رئيس الحكومة الليبية الجديدة يُكرس نفسه حاكمًا فعليًا بعد تراجع سلطات طرابلس

إيطاليا تستبعد مجددًا أي تدخل عسكري.. والاتحاد الأوروبي يُجمد أرصدة المعارضين

ليبيون يتظاهرون تأييدا لرئيس الحكومة فايز السراج في ميدان الشهداء بطرابلس (أ.ف.ب)
ليبيون يتظاهرون تأييدا لرئيس الحكومة فايز السراج في ميدان الشهداء بطرابلس (أ.ف.ب)
TT

رئيس الحكومة الليبية الجديدة يُكرس نفسه حاكمًا فعليًا بعد تراجع سلطات طرابلس

ليبيون يتظاهرون تأييدا لرئيس الحكومة فايز السراج في ميدان الشهداء بطرابلس (أ.ف.ب)
ليبيون يتظاهرون تأييدا لرئيس الحكومة فايز السراج في ميدان الشهداء بطرابلس (أ.ف.ب)

وسط تأييد دولي متصاعد، بدأ أمس فائز السراج، رئيس الحكومة الجديدة في ليبيا، في تكريس صورته كحاكم فعلي في البلاد، فيما تراجعت السلطات المسيطرة على العاصمة طرابلس عن مواقفها، وقالت: إنها «ليست متمسكة بالبقاء في السلطة»، وسط معلومات عن اتصالات مع مجلس النواب المتواجد في طبرق لعقد جلسة لمنح الثقة لحكومة السراج، بعدما فرض الاتحاد الأوروبي رسميا عقوبات على رئيسه عقيلة صالح بالإضافة إلى رئيسي برلمان وحكومة طرابلس.
ولليوم الثاني على التوالي منذ وصوله إلى العاصمة، اختفت الميليشيات المسلحة تماما من شوارع المدينة التي عادت فيها الحياة لطبيعتها، وسط انتشار لقوات أمن موالية للحكومة الجديدة التي ما زالت تعقد اجتماعاتها الرسمية في قاعدة بحرية مشددة الحراسة، بانتظار تسلمها المقر الرسمي للحكومة الذي تشغله حكومة طرابلس الموازية.
وقال العميد عبد الرحمن طويل، المسؤول عن تأمين الحكومة الجديدة، إن القاعدة مؤمنة بالكامل، مشيرا إلى أن الحكومة تعمل على تأمين مؤسسات الدولة في العاصمة، مضيفا: «هذا المجلس جاء ليبقى ويستمر بالعمل هنا في طرابلس، ولن يخرج إلا إذا كانت فيه اجتماعات دولية أخرى مؤقتة وسيرجعون».
ولم يحدد الطويل الفصائل التي تعمل مع حكومة السراج؛ لكنه قال: إنها تتلقى حماية من الجيش والمخابرات العسكرية والشرطة، لافتا في تصريحات له أمس، إلى أن وزراء الحكومة من طرابلس وليسوا في خطر ويتحركون دون حراسة أمنية.
وجمد الاتحاد الأوروبي رسميا، الأرصدة المالية لثلاثة زعماء سياسيين ليبيين معارضين لحكومة السراج اعتبارا من أمس، وأعلن أنهم باتوا تحت طائلة عقوباته الاقتصادية. والرجال الثلاثة الذين تشملهم العقوبات هم نوري أبو سهمين رئيس برلمان طرابلس، وخليفة الغويل رئيس حكومته، وعقيلة صالح رئيس البرلمان المعترف به دوليا المتواجد في طبرق بشرق البلاد.
وقالت الصحيفة الرسمية للاتحاد الأوروبي إن الرجال الثلاثة لعبوا دورا محوريا في عرقلة تشكيل حكومة وحدة في ليبيا، حيث جمد الاتحاد الأوروبي أرصدتهم.
من جهته، استبعد رئيس الوزراء الإيطالي ماتّيو رينزي أي تدخل عسكري في ليبيا، وقال في تصريحات نقلتها وكالة «أنباء اكى الإيطالية»: «نحن على استعداد لمد يد العون؛ لكننا نرفض القصف».
وقال رينزي على هامش مشاركته في قمة الأمن النووي بالعاصمة الأميركية واشنطن «نحن من يقدم أكبر قدر من المساعدة بين الجميع، إننا على استعداد للقيام بذلك من ناحية الدعم الاجتماعي والتعاون الدولي؛ لكن هذا لا يعني أن نستيقظ صباح أحد الأيام للذهاب للقصف».
وكان رئيس الحكومة الإيطالية الذي نشر صورة تجمعه بالسراج خلال أول زيارة له للعاصمة روما، قد كتب في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «نحن جميعا نؤيد حكومة السراج».
من جهته، أعلن وزير الخارجية الإيطالي، باولو جينتيلوني، أنه أجرى اتصالا هاتفيا مع السراج الذي كان يتحدث من مكتبه في طرابلس، حيث «أكد عزم حكومته على البدء في حوار مع جميع الأطراف لتعزيز وضع الحكومة والبدء في بسط الاستقرار». وقال بيان للخارجية الإيطالية: «لم يتم تسجيل اشتباكات حاليا في العاصمة طرابلس، وإن تميز الإطار بتوترات واضحة».
وجال السراج وسط حراسة أمنية مشددة للمرة الأولى في شوارع طرابلس، حيث تفقد القوات التي تقوم بتأمين ميدان الشهداء بوسط المدينة، كما أجرى حوارا عابرا مع بعض السكان، عقب أدائه صلاة الجمعة بجامع ميزران بوسط طرابلس للمرة الأولى أيضا. وقال بيان لمكتب السراج إنه «حظي باستقبال عدد غفير من المصلين، كما تعالت التكبيرات والأناشيد عقب الصلاة مرحبة ببداية عهد جديد وقدوم الحكومة».
وفي تراجع لافت للانتباه عن تهديداته السابقة باعتقال السراج وأعضاء المجلس الرئاسي لحكومته أو طردهم خارج العاصمة، قال خليفة الغويل رئيس ما يسمى بحكومة الإنقاذ الوطني، إن معارضته لحكومة السراج ستكون بالطرق السلمية والقانونية دون استخدام القوة.
وقال في بيان له إنه استجابة لمطالب أهل المدن الليبية المختلفة فإنه سيمنح فرصة للثوار ومؤسسات المجتمع المدني والأعيان والعلماء لتقدير ما يرونه مناسبا لحقن الدماء وإيجاد مخرج من الأزمة التي تمر بها البلاد. موضحا أنه سيلتزم بما سيصدر عن المؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته في هذا الصدد، مضيفا: «لا أسعى لمنصب أو سلطة».
وتزامن بيان الغويل مع بيان مماثل للبرلمان الذي لا يحظى بالاعتراف الدولي، دعا فيه السكان إلى ضبط النفس وتجنب إراقة الدماء؛ لكنه حذر في المقابل من «الاصطفاف المسلح الذي سيجر البلاد إلى حرب أهلية».
وبعدما كشف النقاب عن مشاورات مع «شركاء الوطن» للوصول إلى رؤية حول الوضع الراهن، أدان الاشتباكات المسلحة التي شهدتها العاصمة الأربعاء الماضي، وأسفرت عن مقتل وإصابة بعض المواطنين.
كما ندد بالاعتداء على وزير خارجية حكومة طرابلس علي بوزعكوك وقناة «النبأ» الفضائية، والمعتصمين في ميدان الشهداء بوسط المدينة.
وفي دفعة لحكومة الوحدة الجديدة وقيادتها المتمثلة في المجلس الرئاسي، أكّدت عشر مُدن في غرب ليبيا، أنها ترحب وتدعم وصول الحكومة. وقالت في بيان: «تدرك بلديات الساحل الغربي المرحلة الخطيرة التي تمر بها ليبيا، لذلك تدعو هذه البلديات جميع الليبيين بجميع شرائحهم وتياراتهم وأحزابهم إلى الوحدة والتضامن والوقوف صفا واحدا لدعم حكومة الوفاق الوطني».
وتأمل القوى الغربية أن تطلب حكومة الوحدة مساندة أجنبية لمواجهة تنظيم داعش وتدفق المهاجرين من ليبيا صوب أوروبا وإعادة إنتاج النفط لتعزيز اقتصادها.



الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)

أعلنت الجماعة الحوثية في اليمن أنها ستكتفي، فقط، باستهداف السفن التابعة لإسرائيل خلال مرورها في البحر الأحمر، بعد بدء سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بحسب رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها الجماعة، الأحد، إلى شركات الشحن وجهات أخرى.

ونقل ما يسمى بـ«مركز تنسيق العمليات الإنسانية»، التابع للجماعة الحوثية، أن الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، ستقتصر، فقط، على السفن المرتبطة بإسرائيل بعد دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ.

وأضاف المركز، الذي كلفته الجماعة بالعمل حلقةَ وصل بينها وشركات الشحن التجاري، أنها توعدت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل باستئناف الضربات على السفن التابعة لها في حال استمرار هذه الدول في هجماتها الجوية على المواقع التابعة لها والمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وسبق للجماعة الحوثية تحذير الدول التي لديها وجود عسكري في البحر الأحمر من أي هجوم عليها خلال فترة وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وتوعدت في بيان عسكري، أنها ستواجه أي هجوم على مواقعها خلال فترة وقف إطلاق النار في غزة، بعمليات عسكرية نوعية «بلا سقف أو خطوط حمراء».

لقطة أرشيفية لحاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان التي أعلن الحوثيون استهدافها 8 مرات (رويترز)

كما أعلنت الجماعة، الأحد، على لسان القيادي يحيى سريع، المتحدث العسكري باسمها، استهداف حاملة الطائرات أميركية هاري ترومان شمال البحر الأحمر بمسيرات وصواريخ لثامن مرة منذ قدومها إلى البحر الأحمر، بحسب سريع.

وسبق لسريع الإعلان عن تنفيذ هجوم على هدفين حيويين في مدينة إيلات جنوب إسرائيل، السبت الماضي، باستخدام صاروخين، بعد إعلان سابق باستهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي، في حين اعترف الجيش الإسرائيلي باعتراض صاروخين أُطْلِقا من اليمن.

موقف جديد منتظر

وفي وقت مبكر من صباح الأحد كشفت وسائل إعلام تابعة للجماعة الحوثية عن استقبال 4 غارات أميركية، في أول ساعات سريان «هدنة غزة» بين إسرائيل، و«حركة حماس».

ويتوقع أن تكون الضربات الأميركية إشارة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل تنفيذ عملياتها العسكرية ضد الجماعة الحوثية في سياق منعزل عن التطورات في غزة واتفاق الهدنة المعلن، بخلاف المساعي الحوثية لربط العمليات والمواجهات العسكرية في البحر الأحمر بما يجري في القطاع المحاصر.

ومن المنتظر أن تصدر الجماعة، الاثنين، بياناً عسكرياً، كما ورد على لسان سريع، وفي وسائل إعلام حوثية، بشأن قرارها اقتصار هجماتها على السفن التابعة لإسرائيل، والرد على الهجمات الأميركية البريطانية.

كما سيلقي زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي خطاباً متلفزاً، بمناسبة بدء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وزعم سريع، السبت الماضي، وجود رغبة لدى الجماعة لوقف هجماتها على إسرائيل بمجرد دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وإيقاف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر؛ إذا توقفت الولايات المتحدة وبريطانيا عن مهاجمة أهداف في اليمن.

كما أكّد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الأسبوع الماضي، أن الهجمات على إسرائيل ستعود في حال عدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام قبل الماضي تستهدف الجماعة الحوثية سفناً في البحر الأحمر بزعم تبعيتها لإسرائيل، حيث بدأت باحتجاز السفينة جالكسي ليدر التي ترفع علم جزر الباهاما في المياه الدولية، والتي لا تزال، وأفراد طاقمها البالغ عددهم 25 فرداً، قيد الاحتجاز لدى الجماعة.

السفينة «غالاكسي ليدر» التي تحتجزها الجماعة الحوثية منذ 14 شهراً (رويترز)

وأتبعت الجماعة ذلك بتوسع عملياتها لتشمل السفن البريطانية والأميركية، بصواريخ باليستية وطائرات مسيَّرة في المياه القريبة من شواطئ اليمن بزعم دعم ومساند سكان قطاع غزة ضد الحرب الإسرائيلية.

وتسببت تلك الهجمات في تعطيل جزء كبير من حركة التجارة الدولية، وأجبرت شركات الشحن والملاحة على تغيير مسار السفن التابعة لها، واتخاذ مسار أطول حول جنوب قارة أفريقيا بدلاً من عبور قناة السويس.

وأدى كل ذلك إلى ارتفاع أسعار التأمين وتكاليف الشحن وزيادة مدد وصولها، وبث مخاوف من موجة تضخم عالمية جديدة.

لجوء إلى التخفي

ويلجأ قادة الجماعة إلى الانتقال من مقرات إقامتهم إلى مساكن جديدة، واستخدام وسائل تواصل بدائية بعد الاستغناء عن الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية، رغم أنهم يحيطون أنفسهم، عادة، باحتياطات أمنية وإجراءات سرية كبيرة، حيث يجهل سكان مناطق سيطرتهم أين تقع منازل كبار القادة الحوثيين، ولا يعلمون شيئاً عن تحركاتهم.

أضرار بالقرب من تل أبيب نتيجة اعتراض صاروخ حوثي (غيتي)

وشهدت الفترة التي أعقبت انهيار نظام الأسد في دمشق زيادة ملحوظة في نقل أسلحة الجماعة إلى مواقع جديدة، وتكثيف عميات التجنيد واستحداث المواقع العسكرية، خصوصاً في محافظة الحديدة على البحر الأحمر.

كما كشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، خلال الأيام الماضية أن الاتصالات بقيادة الصف الأول للجماعة المدعومة من إيران لم تعد ممكنة منذ مطلع الشهر الحالي على الأقل، نتيجة اختفائهم وإغلاق هواتفهم على أثر التهديدات الإسرائيلية.

وأنشأت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، تحالفاً عسكرياً تحت مسمى تحالف الازدهار، لمواجهة الهجمات الحوثية وحماية الملاحة الدولية، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي بدأ التحالف هجماته على المواقع العسكرية للجماعة والمنشآت المستخدمة لإعداد وإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

وأطلق الاتحاد الأوروبي، في فبراير (شباط) الماضي، قوة بحرية جديدة تحت مسمى «خطة أسبيدس»، لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وحدد مهامها بالعمل على طول خطوط الاتصال البحرية الرئيسية في مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وكذلك المياه الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج، على أن يكون المقر في لاريسا اليونانية.

احتفالات حوثية في العاصمة صنعاء بوقف إطلاق النار في غزة (إعلام حوثي)

وتزامنت هجمات الجماعة الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر مع هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على مدن ومواقع إسرائيلية، ما دفع سلاح الجو الإسرائيلي للرد بضربات جوية متقطعة، 5 مرات، استهدف خلالها منشآت حيوية تحت سيطرة الجماعة.

وشملت الضربات الإسرائيلية ميناء الحديدة وخزانات وقود ومحطات كهرباء في العاصمة صنعاء.

ونظمت الجماعة الحوثية في العاصمة صنعاء، الأحد، عدداً من الاحتفالات بمناسبة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، رفعت خلالها شعارات ادعت فيها أن عملياتها العسكرية في البحر الأحمر وهجماتها الصاروخية على الدولة العبرية، أسهمت في إجبارها على القبول بالهدنة والانسحاب من القطاع.

وتأتي هذه الاحتفالات مترافقة مع مخاوف قادة الجماعة من استهدافهم بعمليات اغتيال كما جرى مع قادة «حزب الله» اللبناني خلال العام الماضي، بعد تهديدات إسرائيلية باستهدافهم، وسط توقعات بإصابة قادة عسكريين كبار خلال الضربات الأميركية الأخيرة في صنعاء.