مطبوعة في بريطانيا وآيرلندا، منها «دايلي ميرور»: «لهذا السبب، قررنا التوقف عن إصدار الصحيفة ابتداء من الجمعة 6 مايو (أيار)) 2016».
ومن المقرر وضع أليسون فيليبس رئيسة تحرير «ذا نيو داي» في دور تحريري كبير في «ترينتي ميرور»، وكانت فيليبس مسؤولا سابقا عن تحرير صحيفة «صنداي ميرور» و«صنداي بيبول»، لكنها انتقلت إلى مشروع «نيو داي» في سبتمبر (أيلول) الماضي، ومن المعلوم أنها لن تعود إلى التحرير في الإصدارات الأسبوعية، لكن دورها الجديد لم يتضح بعد، وارتفع سعر السهم في «ترينتي ميرور» أكثر من 6 في المائة، الجمعة، ما استخدمه البعض في الاجتماع علامة على تخفيف الخسائر على المستثمرين، وأوضح محللو المدينة وجود تحسن طفيف في أرقام «ترينتي ميرور» شهر أبريل (نيسان) مقابل الربع الأول من العام.
وقد بدأ صدور «ذا نيو داي» في 29 فبراير (شباط) في قطاع يتسم بتآكل القراء وتضاؤل العائدات الإعلانية. وكانت الصحيفة الموجهة نحو السلع الاستهلاكية والأنماط الحياتية، تخاطب «جمهورًا واسعًا من النساء والرجال الذين يبحثون عن أي شيء مختلف من الصعب العثور عليه»، كما أوضحت «ترينيتي ميرور» آنذاك. وتراجعت المبيعات إلى 40 ألف نسخة يوميًا، فيما كانت الصحيفة تضع نصب عينيها بيع 200 ألف نسخة يوميًا، كما أوضحت الصحافة البريطانية. وقد أثرت الأزمة التي تواجهها الصحافة، أواخر مارس (آذار) على صحيفة بريطانية يومية أخرى هي الـ«إندبندنت»، فاضطرت للانتقال إلى الصدور الرقمي بسبب التراجع الكبير للمبيعات.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.