«حزب الله» منظمة إرهابية .. قرار تأخر ثلاثة عقود

لماذا استغرق الإعلان الخليجي والعربي كل هذا الوقت؟ ولماذا الآن؟ * اتضح أخيرا لأغلبية العالم العربي أن «حزب الله» لم يكن حركة مقاومة وطنية ولكنه مجرد دمية إيرانية * أصبح ادعاء نصر الله بالدفاع عن القضية الفلسطينية مثيرا للسخرية بعد استغلالها للفت الأنظار

«حزب الله» منظمة إرهابية .. قرار تأخر ثلاثة عقود
TT

«حزب الله» منظمة إرهابية .. قرار تأخر ثلاثة عقود

«حزب الله» منظمة إرهابية .. قرار تأخر ثلاثة عقود

في 2 مارس (آذار) 2016، اعترفت كتلة مهمة من دول العالم العربي (أخيرا) بأن حزب الله منظمة إرهابية، حيث أعلنت دول «مجلس التعاون الخليجي» – الذي يتكون من المملكة العربية السعودية، والإمارات، والكويت، والبحرين وقطر وعمان - عن قرارها بتصنيف الميليشيا اللبنانية الشيعية كجماعة إرهابية بناء على مشاركتها في «سلوكيات عدائية» في المنطقة وتهديدها «الأمن الوطني العربي» عبر تهريب السلاح، والحث على العنف، وتجنيد الإرهابيين.
على الرغم من أن زخم هذا القرار كان يتم الحشد له منذ بعض الوقت، إلا أنه ما زال ينظر إليه باعتباره تصعيدا للخصومة الإقليمية بين الدول العربية وخصمها الرئيسي دولة إيران.
ولكن السؤال المهم هنا هو، لماذا استغرق إعلان أن «حزب الله» هو الذئب المتنكر في ثياب الخروف كل هذا الوقت؟ والأهم من ذلك، لماذا الآن؟
تكمن الإجابة في الأزمات التي سادت العالم العربي في الفترة التالية على الانتفاضات حيث ذهبت طموحات إيران التوسعية والمقلقة أبعد من أن يغض العالم العربي الطرف عنها وأصبح الادعاء بالدفاع عن القضية الفلسطينية مثيرا للسخرية، كما دفعت الاضطرابات التي سادت الشوارع من تونس إلى صنعاء النظم العربية إلى عودتها إلى التركيز على الأمن وتضييق الخناق على كافة فصائل الإرهابيين ومموليهم.
في وقت من الأوقات، كان «حزب الله» يحظى بتأييد واسع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكان ينظر إلى الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، باعتباره بطل العالم العربي إلى جانب صدام حسين وغيره. وتزايدت مكانة الحزب في عام 2006 في أعقاب الحرب التي خاضها ضد إسرائيل. إذن ما الذي حدث؟ اتضح أخيرا لأغلبية العالم العربي أن «حزب الله» لم يكن حركة مقاومة وطنية اجتماعية - سياسية تستهدف قتال إسرائيل - وهي القضية التي كان يمكن لجميع دول المنطقة أن تلتف حولها طوال القرن العشرين - ولكنه مجرد دمية إيرانية خطرة تستمد آيديولوجيتها وتمويلها وتدريبها والمواد التي تحتاجها وتوجيهاتها مباشرة من طهران. وعلى الرغم من أن دول الخليج أصبحت أخيرا تعي هذه الحقيقة جيدا في ضوء حربها المستمرة بالوكالة مع إيران، كانت تلك الحقيقة جلية طوال الوقت.
ففي بيان «حزب الله» في عام 1985، تعهد الحزب بوضوح بالولاء للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الذي كان في ذلك الوقت هو آية الله روح الله الخميني وحث على إنشاء دولة إسلامية أكبر يقودها الخميني بمقتضى فكرة ولاية الفقيه. وكان نصر الله نفسه يكرر دائما هذه الأفكار بداية من خطابه غير المؤرخ في أواخر الثمانينات وقبل أن يحتل منصبه كأمين عام لحزب الله ووصولا إلى آخر خطبه المتلفزة في 2015 في المؤتمر السنوي الثاني: «التجديد والاجتهاد عند الإمام خامنئي».
وكانت إيران تدفع «حزب الله» باتجاه هذه الأهداف منذ البداية. فعلى سبيل المثال، وخلال المؤتمر الرابع حول الفكر الإسلامي في طهران في 1986، تم عقد عدد من الاجتماعات المحورية بين رجال الدين اللبنانيين والإيرانيين للعمل على وضع دستور لما يطلق عليه جمهورية لبنان الإسلامية مشابه للدستور الإيراني. وعلى الرغم من أن هذه الجمهورية، إذا ما نجحوا في تأسيسها، كانت لتهيمن على السلطة المحلية، فإنها كانت ستخضع إلى حد كبير لطهران.
خلال العقود التي تلت نشأة تنظيم «حزب الله»، اتضح الكثير حول نشأته وطريقة عمله وصلته بإيران، بداية من تبنيه لنموذج هيكلي شبيه بنموذج الباسدران يعتمد على وجود ميليشيا ودعم اجتماعي ونشاطات ثقافية وقوة اقتصادية وصولا إلى تدريبه العسكري الأولي على يد قوات الباسدران في بعلبك قبل الانتقال إلى التدريب في إيران بالإضافة إلى تمويل إيران له ومده بالسلاح لعقود طويلة وبقيمة وصلت إلى نحو 200 مليون دولار سنويا وفقا لتقديرات البنتاغون.
ولكن جانبا كبيرا من الهالة المحيطة بنشأة «حزب الله» يرجع إلى الشرعية المزعومة لخطابه ونشاطاته ضد إسرائيل بالإضافة إلى تحالفه مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات. وقد عمل الغزو الإسرائيلي في عام 1982 لجنوب لبنان بهدف طرد منظمة التحرير الفلسيطينية على تحقيق نتائج غير مقصودة تضمنت تعزيز الشيعة اللبنانيين المهمشين الذين تحالفوا مع الفلسطينيين المهمشين أيضا وحملوا السلاح معا ضد هذا المحتل الأخير.
يعكس بيان «حزب الله» هذه الخصومة التي بزغت في أعقاب غزو إسرائيل ويحدد خصومه بوضوح: ننظر إلى إسرائيل باعتبارها شرطي الولايات المتحدة في عالمنا الإسلامي. إنها العدو المكروه الذي تجب محاربته حتى يحصل من نكرههم على ما يستحقونه. ويعد هذا العدو الخطر الأكبر على الأجيال المستقبلية وعلى مصير أرضنا خاصة وأنه يمجد فكرة الاستيطان والتوسع التي بدأت في فلسطين ويتوق إلى إقامة إسرائيل الكبرى التي تمتد من الفرات إلى النيل. نحن نفترض في معركتنا ضد إسرائيل أن الكيان الصهيوني هو كيان عنيف منذ نشأته وبني على أرض سرقت من أصحابها وعلى حساب حقوق الشعب الإسلامي. ومن ثم فإن صراعنا لن ينتهي إلا عندما يزول هذا الكيان.
وكما يتضح من ذلك الجزء، خلق «حزب الله» بعناية منذ نشأته صورة ذهنية محددة لنفسه باعتباره جماعة مقاومة لبنانية تستهدف محو إسرائيل من الخريطة. ولكن يمكننا أن نستنتج من النظر إلى المنحنى الطويل لنشاطات حزب الله على مدار السنين أن هذا الهدف ليس محليا أو وطنيا. فعلى الرغم من أن مكانة «حزب الله» كانت مستمدة أساسا من القطاع الشيعي في لبنان الذي كان لديه تعاطف مشروع مع نظيره الفلسطيني، فمما لا شك فيه أن «حزب الله» تحول بعد نشأته مباشرة إلى صنيعة إيرانية. والأهم من ذلك، لم يمثل العنف الذي مارسه «حزب الله» ضد إسرائيل ومصالحها سوى جانب صغير من نشاطاته الإرهابية. وكما قال ديفيد كوهين نائب وزير الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في أغسطس (آب) 2012 في تصريحات مختصرة حول تصنيف «حزب الله» إثر دعمه للنظام السوري:
قبل الهجوم الذي شنه تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2001، كان «حزب الله» مسؤولا عن مقتل عدد من الأميركيين في الهجمات الإرهابية يزيد على ضحايا هجمات أية جماعة إرهابية أخرى. في البداية بدأ «حزب الله» تنفيذ تفجيرات وعمليات خطف في لبنان ثم توسعت حملة العنف لتصل إلى الساحة العالمية حيث نفذ ودعم هجمات إرهابية في أميركا الجنوبية، وجنوب شرقي آسيا، وأوروبا وغيرها من الدول في الشرق الأوسط. وأخيرا، رأينا عمليات للتنظيم في أذربيجان ومصر وتايلاند وقبرص.
من جهة أخرى، تم توثيق نطاق الإرهاب العالمي الذي مارسه «حزب الله» في كتاب صدر في عام 2013 من تأليف مات ليفيت بعنوان: «حزب الله: الآثار العالمية لحزب الله اللبناني»، صور فيه ليفيت كيف مارس التنظيم العنف في جميع أنحاء العالم لأكثر من ثلاثة عقود. جدير بالذكر أن ممارسات التنظيم كانت أكثر ارتباطا بالطموحات الدولية الإيرانية من ارتباطها بقضية مقاومة إسرائيل. وبالطبع عندما ننظر إلى إرهاب «حزب الله»، لن نكون بحاجة إلى النظر أبعد من لبنان نفسها التي كانت أكثر من عانى من أنشطة التنظيم.
وحتى في ما يتعلق بالزاوية الفلسطينية وما يطلق عليه الدفاع عن قضيتهم، فإنه كان مستمدا أساسا من الخميني في إيران. جدير بالذكر أن أول بعثة خارجية تزور الخميني في إيران ما بعد الثورة كانت بقيادة ياسر عرفات وإن كان ذلك الحدث لم يحظ بالاهتمام في ذلك الوقت. كما كان الصراع ضد الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر - الولايات المتحدة وإسرائيل على التوالي - من الأولويات الأولى للمرشد الأعلى، كما سيصبح بعد ذلك بالنسبة للتنظيمات التابعة له. وكما اتضح مع الوقت – خاصة على الساحة السورية - يتلقى مقاتلو «حزب الله» تعليماتهم مباشرة من طهران لدعم نظام الأسد على حساب السوريين والعدد اللانهائي من الفلسطينيين في معسكر اليرموك بسوريا (على سبيل المثال)، أي أن «حزب الله» استغل ببساطة القضية الفلسطينية للفت الأنظار بعيدا عن أنشطته وطموحاته الأخرى.
ولم يبدأ الإرهاب الذي يمارسه «حزب الله» في منطقة الشرق الأوسط بأوامر من إيران في الحصول على جانب كبير من اهتمام زعماء الدول العربية إلا في العقد الأخير عندما اشتدت حدة حربهم بالوكالة مع إيران. ولكن في الفترة التالية على انتفاضات العالم العربي، وهي الفترة التي عملت خلالها دول الخليج على التعاون معا لتعزيز الاستقرار والسيطرة على الإرهاب، يبدو أن أنشطة «حزب الله» الأخيرة قد استفزتهم وتجاوزت الحدود. تتضمن هذه الاستفزازات كما يصوغها على نحو مثالي ديفيد بولاك مدير «منتدى فكرة»: المساعدات العسكرية المستمرة للديكتاتور السوري بشار الأسد، ودعم المعارضة الحوثية في اليمن، والعلاقات الوثيقة مع خصم دول مجلس التعاون الخليجي الرئيسي وهو إيران والمشاركة في الإرهاب وعمليات التخريب والتجسس داخل معظم دول مجلس التعاون الخليجي.
ومن جهة أخرى، يبدو أن السعوديين غاضبون للغاية حتى أنهم سوف يذهبون أبعد من تصنيف «حزب الله» كتنظيم إرهابي. فمنذ مايو (أيار) 2015، كانت المملكة تفرض العقوبات على المواطنين اللبنانيين والشركات اللبنانية التي يعتقد أنها على صلة بـ«حزب الله» ومتورطة في توريد الأسلحة. وخلال الشهر الماضي ، علقت الرياض ما قيمته 4 مليارات دولار من المساعدات الأمنية لبيروت. ثم أعلنت المملكة أنها سوف تبدأ «مراجعة شاملة لعلاقتها بالجمهورية اللبنانية».
وخلال خطاب متلفز في بداية الشهر الحالي، تحدث نصر الله حول هذه التطورات بالطريقة المتوقعة وهي شن الهجوم على السعودية. وعلى نفس النحو المتوقع، أذاعت محطة «المنار» التلفزيونية تقريرا في أعقاب إعلان «حزب الله» كمنظمة إرهابية حاولت فيه الأساءة للمملكة.
ولكن هذه المحاولات البائسة سوف تذهب سدى في هذه المرحلة. وفي النهاية، تم الإقرار بأن «حزب الله» تنظيم إرهابي والنظر إليه باعتباره دمية إيرانية وجماعة لا تعترف بشرعية الدول – سواء كانت إسرائيل أو لبنان أو سوريا - وأصبح ينظر له كجماعة مهددة للعالم العربي.
ولكن تداعيات هذا الإدراك سوف تذهب أبعد من قضية «حزب الله» وتمتد إلى مشكلة دعم الميليشيات في المنطقة برمتها التي كانت تحارب ذات يوم العدو المشترك وأصبحت في اليوم التالي تحارب الداخل. لقد كان حزب الله تنظيما إرهابيا عندما كان يستهدف الغربيين، وهو تنظيم إرهابي الآن في استهدافه للبنانيين والسوريين. والشيء نفسه يمكن أن ينطبق على الكثير من الجماعات الأخرى التي تعمل حاليا. ومن ثم يجب على الأنظمة الشرق أوسطية ومواطنيها أيضًا أن يتخذوا من حالة «حزب الله» عبرة إذا كان هناك أمل في تحقيق السلام والأمن في المنطقة في الأجيال القادمة.
*مديرة برنامج الشرق الأوسط بـ«معهد أبحاث السياسة الخارجية». تركز أبحاثها الحالية على توازن القوى الإقليمية، بلاد الشام ودول مجلس التعاون الخليجي، والسياسة الأميركية في كليهما. كما أنها من المحللين بمكتب الشرق الأوسط بشركة الاستشارات الأسترالية «ويكيسترات».
* أضغط هنا لمتابعة ملف كامل بشأن تصنيف (حزب الله) منظمة إرهابية - الشقيقة مجلة « المجلة»



كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
TT

كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)

يتوقف بدء سريان المفاعيل السياسية للنداء الأميركي - الفرنسي، المدعوم أوروبياً وعربياً، للحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، على الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لمنعه من التفلُّت من مسؤوليته بتوفير الأجواء السياسية المواتية لتطبيق مضمون هذا النداء، بعد أن كان قد التزم بمضامينه، لينقلب عليه لاحقاً بذريعة أن مجرد التلازم في وقف إطلاق النار ليشمل جبهتي جنوب لبنان وغزة يتيح لـ«حزب الله» تبرير مساندته لـ«حماس»، على نحو يرتد عليه سلباً، ويتسبّب له بإشكالات داخل حكومته المناوئة بأكثريتها للربط بين الجبهتين، فيما يلقى فصل الجبهتين معارضة من «حزب الله»، كونه يشكل له إحراجاً أمام بيئته بعدم الجدوى من انخراطه في إسناد غزة، وما ترتب عليه من أكلاف باهظة كان في غنى عنها.

«فيتوات» متبادلة بين إسرائيل والحزب

لكن صدور النداء الأميركي - الفرنسي بصيغته الراهنة قوبل بتبادل «الفيتوات» بين إسرائيل و«حزب الله»، الذي يتمسك بتطبيق التلازم بوقف إطلاق النار على جبهتي غزة والجنوب، بخلاف نتنياهو المعترض عليه، وهذا ينسجم مع ما طرحه الوسيط الأميركي، أموس هوكستين، في مفاوضاته مع رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، بتفويض من قيادة «حزب الله» لتهدئة الوضع جنوباً ونزع فتيل التفجير ومنع توسعة الحرب.

وكان الرئيس بري يعد العدّة لاستئناف التفاوض مع هوكستين لاستكمال البحث بينهما في الورقة التي أعدها الأخير لتهدئة الوضع جنوباً، للبدء بالتفاوض غير المباشر والتوصل إلى وقف إطلاق النار على قاعدة تهيئة الأجواء لتطبيق القرار رقم (1701) كونه الناظم الدولي لتحديد الحدود بين لبنان وإسرائيل.

لكن الرئيس بري، الذي كان قد تواصل مع هوكستين فور صدور النداء، فوجئ، كما يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط»، بمبادرة نتنياهو إلى سحب تأييده له باعتراضه على التلازم بتطبيق وقف إطلاق النار على الجبهتين الغزاوية والجنوبية، ومطالبته بعدم الربط بينهما بذريعة أنه يشكل انحيازاً لوجهة نظر «حزب الله» بإسناده لـ«حماس».

انقلب نتنياهو فألغى هوكستين زيارته

ويؤكد المصدر النيابي أن هوكستين كان يتحضر للعودة إلى بيروت لمواصلة البحث في الورقة التي أعدها لتطبيق القرار رقم (1701)، وسبق لبري أن سجّل ملاحظاته على بعض بنودها، لكنه عدل عن المجيء، بعد أن انقلب نتنياهو على موافقته المبدئية على ما ورد في النداء الذي يحظى أيضاً بتأييد إيران، انسجاماً مع توافقها والولايات المتحدة على استيعاب التأزم لمنع توسعة الحرب في الإقليم.

وينفي المصدر نفسه كل ما أُشيع عن أن هوكستين بحث في اتصاله ببري وجوب انسحاب الحزب إلى ما وراء جنوب الليطاني، ويقول إن الاتصال بينهما بقي في العموميات، ولم يتطرقا إلى أي تفصيل يتعلق بالورقة، طالما أن للبحث بينهما صلة.

ويبقى السؤال: هل ينجح الرئيس الأميركي جو بايدن في إقناع نتنياهو بتعديل موقفه بما يسمح بتعبيد الطريق لتنفيذ ما ورد في النداء؟ أم أن محاولته، وقد تكون الأخيرة، لن تلقى التجاوب المطلوب؟ وهذا ما يفتح الباب لسؤال آخر: كيف سيتصرف «حزب الله» في حال أصر نتنياهو على المضي في اجتياحه الجوي للبلدات الجنوبية والبقاعية، وفي اغتياله لأبرز قياداته وكوادره العسكرية؟

فلدى الحزب، كما تقول أوساط مقربة منه، القدرات العسكرية والقتالية للتعويض عن تراجع حدة المواجهة في القطاع، كما يشيعه بعضهم، وتقول إنه جاهز لمواجهة كل الاحتمالات، وسيمضي في دفاعه عن النفس ضد العدوان الإسرائيلي، ولن يرضخ لضغوط نتنياهو النارية باستهدافه المدنيين من دون أن يستدرج لتوسيع الحرب، مع احتفاظه بحق الرد على تجاوز نتنياهو الخطوط الحمر باغتياله لأبرز قيادات الحزب العسكرية والميدانية.

مخزون «حزب الله» الصاروخي

لكن الأوساط نفسها لا تعلق على ما يتردد بأن القتال في غزة بدأ ينحسر، وأن القطاع تحوّل إلى جبهة مساندة، ما يجعل الحزب منفرداً في حربه مع إسرائيل، وأنه أصبح يختصر بنفسه وحدة الساحات بتراجع منسوب الانشغال الذي تتولاه أذرع محور الممانعة في المنطقة، كما تفضّل عدم التعليق على تحليلات سياسية تتحدث عن التفاوض بين طهران وواشنطن، وتتهم إيران بترك الحزب وحيداً، وتحمله القسط الأكبر في المواجهة، بذريعة أن لديها حسابات وأوراق سياسية لا تريد التصرف بها في غير أوانها، وتحتفظ بها لتحسين شروطها في المفاوضات.

وتؤكد هذه الأوساط لـ«الشرق الأوسط» أن لدى الحزب مخزوناً صاروخياً، يعود له وحده استخدام الصواريخ الدقيقة منه في الوقت المناسب، وتقول إن استخدامه لصاروخ من نوع «قادر-1» لن يكون الأول والأخير، وأريد منه تمرير رسالة يجب أن يأخذها العدو على محمل الجد، بأن الحزب قادر على تجاوز ما بعد حيفا باستهدافه مواقع إسرائيل العسكرية والمخابراتية، وهذا ما أصاب إحدى قياداته الواقعة على تخوم تل أبيب.

متى تتدخل إيران؟

لذلك، هل يبقى الحزب وحيداً في المواجهة لتراجع وحدة الساحات كما يقول خصومه في الداخل والخارج؟ أم أنه لا يزال يراهن، تبعاً لحساباته، على تدخل إيران في الوقت المناسب في حال تمادت إسرائيل في عدوانها بما ينذر باندلاع حرب شاملة؟ وهذا ما أكده وزير خارجيتها عباس عرقجي بقوله إن بلاده لن تبقى مكتوفة الأيدي في حال قيام إسرائيل بتوسيع الحرب لتشمل الإقليم، مع أن طهران تتمهل لأسباب خاصة بها في الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، في عقر دار الحرس الثوري.

في المقابل فإن تل أبيب تواصل اجتياحها الجوي لتفريغ البلدات الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية لبيروت من سكانها، كونها مدرجة على بنك أهدافها، بغية تكبير أزمة النزوح بما يشكل إحراجاً للحزب أمام بيئته الحاضنة، والتحريض عليه بذريعة عدم قدرته على توفير الاحتياجات الضرورية لمئات الألوف من النازحين، في ظل عدم استطاعة الدولة على تلبيتها كما يجب، وهذا ما يفسر إصرار إسرائيل على تحييد الطرقات الدولية والفرعية المؤدية إلى هذه القرى لتسهيل عملية النزوح منها.