مصر: السجن المؤبد لعشرين متهماً باقتحام سجن بورسعيد

قضت محكمة مصرية أمس بمعاقبة 20 متهمًا بالسجن المؤبد في القضية المعروفة باسم «اقتحام سجن بورسعيد»، لتطوي مؤقتًا أحد أكثر الملفات القضائية حساسية في مصر خلال سنوات القلق التي شهدتها البلاد منذ ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، لكن آثارها لا تزال باقية. وطالبت المحكمة في جلسة أمس السلطات المعنية بالكشف عن المحرضين، قائلة إن «هؤلاء المتهمين يقف وراءهم أناس أشرار أعانوهم في تنفيذ الجريمة، ولم تتوصل المحكمة لهؤلاء المتهمين».
وقال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان جورج إسحاق، ابن المحافظة المطلة على البحر المتوسط التي تشرف على المدخل الشمالي لقناة السويس، لـ«الشرق الأوسط»، إن أبناء بورسعيد لا يزالون يشعرون بالمرارة، لافتًا إلى ضرورة طرح معالجة شاملة لملف القضية، فيما عول النائب البورسعيدي سليمان وهدان وكيل البرلمان على عامل الزمن لتخفيف حدة الاحتقان.
وقضية اقتحام سجن بورسعيد واحدة من فصول كارثة مروعة شهدتها المدينة أوائل عام 2012، حين قتل 72 من مشجعي النادي الأكبر جماهيرية في عالم كرة القدم في البلاد، النادي الأهلي، عقب مباراته مع النادي المصري البورسعيدي.
وتعود قضية اقتحام السجن إلى يناير عام 2013، حيث وقعت أعمال عنف وشغب في أعقاب صدور قرار محكمة جنايات بورسعيد بإحالة أوراق عدد من المتهمين بقضية «مجزرة استاد بورسعيد» إلى مفتي الجمهورية، لاستطلاع الرأي الشرعي في إعدامهم. وأسفرت أحداث اقتحام سجن بورسعيد عن مقتل 42 مواطنًا وإصابة أكثر من 79 آخرين.
كما قضت المحكمة التي تعقد استثنائيًا في أكاديمية الشرطة (شرق القاهرة) لدواع أمنية، بمعاقبة 12 متهمًا آخرين بالسحن المشدد 10 سنوات، وعاقبت 18 متهمًا بالسجن خمس سنوات.
وقال إسحاق، وهو عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (شبه الحكومي) إن «الشعب البورسعيدي لا ينسى بسهولة.. وهناك شعور عام بأن صفحة الماضي لم تنطو بعد، وإذا كان هناك جدية في معالجة آثار الأزمة فلا بد من أن تغير وزارة الداخلية من أدائها. كان يمكن أن نتجنب الكارثة لو أن أداء وزارة الداخلية في القضية كان أكثر احترافية، وهذا ما يدعونا للمطالبة بهيكلتها».
وأدين في حادث استاد بورسعيد قيادات شرطية، حيث عوقب كل من اللواء عصام الدين سمك، مدير أمن بورسعيد وقت الحادث، والعقيد محمد سعد، رئيس قسم شرطة البيئة والمسطحات المائية ببورسعيد حينها، بالسجن 5 سنوات مع الشغل والنفاذ.
وشارك إسحاق في لجنة تقصي حقائق عقب أحداث استاد بورسعيد، كما شارك في مساعي التهدئة عقب الاضطرابات التي شهدتها المدينة في أحداث سجن بورسعيد التي استمرت على مدار ثلاثة أيام، مما دعا الرئيس الأسبق محمد مرسي لإعلان حالة الطوارئ في محافظات القناة.
من جانبه، قال وهدان وكيل مجلس النواب المصري، عضو المجلس عن بورسعيد، إنه لا بد أن نملك الجرأة اللازمة لاقتحام هذا الملف، لافتًا إلى أنه رغم انتهاء الشق الجنائي في القضية، فإنه لا يزال الشق الإنساني والاجتماعي لم يعالج بأي صورة من الصور.
وعول وهدان على مرور الزمن لتخفيف حدة الأزمة بين جماهير النادي الأهلي المنتشرين في محافظات مصر المختلفة وأبناء بورسعيد، مشددًا على ضرورة وجود إرادة لدى طرفي الأزمة لإطلاق مبادرة جادة لمعالجة القضية.
وقال رئيس المحكمة، في كلمة استهل بها جلسة النطق بالحكم: «إنه نظرًا لما تناولته القضية من أحداث وقعت على مدار 3 أيام متتالية، (استشهد) خلالها عدد من رجال الشرطة والمواطنين بلغ 42 قتيلاً، بل وكان الخراب والدمار يعم تلك المدينة الفاضلة، ولولا تدخل رجال القوات المسلحة ومقاومة رجال الشرطة وأهالي بورسعيد الشرفاء المنتمين لها، فإن المحكمة تشير إلى بعض حيثيات الحكم التي استندت عليها في أسبابها، خصوصًا أن المحكمة قد عدلت القيد والوصف تعديلاً جذريًا، وأنه كان لمحكمة الجنايات أن تغير في الحكم وصف الأفعال المبينة بأمر الإحالة دون لفت نظر المتهم، بشرط ألا توقع عليه عقوبة أشد من العقوبة المقررة عليه وفقًا للمواد المحال لها للمحكمة المقررة للجريمة الموجهة إليه».
وأشارت المحكمة إلى أنها «على يقين كامل بأن هؤلاء المتهمين كان وراءهم مجموعة من الأشرار والمجرمين للتحريض والمساعدة من خلال تمويلهم بالمال والسلاح، وتناسى هؤلاء أنهم أبناء وطن واحد تربّوا على أرضه وتنفسوا من هوائه، إلا أن ذلك لم يشفع لهم في شيء وسعوا في مدينة بورسعيد الباسلة فسادًا وخرابًا وتدميرًا، وقد نتج عن ذلك (استشهاد) 42 من الشرطة والأهالي امتزجت دماؤهم بعضها البعض، فضلاً عن المصابين الذين منهم من أقعدته إصابته عن الحركة والحياة الطبيعية».
وأكدت المحكمة أنها «حاولت بحثًا وتحقيقًا الوصول إلى هؤلاء المجرمين الأشرار لمعرفتهم حتى تقتص العدالة منهم، وحتى تستريح أرواح هؤلاء الشهداء، إلا أن أوراق القضية لم تكشف عنهم، ومن ثم فإن المحكمة تكلف أجهزة الدولة والمختصين بموالاة البحث والتحري عنهم، وتهيب بالنيابة العامة بالبحث عن باقي المتهمين للوصول إليهم أيًا كان وضعهم وأفكارهم وانتماءاتهم».