الميليشيات تصعّد من عملياتها العسكرية في تعز.. وتحجب المياه عن المواطنين

واصلت خرق الهدنة.. وارتكاب المجازر في المحافظة المحاصرة

يمني يجمع القمامة من داخل مقالب في صنعاء لإعادة تدويرها لكسب المال (غيتي)
يمني يجمع القمامة من داخل مقالب في صنعاء لإعادة تدويرها لكسب المال (غيتي)
TT

الميليشيات تصعّد من عملياتها العسكرية في تعز.. وتحجب المياه عن المواطنين

يمني يجمع القمامة من داخل مقالب في صنعاء لإعادة تدويرها لكسب المال (غيتي)
يمني يجمع القمامة من داخل مقالب في صنعاء لإعادة تدويرها لكسب المال (غيتي)

صعدت ميليشيات الحوثي والقوات الموالية للمخلوع صالح، من عملياتها العسكرية في مدينة تعز، ثالث كبرى المدن اليمنية، ونوعت من وسائل القتل اليومية بحق المدنيين العزل، حيث أصبحت لا تخلوا أي منطقة أو حي في مدينة تعز من أن ينال أهله نصيبهم؛ إما من رصاص قناصة الميليشيات، أو قذائف وصواريخ ومضادات الطائرات، أو الألغام التي زرعتها قبل فرارها من المناطق التي تم تحريرها من قبل قوات الشرعية؛ الجيش الوطني والمقاومة الشعبية وبمساندة طيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
وترفض الميليشيات الانقلابية رفع الحصار عن أهالي مدينة تعز وفتح ممرات آمنة للمدينة، مع قصفها الشديد على مختلف الأحياء السكنية في مدينة تعز وفي قرى الوازعية، غرب مدينة تعز، وحيفان، جنوبها، علاوة على التحشيد والدفع بتعزيزات عسكرية إلى محيط مدينة تعز.
وقال العقيد الركن منصور الحساني، الناطق الرسمي باسم المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية في تعز، لـ«الشرق الأوسط» إن «مدينة تعز ما زالت تتعرض لكثير من الأعمال العسكرية العدائية من قبل ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح، مع الإصرار على رفضهم الالتزام بالهدنة المتفق عليها».
وأضاف أن «الميليشيات الانقلابية صعدت من عملياتها العسكرية، مستغلةً انعقاد جلسات التفاوض في دولة الكويت الشقيقة، حيث دارت معارك هي الأعنف منذُ بدء الهدنة، وشملت قصفا عنيفا بالأسلحة الثقيلة على الأحياء السكنية داخل المدينة والمديريات والقرى المجاورة، ومن بينها القصف على منطقة ثعبات، شرق المدينة، وشمالاً باتجاه حي الثورة ومنطقة التحرير الأسفل، وعلى بيرباشا والضباب والوازعية، غربا، ومديرية حيفان جنوب المدينة».
وذكر أن «أبطال المقاومة الشعبية والجيش الوطني أفشلوا محاولات الميليشيات الانقلابية التسلل إلى مواقع الدفاع الجوي، ومعسكر المطار القديم التابع لـ(الواء35 مدرع)، والسجن المركزي، ومواقع المقاومة الشعبية في منطقة ثعبات، وإلى منزل المخلوع صالح الذي تسيطر عليه المقاومة الشعبية، وإلى مواقع المقاومة في جبهة الضباب، محاولين التقدم والسيطرة على بعض المواقع وتحقيق مكاسب على الأرض، بينما ينادون بتوقف تحليق طيران التحالف وتوقف الطلعات الجوية، وآلياتهم العسكرية ما زالت تطلق قذائفها على رؤوس الأبرياء في المدينة».
وأكد الحساني أن الميليشيات الانقلابية شددت من الحصار على المداخل الرئيسية للمدينة، وقامت «بتفجير جميع عبارات المياه في المدخل الجنوبي الغربي لخط الضباب لحجبها عن المواطنين، ووضع الحواجز الترابية وزرع الألغام على الخط الرئيسي، مما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين كانوا على متن حافلة في طريقهم إلى المدينة؛ حيث سقط خمسة شهداء وسبعة جرحى معظمهم من أسرة واحدة».
من جانبه، بعث العقيد الركن منصور الحساني برسالة للفريق الحكومي المفاوض، طالبا منه أن «يكون له موقف أمام هذه الخروقات والاعتداءات التي تحدث بصورة مستمرة دون توقف، ويعمل على توقيفها، أو يعلق جلساته في الحوار حتى تلتزم ميليشيا الحوثي والمخلوع بما تم الاتفاق علية قبل جلسات الحوار والتفاوض».
وعبر التحالف الدولي عن قلقة البالغ إزاء التدهور الحاد والمتسارع للأوضاع الإنسانية في البلاد، وأكد أن «إحلال السلام أحد أهم الخيارات الناجعة لوقف التدهور المتسارع في الأوضاع المعيشية والإنسانية الناتجة عن استمرار الحصار في بلد يعد من أفقر شعوب المنطقة، في حين أن هناك الملايين من اليمنيين يعيشون وضعًا كارثيًا جراء استمرار الحرب، وأن العمل على إنجاح محادثات السلام التي تجري برعاية الأمم المتحدة في دولة الكويت أصبح مسؤولية تاريخية ووطنية وإنسانية أمام فريقي الوفدين المفاوضين».
كما أكد التحالف أن «إخراج اليمن مما هو فيه منذ أكثر من عام مسؤولية جماعية بين كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وعلى الجميع القيام بدورهم في الدفع بالعملية السلمية إلى الأمام بمختلف الطرق وعدم السماح بعودة الأوضاع إلى مربع العنف، لما لاستمرار العنف في اليمن من تداعيات على المدى المتوسط والبعيد على المنطقة برمتها».
وطالب الأمم المتحدة بسرعة تكثيف مساعداتها الإنسانية من الغذاء والدواء للحد من معاناة ملايين اليمنيين، والعمل على رفع الحصار المفروض على الشعب اليمني منذ أكثر من عام والسماح بدخول السفن التجارية والدوائية والوقود إلى الموانئ اليمنية لتعزيز آفاق السلام.
وعلى الجانب الإنساني، وزع «ائتلاف الإغاثة الإنسانية» بمحافظة تعز، مساعدات مشروع الإغاثة العاجلة الغذائية والطبية، المقدمة من مؤسسة «صلة» للتنمية (حضرموت)، حيث يستهدف سكان ومستشفيات مدينة تعز المحاصرة وسط اليمن.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.