لبنان: النيابة العامة تحيل المعتدين على مكاتب «الشرق الأوسط» إلى المحكمة

اتحاد الصحافيين العرب يبدي قلقه من الاعتداء ويطلب حماية المؤسسة.. و«حزب الله» يواصل حملته على الصحيفة

شرطي يحرس مكتب {الشرق الأوسط} في بيروت (رويترز)
شرطي يحرس مكتب {الشرق الأوسط} في بيروت (رويترز)
TT

لبنان: النيابة العامة تحيل المعتدين على مكاتب «الشرق الأوسط» إلى المحكمة

شرطي يحرس مكتب {الشرق الأوسط} في بيروت (رويترز)
شرطي يحرس مكتب {الشرق الأوسط} في بيروت (رويترز)

وضع القضاء اللبناني يده على ملف الاعتداء على مكاتب «الشرق الأوسط» في بيروت، حيث تسلّم أمس من قوى الأمن الداخلي سبعة موقوفين من الذين اشتركوا في اقتحام المؤسسة وتحطيم محتوياتها، بعد انتهاء التحقيقات الأولية معهم. وفي حين باشر القضاء في إجراءات محاكمتهم، عبّرت الأمانة العامة لاتحاد الصحافيين العرب عن قلقها البالغ من هذه الاعتداءات، وأدانتها جملة وتفصيلاً «خاصة أنه يحدث على أرض لبنان الذي طالما تغني بأنه منبر لحرية التعبير في المنطقة»، وطلبت من أجهزة الأمن اللبنانية «الحفاظ على أمن الصحيفة وأرواح العاملين فيها وكشف ملابسات الحادث».
وادعى النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر على كل من الموقوفين: بيار كريم حشاش، بلال فواز علوه، حسين علي ناصر الدين، محمد محمود حرز، علاء جمال حسين، حسن بديع قطيش، وجاد نقولا أبو ضاهر، والمتواري عن الأنظار عباس زهري، بجرم اقتحام مكاتب جريدة «الشرق اﻷوسط» في بيروت وتخريب أثاثه ومحتوياته، ومنع الموظفين فيه من مزاولة عملهم الصحافي. وجاء الادعاء عليهم سندا إلى المواد 572 و733 و343 من قانون العقوبات وأحالهم مع الملف على القاضي المنفرد الجزائي في بيروت لمحاكمتهم. ومن المقرر أن تحدد المحكمة المختصة موعدًا لبدء محاكمتهم بالصورة العلنية خلال الساعات المقبلة، وتصدر الأحكام المناسبة بحقهم.
وأعلن مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الادعاء على الأشخاص المذكورين، وإحالتهم مباشرة إلى المحكمة بدلاً من قاضي التحقيق، مردّه إلى أن المدعى عليهم ارتكبوا جرمًا مشهودًا، وهو مسجّل بالصوت والصورة». وأكد المصدر أنهم «اعترفوا بما اقترفوه صراحة بغض النظر عن التبريرات التي لجأوا إليها، ومزاعمهم بعدم الاعتداء على المؤسسة والإضرار بها وتخريب أجهزتها ومحتوياتها بشكل عمدي وبقرار مسبق».
وتنص المادة 572 على أنه «يعاقب بالتوقيف التكديري أو بغرامة 100 ألف ليرة لبنانية، كل من تسلل بواسطة الكسر، وممارسة العنف على الأشخاص، ودخول أماكن تخصّ الغير وليست متاحة للجمهور، أو مكث فيها على الرغم من إرادة من له الحق في إقصائه». أما المادة 733، فتنص على أن «كل من هدم أو خرّب قصدًا شيئًا يخص غيره يعاقب بغرامة مالية، وإذا كانت قيمة الشيء المُتلف أو الضرر الناجم عنه يتجاوز قيمة الغرامة، فعلاوة عن الغرامة يحبس الفاعل مدة لا تفوق الستة أشهر». كما تتضمن المادة 343 ما يلي: «من حاول حمل الآخرين على أن يوقفوا عملهم أو ثنيهم أو حاول وقف عملهم يعاقب بالحبس مدة سنة على الأكثر، وبغرامة لا تزيد على المائة ألف ليرة».
إلى ذلك، تلقت نقابة الصحافة اللبنانية من الاتحاد العام للصحافيين العرب بيانًا جاء فيه: «تابعت الأمانة العامة لاتحاد الصحافيين العرب بقلق بالغ الاعتداءات التي تعرض لها مكتب صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية في بيروت، وهو الأمر الذي لا يقبله اتحاد الصحافيين العرب تحت أي شكل من الأشكال، ويدينه جملة وتفصيلاً، وخصوصا وأنه يحدث على أرض لبنان الذي طالما تغني بأنه منبر لحرية التعبير في المنطقة».
ولفت بيان اتحاد الصحافيين العرب، إلى أن «عددًا من الشباب اللبنانيين نظموا وقفة أمام مكاتب صحيفة «الشرق الأوسط» في بيروت، وطالبوا بإغلاق المكاتب، ودخل مجموعة منهم المبنى، وعمدوا إلى تكسير بعض المحتويات احتجاجًا على نشر كاريكاتير في الصحيفة»، مشيرًا إلى أن «الشرق الأوسط» أوضحت أن الرسم الكاريكاتيري الذي نشرته كان بهدف تسليط الضوء على الهيمنة على لبنان وإبعاده عن محيطه العربي وعرقلة انتخاب رئيس للجمهورية، وللكشف عن أن الواقع الذي تعيشه الدولة كبلد كذبة كبيرة، وشددت على احترامه للبنان». وختم بيان الاتحاد: «إن الأمانة العامة لاتحاد الصحافيين العرب تثق بقدرة أجهزة الأمن اللبنانية في الحفاظ على جريدة الشرق الأوسط وأرواح العاملين فيها، وفى قدرتها على كشف ملابسات الحادث، والقبض على المشاركين فيه». وكان «حزب الله» واصل حملته الإعلامية على «الشرق الأوسط»، وهو استكملها أمس بإخبار، تقدّم به المحامي علي بزي المحسوب على الحزب، لدى النيابة العامة التمييزية، تضمن الكاريكاتير الذي نشرته الصحيفة وطلب ملاحقتها، وقد أُحيل الإخبار إلى النيابة العامة الاستئنافية في بيروت.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم