«شم النسيم».. أكلات بمذاق الربيع وألوانه

أشهرها البيض الملون والفسيخ والرنجة والترمس والحلبة

الفسيخ أشهر أطباق شم النسيم  -  تلوين البيض من أهم ما يفعله المصريون في شم النسيم
الفسيخ أشهر أطباق شم النسيم - تلوين البيض من أهم ما يفعله المصريون في شم النسيم
TT

«شم النسيم».. أكلات بمذاق الربيع وألوانه

الفسيخ أشهر أطباق شم النسيم  -  تلوين البيض من أهم ما يفعله المصريون في شم النسيم
الفسيخ أشهر أطباق شم النسيم - تلوين البيض من أهم ما يفعله المصريون في شم النسيم

لم يعد المصري يهدي زوجته زهرة من اللوتس عند شروق الشمس يوم «شم النسيم»، كما كان يفعل المصري الفرعوني القديم، لكنه ما زال يطالب زوجته بتجهيز ما لذ وطاب من الأسماك المملحة، لا سيما البوري المملح «الفسيخ» والرنجة.
يعود احتفال الفراعنة بذلك العيد إلى عام 2700 ق.م أي في أواخر عهد الأسرة الفرعونية الثالثة، وتحرص العائلات المصرية منذ قديم الأزل على تناول البيض والبصل والفسيخ (الأسماك المملحة) والخس والملانة (نبات الحمص الأخضر)، كما كانوا يتناولون عدة أنواع من الأسماك التي رسموها على جدران مقابرهم، مثل: سمك البوري والشبوط والبلطي والبياض. يبدأ الاحتفال بعيد الربيع عادة بتلوين البيض قبل يوم «شم النسيم» الذي يوافق هذا العام بداية مايو (آيار) المقبل، فتحرص كثير من العائلات قبله بيوم على التفنن في زركشة البيض بالألوان والزخارف، ويفضل استخدام الألوان الطبيعية: اللون الأخضر الفاتح من البقدونس، والبيج من قشر البصل، والأحمر من البنجر أو قشر الرمان أو الكركدية، والبرتقالي الفاتح من الجزر أو مسحوق الزعفران، والبنفسجي الفاتح من قشر الباذنجان، واللون الأصفر الكركم والكاري.
كما تحرص بعض العائلات على تقليد قديم وهو أن يوقظ أفراد الأسرة بعضهم في الصباح الباكر على رائحة بصلة يتم تقريبها من أنوفهم، اعتقادًا منهم بأن ذلك يجلب لهم الصحة والسعادة طوال العام، وارتبط البصل في الأساطير الفرعونية بقدرته على طرد الأرواح الشريرة. فيما تعد الأسر المصرية عدتها لذلك اليوم بتجيهز الترمس بسلقه وتمليحه وهو ما يستغرق ما بين يومين أو ثلاثة، وزراعة الحلبة في طبق كبير حتى تزهر بأفرع خضراء لتناولهما كوجبة خفيفة على مدار اليوم. كما تعد بعض العائلات فطيرة «شم النسيم» وهي فطيرة من العجين على شكل ضفيرة تأخذ شكلاً دائريًا أو مستقيمًا، ويتم تزيينها بالشوكولاته وعجينة السكر الملونة وتوضع على المائدة في طبق من البامبو الملون.
وإرضاء لبعض أفراد العائلة ممن لا يشتهون الرنجة والفسيخ، تقوم بعض العائلات بتقديم أصناف مختلفة ومتنوعة من الأسماك كالبوري والدينيس المشوي بالردة أو بالزيت والليمون، أو تقديمهما كصينية في الفرن مع البطاطس ومتبلة بالزعتر والكمون والليمون والملح ويقدم جانبها أرز بطريقة الصيادية.
كما يفضل البعض تناول أسماك السردين المملحة والأنشوجة أيضًا، كما تقدم بعض الأسر سلطة الرنجة مع الطحينة والفلفل الأخضر والملون. وفي الماضي حينما كانت أسماك «الباكالا» المملحة متاحة في مصر كانت أيضًا ضيفًا مهمًا على مائدة «شم النسيم»، حيث كان يتم شراؤها من محال البقالة. ويعد طبق شرائح الطماطم والبصل المتبلة بالخل والليمون هو طبق السلطة الشهير هذا اليوم، كما يقدم طبق شرائح الطماطم المتبلة بالملح والكمون والثوم المفري. ويعتبر البصل الأخضر «الموسمي» هو نجم مائدة هذا اليوم.
أهم ما يميز هذا اليوم هو التجمعات العائلية الكبيرة، حيث تجتمع الأسرة المصرية كلها من أبناء وأحفاد وأقارب في بيت كبير العائلة يتناولون فيه ما لذ وطاب، فهو يوم للأكل والتنزه بامتياز. وتعتبر من أهم ملامح هذا اليوم الخروج إلى الحدائق والمتنزهات، وأخيرًا ومع ارتفاع درجات الحرارة أصبحت الشواطئ والرحلات البحرية أمرًا محبذًا لدى كثير من المصريين.
تقول رنا مراد، 34 سنة: «يعتبر يوم (شم النسيم) هو عيد البهجة والمرح وطبعًا الفسيخ والرنجة، وتحرص أسرتنا منذ سنوات طويلة على التجمع في بيت جدتنا، نتناول الإفطار المكون من البيض الملون وفطيرة شم النسيم، ونلهو مع الأطفال ونتسامر، ويقدم الكبار للأطفال قطع الشوكولاته بأشكال الأرانب أو البيض التي تحوي بداخلها لعبة لإدخال البهجة على الأطفال».
أخيرًا اتجه كثير من الأسر لتجهيز الفسيخ في المنزل بسبب التحذيرات من حالات التسمم التي عادة ما تحدث كل عام، لكن ذلك أيضًا لا يمنع المصريين من التهافت على شرائه في هذا الوقت من العام. يقول جورج سعيد، 40 سنة: «يمكنك استشراف أجواء شم النسيم من المرور بالمحال وهي تعرض الرنجة بأسعارها في واجهة المحال، كما يمكنك ملاحظة طوابير وصفوف لا تنتهي أمامها طلبًا للرنجة والفسيخ، وتصبح تلك الطوابير أطول ما يكون ليلة (شم النسيم) فيمكن أن يصل بك الحال للانتظار 4 ساعات للحصول على الرنجة والفسيخ».



«بافيون كافيه»... ينبثق من متحف على المستوى الرفيع

الشيف حسين حديد يوقّع أطباق المتحف (إنستغرام)
الشيف حسين حديد يوقّع أطباق المتحف (إنستغرام)
TT

«بافيون كافيه»... ينبثق من متحف على المستوى الرفيع

الشيف حسين حديد يوقّع أطباق المتحف (إنستغرام)
الشيف حسين حديد يوقّع أطباق المتحف (إنستغرام)

مهما خطر على بالك من أفكار حول مطعم ينبثق من متحف وعلى المستوى الرفيع، فإن ما ستراه في «بافيون كافيه» سيفاجئك. أجواؤه الراقية مطعّمة بأنامل سيدات لبنانيات، وبأسماء رجال مشهورين في عالمي الهندسة والطعام، فيترك عندك الشوق لاكتشافه مرات متتالية.

هو يأتي من ضمن مشروع «لو بافيون»، وجناح نهاد السعيد للثقافة، ويشكّل امتداداً للمبنى الأصلي للمتحف الوطني وانعكاساً له.

المدخل الرئيسي لـ«كافيه بافيون» يعكس هندسة المتحف الوطني (إنستغرام)

لا يشبه «بافيون كافيه» بموقعه وجلساته أي مطعم آخر في العاصمة. مشرف على ميدان سباق الخيل في منطقة المتحف، أهم ما يميزه ثلاثة أعمدة ضخمة، استوحاها مصممها المهندس رائد أبي اللمع من مبنى المتحف الوطني الملاصق له. تدخله من ممر موريس شهاب فتشعر برهبة اللحظة، ويشكل جانب المطعم الجدار الفاصل للمتحف الوطني. ففي ثمانينات القرن الماضي خطرت للأمير شهاب فكرة بناء جدار حول الواجهة الغربية للمتحف، من أجل حماية المبنى. ولا يزال قسم من هذا الجدار قائماً حتى الآن، يربط المبنى الرئيسي بجناح «لو بافيون»، فيذكرنا بتاريخ المتحف ويقودنا للعبور من القديم إلى الحديث، ومن الذكرى إلى الابتكار.

جلساته تتمتع بالهدوء والسكينة (إنستغرام)

فقد آثر القيمون الإبقاء عليه كذكرى وفاء لشهاب، مدير آثار المتحف آنذاك، الذي بنى أثناء الحرب اللبنانية متاريس إسمنتية مدعمة بالفولاذ. وكانت مسافة آمنة تحول دون الوصول إلى كنوز المتحف، في زمن الفلتان الأمني.

ما إن تطأ قدمك المطعم حتى تغمرك أحاسيس مختلفة. فهو يعانق الثقافة التي تسود أجواءه، وإلى جانبه يقع جناح نهاد السعيد للمعارض التشكيلية. الهدوء والسكينة يخيمان على مشهدية طاولات المطعم الرخامية وكراسيه الحديدية موزعة بين أحضانه بأسلوب حديث وعلى مسافات عن بعضها.

راودت فكرة المطعم المؤسسة الوطنية للتراث التي أسستها منى الهراوي. وفي عام 2014 ناقش أعضاؤها فكرة إنشاء مطعم، حديث الطابع. في عام 2019 توقف تنفيذ المشروع بسبب أزمات متلاحقة أصابت لبنان. ولكن منذ نحو سنتين قررت سلمى السعيد أن تباشر العمل. جلست على كرسي بلاستيكي تراقب الورشة من ألفها إلى يائها. وبلجنة تتألف من 6 أشخاص ينقسمون بالتساوي بين رجال ونساء بدأ بناء المشروع كاملاً، وتتألف من: لمى سلام ويمنى زيادة كرم وسلوى سلمان وريمون عريجي وسمير علي أحمد.

يطلّ على ميدان سباق الخيل في بيروت (إنستغرام)

تركت نساء اللجنة أشغالها وتفرّغت لهذا المشروع. وتقوم فكرة المطعم ومبنى المعرض على أساس التبرع بأرباحه الإضافية للمتحف الوطني.

وتخبر لمى سلام «الشرق الأوسط»: «اخترنا الشيف حسين حديد لأنه يتمتع بخبرة عالمية في تحضير الطعام. وهو ابن ريما شحادة أخت الراحل نهاد السعيد وتولّت زوجته سلمى تمويل القسم الأكبر من هذا المشروع».

أما لائحة الطعام فتتألف من أطباق غربية، صممت ونفذت بأسلوب راقٍ وشهي.

وتتنوع المأكولات بين المقبلات والسلطات والباستا والأطباق الرئيسية، ومن بينها «سمك السلمون المدخن مع الأفوكادو». و«فويتي البندورة والزعتر» اللذيذ، و«كرودو التونا مع صلصة التارتار». ونجد إضافة إلى سلطات «القيصر» و«الذرة مع الكزبرة» وسندويشات «الدجاج كلوب سندويش» و«برغر بافيون».

أطباقه متنوعة ترضي جميع الأذواق (إنستغرام)

وكذلك توجد أطباق رئيسية من إسكالوب دجاج وخليط الأرز مع «الباذنجان الراغو» بصلصة البندورة. وأخرى محضرة مع لحم البقر أو السمك. ومسك الختام مع حلويات كالبسكويت مع الشوكولاته والجبن، وطبق الـ«ملبا مع السوربيه» و«التفاح المكرمل مع مثلجات الفانيليا».

يتسّع «لوبافيون» لنحو 60 شخصاً، وباحته الخارجية مصممة لاستضافة مناسبات خاصة في الهواء الطلق لتستوعب عدداً أكبر من الناس.

تطل صالته الأساسية على ميدان سباق الخيل الشاسع والعريق. وقد تم هدم الجدار المرتفع الفاصل بينه وبين المطعم ليتزود رواده بهذه المشهدية الرائعة. وقد أقيم الحاجز الحديدي الجديد من تصميم ماركة «لونشانغ» الفرنسية.

جلسة تعبق بأجواء الثقافة والطعام الشهي تتوّج «بافيون كافيه»، فتتيح الفرصة لروادها للقيام بزيارة المتحف الوطني. وجود «لو بافيون» على تماس مع معارض تشكيلية، يحدث الاختلاف بينه وبين غيره من مطاعم بيروت المعروفة. الجمع بين المفيد والممتع عنوان يختصر زيارتك لـ«بافيون كافيه»، فتخرج منه بتجربة بعيدة عن المألوف تحضّك على اكتشاف نكهاتها مرة ثانية.