خلافات جديدة بين طالبان و«الحزب الإسلامي» تضعفهما معًا

حربها الداخلية تضعفها أمام الجيش الأفغاني المدعوم دوليًا

عناصر من طالبان الأفغانية على حدود ولاية خوست («الشرق الأوسط»)
عناصر من طالبان الأفغانية على حدود ولاية خوست («الشرق الأوسط»)
TT

خلافات جديدة بين طالبان و«الحزب الإسلامي» تضعفهما معًا

عناصر من طالبان الأفغانية على حدود ولاية خوست («الشرق الأوسط»)
عناصر من طالبان الأفغانية على حدود ولاية خوست («الشرق الأوسط»)

تجد حركة طالبان، التي كانت صاحبة القوة التي يحسب حسابها في أفغانستان، نفسها هذه الأيام في موقف لا تحسد عليه. فهي تعاني من انشقاقات داخلية حادة، تجعلها ضعيفة في الميدان والعمل العسكري. وفي السياسة برزت أطراف وجماعات منشقة عنها، أو متمثلة في «الحزب الإسلامي» الراغب في خوض غمار العمل السياسي مع الحكومة الحالية وإنهاء الصراع. ثم إن الجيش الأفغاني، بحسب المراقبين العسكريين، أثبت أنه قادر على البقاء والصمود، وهذا ما حدث خلال السنة الماضية، حين ضغطت طالبان وألقت بثقل جميع قواها من أجل السيطرة على المحافظات والبلدات، لكنها فشلت.
بعد وفاة زعيم طالبان المؤسس المثير للجدل، الملا محمد عمر، الذي كان يلقب بـ«أمير المؤمنين» من قبل أنصاره، في نهاية يوليو (تموز) الماضي، دخلت حركة طالبان الأفغانية المتشددة مرحلة جديدة من حياتها السياسية والأمنية. إذ تصاعدت الخلافات الداخلية في صفوف قيادات الحركة، لا سيما بعد نشر أخبار تفيد بأن مساعد الملا عمر، وهو الملا أختر منصور، الذي عين خليفة له مباشرة بعد تأكد الوفاة، متورط في عملية اغتيال الزعيم الروحي للجماعة في باكستان، وأنه لم يمت موتة طبيعية.
هذه الأخبار - أو الشائعات - تناولتها مواقع أفغانية وباكستانية مقربة من طالبان على ألسنة قادة ميدانيين في الحركة، ومن مصادر مقربة من الملا عمر. وهذا ما أدى إلى انشقاقات كبيرة في صفوف طالبان، وإعلان قيادات مركزية كبيرة رفضها زعامة الملا أختر منصور، ومن ثم إعلانها قيادة جديدة وإمارة مستقلة أطلق عليها «شورى الإمارة الإسلامية» بزعامة الملا محمد رسول، وسرعان ما انضم إليه قادة بارزون في الجماعة، وسيطروا على بلدات وقرى في جنوب وغرب البلاد. ووقعت اشتباكات ضارية بين الفصيل المنشق وأنصار أختر منصور، راح ضحيتها المئات من الطرفين، تحديدا في ولاية هراة بشمال غرب أفغانستان.
وتصديقاً للقول الشهير «الثورة تأكل أبناءها»، توسعت المعارك والخلافات الداخلية في صفوف طالبان، وانتقلت بشكل سريع إلى محافظات أفغانية أخرى. وبدأت المعارك الطاحنة بين الفصائل المنشقة عن «طالبان الأم»، ونتيجة لذلك ضعفت شوكة طالبان أمام عمليات الجيش الأفغاني الذي ينشط بشن عمليات تمشيط في عدة مناطق بجنوب وشرق وشمال البلاد.
المحلل السياسي الأفغاني، نظر محمد مطمئن يقول: «إن الحديث عن عملية المصالحة مع فصيل دون غيره، أو محاولة التقرب من جماعة محسوبة على طالبان من قبل الحكومة وحلفائها دون غيرها، إشارة إلى عدم جدية قضية الحوار المنشودة. وإن الحكومة وداعميها يسعون إلى إيجاد مزيد من الشرخ والانشقاق في صفوف طالبان». وتابع: «إن التجارب السابقة كانت تشير إلى أن طالبان وحدة قوية، ولا يمكن حدوث شرخ كبير في صفوفها بحيث تتمكن الحكومة من اختراق الجدار المنيع لجماعة (طالبان الأم) التي بقيت متماسكة خلال السنوات التي تلقت فيها ضربات كبيرة من قبل قوات التحالف، لكن الوضع قد يتغير الآن».
الواقع أن طالبان لا تعاني من أزمة داخلية فحسب، وإنما تواجه خطرا آخر يمثله «الحزب الإسلامي» بقيادة قلب الدين حكمتيار، أحد زعماء المجاهدين السابقين، الذي ظل يقاتل الحكومة والقوات الدولية على مدى السنوات الـ15 الماضية، ويعتقد أنه يختبئ في مكان ما في مناطق حدودية بين أفغانستان وباكستان، وأنه يقود معارك مسلحة ضد الحكومة والحضور الأجنبي في البلاد.
بيان «الحزب الإسلامي» تطرق إلى حدوث مشكلات بينه وبين طالبان خلال السنوات الماضية من الحرب. وتحدث عن سلسلة من الاغتيالات والعمليات يزعم «الحزب الإسلامي» أن «طالبان نفذتها ضد أنصاره»، منها اغتيال كل من حاجي عبد الغفور، والمولوي رحمان غل، والمولوي هاشم، الذين قتلوا في شرق البلاد على أيدي طالبان.
هذه ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها «الحزب الإسلامي»، أحد أطراف الصراع الداخلي بعد هزيمة الروس في أفغانستان، وزعيمه حكمتيار، سياسات طالبان، بل سبق له فعل ذلك مرات عدة. كذلك لم تقتصر الخلافات على البيانات السياسية، بل وقعت أيضا مواجهات مسلحة بين أنصار الحزب والحركة في مناطق مختلفة من البلاد، على مدى السنوات الماضية. غير أن الجديد في بيان الحزب الأخير، هو الدعوة إلى «انتفاضة» ضد طالبان التي وصفها البيان بـ«ألد أعداء المجاهدين»، وضد كل من يقف في وجه أجندات أجنبية، والتوعد بالثأر لمن قتل من أنصاره بيد الحركة.
الخلاف بين الحزب وطالبان ليس وليد الساعة، بل هناك تراكمات وخلافات كبيرة بين الطرفين، كما تجدر الإشارة هنا إلى أن التوتر بين الجماعتين يأتي في خضم حالة من الإرباك والتصدعات الداخلية في صفوف طالبان، مع استمرار المواجهات المسلحة، التي وصفتها القبائل بـ«الأعنف»، بين أنصار الملا أختر منصور، وأنصار الملا محمد رسول، في غرب البلاد. ولقد أدت المعارك خلال مارس (آذار) الماضي، إلى مقتل أكثر من 200 مسلح من الطرفين. وما زالت المواجهات متواصلة وامتدت إلى مديريات عدة بإقليم هراة بعد ما بدأت في مديرية شين دند، ذات الغالبية البشتونية.
ومن ناحية ثانية، تسود حالة من التوتر بين فصائل طالبان في إقليمي بكتيكا وغزنة، بسبب المعارك التي دارت على مدى الأسابيع الماضية بين الحركة ومجموعة تابعة لقيادي منشق عنها، يدعى عبيد الله هنر. وأعلن قيادي مهم آخر في طالبان بشمال البلاد، هو المولوي عبد السلام، الانشقاق عن الحركة والحرب عليها، مدعيا أن لديه مئات المقاتلين المستعدين للانقضاض على جماعة أختر منصور، التي يصفونها بأنها «صنيعة المخابرات الباكستانية». ووسط هذا الجو من الخلافات والصراعات الداخلية، قد يكون الصراع مع «الحزب الإسلامي» مهمة صعبة لن ترغب فيها طالبان، بل إنها لا تريد أن تكون جزءا من الصراعات الداخلية، كما تدعي الحركة في بياناتها المختلفة، وفي تعليقات لها على المواجهات الداخلية. وفي أي حال، فإن الخلافات الداخلية في طالبان، والأزمة الجديدة مع «الحزب الإسلامي» عاملان أديا إلى تعثر مساعي الحوار، على حد وصف المحللين. وفي رأي عبد الحي ورشان، الصحافي الأفغاني، فإن حركة طالبان «لم تعد حركة متماسكة بعد وفاة زعيمها، بل انشقت إلى فصائل وتوزع قياداتها وأصبح لدينا قيادات ميدانية متعددة ومتناحرة». وأضاف ورشان: «إن طالبان بعد هذه الخلافات والانشقاقات الحادة في صفوفها، صارت فريسة لتحقيق أهداف استخباراتية أجنبية، والكل بات يحاول استعمال طالبان وفصائلها الكثيرة والتناحر لصالح أهداف سياسية وأمنية». وأردف: «إن هناك طالبان وقعت في أحضان إيران، وطالبان أصبحوا موالين لروسيا في البلاد، وهمهم الآن هو التصدي لتوسع داعش في مناطق الحدود مع دول آسيا الوسطى، في شمال وشرق البلاد».
هذا، وكان من المتوقع انطلاق عملية الحوار المباشر بين طالبان والحكومة الأفغانية في الأسبوع الأول من مارس (آذار) الماضي برعاية باكستانية، غير أن طالبان رفضت في 5 مارس الحوار المباشر مع الحكومة، وأعلنت أنها لن تعود إلى الطاولة حتى إنهاء الحضور الأجنبي في أفغانستان بشكل كامل، وذلك على الرغم من التغيير في موقف الحركة أخيرا، بعد جلسات الحوار التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة، وإسلام آباد. وفي أول رد لها، وصفت الحكومة الأفغانية موقف الحركة بـ«الإرجاء التكتيكي»، معربة عن أملها في عودتها إلى طاولة الحوار قريبا. وكانت تصريحات نائب وزير الخارجية الأفغاني، حكمت خليل كرزاي، مهمة للغاية بهذا الشأن، وجاء فيها: «في الاجتماعات الرباعية بين كابول وإسلام آباد وواشنطن وبكين بشأن الحوار، تم الاتفاق على مشاركة أربع جماعات مسلحة في الحوار». واليوم يعتقد مراقبون أن «مشاركة تلك الجماعات هي النقطة الأساسية التي بسببها رفضت الحركة الحوار مع الحكومة، إذ إن طالبان كانت ترى أنها هي الوحيدة التي تمثل جانب الحركات الجهادية، وأن مفاتيح المعضلة الأفغانية بيدها، ولكن مشاركة جماعات أخرى كانت أسباب استياء الحركة، لا سيما وأن الحركة تزعم أن جماعتين منها معارضتان لها، ومواليتان للحكومة».
أما الجماعات الأربع المعنية فهي:
1- حركة طالبان، التي يطلق عليها البعض تسمية «جماعة الملا أختر منصور» خليفة الملا عمر، وعلى الرغم من أن منصور من مؤيدي عملية السلام مع الحكومة، إلا أنه يعاني داخل التنظيم من معارضة قيادات مهمة للحوار، مثل عبد القيوم ذاكر، رئيس المجلس العسكري السابق. ويخشى منصور من أن يؤدي استئناف عملية السلام إلى تجديد الخلافات. كذلك ترغب الحركة في أن تكون الجهة الوحيدة التي تمثل التنظيمات الجهادية في الحوار مع الحكومة. وبسبب ترددها تدهورت العلاقات بينها وبين إسلام آباد، إذ إن ثمة تقارير تشير إلى قيام الأخيرة بحملة ضد بعض قيادات الحركة، وقد اعتقلت 14 شخصا منهم في إقليم بلوشستان مؤخرا.
2- جماعة «شورى الإمارة الإسلامية»، المنشقة عن طالبان والتي تتمتع بنفوذ واسع في جنوب وجنوب غربي البلاد، وتضم قيادات مهمة ومن مؤسسي طالبان، مثل الملا عبد المنان نيازي والملا رسول نفسه.
3- «الحزب الإسلامي» بقيادة قلب الدين حكمتيار، خصوصا مع إعلان استعداده للحوار مع الحكومة، وربما بشروط أسهل من شروط طالبان.
4- «شبكة حقاني» المتهمة أفغانيا بأنها ترعى المصالح الباكستانية، وتعد مقربة من تنظيم «القاعدة». وهذه تعد من أكثر الجماعات تنظيما بين الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة الأفغانية، وهي أيضا من أقرب الجماعات المسلحة إلى الاستخبارات الباكستانية. وعلى الرغم من قربها من طالبان، فإنها تتبع سياسات مختلفة تماما.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».