معرض لندن للكتاب.. ناشرون من 124 دولة وعقود نشر بالملايين

اختتم دورته الخامسة والأربعين.. وتغيير موعده السنة القادمة

مدخل المعرض وشعاره
مدخل المعرض وشعاره
TT

معرض لندن للكتاب.. ناشرون من 124 دولة وعقود نشر بالملايين

مدخل المعرض وشعاره
مدخل المعرض وشعاره

اكتظت قاعات الأولمبيا في لندن خلال 3 أيام الأسبوع الماضي بفعاليات معرض لندن للكتاب في دورته الـ45. ألوف الزائرين والمؤلفين والعاملين في صناعة النشر عبر المعمورة كانوا على موعدهم السنوي مع واحد من أكبر أسواق الكتب.
شارك في المعرض ناشرون من 124 دولة، وعبّر كبار الناشرين في أحاديثهم للإعلاميين عن رضاهم التام من حصيلة الأيام الثلاثة فيما وقعوه من عقود للنشر، سواء مع كتاب معروفين أو حتى مع نجوم صاعدين، إضافة إلى توسيع فرص التوزيع والبيع وحقوق الترجمة في مناطق ممتدة عبر الجهات الأربع. «لقد أصبح هذا المعرض مناسبة لا غنى عنها لكل من له علاقة بالشأن الثقافي» يقول تيم هاتشينسون، المدير التنفيذي لدار النشر المعروفة هاشيت. وذكر عن ستيفن بيج، المدير التنفيذي لشركة فابر وفابر، وهي دار نشر عالمية أخرى، أن «هناك نوعا من حمى توقيع العقود تسيطر على جو المعرض. إنه مزاج رائع».
من أهم العقود التي أعلنت خلال المعرض، كان لدار هاتشينسون مع ناشط سوري اسمه محمد لنشر يومياته عن الحياة في مدينة الرّقة تحت حكم «داعش»، وكان الناشط المناهض للمتطرفين الذين يتخذون من المدينة عاصمة لخلافتهم قد تحدث للعالم عن وقائع الحياة اليومية في الرّقة من خلال البرنامج اليومي للبرنامج الرابع في هيئة الإذاعة البريطانية، وعلمنا أنه هرّب هذه اليوميات مشفرة عبر دولة ثالثة قبل أن تترجم وتعد للنشر على أن تصدر وفق العقد مع هاتشينسون قبل نهاية العام الحالي.
ووقعت دار فابر عقدا مع الروائي التركي النجم الحائز نوبل للآداب، أورهان باموك، لنشر روايته الجديدة «السيدة ذات الشعر الأحمر»، التي تجري أحداثها في أجواء منتصف الثمانينات في إسطنبول، إضافة إلى الإعلان عن موعد صدور قصته «حفار الآبار وتلميذه» في سبتمبر (أيلول) المقبل، كذلك أعلن عن توقيع عقود لنشر أعمال عدة لنجوم الروايات الشعبية والجرائم المتسلسلة، ومنهم إيان ماكوين ودانييل كول، وأيضًا ترجمة لـ«في الوطن وخارجه» للنرويجي كارل أوف كناسجارد.
أما القادمون الجدد، فبالإضافة إلى تعاقد ناديا حسين، نجمة برنامج المخبوزات البريطاني الكبير الشعبية، على نشر عمل روائي مع دار هاربركولينز، فإن كاتبة ناشئة كانت قبل أقل من العام تعمل مستشارة مبتدئة في عالم المال والأعمال وحضرت دورة كتابة للمبتدئين قد وقعت عقدا بقيمة تزيد على مليوني جنيه إسترليني لنشر ثلاثية تحت عنوان «أي مجنون وسيئ خطير». تقول كولي إسبيسيتو - الكاتبة الشابة: إن «ذلك يشبه الحلم تماما» بالنسبة لها، وأنها تتوقع أن تستيقظ من هذا الحلم في أي لحظة! ثلاثيتها تحكي قصة توأم فتيات يعشن في لندن، وتمتلئ بجرعات عالية من العنف والجنس والاكتئاب الذي يطبع حياة النساء المعاصرة مع عمق سيكولوجي غير مألوف. وتناقل الإعلاميون ما مفاده أن كولي تتناقش حاليا مع هوليوود لتحويل الثلاثية إلى فيلم سينمائي.
وفي عالم النشر للأطفال أعلن عن التوافق على نشر طبعة باللغة الإنجليزية لجزء ثانٍ مصرح به من قبل الناشر من رواية أنطون دي سانت إكسبيري المشهورة «الأمير الصغير» تحت عنوان «عودة الأمير الصغير»، وكان هذا الجزء الجديد الذي كتبه آيه.جي. رومرز ويستلهم أسلوب وروح العمل الأصلي قد صدر بالفرنسية أصلا وترجم إلى 16 لغة وبيعت منه أكثر من مليون نسخة.
وإلى جانب توقيع عقود النشر وحقوق التوزيع، تضمن المعرض مجموعة كبيرة من الأنشطة الثقافية والفكرية والنقاشات وورشات العمل. فأحيا المعرض الذكرى الـ400 لوفاة المسرحي البريطاني الأشهر في العالم وليم شكسبير باستعراضات مسرحية لمجموعة مختارة من أهم أعماله في قاعة عرض أقيمت خصيصا لذلك داخل المعرض، وقدمت العروض بلغات متنوعة كالعربية، الهندية، البولندية، المالطية وغيرها، من ثم انطلق الممثلون ينشدون سونيتات شكسبير وهم يتجولون بين الزوار، فزادوا الأجواء بهجة ورقيا.
وكان اليوم الافتتاحي قد شهد إطلاق تطبيق بيلغرافيا – المجاني، وهو رواية متسلسلة تستلهم أجواء النشر المتسلسل الفيكتورية، لكن باستخدام الهواتف الذكية. وسيتم إطلاق فصول الرواية بالتتابع بمعدل فصل كل أسبوع مع توافر مواد دعم إلكترونية إضافية من خرائط وأشكال وأزياء. وقد شهد اليوم الأول للمعرض نقاشا ممتعا بين جاكس توماس، مدير معرض لندن للكتاب، وجوليان فيللوز مؤلف هذه الرواية المسلسلة وأحد نجوم الساحة الأدبية والفنية في العاصمة البريطانية. وقد كان مفاجئا في المعرض الإعلان عن نتائج دراسات السوق التي قالت: «إن هذا الشكل الجديد من النشر المتسلسل عبر الأجهزة الذكية يحظى بمتابعة تتجاوز الـ41 في المائة من الشباب من الجنسين في الفئة العمرية من 18 - 23 عاما، وهو مما يشير إلى اتجاهات جديدة في عالم النشر بدأت تتجذر على نحو غير مسبوق لدى الأجيال الجديدة».
وشهد المعرض نقاشات حادة، من أهمها ربما تلك التي قادها مؤلف كتب الأطفال، فيليب أرداغ، حول موجة إغلاق المكتبات العامة في المملكة المتحدة بين منادين بالحفاظ على هذه المكتبات بوصفها مركزا لنشر الاهتمام بالمعرفة والكتاب وتكوين قراء ومشترين محتملين للأعمال المكتوبة مدى الحياة مقابل وجهة نظر أخرى ترى أن المكتبات أصبحت عبئا لا داعي له على الميزانيات العامة في ظل تطور وسائل النشر الإلكترونية، كما ومنحت جوائز المعرض السنوية لدور النشر المتميزة، فحصل عليها 4 ناشرين، فرنسي وأسترالي وأميركي وصيني، إضافة إلى منح البارونة جيل ريبوك رئيسة شركة بنغوين راندوم هاوس البريطانية جائزة الإنجاز المتميز لمجمل الأعمال.
وكانت أقيمت بالتوازي مع المعرض وخلال أسبوع كامل مؤتمرات متخصصة عدة، منها مؤتمر «كوانتم» للنشر الإلكتروني ووسائط الميديا الحديثة الذي افتتح بكلمة للبروفسور نيك بوستروم أستاذ «الذكاء الاصطناعي» المعروف، كما شهد نقاشات مهمة شارك فيها مديرون شركات النشر ومتاجر الكتب الكبرى في العالم. أيضا سبق المعرض بيومَي المؤتمر العالمي الحادي والثلاثين للناشرين، وكان من أبرز المتحدثين فيه أرنوود نورري، المدير التنفيذي لدار هاشيت، الذي أعطى صورة وردية للغاية عن أوضاع صناعة النشر في العالم، وأيضا فيليب بولمان الذي استعرض العوامل الثورية التي تعيد تشكيل صناعة النشر والكتب في مجمل الكوكب، إضافة إلى ذلك كانت هناك ورشات عمل متخصصة حول المهرجانات الأدبية والنشر الأكاديمي استقطبت بكثافة متحدثين ومتابعين معنيين.
هذا، وقد أعلنت الشركة المنظمة للمعرض أن الدورة القادمة ستقام في 14 - ١6 مارس (آذار) العام المقبل، وستكون بولندا ضيفة المعرض الخاصة، وأعلن المنظمون في حفل أقيم على هامش اليوم الأخير بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني واتحاد الناشرين البريطانيين ومعهد الكتاب البولندي عن برنامج مكثف متكامل للتعريف بالكتابة والنشر والمبدعين في بولندا، سواء خلال أيام المعرض، وأيضا عبر العام من خلال أنشطة ثقافية متنوعة.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.