وزير التعليم السعودي: التحولات المعرفية لبنة صلبة في النهوض الاقتصادي

أكد التوجه لإنشاء شركة متخصصة للموارد البشرية وأخرى لحصر الأراضي

وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى خلال كلمته في حفل افتتاح منتدى ومعرض التعليم الدولي الخامس في الرياض («الشرق الأوسط»)
وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى خلال كلمته في حفل افتتاح منتدى ومعرض التعليم الدولي الخامس في الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

وزير التعليم السعودي: التحولات المعرفية لبنة صلبة في النهوض الاقتصادي

وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى خلال كلمته في حفل افتتاح منتدى ومعرض التعليم الدولي الخامس في الرياض («الشرق الأوسط»)
وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى خلال كلمته في حفل افتتاح منتدى ومعرض التعليم الدولي الخامس في الرياض («الشرق الأوسط»)

أبدى وزير التعليم السعودي، ثقته بأن بلاده ستنجح في خططها التي تسعى لها، من خلال إحداث تحولات معرفية واقتصادية تعتمد على بناء الإنسان، مؤكدًا خلال افتتاحه، أمس، منتدى ومعرض التعليم الدولي الخامس في الرياض، أن وزارته تتجه إلى إنشاء شركة متخصصة للموارد البشرية، في حين أولت مهمة حصر الأراضي المناسبة للمباني التعليمية إلى شركة أخرى.
وفي هذا الشأن، انطلقت يوم أمس، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، فعاليات منتدى ومعرض التعليم الدولي الخامس لعام 2016. وهو المنتدى الذي افتتحه وزير التعليم السعودي في الرياض، الذي يحمل شعار «أحدث تجارب الاستثمار الدولية في التعليم»، والذي تشارك فيه جمهورية فرنسا ضيف شرف.
وقال وزير التعليم، الدكتور أحمد العيسى، خلال كلمته في حفل الافتتاح، إن «رعاية خادم الحرمين الشريفين للمعرض تعكس توجه القيادة الرشيدة ورغبتها الحثيثة في تحقيق التقدم المضطرد في جميع نواحي الحياة علميا واقتصاديا واجتماعيا، ونهجهم المتوازن في التفاعل والتواصل الإيجابي وتبادل المنافع والمصالح مع المحيط الإقليمي ومع العالم أجمع»، مؤكدًا في هذا السياق أن التعليم هو وسيلتنا الأساسية في ترجمة هذه المنطلقات على أرض الواقع.
وأضاف الدكتور العيسى: «التعليم هو الرهان وسبيل الرفعة والتقدم، وحجر الزاوية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومتى صلحت مخرجاته صلحت القوة البشرية، وتكاملت القيم والمعارف والمهارات، وأدت إلى النهوض المجتمعي والاقتصادي، فارتفعت الإنتاجية، وانخفضت الجريمة والفقر والجهل والبطالة والاستهداف الفكري والأخلاقي».
وأشار العيسى إلى أن قصة السعودية مع التعليم عبر مراحله التأسيسية والتوسعية والتطويرية قصة طويلة ومضنية، مضيفًا أن التطوير والبناء الذي ننشده وينشده الآخرون ليس سهلا، لكنه ليس مستحيلا. وقال: «تحقق بحمد الله كثير من النجاحات والإنجازات غير أن الطريق ما زال طويلا».
وزاد الدكتور العيسى أن «السعودية عازمة على إحداث تحولات معرفية واقتصادية تعتمد على بناء الإنسان وقدرته ومعرفته ومهاراته، ليسهم في المحافظة على القيم، وليكون لبنة صلبة في النهوض الاقتصادي، كما تتجه في مشروعها للتحول الوطني إلى الاقتصاد المنتج وإلى الاعتماد على المصادر المستدامة والبرامج والمشروعات المعززة لمجالات الاستثمار المختلفة والمولدة للفرص الوظيفية».
وعبّر وزير التعليم السعودي عن يقينه بأن رؤى الخبراء في المنتدى الذي انطلقت فعالياته في الرياض أمس، ستفتح نوافذ على أطروحات إبداعية وحلول تنأى وتبتعد عن التقليدية والطرح المستهلك، مضيفًا أن «الأمل والطموح أن نبحث ونفكر بعمق في تعزيز فرص الاستثمار في التعليم، ورسم آفاق آنية ومستقبلية للشراكة بين الوزارة والقطاع الخاص ترفع كفاءة التعليم باعتبارها هدفا أساسيا لا مناص ولا تنازل عنه، وتدعم متطلبات سوق العمل، وتحقق جودة الخدمات ذات التكاليف المرشدة وتسهم في تعدد مصادر التمويل بحلول مرنة ومبتكرة».
وفي إجابته عن مجموعة من الأسئلة النقاشية خلال المنتدى، كشف وزير التعليم السعودي عن توجه وزارته لإنشاء شركة للموارد البشرية تسهم في دعم استقرار الكوادر السعودية العاملة في التعليم الأهلي، بما يتيح للوزارة فرصة الإشراف على التعاقدات مع المعلمين بدلا من تعدد أشكال التعاقد بحسب المدرسة الأهلية، وذلك لإيجاد بيئة عمل تعليمية أكثر استدامة واستقرار، مثمنًا مبادرة القطاع الخاص لإنشاء واحات للعلوم في بعض المدن، التي ستساعد في جذب الفئات المختلفة من أبناء المجتمع للاستفادة من التدريب والأنشطة التي تقدمها هذه الواحات.
وعدد الدكتور العيسى أربع استراتيجيات تعتمدها وزارته لدعم سياسة الاستثمار في التعليم، الأولى عبر توسيع قاعدة التعليم الأهلي وفتح المجال أمام مزيد من المستثمرين في تأسيس وتشغيل المدارس الأهلية، بما يرفع مشاركتها من 15 في المائة إلى 25 في المائة، عوضا عن إشراك القطاع الخاص في تمويل وبناء المباني المدرسية وفق خطة تم رفعها إلى المقام السامي.
وأضاف العيسى أن «الوزارة تسعى عبر شركة تطوير التعليم القابضة للاستثمار في الخدمات التعليمية، بما يمكن الوزارة من الاستفادة من القدرة المالية للشركة في استقطاب مزيد من الشراكات مع القطاع الخاص والتوسع في إنجاز المباني، كما تتجه الوزارة إلى إدخال مفهوم المدارس المستقلة التي تشرف عليها وتحافظ على مجانية التعليم فيها، مع إتاحة تشغيلها من قبل مؤسسات صغيرة ومتوسطة مملوكة للتربويين وتتيح لهم الاستفادة من استثمار عوائد الخدمات».
وأكد الدكتور العيسى دعم وزارته للمستثمرين في التعليم في مجال الأراضي الصالحة للمرافق التعليمية، مضيفا: «الوزارة أولت لشركة متخصصة تعداد وتوثيق الأراضي الصالحة، لتكون مباني تعليمية، التي تحقق الاشتراطات المطلوبة، تمهيدا لتوفيرها بعد رصدها لاستخدامات الوزارة وللمستثمرين، إلى جانب إنشاء مراكز خدمة موحدة عبر شركة تطوير التعليم القابضة بما يدعم تقديم الخدمات للمستثمرين كافة».
من جهته، أوضح الدكتور سعد بن سعود آل فهيد، وكيل وزارة التعليم للتعليم الأهلي في السعودية، أن للسعودية باعًا طويلاً في عمليات التقويم التعليمي وتطويره، لافتا في الصدد ذاته إلى كلمة سابقة للدكتور أحمد العيسى، بأن التحولات في التعليم في المملكة تعتمد على فكر معرفي وتوليد المعرفة ونقلها، التي تعد بدورها الثروة الوطنية الدائمة.
وأشار آل فهيد إلى أن إطلاق وزارة التعليم وكالة للتعليم الأهلي، يأتي في إطار الدعم للتوجه نحو الاستثمار في التعليم وفتح آفاق التعاون مع المستثمرين، وبحث التسهيلات الممكنة في هذا المجال، إضافة إلى تنسيق الجهود بين القطاعات الحكومية.
بدوره اعتبر الدكتور محمد بن عبد الله الزغيبي، الرئيس التنفيذي لشركة «تطوير» الشريك الاستراتيجي للمنتدى، أن التطلعات من انعقاد المنتدى هي أن يلامس الجوانب ذات الحاجة الماسة للعملية التعليمية، لافتا إلى أن الاستثمار في التعليم بدأ منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله، ويأتي اليوم بالتزامن مع برنامج التحول الوطني.
من جهتها، أكدت ماريان دو برين أوف، مديرة التعاون الدولي الأوروبي في وزارة التعليم الفرنسي، الدولة الضيف، أن فرنسا خاضت تجارب كثيرة للوصول إلى تجارب رائدة في تطوير العملية التعليمية الفرنسية على مدار قرون ماضية، لافتة إلى أن القارة الأوروبية استفادت من تجربة فرنسا في التعليم، مشيدة في كلمتها باتجاه السعودية للاستثمار والتطوير في العملية التعليمة الذي يعكس الإيمان بأن التعليم قوة باقية للأجيال القادمة.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».