«بيت المعمار» متحف لتراث العمارة المصرية من فجر التاريخ إلى القرن الـ21

عمره 300 سنة.. ويضم متحفين لحسن فتحي ورمسيس ويصا

متحف رمسيس ويصا و بيت المعمار و الحديقة
متحف رمسيس ويصا و بيت المعمار و الحديقة
TT

«بيت المعمار» متحف لتراث العمارة المصرية من فجر التاريخ إلى القرن الـ21

متحف رمسيس ويصا و بيت المعمار و الحديقة
متحف رمسيس ويصا و بيت المعمار و الحديقة

بعد عمليات ترميم وتجديد استمرت 6 أعوام، افتتح، أول من أمس (الأحد)، وزير الثقافة المصري حلمي النمنم «بيت المعمار المصري» المعروف باسم «منزل علي لبيب أفندي»، وهو واحد من أهم البيوت الإسلامية الأثرية في مصر، ليصبح أول متحف يوثق لتاريخ العمارة المصرية وما طرأ عليها من تطورات تعكس تمازج الحضارات المختلفة التي انصهرت مع الحضارة المصرية. كما افتتح متحفي المعماري الكبير حسن فتحي، والفنان والمهندس رمسيس ويصا واصف، بالإضافة إلى متحف تراث العمارة المصرية، في حضور المهندس سيف أبو النجا رئيس جمعية المهندسين المعماريين العرب، والمعماريين رامي الدهان وجمال عامر، ونخبة من كبار المعماريين وطلبة كليات الهندسة والفنون الجميلة.
يقبع بيت المعمار المصري بطرازه المعماري العثماني والمملوكي الفريد ذي المشربيات والقباب في ميدان قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، تحيط به مجموعة من أهم المساجد الأثرية في مصر، السلطان حسن ومسجد الرفاعي ومسجد المحمودية ومسجد قانيباي الرماح.
ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الثامن عشر حينما شيده الأخوان عمر وإبراهيم الملاطيلي سكنا لأسرتيهما، ثم اشتهر فيما بعد باسم «بيت الفنانين» ومنذ أواخر ثلاثينات القرن العشرين أطلق عليه «مونمارتر القلعة»، أسوة بمنطقة المونمارتر بباريس، لاجتذابه الكثير من الفنانين الأجانب والمستشرقين والمصريين للإقامة أو استئجار مراسمهم، من بينهم الفنانون بيبي مارتان، موسكا نيللي، راغب عياد، ميلاد فهيم، جمال كامل، رمسيس يونان، لبيب تادرس، محمد ناجي، زكي بولس، سند بسطا، لويس فوزي، منير كنعان، محمد ضياء الدين، عبد الغني أبو العينين، شادي عبد السلام، رؤوف عبد المجيد، عبد الفتاح الكيال، عبد السلام والشريف، وحسن فتحي والذي كان آخر من قطن المنزل فاقترن البيت باسمه لاحقًا.
وبعد وفاة المعماري العالمي حسن فتحي في عام 1989، أُهمل البيت إلى أن تم تجديده في أوائل الألفية، وتقدم المعماري عصام صفي الدين بفكرة مشروع بيت المعمار إلى وزير الثقافة فاروق حسني، الذي أصدر قرارًا برقم 19 لعام 2010 بتحويل الأثر رقم 497 إلى بيت المعمار المصري. وفي يناير (كانون الثاني) 2010 أخذ المعماري محمد أبو سعدة رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية على عاتقه تنفيذ المشروع.
وفي الاحتفالية التي أقيمت بالبيت الأثري، قال وزير الثقافة المصري: «إن بيت المعمار سوف يصبح مركزًا للحفاظ على العمارة المصرية ويوثق لتطورها عبر العصور، حيث يناط به الحفاظ على الهوية المصرية في فنون العمارة». ووجه الشكر لوزراء الثقافة السابقين، مشيرا إلى أن «وزير الثقافة السابق الفنان فاروق حسنى آمن بفكرة ضرورة إنشاء بيت للمعماريين يحمل شعار (ثقافة المواطن ومعمار الوطن)».
ويتكون بيت المعمار الجديد من مبنيين، المبنى الأول: يضم قاعة لكبار الزوار ومكتبتين، بحثية ورقمية بالإضافة إلى قاعه للتدريب وورش العمل، كما يتكون المبنى الثاني من قاعة للعروض الفنية والصالونات الثقافية، وقاعة للمحاضرات والندوات، فضلاً عن حجرة حسن فتحي وأدواته ومقتنياته الشخصية وغرفة نومه، وآلة الكمان التي كان يعشق العزف عليها، بينما يضم متحف رمسيس ويصا مخطوطات لأعماله المعمارية تعود لستينات القرن العشرين، ومجموعة من مقتنياته وكتبه.
من جانبها، صرحت د. نيفين الكيلاني رئيسة قطاع صندوق التنمية الثقافية: «إن افتتاح (بيت المعمار) يهدف إلى نشر الثقافة المعمارية والتوعية بالعمارة وجماليات التصميم العمراني والفنون والحرف المرتبطة به والربط بينها وبين الإبداع والسلوك الجمالي والفني، وإبراز دور وقيمة المعماريين الراحلين حسن فتحي ورمسيس ويصا واصف، وإحياء مدرستيهما»، مشيرة إلى أن «(بيت المعمار) سوف يصبح أحدث مركز إبداع متخصص ينضم لسلسلة مراكز الإبداع المتخصصة التابعة للصندوق، التي بلغ عددها الآن 14 مركز إبداع بالقاهرة والإسكندرية.
وقال المعماري عصام صفي الدين، مؤسس بيت المعمار المصري: «إن المعمار المصري يرتبط بشكل وثيق مع الخطوط الثقافية والتاريخية»، لافتًا إلى أنه وضع مقتنياته الشخصية من كتب ومخطوطات هندسية تخص رمسيس ويصا وصورًا ووثائق حول تاريخ العمارة المصرية ضمن مقتنيات البيت ليستفيد بها الباحثون وطلاب العمارة والفنون الجميلة.
وكرم وزير الثقافة د. عصام صفي الدين أول من دعا لإنشاء بيت المعمار، وبذل جهودا دؤوبة لتنفيذ فكرة إنشاء هذا البيت والخروج به لأرض الواقع، بتسليمه درع وزارة الثقافة وشهادة تقدير.
ومن المنتظر أن يبدأ نشاط البيت في شهر مايو (أيار) بندوات أسبوعية عن الثقافة المعمارية للأطفال والأهالي بالمنطقة، كما ستقام دورات تدريبية شهرية لطلاب العمارة والفنون والمهتمين بهما، بالإضافة إلى المعارض المعمارية والفنية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».