شاشة الناقد

مشهد من «كتاب الغابة»
مشهد من «كتاب الغابة»
TT

شاشة الناقد

مشهد من «كتاب الغابة»
مشهد من «كتاب الغابة»

The Jungle Book ‬(2*)
إخراج: جون فافريو ‬
غرافيكس | الولايات المتحدة | 2016
من شاهد «كتاب الغابة» صغيرًا سنة 1967 أو عاد إليه متوفرًا على أسطوانات، ثم أقبل على مشاهدة الفيلم الجديد الذي هو إعادة صنع للنسخة السابقة، سيلحظ ذلك التقدم الكبير في صنع فن «الأنيميشن». حتى الكلمة السابقة التي استخدمت لوصف نسخة الستينات التي أخرجها وولفغانغ رايترمان، تبدلت وما عادت تصح تسميتها. آنذاك، كان من الصحيح تسمية «كتاب الغابة» وأي فيلم من نوعه الكرتوني باسم «رسوم متحركة». اليوم لا هي رسوم ولا هي فقط متحركة. هي الحركة ذاتها. تنفّذ على الكومبيوترات ببرامج متطوّرة تصنع لك الغابة وحيواناتها وظلالها وسماءها وأرضها وكل تفاصيلها. في غير هذا الفيلم تجد نفسك غير قادر على التأكد من أن التصوير تم فعلاً على شلالات نياغرا أو في الطابق الأرضي الواسع من مبنى في باربانكس، حيث تقع عدّة استوديوهات سينمائية.
أكثر من ذلك، انتظر حتى نهاية العناوين والأسماء الختامية لتجد أن الفيلم الحالي يعلن «تم التصوير في داون تاون هوليوود». إلى هذا الحد تطوّرت التقنيات البصرية واتسعت بحيث لم يعد هناك مجال لحقيقة الخيال. صحيح أن السينما هي خيال مهما كانت واقعًا، لكن التقنيات الحديثة طوّعت الخيال ليحاكي الواقع. هنا المشكلة.
«كتاب الغابة» فيلم ترفيهي رائع للصغار، مشغول جيدًا بتأمين بصريات مذهلة لكنه يتحدّث باللغة التقليدية ذاتها التي تتحدّث بها معظم أفلام هوليوود المشابهة: الدخول إلى منطقة الوسط من الفيلم بعد بداية مبهرة، لتداول المزيد من المشاهد التي يستخدمها صانعو الفيلم لتأكيد ما مر، والتمهيد لما سيأتي في الفصل الثالث. هذه المنطقة الخطرة التي قد تسودها الرتابة أو تخلو من المفاجآت، كما هو حادث هنا.
ليس كل الفيلم «أنيميشن»، بل يدلف فيه الجزء الحي المناط بممثل صغير (نيل سثي) اسمه في الفيلم «موغلي» عاش في الغابة منذ أن كان صغيرًا، وإلى أن أخذت بعض حيوانات الغابة الشرسة تتنكر له. تلك الصديقة تحاول تحذيره بأن يهرب لكنه لا يرغب في تركها لأنها كل العالم الذي يعرف. باقي الممثلين يلعبون بأصواتهم: بن كيغسلي وسكارلت أوهارا وكريستوفر ووكن، وإدريس ألبا وبل موراي، وكل هؤلاء ينتمون إلى مختلف أنواع الحيوانات كالأفعى والذئب والنمر والطيور. هذا ما كان واقع الفيلم السابق باستثناء أنه كان جهدًا بشريًا رائعًا في تنفيذه، بينما بات الجهد البشري المبذول هو غالبًا تحريك مقبض الكومبيوتر والضغط على أزراره لتأليف الحياة المنشودة.
«كتاب الغابة» السابق كان آخر فيلم قام وولت ديزني نفسه بإنتاجه. ربما لضحك هنا وهناك، لكنه كان سيحنّ إلى نسخته الأصعب تنفيذًا. ربما لن يعرف أين الفن في التقنيات أو لربما نظر إلى الإيرادات وتساءل لمَ لم تحقق أفلام الأمس مثيلاً لها.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.