«إخوان» الأردن.. الدخول إلى بيت الطاعة؟

ذنيبات: ترخيص الجمعية ليس انشقاقًا بل تصحيح لواقع الجماعة

«إخوان» الأردن.. الدخول إلى بيت الطاعة؟
TT

«إخوان» الأردن.. الدخول إلى بيت الطاعة؟

«إخوان» الأردن.. الدخول إلى بيت الطاعة؟

شهد الأردن أخيرًا خطوة سياسية وأمنية لافتة، إذ أعلنت جماعة الإخوان المسلمين غير المرخص لها أن السلطات داهمت مقرها الرئيسي في منطقة العبدلي بالعاصمة عمّان، وبعد إخراجها من كان فيه، أغلقته بالشمع الأحمر. وحصلت المداهمة بناءً على شكوى تقدم بها عبد المجيد ذنيبات، الأمين العام للجناح المرخص له من الجماعة، التي تعدّ من أكبر التنظيمات في البلاد، ويعد جناحها السياسي الذي يحمل اسم «جبهة العمل الإسلامي» أحد من أقوى الأحزاب السياسية في الأردن. وكانت قيادة الجماعة (الملغاة رخصتها) التي يرأسها المراقب العام الدكتور همام سعيد قد قرّرت فصل المراقب العام السابق عبد المجيد ذنيبات و49 قياديا على خلفية انشقاقهم وتقدّمهم بطلب للحكومة لترخيص الجماعة وتصويب وضعها القانوني لفك ارتباطها بالجماعة الأصل في مصر.
يصرّ عبد المجيد ذنيبات، المراقب العام الجديد لجمعية جماعة الإخوان المسلمين في الأردن المرخّصة، على أن «قيادة الإخوان الحالية أصبحت غير شرعية وغير قانونية» في أعقاب موافقة الحكومة الأردنية على ترخيص جديد لجمعيته في مارس (آذار) العام الماضي، وفكّ ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، و«لذا فإن قيادة جماعة الإخوان أصبحت فاقدة للشرعية، ولا تمثل الإخوان المسلمين».
ذنيبات يضيف أن حصوله على ترخيص جديد «ليس انشقاقا بل هو تصحيح لواقع الجماعة الذي لم يكن قانونيًا في الأردن» وأن ما دفعه ومجموعة من أعضاء الإخوان إلى التقدّم بطلب ترخيص من الحكومة لتشكيل جمعية هو أن الإخوان في الأردن رخّص لهم عام 1945 على أنهم فرع لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر. وبعد قرار حل الإخوان في مصر، واعتبارها «منظمة إرهابية»، ولأن الفرع يتبع الأصل، لذا فإنهم منذ سنتين دعوا من أجل تصويب الوضع القانوني للجماعة في الأردن عبر فك ارتباطها بـ«إخوان» مصر، لكن القيادة في الجماعة رفضت ذلك. ويؤكد ذنيبات أن جمعيته الجديدة لا يهمّها اعتراف أي منظمة دولية أو عربية لأن أعضاءها أصبحوا «جماعة أردنية لا تتبع أحدًا»، وهم يملكون الشرعية الأردنية. ويضيف أنه رُفع الغطاء القانوني عن القيادة السابقة للجماعة في الأردن، داعيًا الجميع إلى الانضمام للجمعية التي رُخصت.
اليوم الحكومة الأردنية من منطلق اعتبارها غير مرخّصة منعت الجماعة الأم من ممارسة أي نشاط جماهيري أو تنظيم أي احتفالات. وكانت دائما تعلل سبب المنع بأن هناك شكوى من الجمعية المرخّصة بانتحال اسمها، وهو ما دفع الجماعة الأم إلى تنظيم فعاليات ومسيرات محدودة العدد باسم حزب «جبهة العمل الإسلامي» ذراعها السياسي.
إلى ذلك تقدّمت الجمعية المرخّصة بطلب إلى محكمة استئناف عمّان بنقل أملاك الجماعة ومقرّاتها وأموالها إلى الجمعية لكن القضاء انتصر للجماعة ورفض الطلب باعتبار أن الجمعية مكوّن جديد ولا علاقة لها بالجماعة الأم، ومع هذه الضغوط والمضايقات التي فرضتها الحكومة على الجماعة فإنها أصرّت على إجراء انتخابات داخلية من أجل انتخاب مجلس شورى جديد ينتخب من خلاله المراقب العام الذي تنتهي ولايته في نهاية الشهر الحالي. هذا، وكان محافظ العاصمة قد وجّه إلى الجماعة إنذارًا بعدم إجراء هذه الانتخابات لمخالفتها قانون الاجتماعات العامة حيث لم تنصع الجماعة لهذا الإنذار مما أدى إلى اتخاذ قرار بإغلاق المقر العام وإغلاق خمسة مقرات والتي جرت بها الانتخابات الفرعية حيث طالت فروع عمان وإربد والمفرق وجرش ومادبا والعقَبة. ولكن، على الرغم من المنع والإغلاق أجريت انتخابات للفروع في منازل الأعضاء وفاز معظم القيادات الحالية بالتزكية.
من جهته، رفض محمد المومني، وزير الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، إعطاء أي صبغة أو بعد سياسي لإغلاق مقرات الإخوان. وقال المومني خلال مؤتمر صحافي قبل أيام بأنه من هذا المنطلق حاول المسؤولون الحكوميون تجنّب التصريح في الموضوع. وأردف «هناك قضايا في المحاكم بين جماعة الإخوان المسلمين وجمعية الإخوان المسلمين، لكن ما يجري شكاوى تتقدم بها الجمعية المرخصة». وتابع: «تذكرون ما حصل حينما أرادت الجماعة عقد نشاط بذكرى مرور 70 سنة على تأسيسها... وصحيح أن القضاء لم يبت بعد بالقضايا، لكن الجمعية راجعت المؤسسات التنفيذية المعنية بنفاذ القانون مرات عدة بأن جهات أخرى تستخدم اسمها». ومن ثم حثّ المومني الجميع على الانصياع للقانون والالتزام به، قائلا: إنه لا توجد جهات يمكنها أن تتجاوز على القانون.
وحول الاتهامات بـ«اقتحام» مقر حزب «جبهة العمل الإسلامي» الذي جرى قبل أيام، قال الوزير المومني بأن هناك خلطًا في المقرات بين شعب «الإخوان» ومقرات حزب «جبهة العمل الإسلامي»، مشددًا على أن الحزب غير مستهدف ويعمل كونه مرخّصا.
خلفية الموضوع
كما سبقت الإشارة، كانت قيادة جماعة الإخوان المسلمين التي يرأسها المراقب العام الدكتور همام سعيد قرّرت فصل المراقب العام السابق عبد المجيد ذنيبات و49 قياديا في الإخوان، على خلفية «انشقاقهم وتقدمهم بطلب للحكومة لترخيص جماعة الإخوان المسلمين». ولقد حاولت مجموعة ما يعرف بـ«حكماء الإخوان» حل الأزمة وتطويق ذيولها إلا أنها فشلت، وتركّزت الخلافات على الأسباب التالية:
الأول: اتهام كل من تيار «الحمائم» و«اللجنة التحضيرية لإصلاح جماعة الإخوان المسلمين» قيادة الجماعة الحالية ممثلة في المكتب التنفيذي - الذي يرأسه الدكتور سعيد - بقيادة تيار إقصائي، والعمل على تحريك تنظيم سرّي داخل الجماعة، وبتزوير الانتخابات من خلال «شراء الأصوات» و«شراء الذمم»، بينما يردّ المكتب باتهام معارضيه برفض الخضوع لنتائج الانتخابات.
الثاني: اتهام تيار «الحمائم» قيادة الجماعة بالتعنّت ورفض مبادرات الإصلاح، وعدم الالتفات للأصوات المعارضة لها، واللجوء بدلاً من ذلك لتشويه هذه المعارضة والاعتماد على شرعية الصندوق بدلاً من شرعية التوافق، بينما يقول المكتب إن دعاوى الإصلاح تتم خارج أطر الجماعة وتسعى للانشقاق عليها.
الثالث: الاختلاف على برنامج الجماعة وعملها، إذ يتهم «الحمائم» قيادة الجماعة برفض العمل بأجندة وطنية أردنية وإيلاء القضية الفلسطينية الأهمية الكبرى في برامجها، وعدم الاهتمام بالقضايا الوطنية وهموم الأردنيين، وبالعمل لمصلحة تيار من حركة حماس يريد السيطرة على إخوان الأردن، بينما ينفي المكتب هذه التهم ويرد بعض مؤيديه باتهام تيار «الحمائم» بالتخلي عن دعم «القضية المركزية للأمة».
تداعيات «الربيع العربي»
ومع انطلاق شرارة ما بات يعرف بـ«الربيع العربي» دخلت المنطقة في حالة غير مسبوقة من النشاط السياسي والإعلامي والشعبي، بات معها من المستحيل لأي جماعة سياسية أن تعمل في السر، وأخذت نشاطات الإخوان وأسماء قياداتهم وأعضاء المجالس القيادية ونقاشاتهم الداخلية تظهر على صفحات المواقع الإلكترونية حتى قبل أن يعرف بها الإخوان أنفسهم!
ويرى علي أبو السكر، رئيس مجلس شورى حزب «جبهة العمل الإسلامي» وأحد أبرز قياديي جماعة الإخوان أن الجماعة «تتعرّض لضغوط من الحكومة والأجهزة الأمنية لكن العلاقة معها لا تصل إلى حالة القطيعة التامة أو المواجهة، لأن الحكومة تُدرك أن للجماعة دورًا كبيرًا في الوحدة الوطنية. وحتى الشارع الأردني يعرف أن الجماعة هي صمام أمان للوحدة الوطنية ومنع انزلاق الشباب نحو التطرّف والإرهاب لأنها تُشبع حاجاتهم الروحية في الانتماء الديني من خلال هذا الإطار المتوازن المعتدل البعيد عن العنف».
ويقول أبو السكر إن جماعة الإخوان «لها حضور شعبي واسع على الساحة الأردنية والعربية، وقاعدة واسعة في أكثر من 90 دولة في العالم، وتأثير في الشارع العربي والإسلامي، كما كان للجماعة حضور قوي في ثورات الربيع العربي، وهذا ما عرّضها لمحاولات الانتقام من قبل الأنظمة السياسية خلال السنوات القليلة الماضية».
لمحة تاريخية
إلا أن مراقبين يتساءلون عما جرى بين الدولة الأردنية والإخوان على الرغم من تجربة التعايش الطويلة التي بدأت مع استقلال الأردن عام 1946. وعبر 70 سنة كان هناك تعاون في المفاصل التي مرت بها المملكة، فالملك عبد الله الأول هو الذي افتتح أول دار لـ«الإخوان»، وكان مؤسسو الجماعة على علاقة وثیقة به إذ كانت أبوابه مُشرعة لهم يستقبلهم ويستمع إليهم. وحین جاء الملك طلال لم يطرأ أي تغییر على العلاقة.
ثم جاءت مرحلة الملك الحسین التي طال فيها التعاون الاستراتيجي مع الإخوان للفترة الأطول في تاريخ الأردن (47 سنة)، وشهدت العلاقة خلالها تعاونًا في خندق المناهضة للانقلابیین البعثیین والناصريین. على الرغم من أن الإخوان ما كانوا قوة عسكرية فإنهم شكلوا ثقلاً شعبيًا ظهر بصور متعددة منها التظاهر والبیانات والخطب. وبعدها وقف الإخوان ضد مصادمة الفدائیین الفلسطينيين للدولة الأردنیة، كما لم يستغل الإخوان «أحداث الجنوب» (الأردني) كما فعل الیساريون.
هذا كله يحفظه النظام الأردني على الرغم من تفهمه أن الإخوان بمواقفهم هذه إنما كانوا يدافعون أيضًا عن أنفسهم لأن المتحركین في كل هذه المحطات هم أعداء لـ«الإخوان» ولو صار لهم الأمر لكان الإخوان في مقدمة ضحاياهم، كما حصل في مصر وسوريا والعراق ولیبیا.
وحقًا، كان الملك الحسین ممتنًا لمواقف الإخوان وعبر عن ذلك عام 1997م في معرض دعوته لهم للمشاركة في الانتخابات.
التغيّر والتغيير
وهنا يرى الوزير الأسبق الدكتور بسام العموش أنه «منذ العام 1997 بدأ الخطاب الإخواني يتغیر إذ دخل طابع الحدة والتحدي وصار خطابهم أقرب لخطاب الیساريین الثوريین». ويتابع أنه «حینما حل الربیع العربي على الأمة ظهر خطاب مختلف جدًا يتصل بـ(الدولة) الإخوانیة وبخاصة بعد انتخاب الرئیس محمد مرسي في مصر ووجود حماس في غزة، وكانت قراءتهم أن تؤول لهم الأمور في تونس وسوريا ولیبیا، كما أنهم شعروا بأن تركیا تقف معهم... كل هذا دفع إخوان الأردن لرفع وتیرة الخطاب والتحدي وفرض الشروط، وراح واحد منهم يقول: نحن نجلب الغاز المصري للأردن. وراح قائدهم يقول: إن مطلب الإخوان تعديل المواد 34 و35 و36 من الدستور وهي المواد التي تتعلق بصلاحیات الملك!».
ويضيف الدكتور العموش، الذي كان من قياداتهم قبل أن يستقلّ عنهم، أن الإخوان «لم يفكّروا بمن ستؤول له هذه الصلاحیات؟ فهل هم ضامن لرئیس الوزراء إذا كانوا يعنون ذلك؟». ويتساءل ماذا لو كان رئیس الوزراء يساريًا أو رأسمالیًا أو أو أو؟ ثم يقول: «لقد حضرت شخصیًا جلسة في حضرة الملك عبد الله الثاني حیث قال لقائد إخواني: إذا غیّرتم فخبّرونا كي نغیّر؟!! وفهمت من ذلك أن الملك يريد الاستمرار في العلاقة على سنن أبيه وجديه، ملوك الأردن، في العلاقة مع الإخوان، لكنه سیقرّر تغییر ذلك إذا غیّر الإخوان سیاستهم».
ويتابع العموش «نعم لقد غیّرت الجماعة طريقتها في التعامل مع المملكة الأردنية، ولهذا كان لا بد من التغییر، لكنه التغییر على الطريقة الأردنیة ولیس الطريقة المصرية أو السورية أو العراقیة أو اللیبیة. إنها طريقة تتحدّث عن حرفیة القانون، فالإخوان جمعیة وحین يصدر قانون للجمعیات ويطلب من الجماعة تصويب أوضاعها وفقه فعليها أن تفعل!. ولكن تلكأ الإخوان وراح المراقب العام يقول إن الجماعة أكبر من القانون، مما دفع المنشقین عن الإخوان للاستفادة من الفرصة والحصول على رخصة باسم (جمعیة الإخوان). وهنا وقع الإشكال في وجه الجماعة. فمن هو ممثل الإخوان؟ الجماعة التي تستند إلى التاريخ.. أم الجمعیة التي تأقلمت مع الواقع وقنصت الرخصة؟».
وهنا بدأ التنفیذ على الأرض حیث تم وضع الشمع الأحمر على مقار الجماعة التاريخیة باعتبارها غیر مرخصة، وهو تنفیذ لا يقف عند حدود الشمع الأحمر، بل هو إعلان عن نهاية حقبة وبدء عهد جديد ينسجم مع المحیط العربي والسیاسة الدولیة. وحسب العموش، مهما تحدث الإخوان عن مؤامرة أو تسییس فإنهم بلا شك هم الذين لم يفهموا الظروف ولم يحسنوا التعامل معها. والأخطر قد يقع إذا قرر الإخوان المواجهة فإنهم بلا شك سیسارعون إلى خط النهاية التي قد تكون ولن تبكي عليهم دول تعتبرهم جماعة إرهابیة وهو ما لا نريده للأردن صاحب السیاسة المتمیزة.
ولذا يتوقع العموش «أن يستسلم الإخوان لهذا الأمر ويكتفوا بالإعلان أنهم فكرة والأفكار لا ترخص، وأنهم لیسوا مجرد مقار، كما أن وجودهم الحزبي قائم عبر الذراع السیاسیة حزب (جبهة العمل الإسلامي) وهذا لا يعني توقفهم عن نقد الخطوة الحكومیة، بل ربما سعوا للقاء الملك. وفي ظني أن الأبواب قد أغلقها الإخوان يوم رفضوا دعوة الملك لهم عام 2013 للمشاركة في الانتخابات».
بين «الجماعة» و«الجمعية»
من جهته، يرى الدكتور إبراهيم نصير، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، أن الجماعة «تعيش واقعًا صعبًا وتكمن صعوبته في أن المأزق الذي تمر به لا مخرج له. وهو مستعصٍ على مستويين: يتمثل الأول في وجود صراع بين الجمعية الجديدة والجماعة القديمة، والثاني ناجم عن الصراع داخل الجماعة القديمة متمثلة بتيار يقوده مجموعة من المخضرمين على رأسهم عبد اللطيف عربيات وإسحق الفرحان وحمزة منصور يحاول إحداث تغيير في بنية الجماعة، وإعادة تشكيل مكتب تنفيذي جديد، ومجلس شورى جديد، على أمل أن تبرز شخصيات أكثر اعتدالاً ووسطية، ربما يخفف من حالة التصادم القانوني والسياسي والإعلامي بين الدولة والجماعة». ويضيف أنه «إذا نجح هؤلاء في محاولتهم فإن الضغط الحكومي على الجماعة سيخفف في مقدمة لمصالحة مع الجمعية الجديدة. أما إذا فشلوا في ذلك فإن حزب جبهة العمل الإسلامي سيكون ملاذهم القانوني الوحيد». أما عن تجربة الجمعية فإن نصير يستبعد أن تحظى «بشرعية ودعم الشارع الأردني، كما حصل في تجارب سابقة مثل (جماعة زمزم) و(حزب الوسط الإسلامي)، وستبقى الشرعية الحقيقية مع جماعة الإخوان المسلمين الأم، لأن الجمعية المُرخصة بلا غطاء شعبي باعتبارها ملتصقة بالحكومة».
في المقابل، يقول الكاتب والمحلل السياسي فهد خيطان بأن قيادة الجماعة غير المرخصة «تدرك أن مسار الأحداث سيأخذها إلى أضيق مربّع في تاريخ علاقتها مع الدولة، وأن زمن الصفقات والتسويات في الغرف المغلقة انتهى إلى غير رجعة وأن المسار القانوني حسم النزاع على الشرعية وليست التطورات السياسية». ويضيف أن قيادة الجماعة «قللت كثيرًا من أهمية هذا المتغيّر، كونها تحوز على شرعية تنظيمية تفوق بكثير ما لدى الجمعية المرخصة. لكن مثل هذا الأمر يبدو بلا قيمة في نظر القانون. ومع مرور الوقت، ستفرض الوقائع نفسها، وتجد الجماعة غير المرخصة نفسها عاجزة فعليًا عن ممارسة نشاطاتها تحت اليافطة نفسها. وهذا ما حدث عندما أغلقت السلطات المقر الرئيسي، الذي يعد غرفة عمليات الجماعة، ومركز عملها الرئيسي.
ثم إن أملاك الجماعة في الأصل هي محل نزاع قضائي، ومن غير المتوقع حسم النزاع في وقت قريب. وبغض النظر عن طبيعة القرار النهائي للقضاء، فإن فرص الجماعة بمواصلة عملها كما كان في السابق تبدو معدومة تمامًا، إذ سيكون بمقدور السلطات الرسمية تفعيل القانون في أي لحظة، ومنع الجماعة من القيام بأي تحرك أو نشاط».
ويرى خيطان أن الخيار الوحيد المتاح في هذه الحالة «هو العمل تحت مظلة حزب جبهة العمل الإسلامي، باعتباره العنوان الدائم والوحيد للعمل السياسي، والتنازل عن الجماعة كإطار فقد مشروعيته من الناحية القانونية».. ويؤكد أنه «إذا كانت الدولة جادة فعليًا في تصويب الاختلالات التاريخية في علاقتها مع الجماعة والحزب، فإن عليها في المقابل أن تطلب من الجمعية المرخصة عدم ممارسة أي نشاط سياسي، وتأسيس حزب سياسي مستقل تماما عن جماعة الإخوان المسلمين، ولا يخضع لسلطتها بأي شكل من الأشكال». ويعتقد أن «الازدواجية التنظيمية بحد ذاتها مرفوضة وتخالف القانون، وتخلق وضعا شاذا يسمح بوجود تنظيمين، واحد تحت الأرض والثاني فوقها. أما بالنسبة لمن يود العمل في المجالات الخيرية والدعوية، فذلك متاح له ضمن صيغة يكفلها قانون الجمعيات في الأردن». ويختتم بالقول: «باختصار، لا نريد جماعة مدللة وأخرى مضطهدة في الأردن، وإنما أحزاب سياسية تحت الشمس، تعمل في ظل الدستور والقانون. بخلاف ذلك، فلتغلق كل المقرّات بالشمع الأحمر».



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».