مئات الانتحاريين يمنعون قوات المعارضة من إيقاف تمدد «داعش» في حلب

التنظيم المتطرف يسعى لاقتحام مارع بموازاة تقدمه بمحاذاة الحدود التركية

مئات الانتحاريين يمنعون قوات المعارضة من إيقاف تمدد «داعش» في حلب
TT

مئات الانتحاريين يمنعون قوات المعارضة من إيقاف تمدد «داعش» في حلب

مئات الانتحاريين يمنعون قوات المعارضة من إيقاف تمدد «داعش» في حلب

فشلت قوات المعارضة السورية أمس بوقف تمدد تنظيم داعش المتطرف في منطقة الشريط الحدودي مع تركيا بريف محافظة حلب الشمالي، حيث واصل التنظيم تقدمه لليوم الخامس على التوالي، وسيطر على بلدة تل شعير، قبل أن يبدأ التمهيد للسيطرة على بلدة مارع، معقل المعارضة الأبرز في ريف حلب الشمالي.
وارتفعت التقديرات أمس بأن التنظيم يسعى للتقدم باتجاه مارع، وأنه يحضر لهجوم ضخم، بعدما رصدت المعارضة وصول أربع شاحنات كبيرة دفع بها التنظيم المتطرف، محملة بالمفخخات، كما قال القيادي المعارض في حلب منذر سلال لـ«الشرق الأوسط». وأوضح سلال أن «قوات الجيش الحر في مارع يتحضّرون جيدًا لمعركة مشابهة، ولن يسمحوا للتنظيم بالتقدم». وفي الوقت نفسه، أعلن ناشطون أن التنظيم «بدأ التمهيد لاقتحام مارع عبر قصفها بأربعة صواريخ».
هذا، وحقق «داعش» تقدمًا منذ خمسة أيام أسفر عن السيطرة على بلدة الراعي والقرى المحيطة فيها بمحاذاة الشريط الحدودي مع تركيا، كما وصل إلى مسافة تبعد 10 كيلومترات عن مدينة أعزاز، حيث سيطر على تل شعير لحماية بلدة الراعي من تقدم المعارضة نحوها، فيما أطلق هجومًا أمس على خط مغاير باتجاه عمق الأراضي السورية، نحو مارع التي يشتبك منذ أشهر مع قوات المعارضة على أطرافها. وراهنًا يبعد التنظيم عن مارع مسافة 1.5 كيلومتر فقط. وفي حال سيطر على مارع، فإنه يكون قد أقصى قوات المعارضة إلى الشريط الحدودي مع تركيا في منطقة أعزاز فقط، ويصبح على تماس مباشر مع ميليشيا «سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية بريف حلب الشمالي.
سلال أرجع هذا التقدم المفاجئ للتنظيم في المنطقة إلى «خطأ دولي في التقدير، حيث ترك المعارضة تتقدم بمحاذاة الشريط الحدودي فقط من دون حماية خط الإمداد، وتركوا خاصرتنا مكشوفة، حيث يستطيع داعش أن يقطع الطريق إلى الراعي، في أي موقع يسيطر عليه». وتابع أن عمليات المعارضة التي أدت للسيطرة على مناطق «داعش» خلال الأسبوعين الأخيرين قبل أن يستعيدها التنظيم: «كان تقدمًا طوليًا بمحاذاة الشريط الحدودي ولم يتوسع إلى العمق لحماية خط الإمداد ومناطق تقدمنا». وأشار سلال إلى أن قوات المعارضة «استطاعت استعادة السيطرة على بلدة حور كلس وقريتين أخريين الخميس.
ولقد دفع «داعش» أمس بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى ريف حلب، تحضيرًا لهجمات أخرى ضخمة، حيث أفاد ناشطون بأن أرتال التنظيم «خرجت من الرقة باتجاه ريف حلب الشمالي»، إلى جانب «آلاف المقاتلين الذين يقاتلون على الجبهة»، كما قال مصدر عسكري معارض بارز في ريف حلب.
وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لـ«الشرق الأوسط» أن الفشل في وقف تمدّد التنظيم «عائد إلى عدة أسباب، أولها أنه يستخدم المدنيين دروعًا بشرية، فضلاً عن تمركزه في تلال ومرتفعات تكشف مناطق المعارضة». إضافة إلى ذلك: «يعتمد التنظيم على رفع سواتر ترابية بارتفاع 5 أمتار فور تقدمه، وحفر خنادق بعمق مترين، لمنع التقدم نحوه، كما يعمد إلى تفخيخ الممرّات والطرقات التي تصل إلى مواقع سيطرته، وتجهيز انتحاريين في سيارات مفخخة جاهزين للانطلاق في أي لحظة»، مشيرًا إلى أن «أعداد الانتحاريين والانغماسيين بالمئات». كذلك أكد المصدر أن التنظيم «يحضر أعدادًا كبيرة من الانتحاريين، وهو يعتمد على المقاتلين الأجانب والعرب في صفوفه، بينما ترك السوريين الذين يطلق عليهم اسم (الأنصار) في الخطوط الخلفية وأوكل إليهم المهام اللوجستية». وأضاف: «من جهتنا، هناك ضغط كبير علينا بالنظر إلى أن النظام افتتح معركة ضدنا في الملاح وحندرات، ما شكل ضغطًا علينا واضطررنا إلى توزيع المقاتلين على جبهتين».
يذكر أن «داعش» كان قد استعاد يوم الاثنين بلدة الراعي الحدودية الواقعة على مسافة 36 كيلومترا شرقي أعزاز من فصائل تقاتل تحت لواء «الجيش السوري الحر» وذلك في إطار أشهر من الكر والفر في شمال محافظة حلب. وتنتشر مخيمات النازحين على مقربة من الحدود التركية، وهي مكتظة بأكثر من 51 ألف مدني منذ هجوم قوات النظام السوري قبل الهدنة في فبراير (شباط) بدعم من الطيران الروسي، على مواقع للفصائل المعارضة في ريف حلب الشمالي. وتعد معارك حلب الحالية الأكثر عنفًا منذ بدء تنفيذ اتفاق وقف الأعمال القتالية في سوريا في 27 فبراير الماضي. وبرغم أن الاتفاق يستثني «جبهة النصرة» وتنظيم داعش، فإن انخراط «جبهة النصرة» في تحالفات عدة مع فصائل مقاتلة ومشاركة الفصائل في المعارك، من شأنه أن يهدد الهدنة. وأسفرت تلك المعارك وخصوصا تقدم «داعش» بالقرب من الحدود مع تركيا عن موجة نزوح جديدة في حلب. ويتزامن التصعيد العسكري وتأزم الوضع الإنساني في حلب مع اليوم الثالث من جولة المفاوضات في جنيف.
أما في مناطق جنوب محافظة حلب، فأعلن كل من تنظيم داعش و«المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن التنظيم سيطر على منطقة جبلية تقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة حلب، إذ أفاد التنظيم في بيان أنه سيطر على حقل دريهم والتلال المحيطة به الواقعة على بعد 65 كيلومترا جنوب شرقي حلب وهي منطقة تطل على بلدة خناصر الواقعة تحت سيطرة النظام. كانت وسائل الإعلام السورية ذكرت مساء الخميس أن قوات النظام خاضت معارك ضد التنظيم قرب خناصر وكبده خسائر فادحة. أما «المرصد» فذكر أن القتال بين قوات النظام والتنظيم «مستمرة مع سعي النظام لاستعادة السيطرة على المنطقة».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.