«من التاريخ» أميركا: التوسع غربًا.. وتبلور سياسة الحزبين

«من التاريخ» أميركا: التوسع غربًا.. وتبلور سياسة الحزبين
TT

«من التاريخ» أميركا: التوسع غربًا.. وتبلور سياسة الحزبين

«من التاريخ» أميركا: التوسع غربًا.. وتبلور سياسة الحزبين

يمثل الرئيس أندرو جاكسون أحد أهم الشخصيات السياسية الأميركية منذ استقلالها حتى اليوم. وكما أشرنا في الأسبوع الماضي، فهو ابن الأسرة الآيرلندية الفقيرة التي هاجرت لأميركا وتيتم في الخامسة عشرة، إلا أنه استطاع أن يعلّم نفسه إلى أن أصبح محاميًا ونائبًا قضائيًا في سن العشرين. ومن ثم استقر في ولاية تينيسي، تزوج من امرأة متزوجة بالفعل بعدما هرب معها من دون أن يعلم أن إجراءات طلاقها لم تكن قد حُسمت بعد، وهو ما سبب له مشكلات في مستقبله بعدما لفظها المجتمع الأميركي المحافظ، خصوصًا في الطبقة الأرستقراطية. ولكن على الرغم من ذلك دخل جاكسون عالم الساسة عبر مجلسي الكونغرس قبل أن يستقيل لضيقه من الحياة السياسة فيه، وعيّن بعد ذلك قائدًا لميليشيا ولاية تينيسي، وبنى شهرته على محاربة الأميركيين الأصليين (الهنود الحمر) وطردهم من أراضيهم. ثم جاء انتصاره العظيم في معركة نيو أورليانز عام 1814 في مواجهة الجيش البريطاني. وبعدها احتل فلوريدا مع أن أرسل لمراقبة الحدود في الولاية التي تتبع إسبانيا الإسبانية لحماية المستعمرين من غارات الهنود الحمر. لم يستطع عزل «البطل القومي» إلى أن انتهت ولايته، فازداد طموحه وترشح لانتخابات الرئاسة ممثلاً عن الطبقة الكادحة والمتوسطة. ومع خسر في المرة الأولى - مع حصوله على العدد الأكبر من الأصوات الشعبية - استطاع الفوز في الانتخابات التالية.. فدخل البيت الأبيض.
لقد جاءت ولايتا جاكسون كرئيس للولايات المتحدة (1829 - 1833 و1833 - 1837) لتدخل واشنطن في صراع طبقي متوقع لما مثله الرجل من خلفية اجتماعية وتعليمية متواضعة لم يشهدها البيت الأبيض من قبل. فهو رجل يعتبره معظم أعضاء الكونغرس من فئة دنيا بينما كان هو يمقت هذه الطبقة بكل ما أوتي من قوة. وهذا الوضع ما عصف بواشنطن في مشكلة تلو الأخرى، خصوصًا إبان صراعه مع الكونغرس الذي كان يخشى قوة جاكسون وخوفه من تحويل البلاد إلى ديكتاتورية لصلابته وعناده واندفاعاته وعنفه الفطري. وكانت أولى الخلافات قصة الحب التي جمعت وزير دفاعه بامرأة متزوجة من ضابط في الجيش الأميركي، ويومذاك ساند جاكسون وزيره بكل قوة وصمد ضد المؤامرات التي كانت تحاك ضده. ولكن المشكلة التالية كادت تعصف بالوحدة الأميركية ذاتها، ويمكن اعتبارها الجذور الحقيقية للحرب الأهلية الأميركية بعدها بثلاثة عقود. ذلك أن الكونغرس مرّر بدعم من نائب جاكسون قانونًا يسمح للولايات برفض القوانين الفيدرالية التي لا تتناسب وظروفها السياسية والاقتصادية. وعُرِف هذا القانون باسم «قانون الإلغاء» Nullification Act. هذا القانون شجّع ولاية ساوث كارولينا على رفض تطبيق الضرائب على العبيد، وأخذت هذه الولاية (وهي نفسها التي تفجّرت منها شرارة الحرب الأهلية في أواخر عام 1860) تعد العدة عسكريًا لمواجهة أي تحرّك حربي ضدها من الدولة الفيدرالية. وعلى الأثر تدخل الرئيس بتوجيه نداء إلى الولاية لحماية الوحدة الأميركية مع بعض التهديدات المستترة، وبالنتيجة سوّي الأمر بخفض الضريبة بصفة عامة لرأب الصدع، ولكن ليس قبل أن بذر البذور الأولى للحرب الأهلية خصوصًا بعد انتشار الحركات التحرّرية للعبيد في ولايات الشمال، لا سيما في ولاية ماساتشوستس، من أجل إلغاء الرّق (العبودية) تمامًا لأنها تتنافى مع المبادئ العامة للدستور الأميركي. وحقيقة الأمر أن جاكسون لم يكن متعاطفًا مع هذا التوجه لأنه كان يدرك أهمية العبيد بالنسبة لاقتصادات الولايات الجنوبية التي ينتمي إليها، وكانت تعتمد على زراعتي القطن والتبغ، وهاتان زراعتان تحتاج لأيدٍ عاملة كثيفة ورخيصة. وهو ما وضعه في موقف حرج للغاية، لكن جاكسون استطاع أن يوائم بين قناعاته وقسمه كرئيس للبلاد للمحافظة على وحدة التراب الأميركي.
من ناحية ثانية، لعل أهم تركة لجاكسون في السياسية الأميركية ما هو معروف بقانون «إزاحة الهنود» الذي صدر عام 1830، إذ يدرك تمامًا أن مستقبل الولايات المتحدة يكمن في توسّعها غربًا والاستفادة من الأراضي الخصبة التي تسمح ببناء الدولة القوية التي كان يسعى لها وبما يفتح المجال أمام استيعاب أعداد كبيرة من المستوطنين الجدد. وما كان لهذا الاستيطان القائم على التوسّع أن يتحقق إلا على حساب السكان الأصليين، دفعه لطرد كل الهنود من مناطق شرق نهر الميسيسيبي إلى غربه. وعلى الرغم من أن قبائل الهنود الحمر انصاعت لدعواته إلى تغيير عاداتها وتقاليدها كي يسهل صهرها في المجتمع الأميركي المسيحي الأبيض، فإن هذا لم يشفع لها، إذ كان لا بد من خلق حدود فاصلة بين طريقتين من الحياة مختلفتين تمامًا. وهكذا جرى ترحيل الهنود الحمر قسرًا عبر النهر في مشاهد مأسوية مات خلاله كثيرون. وكانت هذه الصفحة تركة سيئة للغاية لجاكسون، ولكن التقدير أنه لم يكن يأبه بذلك لأن رؤيته الصارمة ما كانت تقبل الحلول الوسط أمام اقتناعه بـ«سمو الجنس الأبيض الذي يحمل في ضميره كاهل الإنسانية والحضارة والدين»!
ومع انقضاء فترة ولاية جاكسون الأولى وحلول الانتخابات الرئاسية، بدأ يعد لحملته الانتخابية الجديدة. وردًا على منتقديه، بدأ رجال حملته يرون ضرورة إنشاء مؤسسة تساعدهم على تنظيم الصفوف لهذا الحدث، وهو ما أسفر عن إنشاء كيان سُمي باسم «الديمقراطيين» لمساندة جاكسون في حملته الانتخابية عن جمع تأييد الطبقتين الوسطى والدنيا، وهو ما تحوّل إلى «الحزب الديمقراطي» بعد ذلك. ولقد رد معارضو جاكسون بإنشاء كيان مضاد تحول فيما بعد إلى «الحزب الجمهوري»، وهكذا رسمت انتخابات الفترة الثانية لجاكسون مسيرة السياسة الداخلية الأميركية من خلال الكيانين السياسيين الحزبيين اللذين لا يزالان حتى اليوم يسيطران على مقاليد السياسة الأميركية.
وجه جاكسون خلال فترة حكمه الثانية للدفع بمساندة الطبقتين الوسطى والدنيا التي أتى منها، وكان يرى أن النظام الرأسمالي بشكله القائم لا يفيد إلا الطبقات الغنية خصوصًا في الولايات الشمالية، وهو ما يحتاج إلى مراجعة. وعليه، كان هدفه التالي القضاء على إحدى أهم الوسائل المتاحة أمام الأرستقراطية الرأسمالية في البلاد وهو «بنك الولايات المتحدة الثاني» الذي كان يركز جهوده نحو تمويل الشركات العملاقة، إذ لم تكن المجتمعات في ذلك الوقت تعرف مفهوم تمويل الصناعات المتوسطة والصغيرة كما هو معروف اليوم، ناهيك بافتقار البلاد للمصارف والمؤسسات التمويلية آنذاك. وحقيقة الأمر أن هذا البنك كان في حينه بمثابة البنك المركزي الأميركي، وكانت الدولة تضع فيه كل أرصدتها. وبينما رأى معارضو جاكسون أن استهداف البنك سيمثل ضربة للاقتصاد الأميركي، كان الرئيس مصممًا على القضاء عليه، وهو ما أدخله في صراع مع الكونغرس لا سيما بعدما استخدم «الفيتو» بهدف تقزيم البنك في نهاية ولايته. وحقًا، استطاع جاكسون الصمود أمام الضغوط ضده، خصوصًا أنه لم تكن له طموحات شخصية بعدما فقد زوجته، وبالتالي، كرّس جهوده في الحياة للدفاع عن معتقداته السياسية والاجتماعية التي يتناقض معها البنك تمامًا. واستمرت المعركة بكل قوة ضد الكونغرس بقيادة غريمه اللدود السناتور هنري كلاي، ومع ذلك فرض جاكسون على الإدارة سحب الأرصدة الحكومية من البنك والعمل على كسب الوقت لحين انتهاء ولاية البنك، ومن ثم موته ميتة طبيعية بعد رفضه التجديد لبقائه. هذا التصرف دفع مجلس الشيوخ للتقدم بما هو معروف باسم «motion of centure» أو ما يمكن وصفه بـ«التقريع» دون أي عواقب قانونية، وهو ما لم يحدث من قبل أو من بعد في تاريخ الولايات المتحدة ضد رئيس الجمهورية، ولكنه حدث مع جاكسون. وأصدر الكونغرس بالفعل «تقريعه» ضده، ومع ذلك لم يأبه الرجل وصمد بكل قوة ورفض التنازل عن موقفه إزاء البنك، الذي أغلق أبوابه في عام 1836 ليعلن انتصار الرئيس «الشعبوي» على الكونغرس، وكان هذا الانتصار آخر معارك جاكسون الشهيرة، الذي انتهت ولايته في عام 1838 وعاد إلى ولاية تينيسسي، حيث توفي عام 1845 ودفن بجوار زوجته.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».