مقاهي طرابلس تتحول إلى ملاذ للباحثين عن حياة طبيعية

الأزمات السياسية والأمنية لم تحل بين الليبيين وبين شغفهم بالقهوة والطعام

عائلة ليبيبة تجتمع على مائدة طعام في مطعم توكان وسط طرابلس (أ.ف.ب)
عائلة ليبيبة تجتمع على مائدة طعام في مطعم توكان وسط طرابلس (أ.ف.ب)
TT

مقاهي طرابلس تتحول إلى ملاذ للباحثين عن حياة طبيعية

عائلة ليبيبة تجتمع على مائدة طعام في مطعم توكان وسط طرابلس (أ.ف.ب)
عائلة ليبيبة تجتمع على مائدة طعام في مطعم توكان وسط طرابلس (أ.ف.ب)

في داخل أحد أحياء مدينة طرابلس الليبية يتنقل عبد المطلب التويجري بسرعة ومهارة بين طاولات مطعمه، حيث يضع قطعة بيتزا على إحداها، وخبزا طازجا على أخرى، ثم ينزل إلى المطبخ ليحمّل ذراعيه بمزيد من الأطباق ويصعد بها إلى الطابق العلوي. ورغم الإرهاق الذي يستحوذ عليه أحيانا فإن ذلك لا يمنع عبد المطلب من أن يعيد الكرة، نزولا وصعودا من دون كلل، ووجهه يشع سعادة، مبتسما للضيوف ليلة افتتاح مطعمه «توكان»، المطل على البحر في مدينة تجهد لتستعيد مجرى حياتها الطبيعي.
يقول عبد المطلب، وهو رجل أربعيني لوكالة الصحافة الفرنسية: «لو قررت أن أنتظر حكومة ما لتحقق لي ما أنشده فسأنتظر طويلا». ويضيف أمام مدخل مطعمه الجديد: «الحياة لا تستمر إلا من خلال الناس».
و«توكان» هو واحد من نحو 15 مطعما ومقهى فتحت أبوابها خلال الأشهر الثلاثة الماضية في منطقة حي الأندلس السكنية الراقية على طريق تمتد لنحو 15 كيلومترا، قوامها شارع قرقارش في شمال غربي العاصمة الليبية. وقد قرر أصحاب هذه المطاعم والمقاهي افتتاحها رغم عدم الاستقرار الاقتصادي والترقب الأمني في المدينة بفعل الأزمات السياسية والنزاعات المسلحة المتواصلة في ليبيا منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011.
ودخلت طرابلس في نهاية مارس (آذار) الماضي حكومة وفاق وطني مدعومة من المجتمع الدولي، لتحل مكان سلطة الأمر الواقع التي حكمت المدينة لأكثر من عام ونصف العام، وتسببت بعزلها عن العالم بعدما لم تحظ باعتراف دولي. وقد دفعت النزاعات آلاف الليبيين إلى مغادرة بلادهم الغنية بالنفط والمعالم الأثرية والشواطئ، بينما أجبرت من بقوا، خصوصا في طرابلس، على أن يحصروا نمط حياتهم اليومية بمكانين: العمل والمنزل.
لكن منذ وصول حكومة الوفاق الوطني، أصبح يسود طرابلس أمل جديد بأن تشهد ليبيا أخيرا بداية نهاية أزماتها السياسية والأمنية والاقتصادية المتواصلة منذ خمس سنوات. وأصبح سكان المدينة الطرابلسيون يتنفسون الصعداء بفضل الهدوء الذي أصبح يعم مدينتهم منذ وصول حكومة الوفاق الوطني، التي لم تحظ بعد بثقة البرلمان، لكنها تمكنت بدعم قوي من الأمم المتحدة ودول غربية كثيرة، من بسط سيطرتها على المؤسسات، واجتذاب معظم الجماعات المسلحة التي كانت تدين بالولاء إلى السلطات السابقة.
يقول عبد القادر، أحد سكان المدينة، وهو يتناول العشاء مع عائلته في «توكان»، إن سكان العاصمة الليبية «وما إن يشعروا بالأمان، حتى يبدأوا بالاستثمار».
ولا تحول الأزمات السياسية الاقتصادية حتى الأمنية بين سكان طرابلس وشغفهم بالقهوة والطعام. لذا فإن المقاهي والمطاعم في طرابلس غالبا ما تكون الأقل تأثرا بالأزمات والاضطرابات، حيث يستورد تجار طرابلس البن من إيطاليا، القوة الاستعمارية السابقة، وكذلك الآلات التي تصنع القهوة وتستقطب الزبائن في المقاهي، وعلى الأرصفة المقابلة لها، وفي السيارات.
وأمام مقهى «هارلي ديفيدسون»، تصطف ثماني دراجات نارية ضخمة، وبالقرب منها تقف مجموعة من الشبان ارتدوا سترات جلدية ووضعوا نظارات شمسية. وبعد ذلك انشغل الشبان لدقائق بالتقاط الصور لبعضهم ولدراجاتهم، قبل أن ينتقلوا إلى داخل المقهى ليجلسوا حول طاولة خشبية ويتبادلوا الحديث وهم يشربون القهوة. وحول هذه الأجواء التي تظهر حب الليبيين للقهوة يقول صاحب المقهى محمد عقيلي إن الليبيين «يشربون القهوة في الصباح، وعند الظهر، وفي المساء».
ورغم المخاطر الأمنية والاقتصادية، فإن محمد قرر أن يفتتح المقهى قبل شهرين. وبالنسبة إلى هذا الشاب في قطاع الأعمال فإنه «يجب أن نتحلى بالشجاعة وننطلق في العمل، فقد نصيب، أو قد نخيب أحيانا».
وفي القسم المخصص للعائلات في مقهى «فيراندا»، الشهير بالحلويات التي لا يزال يقدمها رغم مغادرة طباخه الإيطالي عام 2011. تجلس هند وميرا ولمعان حول طاولة، وتحاولن تبادل الحديث وسط ضجيج الحاضرين.
تقول ميرا (23 عاما) التي تدرس الصيدلة، وقد غطت جزءا من رأسها بمنديل حريري «في طرابلس أضحت خيارات الترفيه محدودة. فهناك المقاهي، وهناك أيضا تمضية ساعات على (فيسبوك)، أو الاثنين معا».
وترى هند أن المقاهي والمطاعم تتيح لسكان طرابلس «أن يشعروا بأن لديهم حياة اجتماعية. وعندما تكون المقاهي مفتوحة، فمعنى ذلك أن كل شيء يسير بشكل طبيعي». وتتابع موضحة أنه «حتى مع سقوط القنابل، وفي خضم الأزمات الاقتصادية، الناس هنا لن يتوقفوا عن شرب القهوة».
وبالنسبة إلى عبد المطلب، فإن الأمر يتعلق بإرادة الناس بأن يمضوا بحياتهم رغم كل شيء. ويقول في هذا الصدد «نريد أن نعيش». ويضيف وهو يتحدث قرب مجموعة من أشجار النخيل زرعت مكان سور بناه أبناء القذافي على الشاطئ لمنع سكان طرابلس من بلوغ البحر «نحن قد ننحني لكننا لا ننكسر».



اليمن يطالب بتوسيع التدخلات الأممية الإنسانية في مأرب

نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
TT

اليمن يطالب بتوسيع التدخلات الأممية الإنسانية في مأرب

نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)

طالبت السلطة المحلية في محافظة مأرب اليمنية (شرق صنعاء) صندوق الأمم المتحدة للسكان بتوسيع تدخلاته في المحافظة مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني للنازحين، وقالت إن المساعدات المقدمة تغطي 30 في المائة فقط من الاحتياجات الأساسية للنازحين والمجتمع المضيف.

وبحسب ما أورده الإعلام الحكومي، استعرض وكيل محافظة مأرب عبد ربه مفتاح، خلال لقائه مدير برنامج الاستجابة الطارئة في صندوق الأمم المتحدة للسكان عدنان عبد السلام، تراجع تدخلات المنظمات الأممية والدولية ونقص التمويل الإنساني.

مسؤول يمني يستقبل في مأرب مسؤولاً أممياً (سبأ)

وطالب مفتاح الصندوق الأممي بتوسيع الاستجابة الطارئة ومضاعفة مستوى تدخلاته لتشمل مجالات التمكين الاقتصادي للمرأة، وبرامج صحة الأم والطفل، وبرامج الصحة النفسية، وغيرها من الاحتياجات الأخرى.

ومع إشادة المسؤول اليمني بالدور الإنساني للصندوق في مأرب خلال الفترة الماضية، وفي مقدمتها استجابته الطارئة لاحتياجات الأسر عقب النزوح، بالإضافة إلى دعم مشاريع المرأة ومشاريع تحسين سبل العيش للفئات الضعيفة والمتضررة، أكد أن هناك احتياجات وتحديات راهنة، وأن تدخلات المنظمات الدولية غالباً ما تصل متأخرة ولا ترقى إلى نسبة 30 في المائة من حجم الاحتياج القائم.

وحمّل وكيل محافظة مأرب هذا النقص المسؤولية عن توسع واستمرار الفجوات الإنسانية، وطالب بمضاعفة المنظمات من تدخلاتها لتفادي وقوع مجاعة محدقة، مع دخول غالبية النازحين والمجتمع المضيف تحت خط الفقر والعوز في ظل انعدام الدخل وانهيار سعر العملة والاقتصاد.

آليات العمل

استعرض مدير برنامج الاستجابة في صندوق الأمم المتحدة للسكان خلال لقائه الوكيل مفتاح آليات عمل البرنامج في حالات الاستجابة الطارئة والسريعة، إلى جانب خطة الأولويات والاحتياجات المرفوعة من القطاعات الوطنية للصندوق للعام المقبل.

وأكد المسؤول الأممي أن الوضع الإنساني الراهن للنازحين في المحافظة يستدعي حشد المزيد من الدعم والمساعدات لانتشال الأسر الأشد ضعفاً وتحسين ظروفهم.

النازحون في مأرب يعيشون في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة (إعلام محلي)

وكانت الوحدة الحكومية المعنية بإدارة مخيمات النازحين قد ذكرت أن أكثر من 56 ألف أسرة بحاجة ملحة للغذاء، وأكدت أنها ناقشت مع برنامج الغذاء العالمي احتياجات النازحين وتعزيز الشراكة الإنسانية في مواجهة الفجوة الغذائية المتزايدة بالمحافظة، ومراجعة أسماء المستفيدين الذين تم إسقاط أسمائهم من قوائم البرنامج في دورته الأخيرة، وانتظام دورات توزيع الحصص للمستفيدين.

من جهته، أبدى مكتب برنامج الأغذية العالمي في مأرب تفهمه لطبيعة الضغوط والأعباء التي تتحملها السلطة المحلية جراء الأعداد المتزايدة للنازحين والطلب الكبير على الخدمات، وأكد أنه سيعمل على حشد المزيد من الداعمين والتمويلات الكافية، ما يساعد على انتظام توزيع الحصص الغذائية في حال توفرها.

خطط مستقبلية

بحث وكيل محافظة مأرب، عبد ربه مفتاح، في لقاء آخر، مع الرئيس الجديد لبعثة المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، عبد الستار يوسف، الوضع الإنساني في المحافظة، وخطط المنظمة المستقبلية للتدخلات الإنسانية خصوصاً في مجال مشاريع التنمية المستدامة والتعافي المجتمعي والحاجة لتوسيع وزيادة حجم المساعدات والخدمات للنازحين واللاجئين والمجتمع المضيف، وتحسين أوضاع المخيمات وتوفير الخدمات الأساسية.

وكيل محافظة مأرب يستقبل رئيس منظمة الهجرة الدولية في اليمن (سبأ)

وطبقاً للإعلام الحكومي، قدّم الوكيل مفتاح شرحاً عن الوضع الإنساني المتردي بالمحافظة التي استقبلت أكثر من 62 في المائة من النازحين في اليمن، وزيادة انزلاقه إلى وضع أسوأ جراء تراجع المساعدات الإنسانية، والانهيار الاقتصادي، والمتغيرات المناخية، واستمرار النزوح إلى المحافظة.

ودعا الوكيل مفتاح، المجتمع الدولي وشركاء العمل الإنساني إلى تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية في استمرار دعمهم وتدخلاتهم الإنسانية لمساندة السلطة المحلية في مأرب لمواجهة الأزمة الإنسانية.

وأكد المسؤول اليمني أن السلطة المحلية في مأرب ستظل تقدم جميع التسهيلات لإنجاح مشاريع وتدخلات جميع المنظمات الإنسانية، معرباً عن تطلعه لدور قوي وفاعل للمنظمة الدولية للهجرة، إلى جانب الشركاء الآخرين في العمل الإنساني في عملية حشد المزيد من الموارد.

حريق في مخيم

على صعيد آخر، التهم حريق في محافظة أبين (جنوب) نصف مساكن مخيم «مكلان»، وألحق بسكانه خسائر مادية جسيمة، وشرد العشرات منهم، وفق ما أفاد به مدير وحدة إدارة المخيمات في المحافظة ناصر المنصري، الذي بين أن الحريق نتج عن سقوط سلك كهربائي على المساكن المصنوعة من مواد قابلة للاشتعال، مثل القش والطرابيل البلاستيكية.

مخيم للنازحين في أبين احترق وأصبح نصف سكانه في العراء (إعلام محلي)

وبحسب المسؤول اليمني، فإن نصف سكان المخيم فقدوا مساكنهم وجميع ممتلكاتهم، بما فيها التموينات الغذائية، وأصبحوا يعيشون في العراء في ظل ظروف إنسانية قاسية. وحذر من تدهور الوضع الصحي مع زيادة انتشار الأوبئة وانعدام الخدمات الأساسية.

وطالب المسؤول السلطات والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية بسرعة التدخل لتقديم الدعم اللازم للمتضررين، وفي المقدمة توفير مأوى طارئ ومساعدات غذائية عاجلة، إلى جانب المياه الصالحة للشرب، والأغطية، والأدوية.