«الإسلاموفوبيا».. جائزة المتطرفين الكبرى في حربهم الآثمة

«داعش» يغرق أوروبا بالدم عمدًا ليحصد الكراهية

يرى مراقبون أن الأحداث التي تُلصق بالإسلام دفعت بعض العناصر المُتطرفة في أوروبا لاستغلال هذه الأحداث وإلصاق تهم الإرهاب والعنف بالإسلام والمسلمين (أ.ف.ب)
يرى مراقبون أن الأحداث التي تُلصق بالإسلام دفعت بعض العناصر المُتطرفة في أوروبا لاستغلال هذه الأحداث وإلصاق تهم الإرهاب والعنف بالإسلام والمسلمين (أ.ف.ب)
TT

«الإسلاموفوبيا».. جائزة المتطرفين الكبرى في حربهم الآثمة

يرى مراقبون أن الأحداث التي تُلصق بالإسلام دفعت بعض العناصر المُتطرفة في أوروبا لاستغلال هذه الأحداث وإلصاق تهم الإرهاب والعنف بالإسلام والمسلمين (أ.ف.ب)
يرى مراقبون أن الأحداث التي تُلصق بالإسلام دفعت بعض العناصر المُتطرفة في أوروبا لاستغلال هذه الأحداث وإلصاق تهم الإرهاب والعنف بالإسلام والمسلمين (أ.ف.ب)

يرى مراقبون أن تنظيم داعش الإرهابي - التنظيم الأكثر نشاطا من باقي الجماعات المتطرفة في أوروبا - يسعى في حربه الآثمة لري أرض اليمين المتطرف في الغرب بالدم، لحصد الكراهية والفوز بالجائزة الكبرى، ألا وهي نشر «الإسلاموفوبيا» في أوروبا. وفي المقابل يُطالب علماء وخبراء مصريون بضرورة وضع علاج لظاهرة «الإسلاموفوبيا» في أسرع وقت، بدلا من المسكّنات والإدانات التي تُطلق من وقت لآخر، عندما يتعرّض المسلمون لأي اضطهاد، الذي يزداد يوما بعد يوما في الغرب. بينما قالت مشيخة الأزهر في مصر إن «الإسلاموفوبيا» أصبحت تُمثل ظاهرة حقيقية تُهدد المسلمين في المجتمعات الغربية، الأمر الذي يحتاج إلى تضافر جهود جميع الهيئات والمؤسسات الدينية والاجتماعية والدولية لمواجهتها بجميع الأساليب الممكنة وفي أقرب وقت ممكن، حذّر مرصد «الإسلاموفوبيا» التابع لدار الإفتاء المصرية من موجة اعتداءات جديدة لعناصر التنظيم الإرهابي في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، مؤكدا أن «أعمال التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها (داعش) تهدم صورة الإسلام حول العالم وتشوه معانيه وقيمه السامية، وتدفع كثيرين، خاصة من المتطرفين، إلى معاداة المسلمين والاعتداء عليهم».
يُناقش وزراء أوقاف ومفتون من 16 دولة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في مؤتمر دولي تستضيفه مصر خلال أيام. وحسب قيادي في وزارة الأوقاف المصرية فإن «المجتمعين خلال جلسات المؤتمر سوف يفضحون مُخططات (داعش) في الغرب، التي تهدف تشويه صورة الإسلام ونعته بأنه دين (قتال ونحر)، لإثارة القوى المتطرفة في أوروبا ضد المسلمين».
المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية يعقد مؤتمره الـ26 تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتشمل محاور المؤتمر «واقع المؤسسات الدينية في الدول العربية والإسلامية، والتنسيق بين المؤسسات على المستوى الوطني والعربي والإسلامي في نشر الفكر الوسطي، ودور جامعة الدول العربية في التنسيق بين المؤسسات الدينية في العالم العربي، ودور رابطة الجامعات الإسلامية والمجامع العلمية والفقهية في القضايا الكبرى، خاصة قضية التطرف، ووضع آليات لمواجهة الجماعات المتطرفة وظاهرة (الإسلاموفوبيا)، وضرورة تصحيح صورة الإسلام لدى الآخر في الغرب، والحفاظ على الثوابت، بالإضافة إلى ضرورة توحيد الفتاوى التي تصدر عن المجامع الفقهية في القضايا الكبرى».
وجدير بالذكر أن انعقاد هذا المؤتمر يأتي بعدما شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل أخيرًا انفجارات استهدفت مواطنين أوروبيين، كما وقعت انفجارات بالعاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن التفجيرات، متوعدا بمزيد من العمليات الانتقامية في أوروبا وأميركا خلال الفترة المقبلة.
في المقابل، سبق أن أطلقت مجموعة «بيغيدا» المُعادية للإسلام، مجموعة تابعة لها في بريطانيا زاعمة أن الدين الإسلامي «آيديولوجية فاشية» عقب أحداث فرنسا الأخيرة. وحثت منظمة «العفو الدولية» فرنسا على وقف المُضايقات والتمييز بحق الأقلية المسلمة، كما اتهم تقرير مشترك لمنظمتي «هيومان رايتس ووتش» و«العفو الدولية» الشرطة الفرنسية باستخدام القوة المفرطة خلال ممارساتها التي تستهدف مسلمين بينهم أطفال وشيوخ، فضلا عن رمي الشرطيين مصاحف القرآن الكريم على الأرض أثناء مداهمات المساجد والمحال التجارية ومنازل المسلمين. إلى ذلك يواجه المسلمين في أستراليا زيادة في معدل الاعتداءات اللفظية عبر الإنترنت، فضلا عما يحدث في الولايات المتحدة.
اليوم يرى المراقبون أن «الأحداث التي تُلصق بالإسلام دفعت بعض العناصر المُتطرفة في أوروبا، لاستغلال هذه الأحداث، وإلصاق تهم الإرهاب والعنف بالإسلام والمسلمين، وبدأوا التضييق على المسلمين في أوروبا؛ بل التعدّي عليهم واستهدافهم في بعض الأماكن». ويضيف المراقبون أن «جمعية مكافحة (الإسلاموفوبيا) في فرنسا، وهي جمعية مُستقلة، سجلت 29 حادثة اعتداء على المسلمين بعد تفجيرات (داعش) الأخيرة في باريس، فضلا عن ظهور رسوم جدارية مُناهضة للمسلمين في أنحاء كثيرة من فرنسا».
ولقد أعرب العلماء والخبراء المصريون عن قلقهم المُستمر من الخطابات التي تدعو إلى أعمال عدائية ضد الإسلام والمسلمين، التي يُغذيها بعض السياسيين ورجال الدين ومتطرفين في أوروبا. وكشف الدكتور حسام شاكر، المُنسق الإعلامي بجامعة الأزهر، عن وجود قصور في الإعلام العالمي والغربي في معالجته لـ«الإسلاموفوبيا»، قائلا: «يمنح الفرصة للمتطرفين لجذب عدد جديد من المؤيدين، بحجة أن الغرب وأميركا يضطهدون المسلمين والإسلام.. ولا يتناول الأحداث التي تقع بموضوعية؛ بل تهمة إلصاق كل ما يحدث بالإسلام حاضرة دائما»، مضيفا: «إن التصريحات والجرائم التي تندرج تحت الجرائم العنصرية لا بد لعقلاء العالم بأسره أن يقفوا في وجهها ويتصدوا لها؛ حتى لا تكون أفعال هؤلاء وأقوالهم مدعاة لانضمام عدد جديد من المتعاطفين مع المضطهدين لجماعات متطرفة تدعي أنها تفعل ذلك نصرة للمظلومين».
من ناحية أخرى، قال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في خطابه أمام البوندستاغ (مجلس النواب) الألماني، إنه «يعيش في أوروبا اليوم ما يقرب من عشرين مليون مسلم، معظمهم ولد في أوروبا وأصبح أوروبيًا.. ويجب أن يتمتع هؤلاء جميعا بالمُساواة بينهم وبين المواطنين من أصول أوروبية؛ وألا يتركوا يشعرون بأنهم مهاجرون يعيشون على هامش المجتمع، ويفتقدون ولاءهم لمجتمعهم الذي ينتمون إليه، فالولاء للأوطان هو (المناعة) القوية التي تقف ضد الانزلاق إلى التطرف والعنف».
كذلك أشار مصدر مُطلع في مشيخة الأزهر إلى أن «الإسلاموفوبيا» تُمثل إحدى الوسائل القوية التي يستعان بها في تجنيد الشباب للفكر المُتطرف، حيث يتم استغلال حالات التمييز والتهميش والاعتداءات التي تحدث ضد المسلمين في المجتمعات الغربية، لحثهم على التنكر لقيم المجتمع الذي يعيشون فيه، واعتناق أفكار مُتطرفة لا يقبلها الدين ولا تقرها القوانين الإنسانية، لا سيما عبر دعم ذلك بنصوص شرعية مجتزأة من سياقاتها. وشدد المصدر نفسه في مشيخة الأزهر، على أهمية تعزيز قضايا الاندماج والمواطنة ووقف التمييز القائم على العرق أو الدين في أوروبا، لافتا إلى أن الإعلام الغربي يلعب دورا كبيرا في تضخيم أي عمل إرهابي يقوم به من ينتسب إلى الإسلام خاصة «داعش»، مع غض الطرف عن آلاف الأحداث الأخرى التي تحدث في الغرب.. يكون التعامل معها على أنها مجرد جرائم عادية رغم قسوتها، الأمر الذي ساهم في ربط الإسلام بالإرهاب لدى المواطن الأوروبي. وتجدر الإشارة، هنا، إلى أن مشيخة الأزهر أكدت في تقرير لها صدر أخيرًا أن مظاهر «الإسلاموفوبيا» ازدادت عام 2015 بالمقارنة بالعام قبل الماضي بصورة ملحوظة، وأن الأحداث الإرهابية التي وقعت بالعاصمة الفرنسية في نوفمبر الماضي زادت من مظاهر الكراهية للمسلمين بالأراضي الفرنسية بنسبة 222 في المائة عن عام 2014. وقال تقرير المشيخة إنه «تم تسجيل 816 بلاغا عن اعتداءات ضد المسلمين في لندن حتى يوليو (تموز) 2015 مقابل 478 بلاغا في الفترة نفسها من عام 2014 أي بنسبة زيادة 70.7 في المائة».
وأرجع تقرير مشيخة الأزهر الزيادة الملحوظة في نسب «الإسلاموفوبيا» في الغرب خلال عام 2015 إلى عدة أسباب كان من أهمها: «أن الهجمات الإرهابية التي قامت بها الجماعات المتطرفة، وفي مقدمتها (داعش)، ساهمت بشكل ملحوظ في كراهية الإسلام والمسلمين داخل المجتمعات الغربية، بسبب إعلان تلك (داعش) بأنه يفعل ذلك باسم الدين، وهو ما دفع بعض من لا يعرفون حقيقة الدين الإسلامي إلى وصف كل المسلمين بإرهابيين، ومن ثم مهاجمتهم سواء لفظيا أو بالاعتداء البدني».
وتابع التقرير «الشواهد جميعها تؤكد تصاعد حدة مظاهر الكراهية للمسلمين أكثر وأكثر بعد حادث بروكسل في بلجيكا الأخير، رغم الجهود المبذولة من عقلاء العالم لتصحيح المفاهيم المغلوطة، ومحاولة إقناع شعوب الغرب عامتهم ومثقفيهم، بأن ما تقوم به (داعش) وأخواتها لا يمت للإسلام بصلة».
وفي السياق ذاته، قال «مرصد دار الإفتاء المصرية للإسلاموفوبيا» إن اتهام البعض في أوروبا للإسلام بالفاشية «يعكس جهلاً كبيرًا بالدين الإسلامي، الذي لا يعرف النزعة العنصرية المتطرفة»، لافتا إلى أن هذه التهم وغيرها «تهيئ الرأي العام الأوروبي لتأييد جرائم الكراهية والاضطهاد ضد المسلمين، وإضافة قوانين صارمة تحرم المسلمين من حقوقهم وحرياتهم في أوروبا».
ولفت «المرصد» إلى أن علماء المسلمين قديما وحديثا قد اتفقوا على حرمة العمليات الإرهابية، التي تطلق عليها بعض التنظيمات المتطرفة «استشهادية»، التي تستهدف المدنيين وتضرب استقرار الدول وتؤثر على مسيرتها التنموية والمجتمعية، وتزرع الشقاق والفتنة بين مسلمي تلك الدول وباقي فئات المجتمع. وأكد أن «الإرهاب لا يفرق بين مسلم وغير مسلم، كما أنه يستهدف الدول الإسلامية والغربية على السواء، ويوقع المدنيين من هنا وهناك بدعاوى باطلة وتبريرات واهية لا تنطلي على عاقل، وهو ما يؤكد أن الإرهاب هو عدو الإنسانية الأول في هذا العقد».
وتابع: «المرصد» أنه «قد ثبت بالدراسات الرصدية أن المسلمين هم أكثر الفئات المستهدفة من قبل الإرهابيين، كما أن الجاليات المُسلمة في الخارج هم أكثر المتضررين من أعمال تلك التنظيمات وجرائمها في حق الآمنين في مختلف دول العالم».
هذا، وقد دشنت دار الإفتاء المصرية «مرصد الإسلاموفوبيا» المتخصص في رصد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» ومعالجتها، وتقديم كل التصورات والتقديرات الضرورية لمواجهة هذه الظاهرة، والحد من تأثيرها على الجاليات الإسلامية في الخارج، وتصحيح المفاهيم والصور النمطية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين في الخارج.
هذا، بينما يتوعد تنظيم داعش الغربيين باستمرار هجمات «تنسيهم» - على حد زعمه - هجمات نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وباريس وبلجيكا الأخيرة.
وحسب «مرصد دار الإفتاء للإسلاموفوبيا»، فإن حدة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» زادت في الآونة الأخيرة بعد سلسلة من جرائم «داعش» في كثير من بلدان العالم بأكثر من قارة، بينه على سبيل المثال لا الحصر، لبنان في آسيا، وفرنسا في أوروبا، ومالي في أفريقيا، موضحا أن بعض الأصوات المتطرفة في أوروبا والولايات المتحدة قد استغلت هذه الجرائم في تأييد دعايتها وتحريضها ضد الإسلام والمسلمين.
وأضاف: «إن كثيرا من حالات الاعتداء على المسلمين، خاصة النساء ممن يرتدين الحجاب في عدد من المدن الأوروبية، تم رصدها، وتعرضت كذلك كثير من المساجد للاعتداء». ونبّه إلى أن «الإسلاموفوبيا» عبارة عن «خوف مرضي غير عقلاني من الإسلام والمسلمين له ثلاثة مستويات: الأول فكري يتعلق بالمفاهيم والتصوّرات حيث ينظر للإسلام والمسلمين على أنهم (استثناء خطر) على المجتمعات وربما على العالم.. وأن هذه المفاهيم والتصورات تركز على إبراز التفسيرات المتطرفة والعنيفة لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية لتسويغ وصف الإسلام والمسلمين بأنه خطر على المجتمعات في أوروبا والولايات المتحدة، مع إغفال جميع التفسيرات الأخرى وهي كثيرة ومتنوعة، وهذا المستوى يقوم على تطويره بعض من الدارسين والباحثين في الدراسات الاستشراقية في عدد من الجامعات الأوروبية والأميركية الذين – بحكم تكوينهم الدراسي – قد تشرّبوا أعمال بعض المستشرقين غير المنصفين في نظرتهم للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة».
وتابع «المرصد» فذكر أن «المستوى الثاني من (الإسلاموفوبيا) يتعلق بتشويه المسلمين وشيطنتهم والتحريض عليهم، ويقوم على هذه الخطوة مؤسسات كثيرة من مراكز الأبحاث والإعلام التي تحدّد بؤرة تركيز المواطن الغربي فيما يتعلق بنظرته للإسلام، فما أن تحدث جريمة ما، أحد مرتكبيها ذو أصول عربية أو مسلمة حتى يتم التركيز على هويته، فتجد عنوانا يقول: (مسلم يقتل). في حين أنه لا يشار إلى ديانة مرتكبي جرائم أخرى كثيرة. وعلى الجانب الآخر لا يُذكر دين أي فرد مُبتكر أو مخترع ينتمي إلى الديانة الإسلامية إذا ما ظهر في وسائل الإعلام، فيتم بذلك الربط بين الجريمة والإسلام ليتجذر في ظن المتلقي هذا الارتباط، ومن ثم يسهل التحريض ضد الإسلام والمسلمين تمهيدا لقبول الإجراءات الأمنية ضد المسلمين بوصفها طائفة تنتقص من حقوقهم».
وأما عن المستوى الثالث للـ«إسلاموفوبيا» فيتمثل في: «الانتهاكات الفردية والقيود والممارسات الإدارية والقوانين التي تستهدف حقوق المسلمين وحرياتهم في المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها، كحظر الحجاب في المدارس العامة الفرنسية، وحظر بناء منارات المساجد في سويسرا»، موضحا أن مستويات الظاهرة متداخلة يغذى بعضها بعضا، وأن التعامل معها يحتاج إلى نظرة كلية شاملة بعيدا عن النهج الدفاعي أو الاعتذاري، كما أنه يتطلب صياغة استراتيجيات شاملة ترسخ لقواعد عامة في التعامل مع الظاهرة، وتحدد الأدوار والفاعلين الرئيسيين في مختلف مناطق الظاهرة، وصولا إلى التعاون والتكامل في الأدوار والأهداف بين جميع المهتمين والمتعاملين مع الظاهرة في الدول الغربية والعالم الإسلامي.
من جانبه، طالب الدكتور إبراهيم نجم، مُستشار مفتي مصر، بـ«استراتيجيات شاملة عربية وإسلامية» لمواجهة ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التي تنتشر في بعض الدول عقب أي تفجيرات، فكريا، ورفض الانتهاكات الفردية التي يتعرض لها المسلمون جراء هذه التفجيرات التي تقوم بها جماعات تنسب نفسها زورا إلى الإسلام. وفصّل بأن «التعاطي الصحيح مع مشكلة (الإسلاموفوبيا) يبدأ من الرصد الدقيق والتحليل العلمي السليم لكل الأحداث والقضايا المتعلقة بمعاداة الإسلام والمسلمين في الخارج، فالعلاقة بين أصحاب الأديان والبشر عموما، دائما ما تحتاج إلى عمليات من الرصد والتحليل والتنبؤ من أجل إنضاج العلاقة ودفعها إلى الأمام وتصحيح مسارها دوما، والاستفادة من خبرات الماضي وقضايا الحاضر لبناء المستقبل».
وأكد الدكتور نجم أن «العالم العربي والإسلامي يواجه صراعًا حضاريًا ودينيًا وثقافيًا من أطراف عدة تحاول تشويه الإسلام ورموزه ومحاربة المسلمين، ولا بد لنا أن نواجه ذلك بالدراسة والتحليل والتزود بسلاح العلم والمعرفة والبحث العلمي، فهي أدوات لا غنى عنها في مواجهات الصدامات الثقافية والأزمات الحضارية بين أتباع الديانات المختلفة».
وتابع قائلا: «مُعالجة أزمة (الإسلاموفوبيا) تتطلب مخاطبة العالم الخارجي بلغاته عبر أدواته ووسائله الإعلامية، وهو ما تسعى له دار الإفتاء من خلال لغات المرصد الثلاث، الإنجليزية والفرنسية والألمانية، إلى جانب فريق من الباحثين والمترجمين، فضلا عن استغلال صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية في نشر رسائل المرصد ورده على حملات الكراهية التي تظهر في هذه الوسائل والوسائط».



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.