فلسطينيو المناطق «ج».. على خط النار

احتلال بالقوة وقوانين قضائية وأغراض عسكرية.. وزعران المستوطنين تسعى لتهجيرهم والسيطرة على أرضهم

فلسطينيو المناطق «ج».. على خط النار
TT

فلسطينيو المناطق «ج».. على خط النار

فلسطينيو المناطق «ج».. على خط النار

بين عامي 1947 و1949 قامت الجماعات اليهودية العسكرية بطرد أو تشريد، نحو 726 ألف فلسطيني مسلم ومسيحي، أي نحو 75 في المائة من السكّان العرب الأصليين، والتي أصبحت لاحقا إسرائيل. طالت الحرب الإسرائيلية آنذاك 400 قرية وبلدة فلسطينية. واليوم فإن الذين طردوا وذرياتهم أصبحوا يُقدّرون بأكثر من 7 ملايين نسمة ويمثلون أقدم وأكبر مجموعة لاجئين حيث يشكلون أكثر من ربع اللاجئين في العالم.
لم يعودوا بطبيعة الحال لقراهم وبلداتهم ولم تتوقف إسرائيل بكل الوسائل عن ملاحقة آخرين في قرى وبلدات أخرى ما زالت قائمة في الضفة الغربية. والحرب على الفلسطينيين في ثلثي مساحة الضفة الغربية أي المناطق «ج» تأخذ أشكالا مختلفة عسكرية وقانونية وعبر زعران وإرهاب المستوطنين. وهي تستهدف مثلما كانت قبل 70 عاما السيطرة على الأرض والتخلص من سكانها. إنها عقلية الإرهاب والتهجير التي جاءت بدولة إسرائيل وتؤسس لبقائها.
لا يأمن كثير من الفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق «ج» في الضفة الغربية على مكان سكناهم الذي يمكن أن يتحول إلى غير قانوني أو أرض دولة أو مكان لتدريب الجيش الإسرائيلي في أي لحظة وبقوة القانون والمحاكم، ولا تأمن البقية الباقية على حياتهم بسبب هجمات المستوطنين المتكررة. وفيما يصر الفلسطينيون على البقاء والبناء في أرضهم يصر الإسرائيليون على الهدم والسيطرة. وهذه تختصر معركة المعارك في المناطق «ج».
أدوات السيطرة والتهجير
تختلف باختلاف المنطقة المستهدفة، ففي منطقة حدودية مثل الأغوار تستخدم إسرائيل كل الإمكانيات، جنودا واستيطانا ومياها وقوانين وقضاء للسيطرة على المنطقة، وفي أراض وقرى استراتيجية قريبة من المستوطنات تستخدم إسرائيل قوانين قديمة وأخرى حديثة ومسوغات عسكرية لطرد الناس، وفي قرى أقل قيمة، ترسل زعران المستوطنين لترهيب وتخويف الناس.
الأغوار.. أم المعارك
(المنطقة الأكثر انخفاضا عن سطح البحر) أو كما يحلو للبعض تسميتها قاع العالم، هي في الحقيقة مركز صراع مستمر منذ 50 عاما، وفجر أكثر من مفاوضات بين الطرفين آخرها المفاوضات التي حاول إحياءها وزير الخارجية الأميركي جون كيري.. ويتخذ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في منطقة الأغوار، شكلا مختلفا منذ عشرات السنين. إنه صراع يدور على كل متر مربع في المنطقة التي تشكل نحو 28 في المائة من مساحة الضفة الغربية المحتلة.
ويقول الفلسطينيون إنهم لن يتنازلوا عن متر واحد من منطقة الأغوار، لأنها على الأقل أرض فلسطينية، وهي بوابة الدولة العتيدة إلى العالم، ويقول الإسرائيليون إنهم لن يتراجعوا عن المنطقة التي تشكل عمقا أمنيا وبوابة الحراسة والطمأنينة الشرقية لمواطنيها. وتبلغ مساحة الأغوار، 2070 كيلومترا، بواقع 1.6 مليون دونم، وتمتد المنطقة على مسافة 120 كيلومترا، بعرض يتراوح بين ثلاثة كيلومترات و15 كيلومترا، من شمال البحر الميت جنوب فلسطين إلى بردلة عند مدخل بيسان شمالا. ويعيش فيها نحو 50 ألف فلسطيني مقابل 7000 مستوطن إسرائيلي يسيطرون على أغلبية الأراضي هناك.
وقال صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، لـ«الشرق الأوسط» في أوقات سابقة «بعد قيام الدولة لن نقبل بوجود جندي إسرائيل واحد في الضفة وفي الأغوار، لا برا ولا بحرا ولا جوا ولا على المعابر». وكان عريقات يرد ضمنا على مقترحات مختلفة لبقاء القوات الإسرائيلية في المنطقة لـ10 سنوات مع تخفيض عددها، وزرع أجهزة دفاعية وأخرى للإنذار المبكر، وإدارة مشتركة على المعابر، وهو ما رفضه الفلسطينيون. والمفارقة العجيبة أن الإسرائيليين رفضوا نفس المقترحات.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون: «الانسحاب من الضفة سيمس بحرية عمل الجيش الإسرائيلي، وسيؤدي إلى انهيار حكم الرئيس الفلسطيني محمود عباس». وأضاف: «إن من شأن تطبيق سيناريو الانسحاب من غزة، في الضفة، تثبيت أقدام حماس، والإطاحة بأبو مازن».
وهذه المعركة السياسية جزء من أخرى على الأرض.
فمنذ عشرات السنين نفذت إسرائيل خططا كثيرة في سبيل تهجير الفلسطينيين من الأغوار، وفي الأعوام الأخيرة تحولت الهجمة الإسرائيلية إلى مسعورة ومجنونة، راحت إسرائيل معها تجرب كل شيء ممكن من أجل التخلص من الفلسطينيين نهائيا.
أعلنت الأراضي هناك منطقة عسكرية مغلقة وأراضي دولة، وحولت الأراضي إلى مستوطنات ومصانع ومزارع ومواقع للتدريب الحي، منعت المزارعين والبدو والأهالي من استثمار أراض كثيرة للرعي أو الزراعة أو البناء، قطعت المياه عن تجمعات الفلسطينيين وأراضيهم، وسيطرت على كل الآبار الجوفية في المكان، هدمت بيوتا وأنذرت الأخرى، وعزلت المنطقة عن بقية الضفة الغربية، وأخذت تمنع دخولها لغير أهلها الذين يحملون هويتها.
ويقول فتحي خضيرات، منسق اللجان الشعبية لمناهضة الاستيطان في الأغوار ومسؤول حملة «أنقذوا الأغوار»، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاهتمام الإسرائيلي في منطقة الأغوار يوازيه اهتمام فلسطيني للأسباب نفسها، موضحا: «إنها تشكل ثلث مساحة الضفة الغربية، وهي أحد أقطاب مثلث الماء الفلسطيني وتشكل نحو 47 في المائة من مصادر المياه الجوفية الفلسطينية، وهي المعبر الوحيد للفلسطينيين نحو العالم الخارجي، وهي عصب الاقتصاد الفلسطيني المستقبلي الذي يتمثل في الزراعة، وهي المكان الذي يمكن فيه توسيع القدس الشرقية، وهي المكان الذي يمكن فيه أيضا استيعاب اللاجئين حال عودتهم».
أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فيرى أهمية أخرى للمنطقة بالنسبة لإسرائيل، إذ قال غير مرة، إن إسرائيل تجني 620 مليون دولار سنويا من استثمارها للأغوار الفلسطينية، وإن ادعاءاتها بالسيطرة على الأغوار لدوافع أمنية كاذبة، مضيفا: «إنه استثمار استيطاني».
وتقيم إسرائيل في المنطقة أكبر مزارع نخيل في البلاد، ومشاتل ورود وخضراوات وفواكه، إضافة لمزارع ضخمة للدواجن والأبقار والديك الرومي، وخمس برك اصطناعية لتربية التماسيح من أجل استخدام جلودها في الأحذية والحقائب.
وعلى سبيل المثال، احتفل الإسرائيليون عام 2010 بزراعة النخلة رقم 1.000000 (مليون) في الأغوار. وحسب تقرير مجلس المستوطنات لعام 2012 فقد ربحت المستوطنات من الأغوار نحو 650 مليون دولار سنويا.
وقال عريقات في جولة حديثة مع سفراء وقناصل دول أوروبية: «تريد إسرائيل البقاء 40 سنة في الأغوار، لماذا لا تبقى هناك 400 سنة إضافية، مع كل هذه الأرباح».
وأنشأت إسرائيل 36 مستوطنة في المنطقة يعيش فيها نحو 7000 مستوطن يسيطرون على خيرات المنطقة، وأقدم المستوطنات هي «جفاعوت»، و«بينيت» منذ 1972 و«روتم» و«منجون» و«تيرونوت» و«روعي» و«شدمان» و«منجولا».
أما التجمعات العربية الفلسطينية فلا يزيد سكانها على 5130 نسمة وأهمها أبزيق والمالح وخربة الحمصة وكردلة وبردلة وخربة الرأس الأحمر وعين البيضا والحديدية والفارسية والحمة والعقبة وغيرها، في حين كان العدد يزيد على 300 ألف فلسطيني قبل الاحتلال.
وقال تقرير لمحافظة طوباس والأغوار الشمالية: «إن المستوطنات والمجلس الإقليمي الاستيطاني تحتل مساحة 1.344.335 دونم من أراضي الأغوار، كما تحتل أراضي الدولة 748.965 دونم، أما المناطق العسكرية المغلقة فتصل إلى 743.626 دونم وتقع 334.614 دونم ضمن ما يسمى محميات طبيعية، أما المناطق التي أغلقت بفعل الجدار العنصري فتصل إلى 2.505 دونم، ليصبح المجموع الصافي 1.372.695 دونم، ما يعادل 85.17 في المائة من مساحة الأغوار وشمال البحر الميت و24.5 في المائة من مساحة الضفة و97 في المائة من مساحة المنطقة «ج» ليبقى الباقي الممزق وغير المتواصل والمحروم من الخدمات والموارد في يد الفلسطينيين في تجمعات معزولة تنازع على البقاء والصمود في وجه الجرافات الإسرائيلي.
وحتى هذه المناطق لا تسلم من الهجمات المتكررة التي ترميهم خارجا بعد هدم منازلهم ومن ثم يعودون لبنائها وهكذا دواليك. هدم وبناء وتشريد وعودة وبناء وهدم
«القانون» في قرى وبلدات أخرى
تختلف الوسائل التي تحاول من خلالها إسرائيل تهجير الفلسطينيين في القرى والبلدات في مناطق «ج» وبخلاف الأغوار التي لا تنفي أن وجودها فيها هو احتلال، تستخدم إسرائيل «القانون» لطرد الفلسطينيين من باقي المناطق «ج»
ومن بين القرى المعرضة للهدم والتي تصر إسرائيل على إزالتها من على الوجود، قرية سوسيا من بين 8 قرى فلسطينية جنوب الخليل، تهدف لتحويلها إلى ساحة تدريب على الرماية وتسهيل تنقل الجنود منها وإليها. وبعد سنوات من معركة قضائية ردت المحكمة التماس السكان باعتبار أن وجودهم يعرقل عمل الجنود الإسرائيليين.
ويسكن في هذه القرى نحو 1300 فلسطيني.
وتقول إسرائيل إنه من المفترض أن يتم نقل سكان هذه القرى إلى بلدة يطا والبلدات المحيطة، بحيث يسمح لسكان القرى الفلسطينيين بفلاحة أراضيهم ورعاية مواشيهم في الفترات التي لا يجري فيها الجيش أي تدريبات في المنطقة.
والقرى قائمة قبل الاحتلال عام 1967. منذ سنوات الثلاثينات من القرن التاسع عشر، ورغم ذلك تصف «الإدارة المدنية» الإسرائيلية أهل هذه القرى بـ«غزاة لمنطقة إطلاق النار 918».
وطبعا فيما تريد إسرائيل هدم سوسيا العربية، لا تنتبه إلى مستوطنة قريبة أيضا اسمها سوسيا كذلك وتم بناؤها من دون ترخيص من الحكومة الإسرائيلية على أراضٍ فلسطينية مملوكة للقطاع الخاص.
زعران المستوطنين لتخويف البقية
وبحسب إحصاءات فلسطينية رسمية لدائرة شؤون المفاوضات فقد شن المستوطنون منذ 2004 أكثر من 11 ألف هجوم استهدف ممتلكات المدنين الفلسطينيين العزل في القرى والبلدات بما في ذلك المنازل والمساجد والكنائس والأراضي وسرقة الأشجار وتسميم المياه وارتكاب محارق.
وتشن عادة منظمات يهودية متطرفة مثل هذه الهجمات التي كان أفظعها على الإطلاق إحراق عائلة كاملة داخل منزلها في قرية دوما قبل نحو عام ومن ثم العودة إلى نفس القرية الشهر الماضي لإحراق الشاهد الوحيد عليهم.
ويوجد مئات آخرين غير إبراهيم جربوا نيران المستوطنين ورصاصهم وزجاجاتهم الحارقة تحرق بيوتهم والمساجد والكنائس والأراضي المثمرة.
وقال نعمان حمدان رئيس مجلس قروي الجبعة بالقرب من بيت لحم بأنه لا ينسى الليلة التي هاجم فيها مستوطنون مسجد القرية العام الماضي وأحرقوه مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أنه وأبناء قريته لا يشعرون أبدا بالأمان جراء إمكانية تكرار الهجمات التي طالت لاحقا أراضي للمزارعين.
ويسعى نعمان مع أبناء قريته لحماية أنفسهم بأنفسهم جراء عدم قدرة السلطة على العمل في المناطق المصنفة «ج».
ونجح الفلسطينيون في حماية أنفسهم في قرى وفشلوا في أخرى.
وما زال النقاش حول كيفية ردع المستوطنين مشتعلا، ومن بين الأفكار كان هناك توظيف مدنيين أو إرسال جنود فلسطينيين بلباس مدني أو أن يتطوع أهالي القرية لحمايتها.
وقال حمدان بأن على الأب أن يحمي أبناءه في إشارة إلى السلطة.
ويسهر شبان في القرى النائية لحماية أهلهم من الهجمات.
وقال محمد الذي يفضل عدم نشر اسمه بسبب إمكانية استهدافه لاحقا من قبل الجيش، لـ«الشرق الأوسط» بأنه يتسلح بالعصي والكشافات مع رفاقه ويكتفي بتسليط الضوء على أي تحركات مشبوهة بعد منتصف الليل لردع المستوطنين عن المواصلة.
ويدرك الفلسطينيون أن مهاجميهم ينعمون بحماية الجيش الإسرائيلي.
وطالما وثقت منظمات إسرائيلية من بينها بيتسيلم هجمات مستوطنين ضد الفلسطينيين بحماية الجيش.
وفي الوقت الذي تعيش الكثير من القرى حياة تشبه الحرب على خط النار، اكتفت إسرائيل في قرى أخرى بسجن الجميع.
الجدران لسجن الناس
وبنت إسرائيل على سبيل المثال جدارا كامل الأوصاف حول قرية الولجة الفلسطينية القريبة من القدس.
وتمتد القرية الجبلية التي يعيش فيها نحو 2000 فلسطيني، على ما مساحته 4500 دونم من أصل 17793 دونمًا، احتلتها إسرائيل وحولتها إلى أراض دولة ومستوطنات ومحميات أمنية، وتحوي الولجة أكبر شجرة زيتون في فلسطين وعمرها 3000 عام، وينابيع طبيعية أشهرها نبع عين الحنية.
وتعتبر الولجة من أجمل قرى الجنوب، ومثلها تعيش قرى أخرى مثل برطعة وجيوس وبير نبالا وحتى مدينة قلقيلية في سجن كبير يحيط به جدار وله بوابة واحدة فقط محروسة بشكل جيد ويمكن إغلاقها في أي وقت.
ليس مناطق «ج» فقط
أصدر مركز الإحصاء الفلسطيني بيانا إحصائيًا بمناسبة يوم الأرض وبين أن إسرائيل تستغل أكثر من 85 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية والبالغة نحو 27.000 كم2. ولم يتبق للفلسطينيين سوى نحو 15 في المائة فقط من مساحة الأراضي، وبلغت نسبة الفلسطينيين 48 في المائة من إجمالي السكان في فلسطين التاريخية.
القدس 2015: تهويد مكثف وممنهج في الوقت الذي تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم المنازل الفلسطينية ووضع العراقيل والمعوقات لإصدار تراخيص البناء للفلسطينيين، تقوم بالمصادقة على تراخيص بناء آلاف الوحدات السكنية في المستعمرات الإسرائيلية المقامة على أراضي القدس، وقد صادقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في العام 2015 على بناء أكثر من 12.600 وحدة سكنية في المستعمرات الإسرائيلية في القدس الشرقية بالإضافة إلى المصادقة على بناء أكثر من 2.500 غرفة فندقية.
كما صادقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على تغيير أسماء الشوارع في البلدة القديمة وتسميتها بأسماء عبرية لفرض الطابع الاحتلالي عليها وذلك ضمن سياسة ممنهجة لتغيير الطابع الديموغرافي وطمس المعالم التاريخية والجغرافية لمدينة القدس، كما قامت سلطات الاحتلال بهدم نحو 152 مبنى فلسطينيا (مساكن ومنشآت) وتوزيع مئات أوامر بالهدم لمبانٍ أخرى، أضف إلى ذلك ما قامت به سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتجريف 546 دونما من أراضي الفلسطينيين في تجمعي العيسوية ومخيم شعفاط لإقامة حديقة قومية لليهود ومكب للنفايات.
المستعمرات الإسرائيلية: بلغ عدد المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في نهاية العام 2014 في الضفة الغربية 413 موقعا، منها 150 مستعمرة و119 بؤرة استعمارية، إلى ذلك صادقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في العام 2015 على بناء أكثر من 4.500 وحدة سكنية في محافظات الضفة الغربية عدا تلك التي تمت المصادقة عليها في القدس، في الوقت الذي لا تسمح فيه سلطات الاحتلال للفلسطينيين من البناء وتضع كافة العراقيل الأمر الذي يشدد الخناق والتضييق على التوسع العمراني للفلسطينيين خاصة في القدس والمناطق المسماة (ج) والتي تزيد مساحتها عن 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية والتي ما زالت تقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، بالإضافة إلى جدار الضم والتوسع والذي عزل أكثر من 12 في المائة من مساحة الضفة الغربية.
أما فيما يتعلق بعدد المستعمرين في الضفة الغربية فقد بلغ 599.901 مستعمر نهاية العام 2014، وتشكل نسبة المستعمرين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية نحو 21 مستعمرًا مقابل كل 100 فلسطيني، في حين بلغت أعلاها في محافظة القدس نحو 69 مستعمرًا مقابل كل 100 فلسطيني.



إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.