الحكومة اليمنية: الميليشيات مارست خروقات استفادت منها ماليًا لمحاربة الدولة

وزارة المالية تكشف عن تلاعب الانقلابيين بالنقد المحلي والاحتياطي من العملة الأجنبية

يمنيون في إحدى الأسواق بعد ظهر أمس قبل ساعات من بدء وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)
يمنيون في إحدى الأسواق بعد ظهر أمس قبل ساعات من بدء وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)
TT

الحكومة اليمنية: الميليشيات مارست خروقات استفادت منها ماليًا لمحاربة الدولة

يمنيون في إحدى الأسواق بعد ظهر أمس قبل ساعات من بدء وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)
يمنيون في إحدى الأسواق بعد ظهر أمس قبل ساعات من بدء وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)

أعلن البنك المركزي اليمني عن خفض سعر الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية الصعبة المتداولة، إذ قام خلال الأيام الماضية بخفض الريال اليمني إلى مستوى سعر السوق الموازية وللمرة الثانية على التوالي وفي ظرفية لا تتعدى الأسابيع.
وقالت مصادر مصرفية في العاصمة اليمنية صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن البنك المركزي اضطر وللمرة الثانية لخفض العملة الوطنية (الريال) من 214.87 ريال للدولار للشراء و214.91 للدولار للبيع إلى 250 ريالا للشراء و251 للبيع.
وارتفعت القيمة الشرائية للريال السعودي من 57.14 للشراء و57.15 للبيع إلى 66.66 ريال للشراء و66.79 للبيع.
وأضافت أنه ومع هذا الانخفاض للعملة الوطنية ما زالت أسواق الصرف غير مستقرة نظرا لتفاوت الصرف وعدم التزام الجهات المصرفية الأهلية بأسعار البنك المركزي بعد الخفض، لافتة إلى أن البنك يتدارس حاليا إجراءات خفض ثانية للسيطرة على جموح العملات الأجنبية أمام نظيرها الريال اليمني.
ووفق ما أعلنه البنك المركزي في نشرته الرسمية الصادرة عنه فإن القيمة الشرائية للعملة اليمنية انخفضت أمام اليورو من 240.89 للشراء و240.94 للبيع إلى 285.28 ريال للبيع و285.85 للشراء.
ويأتي التعديل الجديد في أسعار الصرف بعد أسبوعين من تحديد البنك المركزي اليمني سعر الصرف للسوق الموازية بـ250 ريالا للدولار الواحد و65 ر‏يالا مقابل الريال السعودي.
وأكدت المصادر ذاتها أن محافظ البنك المركزي اليمني، محمد عوض بن همام، حمل جماعة الحوثي مسؤولية تدهور العملة اليمنية بعد ارتفاع سعر الدولار الأميركي إلى 271 ريالا يمنيا للدولار الواحد وعقب نحو عشرين يوما فقط على تعميم البنك بأسعاره الجديدة البالغة 250 ريالا للدولار للشراء و251 ريالا للدولار للبيع.
وأشارت إلى مخاطبة البنك المركزي وزارة المالية وجماعة الحوثي بشأن عدم التزام الصناديق الإيرادية لتوريد ما عليها من مستحقات مالية والسياسة المالية المتبعة من جهة وزارة المالية والبنك المركزي.
وكشفت عن خلاف البنك المركزي مع قيادة الميليشيات حول عدم توريد المبالغ التأمينية والمستحقة من شركات الاتصالات المشغلة للهاتف الجوال في اليمن، وهو ما أثار حفيظة محافظ البنك المركزي بن همام الذي وجه انتقادات لاذعة لقيادة الجماعة الحوثية وأيضا للقائم بأعمال وزير المالية في صنعاء.
إلى ذلك، كشف مسؤول في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات اليمنية – لم يرد الإفصاح عن اسمه – لـ«الشرق الأوسط» أن الميليشيات وبعد سيطرتها على وزارة المواصلات أقدمت على عمليات سطو من حساب المستخدمين لشبكتي الإنترنت والهاتف الجوال وبشكل أثار حفيظة وسخط المستفيدين الذين بلغ عددهم أكثر من ثلاثة ملايين مشترك في خدمة الإنترنت العام المنصرم.
وذكر أن هناك مئات الشكاوى الواصلة من المشتركين إلى فروع الوزارة في المحافظات، وجميعها تشكو من استقطاع منظم من قيمة الاشتراكات الشهرية للخدمة، إذ تركزت هذه الشكاوى من استنزاف لأرصدة المشتركين وبشكل غير معتاد أو مسبوق، منوها إلى أنه وبعد متابعة ومراقبة للخدمتين تأكد لهم قيام الميليشيات في صنعاء بعمليات سطو منظمة وسرية لأموال المشتركين وتوظيفها في المجهود الحربي.
وكان رئيس الحكومة اليمنية أحمد بن دغر، أكد أن الحوثيين خرقوا الاتفاق بشأن استقلالية البنك المركزي وتحييد المؤسسات المالية.
وقال بن دغر، مساء الجمعة، خلال ترؤسه اجتماع اللجنة الاقتصادية الحكومية: «تم الاتفاق على تحييد البنك المركزي اليمني خلال الفترة الماضية، لكن الميليشيات الانقلابية لم تلتزم بهذا الأمر، بل على العكس قامت بممارسة الكثير من الخروقات واستفادت منها ماليًا لمحاربة الدولة».
وشدد على أهمية تفعيل دور اللجنة الاقتصادية وبما يضمن إنعاش الاقتصاد وإعادة الإعمار وضرورة بذل المزيد من الجهود لتنمية الموارد المحلية في المناطق المحررة.
وناقشت اللجنة الاقتصادية برئاسة رئيس الحكومة موقف المالية العامة، بحسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية.
واستعرض وزير المالية منصر القعيطي تقريرًا موجزًا عن وضع المالية العامة والسياسات النقدية والخروقات التي تقوم بها الميليشيات الانقلابية، في جانب إدارة المالية العامة والتلاعب بالنقد المحلي والاحتياطي من النقد الأجنبي.
من جهة ثانية، كشفت اللجنة الأمنية بمحافظة الجوف، شمال العاصمة اليمنية صنعاء، في اجتماعها المنعقد برئاسة المحافظ رئيس اللجنة، اللواء حسين العجي العواضي، عن استمرار الميليشيات الانقلابية بتهريب النفط من محافظة حضرموت، شرق البلاد، والواقعة تحت سيطرة عناصر تنظيم القاعدة، إلى المحافظات التي تسيطر عليها الميليشيات الانقلابية شمال وغرب البلاد.
وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» إن اللجنة الأمنية بمحافظة الجوف وقفت خلال اجتماعها الذي حضره قائد المنطقة العسكرية السادسة، وقائد لواء النصر، ومدير أمن المحافظة، ورئيس أركان اللواء 101. وقفت أمام عملية التهريب للمشتقات النفطية من حضرموت النفطية إلى المناطق التي هي تحت سيطرة الميليشيات وعبر محافظة الجوف.
وأقرت اللجنة الأمنية بمصادرة تلك القاطرات التي تقدم على تهريب المواد النفطية أو غيرها من المواد الحربية المهربة وتوزيعها على عائلات الشهداء والجرحى من الجيش الوطني والمقاومة الشعبية.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تقوم بها الميليشيات الحوثية والرئيس المخلوع بتهريب المشتقات من حضرموت وشبوة، إذ سبق للصحيفة أن نشرت في أعدادها السابقة تقارير عدة أشارت فيها إلى التعاون القائم بين عناصر «القاعدة» في مدينة المكلا والميليشيات الانقلابية، علاوة على تطرقها لحجم عمليات التهريب للسلاح والنفط وحتى الشباب الآتي من دول القرن الأفريقي عبر سواحل شبوة وحضرموت ومنها إلى المحافظات التي تسيطر عليها الميليشيات.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.