إعلام كوبا: راؤول يناكف أوباما.. وفيدل يسيء إليه

كشفت زيارة الرئيس باراك أوباما إلى كوبا، في الأسبوع الماضي، ليس فقط استمرار التوتر في العلاقات الأميركية الكوبية، ولكن، أيضا، استمرار الهوة بين نظام الحكم في كل من البلدين، واستمرار سيطرة حكومة كوبا على الإعلام. صار ذلك واضحا خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيسان باراك أوباما، وراؤول كاسترو.
كتب مراسل صحيفة «واشنطن بوست» الذي حضر المؤتمر الصحافي: «كان مؤتمرا صحافيا لم يسبق له مثيل. أولا: صعق الرئيس كاسترو الذي لم يتعود على أسئلة حرجة من صحافيين، خصوصا صحافيين أميركيين. ثانيا: صعق الكوبيون وهم يرون رئيسهم يتحدث عن خروقات حقوق الإنسان وانعدام الديمقراطية في كوبا».
بل إن الرئيس كاسترو كان، حتى آخر لحظة، مترددا في الوقوف مع أوباما أمام الصحافيين، رغم أن هذه عادة أميركية عمرها عقود.
لهذا، وضع البيت الأبيض سيناريوهين: يوافق كاسترو، ويخرج الرئيسان من قاعة الاجتماع إلى قاعة المؤتمر الصحافي، أو لا يوافق، ويتجه الرئيسان إلى سيارة أوباما عند مدخل قصر الثورة.
في بداية المؤتمر الصحافي، حاول أوباما تلطيف الأجواء، وقال إنه أحضر معه زوجته ميشيل وابنتيهما: «رغم أن البنتين، وهما في سن المراهقة، تفضلان الابتعاد عنا». وأضاف: «كانتا تفضلان البقاء في واشنطن، لكنهما قررتا أن تأتيا إلى هنا لمشاهدة جمال كوبا، وشعب كوبا».
وتندر أوباما على أن خطب الرئيس السابق فيدل كاسترو كانت طويلة، وأيضا خطب أخيه راؤول. وقال: إنه سيتكلم أكثر منهما «لأننا نريد اللحاق بستة عقود من عدم الكلام».
ختم أوباما كلمته (الطويلة) بعبارة «موشاس غراسياس» (شكرا كثيرا). وجاء أول سؤال من الصحافي الأميركي الكوبي جيم أكوستا، الذي كان متشددا في سؤاله، قال إن والده هرب، قبل نصف القرن، من حكم فيدل كاسترو الديكتاتوري. وسأل: «متى ستتحقق الديمقراطية في وطن أبي؟».
سارع أوباما وأجاب عن السؤال بطريقة دبلوماسية. وعندما جاء دور كاسترو، سأل: «هل هذا السؤال لي؟»، وقال أوباما: «نعم، يا سيادة الرئيس». وقال كاسترو: «لكنك أجبت عن السؤال»، وقال أوباما: «سأل الصحافي أكثر من سؤال». وقال كاسترو: «ماذا كان السؤال الثاني؟» وقال أوباما، الذي صار مثل وسيط بين كاسترو والصحافي: «سأل الصحافي عن المعتقلين السياسيين في كوبا».
هذه المرة، في حدة واضحة، سأل كاسترو الصحافي: «ماذا تقصد معتقلين سياسيين؟ لا يوجد في كوبا أي معتقل سياسي. إذا عندك اسم أي معتقل سياسي، أعطني له الآن، وسأطلق سراحه قبل منتصف الليل».
وسأله صحافي آخر إذا كان يؤيد المرشحة الديمقراطية لرئاسة الجمهورية، هيلاري كلينتون، أو المرشح الجمهوري، دونالد ترامب. طلب كاسترو من الصحافي أن يكرر السؤال، وكرر الطلب، وكرر الصحافي السؤال، وبدا كاسترو كأنه استغرب السؤال عن كلينتون وترامب، وأجاب: «لا أستطيع أن أصوت في الولايات المتحدة».
واحتج كاسترو عندما سأله صحافي أميركي آخر سؤالا عن الخلافات بين البلدين، وسأل الصحافيين: «لماذا لا تسألون الرئيس أوباما؟ لماذا توجهون كل أسئلتكم نحوي؟».
وتدخل أوباما، وأعطى إذن السؤال لصحافي كوبي، وهو يتوقع أنه يسأله الصحافي، لا أن يسال كاسترو. لكن، لم يسأل الصحافي أوباما، بل سأل كاسترو (ربما ليستغل فرصة نادرة ليسأل رئيسه).
أجاب كاسترو عن السؤال (عن حقوق الإنسان) بأن أوباما كان أجاب عن السؤال، وبدا كاسترو ليس مرتاحا من تصرفات الصحافي الكوبي (لا يعرف مصيره بعد المؤتمر الصحافي).
مرة أخرى، تدخل أوباما، وأعطى إذن السؤال لصحافية أميركية، أندريا ميتشل. كأنه يطلب منها أن تسأله هو لا أن تسأل كاسترو المتزمت. وسألت ميتشل أوباما عن مستقبل العلاقات بين البلدين، وأجاب أوباما، لكنها قالت: «أريد الآن أن أسأل السؤال نفسه للرئيس كاسترو».
بدا الإحراج واضحا في وجه أوباما، وفي تصرفاته، والتفت إلى كاسترو، وقال له: «تريد أندريا أن تسألك سؤالا». وبدا كاسترو مستغربا عمن هي «أندريا» (لم يستعمل أوباما اسمها الأخير «ميتشل»، الذي كان في قائمة الصحافيين الذين وافق القصر الثوري في كوبا على أن يشتركوا في المؤتمر الصحافي).
مرة أخرى، اشتكى كاسترو من أن أغلبية الأسئلة موجهة نحوه، ومرة أخرى، سأل: لماذا لا تكون نحو أوباما؟ وتدخل أوباما، كأنه يتحمل ذنب الصحافيين، وقال لكاسترو: «كان سؤال أندريا هو آخر سؤال أجبت عنه أنا. الآن جاء دورك مع أندريا. وهو آخر سؤال لك أيضا».
وبدا كاسترو كأنه شبع من الإجابات عن الأسئلة (رغم أن إجابات أوباما كانت أكثر من إجاباته). وأحس أوباما أن كاسترو ربما سيغضب. وقال له: «أنت صاحب القرار، يا سيادة الرئيس، تقدر على الإجابة عن السؤال، أو عدم الإجابة». قال كاسترو، في حدة: «لا إجابة».
وتدخل أوباما، مرة أخرى، وقال: «أندريا واحدة من أكثر الصحافيات الأميركيات قدرة ونزاهة. وستقدرك إذا أجبت عن سؤالها، حتى إجابة قصيرة جدا».
والتفت كاسترو نحو الصحافيين، كأنه يؤنبهم: «عندنا فقرات أخرى في البرنامج. إذا بقينا هنا من دون نهاية، ستسألوننا خمسمائة سؤال».
لم يمانع أوباما في مزيد من الأسئلة، لكن، صار واضحا أن كاسترو قد شبع منها، وبدا كاسترو كأنه يريد مغادرة المكان، هنا تقدم نحوه أوباما ليرفعا يديهما معا، دليلا على الصداقة الجديدة بين البلدين. لكن، تلعثم كاسترو، وتلفت يمينا ويسارا، وتخبط. وبدلا من رفع يديه مع يدي أوباما، مسك ذراع أوباما ورفعها إلى أعلى، كأن ذراع أوباما مكسورة. وبدا المنظر غريبا. وبدا أوباما كأنه يريد الإسراع بالخروج من القاعة، خوفا من إحراجات أخرى.
لم يظهر خلال زيارة أوباما بسبب مرضه، وكبر سنه، لكنه، بعد يوم من مغادرة أوباما لكوبا، نشر، في صحيفة الحكومة، هجوما عنيفا على أوباما، بل كان «شتيمة». حمل أوباما مسؤولية معاقبة كوبا، ومحاصرتها، لأكثر من ستين عاما، وحمله أخطاء الرأسمالية، حتى في أميركا نفسها، وما سماها «التوسعات، والمؤامرات، والغزوات الأميركية».