رفع المركزي الأميركي للفائدة.. «توقعات» لا «وعود»

انقسام الفيدرالي يخيب الآمال.. وأميركا تتخطى «الركود الآمن»

كشف محضر اجتماع الفيدرالي الأميركي عن خلاف داخلي من شأنه أن يزيد من توتر الأسواق (رويترز)
كشف محضر اجتماع الفيدرالي الأميركي عن خلاف داخلي من شأنه أن يزيد من توتر الأسواق (رويترز)
TT

رفع المركزي الأميركي للفائدة.. «توقعات» لا «وعود»

كشف محضر اجتماع الفيدرالي الأميركي عن خلاف داخلي من شأنه أن يزيد من توتر الأسواق (رويترز)
كشف محضر اجتماع الفيدرالي الأميركي عن خلاف داخلي من شأنه أن يزيد من توتر الأسواق (رويترز)

ترك الاتحادي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الأسواق في حيرة منذ اجتماعه الأخير في يومي 15 و16 مارس (آذار) الماضي، الذي انتهى دون التوصل إلى اتفاق واسع حول استراتيجية البنك البطيئة، مع النهج الحذر في رفع سعر الفائدة، خاصة مع المخاطر العالمية المتزايدة، حيث أدت السياسة الحذرة للبنك إلى تراجع احتمالات زيادة أسعار الفائدة في النصف الأول من العام الحالي.
وأظهر محضر اجتماع مجلس الاحتياطي الصادر مساء أول من أمس «خلافا» بين الأعضاء، ما بين مؤيد ومعارض لرفع أسعار الفائدة، وأنهى المجلس اجتماعه في صالح المؤيدين لإبقاء سعر الفائدة بتسعة أصوات، مقابل صوت واحد معارض للتثبيت.
وقد أوضحت جانيت يلين، رئيسة مجلس الفيدرالي، في وقت سابق أن رفع أسعار الفائدة المتكرر قد يكون مثل «رياح معاكسة» تضر بالاقتصاد الأميركي.
أما الصوت المعارض الوحيد، فقد جاء من استير جورج، عضو الفيدرالي عن كانساس سيتي، فيما قالت لوريتا ميستر، عضوة الاحتياطي عن بنك كليفلاند، إنها قررت «عدم معارضة القرار، فلم يتضح بعد ما هو القرار الصائب».
وأكدت المذكرة أن رفع أسعار الفائدة ما هي إلا توقعات وليست وعودا، التي تعتمد في الأساس على الوضع الاقتصادي.
ورغم أن فريق المعارضين يؤكد دائما أن المؤشرات الاقتصادية الحالية تزيد احتمال رفع الفائدة عاجلا وليس آجلا، إلا أن المذكرة أظهرت للمستثمرين أن استمرار هذه المؤشرات على نفس النهج هي شريطة الزيادات في الفائدة مستقبلا، مع الأخذ في الاعتبار تقلبات أسواق المال، والتباطؤ العالمي.
يُذكر أن الفيدرالي رفع الفائدة بربع نقطة مئوية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهي أول زيادة سنوية بعد سبع سنوات من ترك سعر الفائدة عند مستوى قياسي منخفض بالقرب من الصفر.
وخفض البنك في مارس الماضي توقعاته برفع الفائدة من أربع مرات إلى مرتين هذا العام، ما يجعل إجمالي الزيادة يقتصر على نحو نصف نقطة مئوية.
ويرى ديفيد بنثيو، المحلل الاقتصادي في مجموعة صن تراست الأميركية، أن المذكرة الأخيرة للفيدرالي أظهرت انقساما واضحا داخل البنك حول قضيتين رئيسيتين، هما لب القضايا الاقتصادية في الوقت الراهن، الأولى تمس مدى سرعة رفع معدلات التضخم إلى أهداف الفيدرالي بنحو 2 في المائة، والثانية تهتم بمدى تأثر الاقتصاد الأميركي بضعف نمو الاقتصاد العالمي.
ورغم الاختلافات التي يشهدها الاتحادي الفيدرالي حاليا، فإن بنثيو يؤكد في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، على أن مجلس الاحتياطي سيرفع سعر الفائدة في اجتماعه المقبل في يونيو (حزيران) القادم.
وظهر الاختلاف بين أعضاء الاتحادي حين اعترض بعضهم عقب الاجتماع الأخير، مؤكدين أن المركزي على استعداد لرفع أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل في 26 و27 من أبريل (نيسان) الحالي، إلا أن يلين قالت الأسبوع الماضي في خطابها أمام النادي الاقتصادي بنيويورك: «نظرا لمخاطر تباين الأداء الاقتصادي، أنا أعتبر أنه من المناسب أن تمضي اللجنة قُدما بحذر في تعديل سياستها»، واستشهدت يلين تحديدا بالتباطؤ الاقتصادي في الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وانخفاض أسعار النفط هذا العام. وأضاف محضر الاجتماع الماضي أن المجلس ما زال متفائلا بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2018، مع زيادة الإنفاق الاستهلاكي. وفي رد فعل مباشر على مذكرة الفيدرالي، انخفض مؤشر الدولار أمام العملات الرئيسية بنحو 0.16 في المائة أول من أمس، ليصل إلى مستوى 94.477 نقطة.
أما مؤشرات أسواق المال فشهدت جلسة إيجابية، فارتفع مؤشر «داو جونز» الصناعي لأسهم الشركات الأميركية الكبرى بنحو 0.64 في المائة، وأكتسب مؤشر «ستاندرد آند بورز» - الأوسع نطاقا - 21.5 نقطة أي 1.05 في المائة، كما صعد مؤشر «ناسداك» المجمع بنسبة 1.59 في المائة.
من ناحية أخرى، علق سكوت سميت، كبير محللي السوق في كامبرديج لإدارة الأصول في تورونتو، على بيان الاتحادي قائلا إنه «كان متوقعا إلى حد كبير، خاصة أن لهجة المذكرة كانت أقل تشددا من اللهجة التي سمعناها من يلين بعد اجتماع الفيدرالي الشهر الماضي».
ويأتي ذلك متزامنا مع إصدار مجموعة «سوسيته جنرال» مذكرة أمس حول «مؤشر الركود الآمن» الأميركي، الذي تحول إلى المنطقة الحمراء، وهو الأمر الذي أعطى نظرة «تشاؤمية» حول أكبر اقتصاد في العالم وصناع القرار الاقتصادي فيها.
فقد تراجع الإنفاق الاستهلاكي للسلع والخدمات في مارس الماضي، ويمثل الإنفاق الاستهلاكي أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة.
وترى ستيفاني فلاندرز، المحللة الاقتصادية لمجموعة «جي بي مورغان» في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إن «نمو الاستهلاك، كمفتاح لتحقيق الانتعاش، لا يزال ضروريا».



مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
TT

مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)

نشرت الجريدة الرسمية في مصر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن الموافقة على زيادة حصة البلاد في صندوق النقد الدولي بنسبة 50 في المائة. كما نص القرار على أن الزيادة في الحصة لن تصبح سارية إلا بعد استيفاء شروط التصديق، رابطاً ذلك بموافقة جميع الدول الأعضاء في الصندوق على زيادة حصصهم.

وحسب مراقبين، تهدف زيادة الحصة إلى تعزيز الموارد المتاحة لصندوق النقد لدعم السياسات الاقتصادية والمالية للدول الأعضاء. كما أنها تزيد من القوة التصويتية لمصر في الصندوق.

ويرتبط القرار بالمراجعة العامة الـ16 للحصص، التي تشمل زيادات في حصص الدول الأعضاء، والتي تعتمد على الموافقة الكتابية للدول المشاركة والالتزام بالشروط المالية المحددة. علماً أن نحو 97 في المائة من الدول الأعضاء توافق على الزيادة.

كان مجلس النواب قد وافق في جلسة عامة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على زيادة حصة مصر في الصندوق بنسبة 50 في المائة. ومن المقرر أن تقوم مصر بإتمام الإجراءات المالية اللازمة لدفع الزيادة في حصتها، والتي ستتم في إطار الزمان المحدد في القرار، حسبما أوضح مسؤولون مصريون.

وأعلن صندوق النقد الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد الذي يستمر 46 شهراً، وهو ما قد يتيح صرف شريحة جديدة تبلغ 1.2 مليار دولار. وقال وزير المالية المصري أحمد كوجك، قبل أيام إن مصر ستحصل على الشريحة هذا الشهر، نافياً طلب مصر توسيع القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار مرة أخرى.

وفي تصريحات إعلامية، أعرب كوجك عن قلقه من حجم الدين الخارجي الذي يتخطى 152 مليار دولار، وأكد تعهد الحكومة بخفضه بما يعادل نحو ملياري دولار سنوياً مع السداد بأكثر من قيمة الاقتراض.

في سياق منفصل، أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 24.1 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من 25.5 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذا هو أدنى مستوى في عامين، ويتماشى ذلك مع ما خلص إليه استطلاع رأي أجرته «رويترز»، وذلك في ظل استمرار تراجع أسعار المواد الغذائية.

وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار في المدن المصرية 0.2 في المائة، مقارنةً مع 0.5 في المائة في نوفمبر. وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.5 في المائة في ديسمبر بعد انخفاضها بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر، مما جعلها أعلى بنسبة 20.3 في المائة مما كانت عليه قبل عام.

وارتفع التضخم في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، لكنه انخفض في نوفمبر وظل أقل بكثير من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المائة الذي سجله في سبتمبر 2023.

وساعد النمو السريع في المعروض النقدي لمصر على زيادة التضخم. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن2) نما 29.06 في المائة في العام المنتهي في آخر نوفمبر، وهو ما يقل قليلاً عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 29.59 في المائة المسجل في العام المنتهي بنهاية سبتمبر.

وبدأ التضخم في الارتفاع بشكل كبير عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية. وسجل التضخم ذروته عند 38 في المائة في سبتمبر 2023، وكان أدنى مستوى له منذ ذلك الحين عندما سجل 21.27 في المائة في ديسمبر 2022.

ووقَّعت مصر في مارس (آذار) الماضي على حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بهدف مساعدتها على تقليص عجز الميزانية وتبني سياسة نقدية أقل تأجيجاً للتضخم، لكنَّ الحزمة تُلزم الحكومة بخفض الدعم على بعض السلع المحلية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

ومعدلات التضخم من أهم النقاط التي تراعيها لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري عندما تجتمع لاتخاذ قرارات أسعار الفائدة.

وتتوقع اللجنة استمرار هذا الاتجاه، إذ قالت في محضر آخر اجتماعاتها في 2024: «تشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءاً من الربع الأول من عام 2025، مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026».

كانت اللجنة قد ثبَّتت أسعار الفائدة في اجتماعاتها الستة الأحدث، إذ لم تغيرها منذ أن رفعتها 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي خلال مارس في إطار اتفاق قرض تمت زيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. وكان هذا الرفع قد جاء بعد زيادة بلغت 200 نقطة أساس أول فبراير (شباط).