قمة الأمن النووي: سياسيون وعسكريون يطالبون بخطوات فعالة ضد الإرهاب النووي

خبراء يضعون أربعة سيناريوهات لهجوم نووي إرهابي محتمل

قمة الأمن النووي: سياسيون وعسكريون يطالبون بخطوات فعالة ضد الإرهاب النووي
TT

قمة الأمن النووي: سياسيون وعسكريون يطالبون بخطوات فعالة ضد الإرهاب النووي

قمة الأمن النووي: سياسيون وعسكريون يطالبون بخطوات فعالة ضد الإرهاب النووي

هيمنت المخاوف من إمكانية حصول الجماعات الإرهابية على مواد نووية لاستخدامها في تصنيع أسلحة نووية صغيرة أو قنابل نووية على مناقشات الرئيس أوباما مع قادة الدول، خلال اليوم الأول من قمة الأمن النووي في العاصمة واشنطن.
واعترف مسؤولون أميركيون بأن عناصر من داعش كانت تراقب بالفعل منشأة الطاقة النووية في بلجيكا، وقامت بالتجسس على بعض الباحثين العاملين بالمنشأة. وقال بن رودس مستشار الأمن القومي الأميركي: «نحن نعلم أن المنظمات الإرهابية مثل داعش لديها الرغبة في الحصول على المواد النووية والحصول على سلاح نووي».
وتلقي هجمات بروكسل بظلالها على اجتماعات القمة ويعقد الرئيس أوباما اليوم الجمعة جلسة خاصة لمناقشة التهديدات الإرهابية. وتأتي المخاوف من حصول جماعات إرهابية على مواد نووية مع مخاوف أخرى، مما تشكله كوريا الشمالية من تهديدات مع قيامها باختبارات للسلاح النووي، إضافة إلى ما تملكه من تكنولوجيا للصواريخ الباليستية التي قد توفرها لكثير من الدول والجماعات. وأشار مسؤولون في البيت الأبيض إلى أن لقاءات الرئيس أوباما مع قادة كوريا الجنوبية واليابان ومع الرئيس الصيني تركزت على تلك المخاوف، وخطوات تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وتتجه الأنظار إلى باكستان التي شهدت هجمات إرهابية مروعة الأسبوع الماضي، مع مخاوف من ضعف التدابير التي تتخذها حكومة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف لتأمين المنشآت النووية والأسلحة، بعيدا عن محاولات الإرهابيين الحصول عليها. وقد أدت الهجمات الإرهابية في باكستان التي أودت بحياة 72 شخصا صباح عيد الفصح إلى قرار رئيس الوزراء الباكستاني بالغياب عن أعمال القمة.
وتعد كل من الهند والصين دولا رائدة في مجال الأنشطة النووية، وتخطط الدولتان لبناء مرافق نووية جديدة لفصل البلوتنيوم لتصنيع الوقود النووي، وهو ما يشير إلى قدرات إعادة المعالجة النووية «عسكريا» بما يثير سباق تسلح نووي إذا اختارت تلك الدول تحويل البلوتنيوم إلى برامج عسكرية، بدلا من الأغراض المدنية. وتقول الهند إنها تسير نحو بناء محطات نووية جديدة لمواجهة الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، وتخفيض انبعاثات الكربون بموجب اتفاق باريس للمناخ، لكن كثيرا من المراقبين يعتقدون أن الهند لديها أهداف أخرى.
وتواجه قمة الأمن النووي تحديا مع غياب روسيا عن أعمالها، وتعد روسيا أحد اللاعبين الرئيسيين في نقاشات السلامة النووية نظرا لما تملكه من مخزون نووي هائل. ويعتقد البعض أن موسكو تملك أسلحة نووية أكثر من أي بلد آخر، بما في ذلك الولايات المتحدة. وكان غياب روسيا عن القمة متوقعا في ظل الخلاف بين موسكو وواشنطن بشأن التدخل الروسي العسكري في سوريا وفي أوكرانيا، لكن مسؤولي البيت الأبيض أكدوا التعاون الوثيق بين البلدين في القضايا النووية واعتبروا غياب روسيا عن القمة هي «فرصة ضائعة». وقال جوش إرنست المتحدث باسم البيت الأبيض: «ستكون فرصة ضائعة لروسيا للتنسيق مع بقية المجتمع الدول يحول هذه القضية الهامة».
وأشارت عدة تقارير صحافية إلى أنه على الرغم من جهود الرئيس أوباما خلال السنوات الست الماضية في حث دول العالم في التخلص من المواد النووية وتشديد الرقابة على المنشآت ومراكز الأبحاث التي تستخدم مواد انشطارية ومشعة، إلا أن كثيرا من الدول تواجه مشكلات في تأمين السلامة النووية.
ويقول المحللون إن إدارة أوباما ستركز على الإنجازات التي تمّت خلال السنوات السابقة، وبصفة خاصة إبرام الاتفاق النووي مع إيران وتعهد 12 دولة بالقضاء على اليورانيوم والبلوتنيوم نهائيا، لكن منذ القمة الأخيرة في لاهاي عام 2014 زادت المخاوف من قيام دول مثل باكستان والهند واليابان بزيادة المخزون لديهم من اليورانيوم عالي التخصيب والبلوتنيوم المستخدم في تصنيع القنابل النووية. وأشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن العاملين الماضيين لم يشهدا أي تحسن في التدابير والإجراءات لتشديد الحماية على المواقع النووية، خصوصا أثناء نقل تلك المواد وانخفاض القدرة على استعادة المواد عند فقدها.
ويقول الخبراء إنه في الوقت الذي تنعقد فيه القمة، يوجد أكثر من 56 مفاعلا نوويا يجري بناؤها حاليا في جميع أنحاء العالم، بينما يجري الإعداد لأكثر من 170 مفاعلا من الجيل الجديد من المفاعلات المتقدمة، والتي يمكن أن تغير بشكل كبير من إجراءات السلامة والأداء في محطات الطاقة النووية.
ويقول الخبراء إن كثيرا من اليورانيوم عالي التخصيب والبلوتنيوم يبقى عرضة للسرقة في الآلاف من المواقع، بما في ذلك الجامعات والمستشفيات. وقالت لورا هولجيت، مدير إدارة أسلحة الدمار الشامل بمجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، إن 30 دولة تعهدت في قمة 2014 في لاهاي بتأمين تلك المواد، ما جعل من الصعب على الإرهابيين الحصول على تلك المواد والأسلحة النووية.
وأعرب عشرات من السياسيين السابقين والقادة العسكريين عن مخاوفهم من وقوع مواد نووية في أيدي الإرهابيين، ونشروا إعلانات في جرائد واسعة التوزيع مثل «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«وول ستريت»، يطالبون بها بخطوات فاعلة ضد احتمالات الإرهاب النووي وتسريع الجهود لمنع وقوع كارثة نووية وتأمين المواد والمنشئات النووية.
واشتمل الإعلان على أسماء مسؤولين وعسكريين بارزين، مثل الجنرال ديفيد بترايوس والجنرال مايك مولن، وجميس جونز، وجيمس ستافريديس وجيمس كارترايت، والأدميرال مايك مولن. ويثير الخبراء مخاوف بشأن المنشآت النووية في القطاع الخاص وبصفة خاصة المراكز الطبية ومراكز الأبحاث العلمية والجامعات والمحطات النووية للأغراض السلمية، وطالبوا بخطوات حاسمة لزيادة أعداد جنود الأمن المسلحين لحراسة محطات الطاقة النووية، ووضع قواعد صارمة للجامعات ومراكز الأبحاث التي تتعامل في أبحاثها مع المواد النووية والانشطارية، وأن يتم تخزين المواد المشعة في خزائن تحت الأرض بحيث لا يتم سرقتها بسهولة.
ويقول هوارد هول، أستاذ الأمن النووي في جامعة ولاية تنيسي، إن «الإرهابيين يبحثون عن المواد النووية في أماكن يسهل لسرقتها، مثل المستشفيات، وهو المكان الأكثر انفتاحا للجمهور. وحذر ماثيو بون من جامعة هارفارد أن تنظيم «داعش» قد يكون بالفعل على مقربة من تصنيع أسلحة نووية واستخدامها ضد أهداف غربية. وقال إن الهجمات الإرهابية المحتملة تشمل تفجير عبوة ناسفة أو تخريب منشاة نووية أو استخدام قنابل لنشر المواد المشعة. ويشير الأستاذ بجامعة هارفارد إن تكلفة مثل هذه الاحتمالات – إضافة إلى مقتل العشرات - من تكلفة اقتصادية وتأثيرات بيئية ستكون باهظة للغاية.
ووفقا لخبراء الأمن النووي، فإن هناك أربعة سيناريوهات لهجوم نووي محتمل. الأول هو محاولة سرقة سلاح نووي يعمل بالكامل من بلد مثل باكستان. والثاني هو سرقة اليورانيوم المخصب واستخدامه في جهاز نووي بدائي يمكن تحميله على شاحنة أو مركب من أي مكان بالعالم. والسيناريو الثالث هو استهداف وتفجير منشاة نووية قائمة بالفعل، مما يسبب الانهيار والتسرب الإشعاعي من تلك المنشاة.
أما السيناريو الرابع وهو السيناريو الأرجح وفقا للخبراء، فهو أن يقوم الإرهابيون بسرقة المواد المشعة من منشئات طبية ومراكز أبحاث أو قطاعات صناعية واستخدامها في صنع قنبلة قذرة.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.