«داعش» يواصل التمدد رغم الانتكاسات العسكرية والمالية

الجيش الأميركي يقطع الطريق على التدفقات المالية للتنظيم الإرهابي

غارات قوات التحالف الدولي على عناصر «داعش» في كوباني (نيويورك تايمز)
غارات قوات التحالف الدولي على عناصر «داعش» في كوباني (نيويورك تايمز)
TT

«داعش» يواصل التمدد رغم الانتكاسات العسكرية والمالية

غارات قوات التحالف الدولي على عناصر «داعش» في كوباني (نيويورك تايمز)
غارات قوات التحالف الدولي على عناصر «داعش» في كوباني (نيويورك تايمز)

نجحت الغارات الجوية الأميركية في قتل ما يصل إلى 25 ألف عنصر من عناصر تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، وأحرقت الملايين من الدولارات المنهوبة بواسطة المسلحين المتطرفين، وفقًا لمسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية.
وتمكنت القوات العراقية والكردية من استعادة ما يقرب من 40 في المائة من الأراضي التي استولى عليها التنظيم في العراق، كما يقول المسؤولون، ونجحت القوات المدعومة من الغرب في السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي في سوريا كانت تحت سيطرة «داعش»، المعروف إعلاميًا كذلك باسم (ISIS) أو (ISIL).
ولكن النجاحات العسكرية المحققة بواسطة القوات المدعومة من الغرب داخل معقل تنظيم داعش لم تفعل شيئًا يُذكر في إيقاف توسع مسلحي التنظيم نحو أوروبا، وشمال أفريقيا، وأفغانستان. حيث عززت الهجمات التي وقعت هذا العام في بروكسل وإسطنبول ومدن أخرى من الشعور بأن التنظيم الإرهابي لا يزال موجودًا ويتوسع، وفي أوساط المسؤولين الأميركيين والخبراء العسكريين، هناك حذر متجدد في التنبؤ بما هو قادم في المعركة التي يقولون إنه من المرجح أن تستمر لسنوات.
يقول نائب وزير الخارجية الأميركية أنتوني جيه بلينكن في جلسة استماع أمام إحدى لجان الكونغرس الأميركي يوم الثلاثاء الماضي: «حتى مع تقدم الجهود لهزيمة (داعش) على الخطوط الأمامية، فإننا نعلم أنه لكي نتمتع بالفعالية الكافية، يتعين علينا العمل على وقف تقدم وانتشار العنف بالمقام الأول، وأن نعمل على إيقاف التجنيد، والتطرف، وتعبئة وحشد الأتباع، ولا سيما الشباب الصغير، للانضمام إلى الأنشطة الإرهابية».
بدلاً من إشراك الدول الزائفة في منطقة الشرق الأوسط التي أثبتت تعرضها للقوة الجوية الأميركية، فإن الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين يتعين عليهم الآن التعاون في الصراع الأكثر تعقيدًا ضد المتشددين المحليين الذين يحتاجون إلى عدد قليل نسبيًا من الموارد لنشر العنف والفزع وسفك الدماء في الغرب. يقول جوناثان سكانزر، المحلل السابق في شؤون تمويل الإرهاب لدى وزارة الخزانة الأميركية الذي يعمل حاليًا لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن: «إن هزيمة الوجود العسكري الرسمي للتنظيم الإرهابي لن يخفف بشكل كبير من تهديدات الإرهابيين المنفردين أو الخلايا المستقلة التابعة للتنظيم والمختفية في الغرب».
فالهجمات على الأهداف الغربية رخيصة التكلفة، كما يقول سكانزر الذي يقدر تكاليف المواد المستخدمة في هجمات بروكسل الأخيرة والمختبر المطلوب في صناعة المتفجرات، على سبيل المثال، بنحو 10 إلى 15 ألف دولار أميركي. ومع ذلك، كما يضيف سكانزر: «يمكنك هزيمة (داعش) في المنطقة الخاضعة لسيطرة (داعش)، ولكنك لن تتمكن من هزيمة آيديولوجية (داعش) بتلك الطريقة. حيث تواصل تلك الآيديولوجية في التطور والانتشار والوجود».
وفي حين أن بعض المسؤولين حاولوا تصوير الهجمات الأخيرة في أوروبا وتركيا من زاوية أنها دليل على اليأس والإحباط الذي حل بتنظيم داعش الإرهابي نتيجة خسائر التنظيم في ميادين القتال، إلا أن جانبًا كبيرًا من المسؤولين والخبراء يعتبرون أن أعمال العنف في الغرب دليل على أن التنظيم الإرهابي ليس بالمشكلة التي يسهل التغلب عليها سريعًا أو بسهولة.
اعترف المسؤولون على جانبي الأطلسي أن تنظيم داعش الذي سرق نحو مليار دولار من خزائن بنوك سوريا والعراق ليصبح أحد أثرى التنظيمات المسلحة على مر العصور، لا يزال عدوًا قادرًا على تعديل صفوفه وباستطاعته فعل الكثير كما اتضح من اختطافه 170 عاملاً من مصنع للإسمنت بالقرب من دمشق الأسبوع الماضي.
في الموصل بالعراق، والرقة بسوريا التي تعتبر العاصمة الفعلية للتنظيم، جرى تخفيض رواتب المقاتلين إلى النصف منذ العام الماضي، بحسب سكان المنطقة ووثائق. لكن حتى في ضوء الرواتب المخفضة، وفق المسؤولين الأميركيين، فإن تنظيم داعش الذي يجمع مئات الملايين من الدولارات عن طريق الابتزاز وجني الضرائب من الخاضعين لسلطته، لا يزال قادرًا على دفع رواتب مقاتليه. وفى مقابلة جرت أخيرًا في لندن، قال دانيل غلاسر، مساعد أمين وزير الخزانة لمكافحة تمويل الإرهاب، إنه ليس هناك وسيلة واحدة لحرمان «داعش» من ثرواته الباهظة.
غير أن مسؤولي الإدارة الأميركية يقولون إن الجهود المشتركة لتقليص نفوذ التنظيم في العراق وسوريا عسكريًا وجهود تقليص مواردها قد تغذتا على بعضهما البعض (أثرا بالسلب على بعضهما)، وأن الهدف الاستراتيجي هو حرمان المسلحين من المصادر التي يحتاجون إليها لشن الحرب عن طريق استعادة المدن والبلدات وحقول النفط التي استولوا عليها، وهو ما نجحوا فيه، حسب الحسابات الأميركية.
منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، استهدفت حملة جوية باسم «عملية موجة المد 2» حقول النفط، والمصافي وحاويات النفط، ويعتقد المسؤولون الأميركيون أنهم قد نجحوا في تقليص موارد النفط لـ«داعش» بواقع الثلث. وعلى الأرض، خسر «داعش» بالفعل عددًا من المدن والبلدات منذ استيلائه على الرمادي بالعراق منذ نحو عام، وكان هذا آخر انتصار حققه، حيث تمكنت قوات الأمن العراقية، بمساعدة من ضربات الجو الأميركية، من استعادة الرمادي.
استعادت القوات العراقية أيضًا مدينة بايجي الشمالية مع مصفاة النفط بها، وتمكنت القوات الكردية والإيزيدية من طرد مقاتلي «داعش» خارج مدينة سنجار الشمالية.
في الأسابيع الأخيرة قتلت الضربات الجوية الأميركية ما وصفته الإدارة الأميركية بكبار قادة التنظيم، وشمل ذلك وزير الحرب عمر الشيشاني، والقائد الكبير عبد الرحمن مصطفي القادولي، وجرى أسر اختصاصي الأسلحة الكيميائية سليمان داود العفاري بواسطة سلاح العمليات الخاصة الأميركية في فبراير (شباط) الماضي.
في نفس الوقت، اعترف المسؤولون أن تنظيم داعش استطاع تعيين قادة جدد بدلاً من السابقين، وأن قتل وأسر قادة ميدانيين لن يساعد على وضع نهاية للتنظيم.
* خدمة «نيويورك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.