مصر: مساجد تتجاهل قرارًا حكوميًا وتتلقى تبرعات وسط مخاوف من تمويل الإرهاب

يقع العشرات منها بمناطق تمركز «الإخوان».. ومصادر بالوزارة: مُراقبتها صعبة

لافتة للتبرع أمام أحد المساجد في حي عين شمس («الشرق الأوسط»)
لافتة للتبرع أمام أحد المساجد في حي عين شمس («الشرق الأوسط»)
TT

مصر: مساجد تتجاهل قرارًا حكوميًا وتتلقى تبرعات وسط مخاوف من تمويل الإرهاب

لافتة للتبرع أمام أحد المساجد في حي عين شمس («الشرق الأوسط»)
لافتة للتبرع أمام أحد المساجد في حي عين شمس («الشرق الأوسط»)

«ساهم معنا في أعمال توسعة المسجد».. «نتلقى تبرعاتكم للمساهمة في أعمال الخير».. «المسجد يحتاج دعمكم يا أهل الحي»، لافتات وملصقات أمام وعلى أعتاب مساجد في مصر تحمل عبارات إنسانية خاصة لحث المصريين على التبرع بأموالهم، في مُخالفة صريحة لقرار حكومي سابق يمنع جمع التبرعات نهائيا في المساجد، للتضييق على نشر الفكر المُتشدد والتطرف، ومنع استخدام أموال التبرعات في القيام بمظاهرات أو عمليات تخريبية.
وبينما أعرب مراقبون عن تخوفهم من استغلال هذه الأموال في تمويل العمليات الإرهابية التي تستهدف الأبرياء في القاهرة والمحافظات من قبل عناصر جماعة الإخوان الإرهابية خلال الفترة المقبلة، في ظل غياب الرقابة على هذه المساجد، التي تُعد مسؤولية وزارة الأوقاف، المسؤولة عن دور العبادة. كشفت مصادر في الأوقاف «عن عدم قدرة الوزارة في السيطرة على هذه المساجد التي تتواجد في أماكن تمركز عناصر الجماعة الإرهابية»، مؤكدة «وجود عشرات المساجد في أحياء مصرية تقوم بجمع التبرعات ولا تستطيع وزارة الأوقاف مراقبتها لقلة عدد المفتشين الذين يقومون بهذا الدور وهو مراقبة دور العبادة».. فضلا عن أن «دور إمام الأوقاف في بعض المساجد، حتى المنضمة تحت سيطرة الوزارة، هو إلقاء خطبة الجمعة فقط، أما ما يحدث في المسجد عقب الصلاة وعلى مدار الأسبوع فلا يعرف عنه أي شيء، وليس له علاقة به».
«الصناديق موجودة داخل وخارج المساجد، والتبرعات على أعين الجميع».. هكذا قال محمد توفيق من عين شمس (شرق القاهرة)، مضيفا: «لا يوجد أي مسؤول رسمي يمر على المساجد لمراقبتها.. وأن ادعاء الدولة المصرية إحكام سيطرتها على جميع المساجد غير صحيح»، مشيرا إلى أن «هناك مساجد تابعة لعناصر الإخوان والجهاديين المُتشددين فضلا عن الجماعة الإسلامية، تجمع تبرعات بشكل مُتكرر تحت مسميات مُختلفة، ولا أحد يعرف أين يتم توجيهها، خاصة في أيام الجمع عقب الخطبة».
«الشرق الأوسط» زارت «عين شمس» ورصدت بالصور لافتات على أبواب المساجد لجمع التبرعات. ويقول توفيق (45 عاما) إن «إدارة هذه المساجد لا تقوم بحملات التبرعات لمرة واحدة.. تقريبا كل شهرين وتدعي أنها لترميم المسجد، والمفروض أن هناك أموالا من الأوقاف لترميم وصيانة المساجد وأي أعمال أخرى بها؛ وعندما يتم فتح باب التبرعات لا نجد بأعيننا أي ترميمات تجرى في المسجد»، معربا عن تخوفه من أن تكون هذه الأموال يتم جمعها لأهداف ضد مصلحة الدولة، خاصة أن هناك منابر كثيرة ما زالت تتسم بالتشدد في خطابها الديني.. وهناك ندوات وأمسيات دينية ليلية لمشايخ متشددين عقب صلاة العصر والعشاء بالكثير من المساجد. وأعلنت وزارة الأوقاف في مارس (آذار) الماضي، سيطرة عناصر سلفية مُتشددة على 4 مساجد كبرى بمصر هي «قباء» و«التوحيد» بالهرم في الجيزة، و«التوحيد» بالمنصورة، ومسجد «طموه» الذي تسيطر عليه جماعة التبليغ والدعوة في الدقهلية.
وكانت وزارة الأوقاف قد أصدرت قرارا بمنع تحصيل أي أموال في صناديق التبرعات بالمساجد ووقف العمل به، بهدف حماية المساجد من استغلال هذه الأموال تحت أي مسمى من قبل أصحاب الفكر المُتشدد. وخاضت الأوقاف معارك لبسط سيطرتها على المساجد خاصة التابعة لتيار الإسلام السياسي، والتي أصبحت أرضا خصبة لدعاة التطرف منذ عزل محمد مرسي عن السلطة في يوليو (تموز) عام 2013.
ويُقدر عدد المساجد في مصر التي تتبع الأوقاف رسميا نحو 198 ألف مسجد في مختلف ربوع البلاد، فضلا عن مساجد وزوايا تابعة للجمعية الشرعية (التي تضم مشايخ وعناصر من التيار السلفي)، والجمعيات الخيرية (وتضم مشايخ غير رسميين ومتشددين)، والجماعة الإسلامية.
المراقبون أكدوا أن هذه المساجد والزوايا ويُقدر عددها بالمئات تابعة لجماعات تصف الحكومة بعضها بأنها تنظيمات إرهابية، ويسيطر عليها دعاة متشددون. لكن قياديا مسؤولا في الأوقاف، قال: إن «الوزارة تواصل إجراءاتها لضم باقي المساجد غير الخاضعة لها، وتعيين خطباء مشهود لهم بالوسطية والبعد عن الفكر المُتشدد»، مضيفا: «الوزارة تفرض سيطرتها على المساجد التابعة لجمعيات الإسلاميين المُجمدة أرصدتهم من قبل الحكومة، تنفيذا للحكم الصادر بحظر نشاطها ومصادرة ممتلكاتها، ومنعت أي جهة غير الأوقاف من جمع أموال التبرعات أو وضع صناديق داخل المساجد أو في محيطها».
وقدرت الأوقاف - بحسب مصادرها - إجمالي حصيلة صناديق النذور والتبرعات العام الماضي ما يقرب من نحو 20 مليون جنيه، موضحة أن «الوزارة لا تتلقى أموالا من المتبرعين في مساجدها عن طريق إدارة المسجد وليس عن طريق الصناديق، وتحصل الأوقاف على 20 في المائة من قيمة التبرع تنفق 10 في المائة منها للصيانة و7 في المائة لأوجه البر و3 في المائة لتطوير المسجد»، لافتة إلى أن هدف الوزارة من التشديد على عدم جمع التبرعات هو وقف تمويل الإرهاب، حيث إن الأهداف التي تسمح بها الوزارة هي أوجه البر في علاج المرضى وكفالة اليتيم.
المصادر نفسها في الأوقاف أكدت، أن كثيرا من الأموال التي يتحصل عليها أصحاب التيارات التي تدعي أنها دعوية، والتي كانت تأتي من خلال صناديق التبرعات بالمساجد، تم الاستعانة بها في أمور سياسية ضرت بمصلحة البلاد خلال السنوات الماضية عقب ثورة 30 يونيو قبل ثلاثة أعوام، بعد عزل الإخوان عن السلطة. وأضافت المصادر أن «بعض التبرعات التي كان يدعو البعض إليها انحرفت عن وظيفتها، وأن الكثير من التبرعات كانت تستخدم لأغراض سياسية ودعم فصيل سياسي معين باسم الدين وعلى حساب الدعوة»، لافتة إلى أنه لا بد أن تكون التبرعات خالصة لوجه الله، وأن تستخدم في أغراض مشروعة من أجل الدعوة والارتقاء برسالة المسجد، لا من أجل التخريب والعنف.
لكن المواطن المصري محمد توفيق، قال: إن «الانحراف في التبرعات وتوجيهها لأغراض غير دعوية كان خطأ، وكان ينبغي أن يكون هناك وقفة جادة وصارمة من أجل تصحيح ذلك، خلال الفترة الماضية»؛ لكن انشغال الحكومة بتغييرات الوزراء وبيان مجلس النواب خلال الفترة الماضية، جعل الأوقاف تبتعد عن المساجد ولا تراقبها خاصة في شرق القاهرة في مناطق نفوذ عناصر الإخوان في «المرج وعزبة النخل والمطرية وعين شمس والنعام»، مضيفا: «قد لا يكون هناك مظاهرات لعناصر الإخوان مثل الأشهر الماضية؛ لكن هناك أسر تابعة لعناصر الإخوان تحتاج لأموال وعناصر في السجون أيضا تحتاج من ينفق عليها لتظل تحرض ضد السلطات المصرية.. وهناك أفكار يمكن تغذيتها عن طريق التبرعات، للتخطيط للقيام بأي أعمال تضر البلاد خلال الفترة المقبلة، سواء شغب أو تخريب».
ويقول مراقبون «هناك أهداف خفية قد توجه لها أموال هذه المساجد، ليس دعم مسيرات الإخوان مثل ما كان يحدث في السابق»؛ لكنهم قالوا: إن «العنف ما زال موجودا في الشوارع وإن قل، فضلا عن وجود تنظيمات مُتشددة في شبه جزيرة سيناء كانت على علاقة طيبة بالإخوان الإرهابية، تُمارس العنف ضد الشرطة والجيش حتى الآن».
ويصل عدد مساجد الجمعية الشرعية إلى ما يقرب من نحو 6 آلاف مسجد وزاوية في مختلف قرى ونجوع مصر، فضلا عن مئات من مساجد الجمعيات الخيرية، وما زال يسيطر عليها دعاة غير رسميين في القاهرة والإسكندرية والجيزة والشرقية وكفر الشيخ، فضلا عن مساجد في الفيوم وبني سويف وأسيوط وقنا (جنوب مصر) ما زالت تابعة للجماعة الإسلامية.
ويقول المراقبون إن «الكثير من هذه المساجد سواء التابعة للجمعية الشرعية أو الجمعيات الخيرية، بها مراكز طبية ومستوصفات مُقامة بشكل غير قانوني، فضلا عن وجود مراكز لمنح دروس دينية وتعليمية للطلاب، غير مراقبة بالمرة من الدولة، ويسهل تغذية عقول الأطفال والشباب بالأفكار المُتشددة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم