توفي الملياردير المغربي ميلود الشعبي، أول من أمس، عن عمر يناهز 86 عامًا، في مشفى بمدينة هامبورغ الألمانية بسبب مشكلات في القلب. ويعتبر الشعبي، صاحب إمبراطورية «إينا هولدينج» المالية، مثال رجل الأعمال العصامي، الذي انطلق من لا شيء ليبني صرحًا تناهز قيمته ملياري دولار، ويضم 17 شركة تشغل 20 ألف شخص، ويتوفر على استثمارات في تونس وليبيا ومصر والإمارات العربية وبلدان أفريقية.
ينحدر ميلود الشعبي من أسرة قروية فقيرة من بلدة الشعبة الواقعة على سفوح جبال الأطلس قرب الصويرة (جنوب المغرب) حيث رأى النور سنة 1930. وكان عمره 15 سنة عندما غادر قريته الصغيرة في اتجاه مراكش، تاركًا وراءه حصير مسجد القرية حيث كان يحفظ القرآن، وبضعة نعاج كان والده يكلفه برعايتها، التي تسبب التهام إحداها من طرف ذئب في فراره خوفًا من غضب والده.
بعد شهور من التسكع في شوارع مراكش شد الشعبي الرحال شمالاً إلى مدينة سلا قرب الرباط، ثم إلى مدينة القنيطرة، المدينة العسكرية شمال الرباط، التي استقر فيها منذ سنة 1948، ليمتهن حرفة البناء. وبعد وقت قليل وظف الشعبي مدخراته في شراء قطعة أرضية ليبني عليها أول مشاريعه العقارية، وتطور الأمر لينشئ شركته الخاصة «أشغال المغرب»، التي بدأت بتشغيل عاملين اثنين، لتصبح النواة الأصلية لإمبراطوريته المالية «إينا هولدينج»، ولا تزال الشركة موجودة إلى اليوم.
توسعت أعمال الشعبي مع ولوجه مجال إنتاج مواد البناء وإنشاء شركة للخزف ومواد البناء سنة 1964. وفي سياق مسلسل المغربة خلال عقد الستينات الذي يفرض على الأجانب إشراك المغاربة في مشاريعهم عقب استقلال المغرب، اتجهت طموحات الشعبي إلى شركة «ديماتيت» لتجهيزات الري الزراعي ومواد البناء، التي كانت تملكها عائلة دولبو الفرنسية. فاقترح على المالكين الدخول في رأسمال الشركة، غير أن رفضه من قبل مالكي الشركة لعدم إتقانه لغة موليير ترك غصة في صدره.
وبالموازاة مع مساره الاقتصادي، كان للشعبي مسار آخر سياسي منذ حلوله بالقنيطرة واحتكاكه بعناصر الحركة الوطنية وخلايا حزب الاستقلال. وفي هذا الإطار أصبح رئيسًا لغرفة التجارة والصناعة لمدينة القنيطرة سنة 1963، ثم رئيسًا لولايتين متتاليتين لاتحاد غرف الصناعة والتجارة في المغرب، قبل أن يضطر إلى الخروج من المغرب عام 1969 بسبب تداعيات الصراع السياسي في البلاد، والتي تأثر بها بسبب علاقته مع المعارضة اليسارية بقيادة عبد الرحيم بوعبيد، ليدخل مغامرة الاستثمار في أفريقيا. وعاد الشعبي للوطن أكثر غنى وأكبر ثروة، في سنة 1983 مع انطلاق المسلسل الديمقراطي من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، لتتوالى الأحداث بسرعة. ففي السنة التالية استرد الشعبي اعتباره السياسي بالفوز بمقعد في البرلمان، وتفرغ بعد ذلك لمسألة استرداد الاعتبار الاقتصادي عبر إنشاء فرع منافس لشركة «ديماتيت» وإعلان حرب تجارية على الشركة ومالكيها الفرنسيين (عائلة دولبو)، انتهت بإفلاس «ديماتيت» واستحواذ الشعبي عليها سنة 1985. بعد ذلك بعام أعلن إنشاء مجموعة «إينا هولدينج» المالية التي جمع تحت مظلتها كل شركاته ومشاريعه.
وعرفت «إينا هولدينج» توسعًا سريعًا خلال عقد التسعينات، بداية بإنشاء فرع متخصص في الكارتون والتعبئة والتغليف سنة 1992، وشراء الشركة الوطنية للكهرباء والبتروكيماويات (سنيب) التي خصخصتها الحكومة في سنة 1993، ثم أنشأ شركة «إليكترا» للبطاريات والمكونات الكهربائية لأجهزة التلفزيون في سنة 1994. وبمبادرة من ابنه فوزي الشعبي دخلت مجموعة «إينا هولدينج» مجال الاستثمار في الفضاءات التجارية العصرية مع إطلاق سلسلة أسواق السلام سنة 1999، ثم المجال السياحي بإطلاق سلسلة فنادق «موغادور» سنة 2000، التي اشترط ميلود الشعبي على ابنه ألا تباع فيها المشروبات الكحولية، وأن يستعمل في بناء الفنادق فنون المعمار المغربية التقليدية ويوفر العمل للحرفيين. ثم دخلت المجموعة بعد ذلك عالم صناعة القطارات مع شراء الشركة الشريفة للعتاد الصناعي والسكك الحديدية (سكيف) عند تخصيصها من طرف الحكومة المغربية على مرحلتين في 2001 و2006.
واشتهر الشعبي وسط عموم المغاربة بشكل خاص بمشاريعه العقارية، مع شركته ذائعة الصيت «الشعبي للإسكان»، نظرًا لكونه المجال الأصلي الذي بدأ فيه أعماله، وأيضًا لكون القطاع العقاري مجالاً «شعبيًا» بامتياز لتعلقه بمجال السكن. فلا تكاد تخلو مدينة مغربية من مشاريع ميلود الشعبي، من طنجة حيث ضخ خلال فترة وجيزة زهاء 500 مليون دولار من الاستثمارات في مجال العقار، إلى المحافظات الصحراوية حيث تقدر استثماراته العقارية بنحو 300 مليون دولار، مرورًا بمدينة الصويرة التي شيد مدينة فيها متكاملة دشنها العاهل المغربي الملك محمد السادس سنة 2000.
سياسيًا، ارتبط اسم ميلود الشعبي بحزب الاستقلال مند صغره، إذ كانت بداياته خلال فترة الحماية الفرنسية والنضال الوطني من أجل الاستقلال في خلايا الحزب بمدينة القنيطرة. وفاز الشعبي باسم حزب الاستقلال في 4 ولايات برلمانية متتالية مند 1984، بعد ذلك ترشح وفاز ضمن لائحة حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقًا) خلال انتخابات 2007 التشريعية، الذي التحق به عقب مغازلات غير مثمرة مع حزب العدالة والتنمية وحزب الاتحاد الدستوري. وفي الانتخابات البرلمانية لسنة 2011 شكل ميلود الشعبي مجموعة نيابية مستقلة ضمت 5 نواب تحت رئاسته وأعلنت مساندتها لحكومة عبد الإله بن كيران (أمين عام العدالة والتنمية). وقدم الشعبي استقالته من البرلمان في ديسمبر (كانون الأول) 2014 لاعتبارات مرتبطة بوضعه الصحي. ومع مرض الشعبي عرفت إمبراطوريته المالية تراجعًا جسده تراجع ترتيبه في سلم فوربس لأثرياء العالم خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
11:16 دقيقه
رحيل رجل الأعمال المغربي ميلود الشعبي بعد صراع مع المرض
https://aawsat.com/home/article/619456/%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84-%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%85%D9%8A%D9%84%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%B6
رحيل رجل الأعمال المغربي ميلود الشعبي بعد صراع مع المرض
انطلق من الصفر ليزاحم مليارديرات المغرب وسياسييه
- الدار البيضاء: لحسن مقنع
- الدار البيضاء: لحسن مقنع
رحيل رجل الأعمال المغربي ميلود الشعبي بعد صراع مع المرض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة




