مهرجان الحريد.. مناسبة لتكرار فرح «عروس العام» في موسم هجرة الطيور

رائحة الـ«بوسي» تكشف موعد قدوم أسراب الأسماك إلى شواطئ جزيرة فرسان

الشباب يحتفلون بموسم صيد أسماك الحريد في منطقة جازان («الشرق الأوسط»)
الشباب يحتفلون بموسم صيد أسماك الحريد في منطقة جازان («الشرق الأوسط»)
TT

مهرجان الحريد.. مناسبة لتكرار فرح «عروس العام» في موسم هجرة الطيور

الشباب يحتفلون بموسم صيد أسماك الحريد في منطقة جازان («الشرق الأوسط»)
الشباب يحتفلون بموسم صيد أسماك الحريد في منطقة جازان («الشرق الأوسط»)

هو «مهرجان الحريد»، والمكان جازان (جنوبي غرب السعودية)، أما الموعد فهو فصل الربيع، وتحديدا بين نهاية أبريل (نيسان) وبداية مايو (أيار)، فيما أبرز مظاهر هذا المهرجان هو أنه يشتمل على الكثير من أسباب الفرح، يأتي على رأسها «تكرار فرحة العروس التي لم تكمل العام الأول من زواجها».
وفي هذا الشأن، وخلال اتصال عبر الهاتف تحدث لـ«الشرق الأوسط» المؤرخ إبراهيم مفتاح عن مهرجان الحريد، قائلا «إنه يقام سنويا ويعود تاريخه إلى مئات السنين، ويكرر هذا المجيء كل ثلاث سنوات في شهر قمري واحد، ولكنه ثابت على شهر أبريل الميلادي».
وبحسب مفتاح، يتزامن سير سمك الحريد، الذي يسير حسب الخطة الطبيعية، مع موسم هجرة الطيور القادمة من أوروبا والدول الاسكندنافية إلى جزيرة قماح الواقعة غرب جزيرة فرسان، وهي إحدى جزر أرخبيل فرسان، ليصور للمشاهد من خلال هذه اللقطة أجمل لوحة فنية للسير المتناغم للكائنات الحية في الجو والبحر.
أهالي فرسان في الماضي كانوا يحتفون بهذه المناسبة من كل عام، وخاصة في بيوت العرائس؛ فكل عروس لم تكمل العام من عمر زواجها تحتفي بهذه المناسبة وتنشد لها كلمات خاصة، ويستمر الفرح على مدى الأيام التي يظهر فيها سمك الحريد، التي قد تصل إلى أسبوع.
ويقول مفتاح: إن «الناس تذهب في السابق إلى ساحل الحريد الذي يبعد عن المرسى ما يقرب من سبعة كيلومترات على ظهور الدواب والجمال في الصباحات الباكرة بعد صلاة الفجر مباشرة، وينتشرون على الساحل الخاص الذي تظهر فيه الأسماك على طول ثلاثة كيلومترات، على مطلات طبيعية من الجبال ينخفض البحر تحتها نحو ثلاثة أمتار».
وعلى الرغم من أن محيط سواحل فرسان يصل طولها ما يقارب 213 كيلومترا، فإن أسماك الحريد لا تظهر إلا في ساحل (حصيص، أو كما يقال له ساحل حريد) فقط، وهي تأتي مهاجرة من دول أخرى، وينتهي بها الأمر إلى هذا الساحل في يوم ما في النصف الثاني من شهر رجب.
ويقول: «تظهر أسماك الحريد على شكل مجموعات كبيرة تسمى (سواد)، تضم المجموعة الواحدة منها أعدادا مختلفة قد تصل إلى أكثر أو أقل من ألفي سمكة، يحلق عليها الصيادون بالشباك المعدة لها، ومن ثم يقومون بتقريبها للساحل، ويعمل حولها سور شجري من أشجار الكثب، وبعد الانتهاء من هذا السور تنطلق المجموعات التي تنتظر لحظة البدء في الصيد والمترقبة لهذا الأمر على الشاطئ للبدء في عملية الصيد».
ويزيد المؤرخ مفتاح في وصف هذه الطقوس، بأنها كانت تتم في السابق، وكان يشتهر بها أهالي فرسان، ويأتي ليشاركهم فيها أهالي منطقة جازان، ومع مرور الوقت وقبل 13 عاما تبنى أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز هذا المهرجان، وجعله رسميا على مستوى الخليج ليستقطب الكثير من أبناء المملكة والخليج، يسبقه بليلة مهرجان ثقافي تلقى فيه الكلمات والقصائد والمشاهد التمثيلية المتعلقة بمهرجان الحريد، أو بماضي التراث الفرساني المتميز بكونه تراثا بحريا.
وفي الـ13 عاما الأخيرة اختلفت طقوس الاحتفال بمهرجان الحريد، كما يصفها أحمد عباس، رئيس لجنة الصيد لمهرجان الحريد، قائلا: «اتسم مهرجان الحريد في السنوات الأخيرة، بعد أن تبناه أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر، بالعالمية، حيث تطلق فيه مسابقة يشترك فيها ما يقارب ثلاثة آلاف و500 متسابق يتنافسون على صيد أكبر كمية من أسماك الحريد».
وعن كيفية الصيد، أوضح عباس، أن أسماك الحريد تتم متابعة قدومها إلى ساحل فرسان من قبل لجنة مختصة، ومن ثم تبدأ عملية محاصرته في شباك حديدية تصل طولها 150 مترا وعرضها كذلك، ومن ثم تطلق شارة البدء التي ينطلق بعدها ألوف المشاركين لممارسة صيد الحريد، الذي تم فيه صيد ما يقارب 22 ألف سمكة في العام الماضي.
وذهب رئيس لجنة الصيد لمهرجان الحريد، إلى أنه يسبق قدوم أسراب سمك الحريد رائحة مميزة تسمى بالـ«بوسي» يعرف من خلالها الصيادون أن أسراب الأسماك قادمة، ويختلف أسماء الحريد حسب حجمه؛ فالكبير منه يطلق عليه سمك الخضاري، أما المتوسط منه فيسمى الزيادي، ومن ثم يسمى السمك الأصغر حجما بالحريدة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».