البنتاغون يدرس خفض الجنود الأميركيين في قوة حفظ السلام في سيناء

تحركات عسكرية أميركية في سيناء واليمن لملاحقة الإرهاب

آلية عسكرية شمال سيناء المصرية لتأمين المنطقة من المتطرفين (رويترز)
آلية عسكرية شمال سيناء المصرية لتأمين المنطقة من المتطرفين (رويترز)
TT

البنتاغون يدرس خفض الجنود الأميركيين في قوة حفظ السلام في سيناء

آلية عسكرية شمال سيناء المصرية لتأمين المنطقة من المتطرفين (رويترز)
آلية عسكرية شمال سيناء المصرية لتأمين المنطقة من المتطرفين (رويترز)

تجري واشنطن مناقشات عسكرية موسعة في المنطقة، حيث تدرس تخفيض عدد القوات الأميركية في قوة حفظ السلام المتعددة الجنسيات في سيناء، فيما تدرس طلبا من دولة الإمارات العربية المتحدة لتقديم مزيد من المساعدات الأميركية لموجهة تنظيم القاعدة في اليمن. وتأتي تلك المناقشات قبل أيام من زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المملكة العربية السعودية وعقد اجتماعي قمة مع عاهل المملكة العربية السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز، والمشاركة في اجتماعات دول مجلس التعاون الخليجي. وأكد الأدميرال أدريان رانكين غالاوي، بمكتب وزير الدفاع الأميركي، أن بلاده تدرس خفض أعداد الجيش الأميركي في بعثة حفظ السلام المتعددة الجنسيات، واستبدال القوة البشرية العسكرية بمعدات تكنولوجية متطورة؛ للقيام بمهام المراقبة وآليات الرصد والتحقق.
وقال الأدميرال غالاوي في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: إن «الولايات المتحدة ملتزمة تماما بالهدف من بعثة القوات المتعددة الجنسيات في سيناء والحفاظ على معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر»، مشددا على أن بلاده تقدم أيضا «الدعم الكامل لجهود القوة متعددة الجنسيات لتحسين الطريقة التي تؤدي بها القوة مهمتها في التحقق من الالتزام بالمعاهدة من خلال استخدام التكنولوجيا وزيادة الكفاءة في العمليات».
وقال الأدميرال غالاوي بمشاة البحرية الأميركية: «الولايات المتحدة ستقوم بسحب بعض أفراد الجيش الأميركي والاستعانة بمنصات تكنولوجية وتدابير حديثة، يعهد إلى تلك الأجهزة المتقدمة المهام التي كان يقوم بها أفراد الجيش في قوة حفظ السلام، ويعود ذلك إلى التعديلات التي تجري على القوة المتعددة الجنسيات في سيناء، وفي نهاية المطاف فإن هذه التدابير تعزز قدرة القوة متعددة الجنسيات على القيام بمهمتها بشكل آمن وفاعل في القرن الحادي والعشرين».
وأشار المسؤول العسكري إلى أن البنتاغون «يتشاور مع كل من مصر وإسرائيل والقوة المتعددة الجنسيات من أجل مراجعة أعداد القوة الأميركية (المتواجدة في سيناء) ومعرفة ما المهام التي يمكن تنفيذها باستخدام المعدات والتكنولوجيا واستخدام أجهزة حديثة للرصد والتحقق عن بعد».
وأوضح الأدميرال بمكتب وزير الدفاع الأميركي، أن «أي قرار نهائي للقيام بهذه التغييرات في عدد أفراد القوات الأميركية المخصصة في القوة المتعددة الجنسيات سيكون بعد عملية مشاورات بين جميع الشركاء الآخرين (مصر وإسرائيل)».
من جانبه، أشار الكابتن جيف ديفيس بالبحرية الأميركية والمتحدث باسم البنتاغون، إلى أن الولايات المتحدة لديها 700 جندي أميركي في القوة المتعددة الجنسيات لحفظ السلام، حيث سيتم تقليل العدد في المخيم في الشمال ووضع معدات عسكرية تكنولوجية حديثة للمراقبة والاستشعار عن بعد، ونقل بعض الجنود إلى المخيمات الجنوبية في سيناء. وقال ديفيس: «إن وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، أبلغ القادة في مصر وإسرائيل برغبة واشنطن في مناقشة بعض التغييرات في القوات المنتشرة والاستعانة بتكنولوجيات عسكرية جديدة، والاستعانة بمعدات الاستشعار عن بعد». وأشار ديفيس إلى مخاطر نفوذ داعش في المنطقة.
فيما أشار كريستوفر شيروود، المتحدث باسم وزارة الدفاع في بيان، إلى أن البنتاغون يدعم الدور الذي تقوم به القوة المتعددة الجنسيات ودور المراقبين في دعم معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، ونحن على اتصال مستمر لضبك قدرات حماية القوة وفق ما تقتضيه الظروف». وشدد المسؤولون الأميركيون، على أنه «رغم هذه التغييرات إلا أن واشنطن ملتزمة بالوفاء بالتزاماتها بموجب معاهدة السلام، وتريد أن تعتمد أكثر على أجهزة الاستشعار والكاميرات، وفي الوقت نفسه ضمان أن القوات الأميركية لديها القدرة على الدفاع عن أنفسها».
وقد عززت الولايات المتحدة وجودها في سيناء مع عشرات من القوات الإضافية ومعدات الدعم لتحسين إجراءات حماية القوة المتعددة الجنسيات في أعقاب هجوم في الصيف الماضي بعد زرع قنبلة على جانب الطريق؛ مما أدى إلى إصابة 4 جنود أميركيين، وأضافت وزارة الدفاع 75 جنديا إضافيا مع ناقلات جنود مدرعة، وغيرها من المعدات لتعزيز عمليات وحماية القوة المتعددة الجنسيات، خاصة في محطات الرصد النائية. ولم يتضح عدد القوات التي سيتم نقلها من مخيمات الشمال في منطقة الجورة، وهي أكبر منشأة للعمليات الدولية وبها 20 موقعا، بما في ذلك مراكز المراقبة ونقاط التفتيش، وما إذا كانت الدول الثلاث قد وافقت على الخطة.
من جانب آخر، أشارت تقارير صحافية إلى أن الإمارات طلبت مساعدة الولايات المتحدة في عمليات إجلاء طبية وبحث وإنقاذ خلال القتال ضمن طلب أكبر دعم جوي ومخابراتي ولوجيستي أميركي.

وأشار مسؤول كبير بالبيت الأبيض إلى أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لا يزال يشكل خطرا كبيرا على المنطقة وعلى الولايات المتحدة. وقال المسؤول بالبيت الأبيض في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نواصل مراقبة التهديدات النابعة من اليمن، والولايات المتحدة لن تتردد في مهمة ملاحقة وتعطيل وتدمير القاعدة وبقاياها».
وأضاف: «مثال على تصميمنا ملاحقة تنظيم القاعدة هو الضربة الجوية التي قمنا بها ضد معسكر تدريب القاعدة في غرب اليمن الشهر الماضي، واستهدفت هذه الضربة تعطيل قدرات القاعدة وشل محاولتها لاستخدام اليمن قاعدةً لشن هجمات».
وحول طلب الإمارات العربية المتحدة المساعدة من الولايات المتحدة في مجابهة تنظيم القاعدة في اليمن، قال المسؤول الأميركي «الولايات المتحدة ملتزمة بهزيمة القاعدة وحرمانهم من الملاذ الآمن، بغض النظر عن موقعهم». ورفض المسؤول بالبيت الأبيض التعليق على أي إجراءات محتملة في المستقبل والخطط التي تدرس حاليا لتحقيق هدف ملاحقة القاعدة في اليمن.
يذكر أن الجيش الأميركي استهدف منشأة تدريب تابع للقاعدة في اليمن منذ 3 أسابيع في ضربات جوية أدت إلى مقتل أكثر من 50 من مقاتلي القاعدة وإصابة أكثر من 30. وقال بيتر كوك، المتحدث باسم البنتاغون: «إن الضربة تستهدف شل قدرات القاعدة ومحاولة استخدام اليمن مركزا لشن هجمات؛ وهو ما يعكس التزامنا بهزيمة القاعدة وحرمانها من ملاذ آمن».
وتتزايد مخاطر تنظيم القاعدة في اليمن بعد سيطرته على بعض البلدات الرئيسية في جنوب اليمن، مثل المكلا في محافظة حضرموت وأبين والحوطة. ويسعى التنظيم المتطرف لفرض سيطرته على مزيد من الأراضي في جنوب اليمن.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.