جماعات العنف.. الخروج من رحم «الإخوان»

قسمهم على المصحف والمسدس ومدارسهم «السجون»

استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)
استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)
TT

جماعات العنف.. الخروج من رحم «الإخوان»

استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)
استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)

قال خبراء في شؤون الجماعات المتشددة في مصر إن جماعات العنف والإرهاب خرجت كلها من رحم جماعة الإخوان المسلمين. وذكر هؤلاء أن تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة» و«جبهة النصرة» و«أنصار الشريعة» و«التوحيد والجهاد» و«أنصار بيت المقدس» و«الجماعة الإسلامية» و«حركة التكفير والهجرة»، جميعها مُسميات لجماعة واحدة هي «الإخوان».. وأنهم يتفقون فيما بينهم على المصحف والمسدس كقسم واحد، وأعضاء هذه التنظيمات المسلحة كانوا أعضاء بجماعة الإخوان قبل أن يشكلوا تنظيمات مسلحة. وأوضح الخبراء الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن التنظيمات الإرهابية تربت على كتب سيد قطب مرشد الجماعة الأسبق ومنهجه.. وعودة «الخلافة الإسلامية» هي ورقة قديمة في الفكر الإخواني، لافتين إلى أن إخراج التنظيمات الإرهابية المتطرفة من رحم تلك الجماعة يشتمل على الاعتماد على الفكر، حيث يجري إقناع المخدوعين فيهم بأنهم على الصواب، والثاني الإنفاق ببذخ على أصحاب الضائقات المالية لينفذوا أي عمليات انتحارية تُطلب منهم.
كلام الخبراء أعلاه اتفق مع دراسة دولية صدرت أخيرًا عن «مركز الدين والجغرافيا السياسية في بريطانيا»، أكدت أن 50 في المائة من المتطرفين لديهم روابط بجماعة «الإخوان المسلمين» أو بتنظيمات مرتبطة بالإخوان. ومن جانبه، ذكر الشيخ رسمي عجلان، عضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، أن التنظيمات الإرهابية «تربت على كتب سيد قطب ومنهجه، ولا تجد أحدًا من هذه الجماعات الإرهابية مع اختلاف مسمياتها؛ إلا وهو يعتقد بفكر سيد قطب ويعتبره مثلاً أعلى ونموذجًا يحتذي به، بل وله مكانته عند قيادتهم وعلى رأسهم أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة».
ومن جهة ثانية، أفاد باحثون أن تنظيم «القاعدة» يُعد من أبرز التنظيمات الإرهابية التي انبثقت من الرحم الأم لجماعة الإخوان، إذ نشأ هذا التنظيم في الأساس على يد عبد الله عزام أحد القيادات التاريخية للإخوان، حيث التحق بكتائب ما يعرف بـ«المجاهدين» التي شكلها الإخوان عام 1967، والتي كان مقرها عمّان حتى سافر لأفغانستان بداية الثمانيات، ليؤسس هناك مكتبًا لجلب المجاهدين من البلدان العربية، وتشكيل ما يعرف بتنظيم «القاعدة».
وتابع الشيخ عجلان قائلاً: «التطابق ظاهر بين هذه الجماعات وفكر الإخوان وقياداتهم، ولم يعد هناك شك في أن تنظيم داعش الإرهابي امتداد طبيعي لفكر الإخوان، وقد نبت وترعرع على موائدهم وفي داخل السجون وفي مدارسهم.. ونحن لا نفتري عليهم، فهذا هو اعتراف الشيخ يوسف القرضاوي، الأب الروحي لجماعة الإخوان (المقيم في قطر) في فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي كان من المنتمين للإخوان. وقال في الفيديو نفسه، إن البغدادي كان له نزعة قيادية مما حثه على الانضمام لتنظيم داعش بعد خروجه من السجن مباشرة. ويوجد تسجيل صوتي لسيد قطب أكد فيه أن طريق الدعوة للجماعة ليس مفروشًا بالورود؛ لكنه مفروش بالأشلاء والجماجم مزين بالدماء».
وأوضح الشيخ عجلان أن «داعش» و«جبهة النصرة» و«أنصار بيت المقدس» و«حماس» جميعها أسماء لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان، ومطلب تنظيم «داعش» عودة الخلافة الإسلامية هو ورقة قديمة في الفكر الإخواني، وأن قسَمَ كل من يدخل الجماعة أو التنظيم يكون على المصحف والمسدس».
من ناحية أخرى، يقول باحثون مطلعون إن «أنصار بيت المقدس سابقًا» التي أعلنت مبايعتها لـ«داعش» وأطلقت على عناصرها «داعش مصر» نشأت عام 2005 بزعم «إقامة دين الله في الأرض بالجهاد في سبيل الله» هي واحدة من أهم الجماعات الإرهابية التي انبثقت من رحم الإخوان، وهي الذراع العسكرية لجماعة الإخوان في تنفيذ مخططاتها الإجرامية في حق المصريين. وأكد هؤلاء أن تبني «بيت المقدس» سابقًا للأعمال الإرهابية في مصر لاستعادة شرعية الإخوان المزعومة، يؤكد مدى العلاقة اللصيقة التي تربطها بالجماعة الأم الإخوان.
حسب الدراسة الحديثة جاء المرتبطون بالإخوان بنسبة 50 في المائة، وبحماس 12 في المائة، وباتحاد المحاكم الإسلامية بالصومال 8 في المائة، ولجنة الشبيبة الإسلامية 7 في المائة، والجبهة الإسلامية للإنقاذ 5 في المائة، في حين بلغت نسبة المرتبطين بجماعات أخرى 30 في المائة. إلا أن الشيخ نبيل نعيم، القيادي السابق في «تنظيم الجهاد» المصري، يشدد على أن «الإخوان هم أصل العنف في العالم.. وجميع الجماعات الإرهابية خرجت من رحمها». ومعلوم أن الحكومة المصرية تصنف اليوم الإخوان جماعة إرهابية. وتشير معلومات في القاهرة إلى تحوّل قطاع عريض من شباب جماعة الإخوان والتيار الإسلامي الرافض لعزل الرئيس السابق محمد مرسي عن الحكم إلى تبني العنف، وهاجر العشرات من أعضاء جماعة الإخوان إلى سوريا أثناء حكم مرسي، وانضموا إلى تنظيم «جبهة النصرة»، ثم تحولوا إلى «داعش» لاحقًا، وشغلوا مواقع قيادية في التنظيم.
وكما يقول هؤلاء فإن تنظيم «التكفير والهجرة» أيضًا واحد من التنظيمات المهمة التي ارتبطت بجماعة الإخوان وتنفيذ مخططاتها الإرهابية، إذ نشأ في منتصف الستينات على يد الشيخ علي إسماعيل، الذي سُجن مع الإخوان في الستينات، ومن ثم انتهج نهج الخوارج في التكفير بالمعصية. وعلى الرغم من نشأة فكرة هذا التنظيم داخل السجون المصرية في بادئ الأمر، فهو بعد إطلاق سراح أفراد التنظيم تبلورت أفكاره، وكثر أتباعه.
من جهته، شدد الخبير الأمني اللواء كمال مغربي لـ«الشرق الأوسط» على أن «الأسماء المتعددة للجماعات الإرهابية تعني أنهم جميعا يسيرون على نهج واحد»، مضيفًا أن «داعش» و«جبهة النصرة» و«أنصار الشريعة» و«التوحيد والجهاد» و«أنصار بيت المقدس»، مسميات لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان. وهذه الجماعات خرجت من تحت عباءة ومن مدرسة الإخوان.. وكذلك هذه الجماعات تخدم في المقام الأول المصالح العليا لجماعة الإخوان وتنظيمها الدولي، لافتًا إلى أن هناك العشرات من الأدلة حول متانة العلاقة بينهم، والتي كان آخرها تزايد أعمال الإرهاب من قبل تلك الجماعة بعد عزل مرسي والإطاحة بحكم جماعة الإخوان في مصر. وما يستحق الإشارة هنا أن الولايات المتحدة تدرج تنظيمي «أنصار بيت المقدس سابقا» و«داعش» على لوائح الإرهاب، وهو ما يتسق مع الموقف الرسمي للسلطات المصرية، التي تضيف إلى القائمة جماعة «الإخوان» كأحد تنظيمات الإرهاب، وترى أن الأخيرة هي المحرك الرئيسي وهمزة الوصل بين كل التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
ومن جهته، يقول الدكتور محمد خضر أبو زيد، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن «الدين الإسلامي أمرنا بالمحافظة على الضروريات الخمسة، ومنها الحفاظ على العقل الذي يكون منه النتاج الفكري، وأخبرنا الله عز وجل في كتابه العزيز بعدم التفرقة إلى أحزاب وجماعات، فقال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم يُنبئهم بما كانوا يفعلون)، فعندما ينقسم الناس إلى أحزاب وجماعات تظهر تلك العقول المختلفة، لتجد الفكر المتشدد والفكر المتطرف والفكر اليميني، والفكر اليساري، وكل فكر من هذه الأفكار يعطي البراهين والمعطيات والنظريات كي تكون في صفها وعلى منهجها وطريقتها التي رسمتها واختطتها لنفسها وأتباعها، لأنها تعتقد كل جماعة من هذه الجماعات أن الحق معها وأن منهجها هو الصواب، وما عداها باطل».
وتابع خضر: «على ذلك، فإن الإخوان المسلمين الذين يسعون إلى تقلد مقاليد الحكم في البلاد من اعتلائهم للموجة بالغش والتدليس والنصب للوصول إلى السلطة في مصر وغيرها من البلاد الأخرى، بعدما نكثوا كل الوعود والعهود مع القوى التي صدَّقتهم وهادنتهم. ولم يكن لمصر وغيرها من الدول العربية أن تنكب بهذا الوحش الضاري الذي لا يشبع من الدم، لولا جماعة الإخوان التي تحمل اسمًا لا يليق بها؛ بل هو براء منها. إنهم أساس كل بلاء تتعرض له الأمتان العربية والإسلامية، وبالتالي ظهرت الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تقتل باسم الدين، وتسفك الدماء باسم الدين، والدين الإسلامي منهم براء».
أما «الجماعة الإسلامية»، وفق الباحثين، فإنها نشأت في مصر أوائل السبعينات من القرن العشرين، ومن أبرز قياداتها الشيخ عمر عبد الرحمن المسجون بالولايات المتحدة الأميركية، وهو بدوره يُعد من أشد المؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين، وكان من المقربين من الجماعة حتى اعتقاله عام 1970، وهو مسجون حاليًا في الولايات المتحدة بتهمة الإرهاب. وهنا يضيف الدكتور خضر شارحًا «أن خروج التنظيمات الإرهابية المتطرفة من رحم تلك الجماعة يشتمل على محورين، المحور الأول، الاعتماد على الفكر؛ حيث يتم إقناع المخدوعين فيهم بأنهم على الصواب، وما دونهم ليس على الطريق الصحيح، وإعطاؤهم صكوكًا بأنهم في سبيل الدعوة التي هي في سبيل الله، وأنهم في جنة الله ويحظون برضوان الله عز وجل، وهذا لا يكون إلا من خلال جلب الشباب حديث السن الذي يصدق كل كلمة تقال، فيشبون على هذا الفكر المنحرف فلا يستطيعون تغييره. أما المحور الثاني، فهو الاعتماد على المال؛ حيث يتم الإنفاق ببذخ على أصحاب الضائقات المالية، ويوفرون لهم حياة كريمة آمنة بعد أن كانوا مهددين بالتشرد والضياع بسبب ديونهم، أو غير ذلك، وبالتالي لو طلب منه أن يقوم بعملية انتحارية لن يتأخر لحظة واحدة في أن يفكر ماذا يكون مصيره، ومصير أولاده من بعده».
على صعيد آخر، توصلت الدراسة الحديثة ذاتها إلى أن النخبة المتشددة لها برنامج عالمي، والتجنيد يتم عن طريق المعارف، وبؤر النزاع تجذب المتطرفين، وشبكات التطرف في الشرق الأوسط ومنطقة الساحل تعمل بشكل مستقل عن بعضها بعضا، ومعظم المتطرفين يتنقلون من مجموعة إلى أخرى. وأوضح الدكتور خضر أنه «يتم التجنيد من خلال التنظيمات الإرهابية يكون من خلال ثلاث نقاط: الجهل والفقر والبطالة. وهذه النقاط الثلاث ما تدفع الكثير من الشباب إلى التفكير في الهجرة، وقد تدفعهم الأقدار إلى الارتماء في أحضان الجماعات المتطرفة التي تستغل الوازع الديني لديهم لترسم في مستقبلهم صورًا مظلمة، وتاريخًا قد لا يستطيع أكثرهم أن يواجه به أحفاده في المستقبل». ولفت إلى أن «وجه الشبه بين الإخوان و(داعش) هو أن التنظيمين يعيشان على مبدأ الأفضلية، وأنهم مبجلان لدى الله، ويحملان راية الإسلام ضد الملحدين، كما أن (داعش) يرفع العلم الذي كان الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) يرفعه في معاركه الحربية، والإخوان شعارهم (سيف وتحته القرآن) يتضمن دعوة للحرب وليس السلام».
وتابع قائلاً: «الإخوان يرددون في مظاهراتهم واحتفالاتهم (الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، وهي نفسها الشعارات التي يرفعها (داعش)...».
ويؤيد الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، فكرة أن كل التنظيمات الإرهابية خرجت من معين جماعة الإخوان، مصيفًا أن «جماعة الإخوان ترى في منهجها ضرورة التصادم، رغم أن دور الداعي أن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة دون أن يحتاج إلى قوة تحميه»، مستشهدًا بصحابة رسول الله الذين سافروا للتجارة في مناطق كثيرة بالدعوة الحسنة دون أي قوة. وأشار مفتي مصر إلى «أن ما يدعونه من محاولة تصحيح مسار الأمة، لا تحتاج إلى تنظيم سري أو التصادم مع المجتمع أو الاستعانة بقوة عسكرية كما دعا سيد قطب، مرشد الجماعة الأسبق».
ويعزز التوجه ذاته وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، الذي قال في تصريحات له، إن كل التنظيمات الإرهابية تخرجت من رحم جماعة الإخوان، لافتًا إلى «وجود علاقة بين مؤسسي الجماعات الإرهابية بجماعة الإخوان مرورًا بتنظيمات القاعدة وأنصار بيت المقدس وداعش»، مؤكدًا أن «كل مؤسسيها ارتبطوا بشكل قريب مع أعضاء جماعة الإخوان». وأضاف النمنم أن «الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، لا تؤمن بالحدود والأوطان، ولا تراعي مصالح الشعوب.. وجماعة الإخوان نموذجًا لذلك خططت لتفجير القناطر الخيرية لتغرق دلتا مصر، وخططت لتفجير مفاعل أنشاص لتحرج الرئيس جمال عبد الناصر فيترك الحكم». واستطرد موضحًا أن قادة الإخوان في أعقاب ثورة 30 يونيو (حزيران) عام 2013 في مصر هددوا الشعب بحرق مصر ما لم يعودوا للحكم، وهو ما ظهر في العمليات الإرهابية التي نفذتها الجماعات الإرهابية. فيما بعد تحت مسميات مختلفة».
هذا، وسبق أن أكدت دار الإفتاء المصرية، أن «دعم التنظيمات الإرهابية المسلحة وفي مقدمتها الإخوان حرام شرعًا، لأنها تسعى لدمار البلاد والعباد، وتشوه صورة الإسلام بأفعالهم الوحشية». وتابعت الدار بقولها إن «الحرمة التي يقع فيها أولئك المتطرفون بسبب جرمهم وإيذائهم وسفكهم للدماء، تنسحب هذه الحرمة وذلك الجرم أيضًا على كل من يدعم هذه الجماعات بالمال أو الإيواء أو بالكلمة؛ بل يطردون من رحمة الله»، مشيرة إلى أن الجهاد لا بد أن يكون تحت راية الدولة ويعود أمر تنظيمه إلى ولاة الأمور ومؤسسات الدولة المختصة الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد.
وقالت دار الإفتاء في فتواها، إنه «لا يجوز لأحد أن يبادر بالجهاد بنفسه عبر جماعات أو تنظيمات مسلحة دون مراعاة تلك الضوابط والشروط؛ وإلا عد ذلك افتئاتا على ولاة الأمور، وقد يكون ضرر خروجه أكثر من نفعه، فيبوء بإثم ما يجره فعله من المفاسد».
وفي السياق نفسه، قال الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء في مصر، عن تنظيم «داعش» وسائر التنظيمات الإرهابية: «هؤلاء خارجون عن صحيح الدين وتعاليم الإسلام.. ووصفه بـ(الدولة) كما يفعل الإعلام الغربي؛ إساءة بالغة للإسلام والمسلمين، لأن سلوكياتهم شاذة خارجة على أحكام الشريعة وأخلاقها».
وأضاف شومان أن «المتابع لما نحن عليه اليوم يجد أن كل ذلك يأتي ونحن أمام هجمة شرسة من التتار الجدد وهم ليسوا عنا ببعيد، فما يفعله مجرمو (داعش) في العراق حاليا لم يفعله أسلافهم، ويعلنون أن خطتهم متدرجة، وليست مصرنا خارج حدودها». ولفت وكيل الأزهر إلى أن «قطع ألسنة قادة الفتن وردهم إلى جحورهم يجب أن يكون من أولويات متخذي القرار، لوأد الفتن ورد الناس إلى لحمتهم الوطنية».
أما الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، فيرى أن «الإرهابيين على شاكلة الإخوان يخدعون أتباعهم بوهم الخلافة ويتحدثون مع بعضهم بعضًا عن توزيع السبايا من النساء»، موضحًا أن تنظيمات الظلام التي تعشق سفك الدماء وتستبيح الأعراض تأخذ آيات القتال، وتؤولها بحسب فهمها السقيم وتفسيرها العقيم لتلبس على المسلمين دينهم في محاولة بائسة من هذه التنظيمات لتبرير وشرعنة الجرائم التي يرتكبها والدماء التي يسفكها، وبذلك تثير ضغائن غير المسلمين على الإسلام والمسلمين بل تؤجج حروبًا ضد العالم الإسلامي من كل حدب وصوب، حتى إن الإسلام ليؤتى من قِبَلهم، قبل أن يؤتى من قِبَل أعدائه».
وأوضح نجم أن «الجماعات الإرهابية تحاول أن تبين أنها تدعو إلى الجهاد وتقوم به لتطبق شرع الله في الأرض، حسب زعمهم، رغم أن ما تقوم به هو إرجاف وإرهاب وهم في ذلك يحرفون الكلم عن مواضعه».



فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)

غداة إعلان باريس مصرع 13 جندياً من مواطنيها، في حادث تحطم مروحيتين عسكريتين في جمهورية مالي الأفريقية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلن في مؤتمر صحافي أن بلاده تدرس جميع الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بوجودها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي.
في تصريحاته، أكد ماكرون أنه أمر الجيش الفرنسي بتقييم عملياته ضد المسلحين في غرب أفريقيا، مشيراً إلى أن جميع الخيارات متاحة، وموضحاً أن بلاده «ترغب في مشاركة أكبر من قبل حلفائها في المنطقة من أجل مكافحة الإرهاب».

هل يمكن عد تصريحات ماكرون بداية لمرحلة فرنسية جديدة في مكافحة الإرهاب على أراضي القارة السمراء، لا سيما في منطقة دول الساحل التي تضم بنوع خاص «بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد»؟
يتطلب منا الجواب بلورة رؤية واسعة للإشكالية الأفريقية في تقاطعاتها مع الإرهاب بشكل عام من جهة، ولجهة دول الساحل من ناحية ثانية.
بداية، يمكن القطع بأن كثيراً من التحديات الحياتية اليومية تطفو على السطح في تلك الدول، لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي تجعل الحياة صعبة للغاية وسط الجفاف، الأمر الذي يولد هجرات غير نظامية من دولة إلى أخرى. وفي الوسط، تنشأ عصابات الجريمة المنظمة والعشوائية معاً، مما يقود في نهاية المشهد إلى حالة من الانفلات الأمني، وعدم مقدرة الحكومات على ضبط الأوضاع الأمنية، وربما لهذا السبب أنشأ رؤساء دول المنطقة ما يعرف بـ«المجموعة الخماسية»، التي تدعمها فرنسا وتخطط لها مجابهتها مع الإرهاب، والهدف من وراء هذا التجمع هو تنسيق أنشطتهم، وتولي زمام الأمور، وضمان أمنهم، من أجل الحد من تغلغل الإرهاب الأعمى في دروبهم.
على أنه وفي زمن ما يمكن أن نسميه «الإرهاب المعولم»، كانت ارتدادات ما جرى لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، من اندحارات وهزائم عسكرية العامين الماضيين، تسمع في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي منطقة الساحل بنوع خاص، ولم يكن غريباً أو عجيباً أن تعلن جماعات إرهابية متعددة، مثل «بوكو حرام» وحركة الشباب وغيرهما، ولاءها لـ«داعش»، وزعيمها المغدور أبي بكر البغدادي.
وتبدو فرنسا، فعلاً وقولاً، عازمة على التصدي للإرهاب القائم والآتي في القارة السمراء، وقد يرجع البعض السبب إلى أن فرنسا تحاول أن تحافظ على مكاسبها التاريخية السياسية أو الاقتصادية في القارة التي تتكالب عليها اليوم الأقطاب الكبرى، من واشنطن إلى موسكو، مروراً ببكين، ولا تود باريس أن تخرج خالية الوفاض من قسمة الغرماء الأفريقية، أي أنه تموضع عسكري بهدف سياسي أو اقتصادي، وفي كل الأحوال لا يهم التوجه، إنما المهم حساب الحصاد، وما تخططه الجمهورية الفرنسية لمواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين.
في حديثها المطول مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، تشير إلى أن فرنسا تقود جهوداً أوروبية لتشكيل قوة عسكرية لمحاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، وأن هناك خطوات جديدة في الطريق تهدف إلى تعزيز المعركة ضد العناصر الإرهابية هناك، وإن طال زمن الصراع أو المواجهة.
ما الذي يجعل فرنسا تتحرك على هذا النحو الجاد الحازم في توجهها نحو الساحل الأفريقي؟
المؤكد أن تدهور الأوضاع في الساحل الأفريقي، وبنوع خاص المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، قد أزعج الأوروبيين أيما إزعاج، لا سيما أن هذا التدهور يفتح الأبواب لهجرات غير شرعية لسواحل أوروبا، حكماً سوف يتسرب في الوسط منها عناصر إرهابية تنوي إلحاق الأذى بالقارة الأوروبية ومواطنيها.
يكاد المتابع للشأن الإرهابي في الساحل الأفريقي يقطع بأن فرنسا تقود عملية «برخان 2»، وقد بدأت «برخان 1» منذ اندلاع أولى شرارات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل، فقد التزمت فرنسا التزاماً حاراً من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي.
بدأت العملية في يناير (كانون الثاني) 2013، حين تدخلت فرنسا في شمال مالي، عبر عملية «سيرفال»، بغية منع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة من السيطرة على البلاد.
والثابت أنه منذ ذلك الحين، توحدت العمليات الفرنسية التي تضم زهاء 4500 جندي تحت اسم عملية «برخان». وتعمل القوات الفرنسية في هذا الإطار على نحو وثيق مع القوات المسلحة في منطقة الساحل.
ويمكن للمرء توقع «برخان 2»، من خلال تحليل وتفكيك تصريحات وزيرة الجيوش الفرنسية بارلي التي عدت أن دول الساحل الأفريقي تقع على أبواب أوروبا. وعليه، فإن المرحلة المقبلة من المواجهة لن تكون فرنسية فقط، بل الهدف منها إشراك بقية دول أوروبا في مالي بقيادة عملية «برخان 2»، في إطار وحدة مشتركة تدعى «تاكوبا»، بغية مواكبة القوات المسلحة المالية.
ولعل المتابع لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الحالي يرى أن الرجل يكاد ينزع إلى ما مضي في طريقه جنرال فرنسا الأشهر شارل ديغول، ذاك الذي اهتم كثيراً بوحدة أوروبا والأوروبيين بأكثر من التحالف مع الأميركيين أو الآسيويين.
ماكرون الذي أطلق صيحة تكوين جيش أوروبي مستقل هو نفسه الذي تحدث مؤخراً عما أطلق عليه «الموت السريري» لحلف الناتو. وعليه، يبقى من الطبيعي أن تكون خطط فرنسا هادفة إلى جمع شمل الأوروبيين للدفاع عن القارة، وعدم انتظار القوة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) للدفاع عن القارة الأوروبية.
هذه الرؤية تؤكدها تصريحات الوزيرة بارلي التي أشارت إلى أن فرنسا تبذل الجهود الكبيرة من أجل أن يكون هناك أوروبيون أكثر في الصفوف الأولى مع فرنسا ودول الساحل. وقد أعلنت الوزيرة الفرنسية بالفعل أن «التشيكيين والبلجيكيين والإستونيين قد استجابوا أولاً، كما أن آخرين حكماً سينضمون إلى عملية (تاكوبا) عندما تصادق برلمانات بلادهم على انتشارهم مع القوات الفرنسية».
لا تبدو مسألة قيادة فرنسا لتحالف أوروبي ضد الإرهاب مسألة مرحباً بها بالمطلق في الداخل الفرنسي، لا سيما أن الخسائر التي تكمن دونها عاماً بعد الآخر في منطقة الساحل قد فتحت باب النقاش واسعاً في الداخل الفرنسي، فقد قتل هناك العشرات من الجنود منذ عام 2013، مما جعل بعض الأصوات تتساءل عن نجاعة تلك العملية، وفرصها في الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية، وقد وصل النقاش إلى وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة.
غير أنه، على الجانب الآخر، ترتفع أصوات المسؤولين الفرنسيين، لا سيما من الجنرالات والعسكريين، الذين يقارنون بين الأكلاف والخسائر من باب المواجهة، وما يمكن أن يصيب فرنسا وبقية دول أوروبا حال صمت الأوروبيين وجلوسهم مستكينين لا يفعلون شيئاً. فساعتها، ستكون الأراضي الأوروبية من أدناها إلى أقصاها أراضي شاسعة متروكة من الدول، وستصبح ملاجئ لمجموعات إرهابية تابعة لـ«داعش» و«القاعدة».
ما حظوظ نجاحات مثل هذا التحالف الأوروبي الجديد؟
يمكن القول إن هناك فرصة جيدة لأن يفعل التحالف الفرنسي الأوروبي الجديد حضوره، في مواجهة الإرهاب المتغلغل في أفريقيا، لا سيما أن الهدف يخدم عموم الأوروبيين، فتوفير الأمن والاستقرار في الجانب الآخر من الأطلسي ينعكس حتماً برداً وسلاماً على بقية عموم أوروبا.
ولم يكن الإعلان الفرنسي الأخير هو نقطة البداية في عملية «برخان 2» أو «تاكوبا»، فقد سبق أن أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد روش كابوريه، وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، إبان مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
وترمي هذه الشراكة مع بلدان المنطقة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق دعم الإصلاحات الضرورية في هذين المجالين، وتمثل ضرورة المساءلة مقوماً من مقومات هذه الشراكة.
ولا يخلو المشهد الفرنسي من براغماتية مستنيرة، إن جاز التعبير، فالفرنسيون لن يقبلوا أن يستنزفوا طويلاً في دفاعهم عن الأمن الأوروبي، في حين تبقى بقية دول أوروبا في مقاعد المتفرجين ليس أكثر، وربما لمح الفرنسيون مؤخراً من طرف خفي إلى فكرة الانسحاب الكامل الشامل، إن لم تسارع بقية دول القارة الأوروبية في إظهار رغبة حقيقية في تفعيل شراكة استراتيجية تستنقذ دول الساحل الأفريقي من الوقوع لقمة سائغة في فم الجماعات الإرهابية، في منطقة باتت الأنسب ليتخذها الإرهابيون مخزناً استراتيجياً ومنطقة حشد لهم، وفي مقدمة تلك الجماعات مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة تجتمع تحت راية جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وأخرى تابعة لتنظيم داعش على غرار التنظيم الإرهابي في الصحراء الكبرى، التي تقوم بتنفيذ كثير من الهجمات ضد القوات المسلحة في منطقة الساحل، والقوات الدولية التي تدعمها، والتي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الإبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، المكلفة بدعم تنفيذ اتفاق السلام المنبثق عن عملية الجزائر العاصمة، ودعم جهود إرساء الاستقرار التي تبذلها السلطات المالية في وسط البلاد.
ولعل كارثة ما يجري في منطقة الساحل الأفريقي، ودول المجموعة الخماسية بنوع خاص، غير موصولة فقط بالجماعات الراديكالية على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، فهناك مجموعات أخرى مهددة للأمن والسلام الأوروبيين، جماعات من قبيل تجار المخدرات والأسلحة، وكذا مهربو البشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وهذا هاجس رهيب بدوره بالنسبة لعموم الأوروبيين.
على أن علامة استفهام تبقى قلقه محيرة بالنسبة لباريس وقصر الإليزيه اليوم، وهي تلك المرتبطة بالإرادة الأوروبية التي تعاني من حالة تفسخ وتباعد غير مسبوقة، تبدت في خلافات ألمانية فرنسية بنوع خاص تجاه فكرة استمرار الناتو، وطرح الجيش الأوروبي الموحد.
باختصار غير مخل: هل دعم الأوروبيين كافة لعملية «برخان 2» أمر مقطوع به أم أن هناك دولاً أوروبية أخرى سوف تبدي تحفظات على فكرة المساهمة في تلك العمليات، خوفاً من أن تستعلن فرنسا القوة الضاربة الأوروبية في القارة الأفريقية من جديد، مما يعني عودة سطوتها التي كانت لها قديماً في زمن الاحتلال العسكري لتلك الدول، الأمر الذي ربما ينتقص من نفوذ دول أخرى بعينها تصارع اليوم لتقود دفة أوروبا، في ظل حالة الانسحاب من الاتحاد التي تمثلها بريطانيا، والمخاوف من أن تلحقها دول أخرى؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن تصاعد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، أو حدوث عمليات جديدة ضد أهداف أوروبية في القارة الأفريقية، وجريان المقدرات بأي أعمال إرهابية على تراب الدول الأوروبية، ربما يؤكدان الحاجة الحتمية لتعزيز توجهات فرنسا، وشراكة بقية دول أوروبا، ويبدو واضحاً أيضاً أن بعضاً من دول أفريقيا استشرفت مخاوف جمة من تعاظم الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مثل تشاد التي وافقت على تعبئة مزيد من الجيوش في المثلث الحدودي الهش مع النيجر وبوركينا فاسو.