جماعات العنف.. الخروج من رحم «الإخوان»

قسمهم على المصحف والمسدس ومدارسهم «السجون»

استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)
استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)
TT

جماعات العنف.. الخروج من رحم «الإخوان»

استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)
استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)

قال خبراء في شؤون الجماعات المتشددة في مصر إن جماعات العنف والإرهاب خرجت كلها من رحم جماعة الإخوان المسلمين. وذكر هؤلاء أن تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة» و«جبهة النصرة» و«أنصار الشريعة» و«التوحيد والجهاد» و«أنصار بيت المقدس» و«الجماعة الإسلامية» و«حركة التكفير والهجرة»، جميعها مُسميات لجماعة واحدة هي «الإخوان».. وأنهم يتفقون فيما بينهم على المصحف والمسدس كقسم واحد، وأعضاء هذه التنظيمات المسلحة كانوا أعضاء بجماعة الإخوان قبل أن يشكلوا تنظيمات مسلحة. وأوضح الخبراء الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن التنظيمات الإرهابية تربت على كتب سيد قطب مرشد الجماعة الأسبق ومنهجه.. وعودة «الخلافة الإسلامية» هي ورقة قديمة في الفكر الإخواني، لافتين إلى أن إخراج التنظيمات الإرهابية المتطرفة من رحم تلك الجماعة يشتمل على الاعتماد على الفكر، حيث يجري إقناع المخدوعين فيهم بأنهم على الصواب، والثاني الإنفاق ببذخ على أصحاب الضائقات المالية لينفذوا أي عمليات انتحارية تُطلب منهم.
كلام الخبراء أعلاه اتفق مع دراسة دولية صدرت أخيرًا عن «مركز الدين والجغرافيا السياسية في بريطانيا»، أكدت أن 50 في المائة من المتطرفين لديهم روابط بجماعة «الإخوان المسلمين» أو بتنظيمات مرتبطة بالإخوان. ومن جانبه، ذكر الشيخ رسمي عجلان، عضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، أن التنظيمات الإرهابية «تربت على كتب سيد قطب ومنهجه، ولا تجد أحدًا من هذه الجماعات الإرهابية مع اختلاف مسمياتها؛ إلا وهو يعتقد بفكر سيد قطب ويعتبره مثلاً أعلى ونموذجًا يحتذي به، بل وله مكانته عند قيادتهم وعلى رأسهم أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة».
ومن جهة ثانية، أفاد باحثون أن تنظيم «القاعدة» يُعد من أبرز التنظيمات الإرهابية التي انبثقت من الرحم الأم لجماعة الإخوان، إذ نشأ هذا التنظيم في الأساس على يد عبد الله عزام أحد القيادات التاريخية للإخوان، حيث التحق بكتائب ما يعرف بـ«المجاهدين» التي شكلها الإخوان عام 1967، والتي كان مقرها عمّان حتى سافر لأفغانستان بداية الثمانيات، ليؤسس هناك مكتبًا لجلب المجاهدين من البلدان العربية، وتشكيل ما يعرف بتنظيم «القاعدة».
وتابع الشيخ عجلان قائلاً: «التطابق ظاهر بين هذه الجماعات وفكر الإخوان وقياداتهم، ولم يعد هناك شك في أن تنظيم داعش الإرهابي امتداد طبيعي لفكر الإخوان، وقد نبت وترعرع على موائدهم وفي داخل السجون وفي مدارسهم.. ونحن لا نفتري عليهم، فهذا هو اعتراف الشيخ يوسف القرضاوي، الأب الروحي لجماعة الإخوان (المقيم في قطر) في فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي كان من المنتمين للإخوان. وقال في الفيديو نفسه، إن البغدادي كان له نزعة قيادية مما حثه على الانضمام لتنظيم داعش بعد خروجه من السجن مباشرة. ويوجد تسجيل صوتي لسيد قطب أكد فيه أن طريق الدعوة للجماعة ليس مفروشًا بالورود؛ لكنه مفروش بالأشلاء والجماجم مزين بالدماء».
وأوضح الشيخ عجلان أن «داعش» و«جبهة النصرة» و«أنصار بيت المقدس» و«حماس» جميعها أسماء لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان، ومطلب تنظيم «داعش» عودة الخلافة الإسلامية هو ورقة قديمة في الفكر الإخواني، وأن قسَمَ كل من يدخل الجماعة أو التنظيم يكون على المصحف والمسدس».
من ناحية أخرى، يقول باحثون مطلعون إن «أنصار بيت المقدس سابقًا» التي أعلنت مبايعتها لـ«داعش» وأطلقت على عناصرها «داعش مصر» نشأت عام 2005 بزعم «إقامة دين الله في الأرض بالجهاد في سبيل الله» هي واحدة من أهم الجماعات الإرهابية التي انبثقت من رحم الإخوان، وهي الذراع العسكرية لجماعة الإخوان في تنفيذ مخططاتها الإجرامية في حق المصريين. وأكد هؤلاء أن تبني «بيت المقدس» سابقًا للأعمال الإرهابية في مصر لاستعادة شرعية الإخوان المزعومة، يؤكد مدى العلاقة اللصيقة التي تربطها بالجماعة الأم الإخوان.
حسب الدراسة الحديثة جاء المرتبطون بالإخوان بنسبة 50 في المائة، وبحماس 12 في المائة، وباتحاد المحاكم الإسلامية بالصومال 8 في المائة، ولجنة الشبيبة الإسلامية 7 في المائة، والجبهة الإسلامية للإنقاذ 5 في المائة، في حين بلغت نسبة المرتبطين بجماعات أخرى 30 في المائة. إلا أن الشيخ نبيل نعيم، القيادي السابق في «تنظيم الجهاد» المصري، يشدد على أن «الإخوان هم أصل العنف في العالم.. وجميع الجماعات الإرهابية خرجت من رحمها». ومعلوم أن الحكومة المصرية تصنف اليوم الإخوان جماعة إرهابية. وتشير معلومات في القاهرة إلى تحوّل قطاع عريض من شباب جماعة الإخوان والتيار الإسلامي الرافض لعزل الرئيس السابق محمد مرسي عن الحكم إلى تبني العنف، وهاجر العشرات من أعضاء جماعة الإخوان إلى سوريا أثناء حكم مرسي، وانضموا إلى تنظيم «جبهة النصرة»، ثم تحولوا إلى «داعش» لاحقًا، وشغلوا مواقع قيادية في التنظيم.
وكما يقول هؤلاء فإن تنظيم «التكفير والهجرة» أيضًا واحد من التنظيمات المهمة التي ارتبطت بجماعة الإخوان وتنفيذ مخططاتها الإرهابية، إذ نشأ في منتصف الستينات على يد الشيخ علي إسماعيل، الذي سُجن مع الإخوان في الستينات، ومن ثم انتهج نهج الخوارج في التكفير بالمعصية. وعلى الرغم من نشأة فكرة هذا التنظيم داخل السجون المصرية في بادئ الأمر، فهو بعد إطلاق سراح أفراد التنظيم تبلورت أفكاره، وكثر أتباعه.
من جهته، شدد الخبير الأمني اللواء كمال مغربي لـ«الشرق الأوسط» على أن «الأسماء المتعددة للجماعات الإرهابية تعني أنهم جميعا يسيرون على نهج واحد»، مضيفًا أن «داعش» و«جبهة النصرة» و«أنصار الشريعة» و«التوحيد والجهاد» و«أنصار بيت المقدس»، مسميات لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان. وهذه الجماعات خرجت من تحت عباءة ومن مدرسة الإخوان.. وكذلك هذه الجماعات تخدم في المقام الأول المصالح العليا لجماعة الإخوان وتنظيمها الدولي، لافتًا إلى أن هناك العشرات من الأدلة حول متانة العلاقة بينهم، والتي كان آخرها تزايد أعمال الإرهاب من قبل تلك الجماعة بعد عزل مرسي والإطاحة بحكم جماعة الإخوان في مصر. وما يستحق الإشارة هنا أن الولايات المتحدة تدرج تنظيمي «أنصار بيت المقدس سابقا» و«داعش» على لوائح الإرهاب، وهو ما يتسق مع الموقف الرسمي للسلطات المصرية، التي تضيف إلى القائمة جماعة «الإخوان» كأحد تنظيمات الإرهاب، وترى أن الأخيرة هي المحرك الرئيسي وهمزة الوصل بين كل التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
ومن جهته، يقول الدكتور محمد خضر أبو زيد، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن «الدين الإسلامي أمرنا بالمحافظة على الضروريات الخمسة، ومنها الحفاظ على العقل الذي يكون منه النتاج الفكري، وأخبرنا الله عز وجل في كتابه العزيز بعدم التفرقة إلى أحزاب وجماعات، فقال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم يُنبئهم بما كانوا يفعلون)، فعندما ينقسم الناس إلى أحزاب وجماعات تظهر تلك العقول المختلفة، لتجد الفكر المتشدد والفكر المتطرف والفكر اليميني، والفكر اليساري، وكل فكر من هذه الأفكار يعطي البراهين والمعطيات والنظريات كي تكون في صفها وعلى منهجها وطريقتها التي رسمتها واختطتها لنفسها وأتباعها، لأنها تعتقد كل جماعة من هذه الجماعات أن الحق معها وأن منهجها هو الصواب، وما عداها باطل».
وتابع خضر: «على ذلك، فإن الإخوان المسلمين الذين يسعون إلى تقلد مقاليد الحكم في البلاد من اعتلائهم للموجة بالغش والتدليس والنصب للوصول إلى السلطة في مصر وغيرها من البلاد الأخرى، بعدما نكثوا كل الوعود والعهود مع القوى التي صدَّقتهم وهادنتهم. ولم يكن لمصر وغيرها من الدول العربية أن تنكب بهذا الوحش الضاري الذي لا يشبع من الدم، لولا جماعة الإخوان التي تحمل اسمًا لا يليق بها؛ بل هو براء منها. إنهم أساس كل بلاء تتعرض له الأمتان العربية والإسلامية، وبالتالي ظهرت الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تقتل باسم الدين، وتسفك الدماء باسم الدين، والدين الإسلامي منهم براء».
أما «الجماعة الإسلامية»، وفق الباحثين، فإنها نشأت في مصر أوائل السبعينات من القرن العشرين، ومن أبرز قياداتها الشيخ عمر عبد الرحمن المسجون بالولايات المتحدة الأميركية، وهو بدوره يُعد من أشد المؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين، وكان من المقربين من الجماعة حتى اعتقاله عام 1970، وهو مسجون حاليًا في الولايات المتحدة بتهمة الإرهاب. وهنا يضيف الدكتور خضر شارحًا «أن خروج التنظيمات الإرهابية المتطرفة من رحم تلك الجماعة يشتمل على محورين، المحور الأول، الاعتماد على الفكر؛ حيث يتم إقناع المخدوعين فيهم بأنهم على الصواب، وما دونهم ليس على الطريق الصحيح، وإعطاؤهم صكوكًا بأنهم في سبيل الدعوة التي هي في سبيل الله، وأنهم في جنة الله ويحظون برضوان الله عز وجل، وهذا لا يكون إلا من خلال جلب الشباب حديث السن الذي يصدق كل كلمة تقال، فيشبون على هذا الفكر المنحرف فلا يستطيعون تغييره. أما المحور الثاني، فهو الاعتماد على المال؛ حيث يتم الإنفاق ببذخ على أصحاب الضائقات المالية، ويوفرون لهم حياة كريمة آمنة بعد أن كانوا مهددين بالتشرد والضياع بسبب ديونهم، أو غير ذلك، وبالتالي لو طلب منه أن يقوم بعملية انتحارية لن يتأخر لحظة واحدة في أن يفكر ماذا يكون مصيره، ومصير أولاده من بعده».
على صعيد آخر، توصلت الدراسة الحديثة ذاتها إلى أن النخبة المتشددة لها برنامج عالمي، والتجنيد يتم عن طريق المعارف، وبؤر النزاع تجذب المتطرفين، وشبكات التطرف في الشرق الأوسط ومنطقة الساحل تعمل بشكل مستقل عن بعضها بعضا، ومعظم المتطرفين يتنقلون من مجموعة إلى أخرى. وأوضح الدكتور خضر أنه «يتم التجنيد من خلال التنظيمات الإرهابية يكون من خلال ثلاث نقاط: الجهل والفقر والبطالة. وهذه النقاط الثلاث ما تدفع الكثير من الشباب إلى التفكير في الهجرة، وقد تدفعهم الأقدار إلى الارتماء في أحضان الجماعات المتطرفة التي تستغل الوازع الديني لديهم لترسم في مستقبلهم صورًا مظلمة، وتاريخًا قد لا يستطيع أكثرهم أن يواجه به أحفاده في المستقبل». ولفت إلى أن «وجه الشبه بين الإخوان و(داعش) هو أن التنظيمين يعيشان على مبدأ الأفضلية، وأنهم مبجلان لدى الله، ويحملان راية الإسلام ضد الملحدين، كما أن (داعش) يرفع العلم الذي كان الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) يرفعه في معاركه الحربية، والإخوان شعارهم (سيف وتحته القرآن) يتضمن دعوة للحرب وليس السلام».
وتابع قائلاً: «الإخوان يرددون في مظاهراتهم واحتفالاتهم (الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، وهي نفسها الشعارات التي يرفعها (داعش)...».
ويؤيد الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، فكرة أن كل التنظيمات الإرهابية خرجت من معين جماعة الإخوان، مصيفًا أن «جماعة الإخوان ترى في منهجها ضرورة التصادم، رغم أن دور الداعي أن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة دون أن يحتاج إلى قوة تحميه»، مستشهدًا بصحابة رسول الله الذين سافروا للتجارة في مناطق كثيرة بالدعوة الحسنة دون أي قوة. وأشار مفتي مصر إلى «أن ما يدعونه من محاولة تصحيح مسار الأمة، لا تحتاج إلى تنظيم سري أو التصادم مع المجتمع أو الاستعانة بقوة عسكرية كما دعا سيد قطب، مرشد الجماعة الأسبق».
ويعزز التوجه ذاته وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، الذي قال في تصريحات له، إن كل التنظيمات الإرهابية تخرجت من رحم جماعة الإخوان، لافتًا إلى «وجود علاقة بين مؤسسي الجماعات الإرهابية بجماعة الإخوان مرورًا بتنظيمات القاعدة وأنصار بيت المقدس وداعش»، مؤكدًا أن «كل مؤسسيها ارتبطوا بشكل قريب مع أعضاء جماعة الإخوان». وأضاف النمنم أن «الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، لا تؤمن بالحدود والأوطان، ولا تراعي مصالح الشعوب.. وجماعة الإخوان نموذجًا لذلك خططت لتفجير القناطر الخيرية لتغرق دلتا مصر، وخططت لتفجير مفاعل أنشاص لتحرج الرئيس جمال عبد الناصر فيترك الحكم». واستطرد موضحًا أن قادة الإخوان في أعقاب ثورة 30 يونيو (حزيران) عام 2013 في مصر هددوا الشعب بحرق مصر ما لم يعودوا للحكم، وهو ما ظهر في العمليات الإرهابية التي نفذتها الجماعات الإرهابية. فيما بعد تحت مسميات مختلفة».
هذا، وسبق أن أكدت دار الإفتاء المصرية، أن «دعم التنظيمات الإرهابية المسلحة وفي مقدمتها الإخوان حرام شرعًا، لأنها تسعى لدمار البلاد والعباد، وتشوه صورة الإسلام بأفعالهم الوحشية». وتابعت الدار بقولها إن «الحرمة التي يقع فيها أولئك المتطرفون بسبب جرمهم وإيذائهم وسفكهم للدماء، تنسحب هذه الحرمة وذلك الجرم أيضًا على كل من يدعم هذه الجماعات بالمال أو الإيواء أو بالكلمة؛ بل يطردون من رحمة الله»، مشيرة إلى أن الجهاد لا بد أن يكون تحت راية الدولة ويعود أمر تنظيمه إلى ولاة الأمور ومؤسسات الدولة المختصة الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد.
وقالت دار الإفتاء في فتواها، إنه «لا يجوز لأحد أن يبادر بالجهاد بنفسه عبر جماعات أو تنظيمات مسلحة دون مراعاة تلك الضوابط والشروط؛ وإلا عد ذلك افتئاتا على ولاة الأمور، وقد يكون ضرر خروجه أكثر من نفعه، فيبوء بإثم ما يجره فعله من المفاسد».
وفي السياق نفسه، قال الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء في مصر، عن تنظيم «داعش» وسائر التنظيمات الإرهابية: «هؤلاء خارجون عن صحيح الدين وتعاليم الإسلام.. ووصفه بـ(الدولة) كما يفعل الإعلام الغربي؛ إساءة بالغة للإسلام والمسلمين، لأن سلوكياتهم شاذة خارجة على أحكام الشريعة وأخلاقها».
وأضاف شومان أن «المتابع لما نحن عليه اليوم يجد أن كل ذلك يأتي ونحن أمام هجمة شرسة من التتار الجدد وهم ليسوا عنا ببعيد، فما يفعله مجرمو (داعش) في العراق حاليا لم يفعله أسلافهم، ويعلنون أن خطتهم متدرجة، وليست مصرنا خارج حدودها». ولفت وكيل الأزهر إلى أن «قطع ألسنة قادة الفتن وردهم إلى جحورهم يجب أن يكون من أولويات متخذي القرار، لوأد الفتن ورد الناس إلى لحمتهم الوطنية».
أما الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، فيرى أن «الإرهابيين على شاكلة الإخوان يخدعون أتباعهم بوهم الخلافة ويتحدثون مع بعضهم بعضًا عن توزيع السبايا من النساء»، موضحًا أن تنظيمات الظلام التي تعشق سفك الدماء وتستبيح الأعراض تأخذ آيات القتال، وتؤولها بحسب فهمها السقيم وتفسيرها العقيم لتلبس على المسلمين دينهم في محاولة بائسة من هذه التنظيمات لتبرير وشرعنة الجرائم التي يرتكبها والدماء التي يسفكها، وبذلك تثير ضغائن غير المسلمين على الإسلام والمسلمين بل تؤجج حروبًا ضد العالم الإسلامي من كل حدب وصوب، حتى إن الإسلام ليؤتى من قِبَلهم، قبل أن يؤتى من قِبَل أعدائه».
وأوضح نجم أن «الجماعات الإرهابية تحاول أن تبين أنها تدعو إلى الجهاد وتقوم به لتطبق شرع الله في الأرض، حسب زعمهم، رغم أن ما تقوم به هو إرجاف وإرهاب وهم في ذلك يحرفون الكلم عن مواضعه».



2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.