فلسفة العلوم ومحدودية المنهج التجريبي

الاكتشافات المعاصرة تعيد الاعتبار للتجربة الذهنية والخيال المبدع

فلسفة العلوم ومحدودية المنهج التجريبي
TT

فلسفة العلوم ومحدودية المنهج التجريبي

فلسفة العلوم ومحدودية المنهج التجريبي

العلم لا يفكر في ذاته. هكذا قال هيدغر يوما، ما يعني أن الفلسفة تقوم بذلك. إن المبحث الذي يفكر في العلم من داخل الفلسفة، يسمى فلسفة العلوم (الإبستمولوجيا). وقد حاولت الإبستمولوجيا أن تفكر في تاريخ العلم والمعرفة العلمية. وكانت الغاية، نقد الأسس والمبادئ التي يقوم عليها العلم والمعرفة العلمية. بل نقد، كذلك، ادعاءاته، (اليقين - الحقيقة المطلقة – الثبات، وغيرها). وعلى الرغم من أن التفكير في تاريخ العلم حديث النشأة، فإننا نجد تفكيرا في شروط المعرفة العلمية حاضرا لدى الفلاسفة عبر تاريخ الفلسفة. فقد فكر أفلاطون في الأسس التي يمكن أن يقوم عليها العلم الرياضي في اليونان (الدوكسا أو الإيدوس). كما فكر أرسطو في ذلك أيضا. لكن التفكير في الأسس التي يمكن أن يقوم عليها العلم والمعرفة العلمية، يتغير من لحظة تاريخية إلى أخرى. فتفكير اليونان مختلف عن تفكير علماء العصر الحديث والمعاصر. فإذا كان بعض الفلاسفة قد أعلوا من قيمة العقل (النظرية)، على حساب الواقع (التجربة)، فإن البعض جمع ووفق بينهما، ورأى أنه لا معرفة من دون تجربة تحاور النظرية. فما النظرية وما التجربة؟ بعبارة أخرى، ما مصادر المعرفة العلمية لدى الإنسان؟ وكيف تمثل الفلاسفة والعلماء هذه المصادر عبر تاريخ الفكر البشري؟
يحدد لالاند في معجمه الفلسفي النظرية، بأنها إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ. وهي تتعارض مع الممارسة أو التجربة بمعناها النفعي المصلحي. أما التجربة في تعريفها المتداول، فإنها تحيل على الواقع المباشر الماثل أمام العين المجردة. وعند لالاند، هي المعرفة المباشرة والفورية التي نحرزها عن الوقائع والظواهر، من خلال احتكاكنا اليومي معها. وهي عكس التجريب، فهو الاستعمال المنهجي للعقل، ويقوم على إجراء سلسلة أو جملة من الاختبارات أو التجارب، من أجل إحداث تأثير في الواقع أو الظاهرة المدروسة، وغايته الكشف عن القوانين والمبادئ المتحكمة فيها. وهكذا، فإننا لا نهتم في العلم بالنظرية، أي الرؤية الساذجة والبسيطة والعفوية، بل باعتبارها بناء عقليا منهجيا ومنظما للواقع وللظواهر المدروسة، وللقوانين التي تحكمها في علاقتها بالتجربة. وهنا لا نتحدث عن التجربة العفوية والتلقائية، لأنها في العلم، لا تساهم في تطور المعرفة العلمية، ولا في إنتاجها. بل نتحدث عن التجربة المحدثة وفق منهج علمي يسمى التجريب.
إن الفكر الفلسفي والعلمي القديم لم يكن يعرف إلا شكلا واحدا من التجربة، هو التجربة الحسية الخام، المتمثلة في مجموع معطيات العالم التي تصدم حواس الإنسان، وتولّد لديه انطباعات مختلفة. وقد انقسم هؤلاء الفلاسفة، بخصوص أهمية التجربة في بناء المعرفة وفهم حقيقة العالم، إلى اتجاهين: أحدهما يمثله أفلاطون، والآخر يمثله أرسطو. بالنسبة لأفلاطون، ليس للتجربة الحسية أي دور أو أهمية في بناء المعرفة العلمية الحقيقية واليقينية حول موجودات العالم. بل على العكس من ذلك، المعرفة الحسية تمثل عائقا. على الفيلسوف - العالم التخلص منه إن هو أراد بلوغ الحقيقة واليقين، وتجاوز الآراء والظنون. فالتجربة الحسية، كما يصورها أفلاطون في أمثولة الكهف، هي بمثابة قيود وأغلال تعيق، وتحول دون إدراك المعقولات الثابتة والحقائق المفارقة، الموجودة في عالم المثل الذي توجد فيه المعرفة اليقينية والثابتة. فما يوجد في التجربة الحسية والعالم المحسوس، مجرد نسخ وظنون متغيرة. لذلك فبلوغ المعرفة اليقينية وبلوغ عالم المثل، لا يتطلب وساطة التجربة الحسية والحواس، بل يتطلب التحرر منها. في السياق نفسه، نجد أرسطو، وعلى نحو مغاير، يدافع عن دور التجربة في معرفة العالم، ويعتبر أنها تمثل نقطة انطلاق لا يمكن لأي معرفة علمية أن تتجاوزها. فحقيقة الموجودات المادية وإن كانت لا تكمن في المظاهر والأعراض التي ندركها بواسطة حواسنا، فهي لا توجد منفصلة عنها ومفارقة لها، وإنما كامنة خلفها ومحايثة لها، وتبعا لذلك فإن استقراء أعراض الموجودات وملاحظتها، يمثل، في رأي أرسطو، الخطوة الأولى والضرورية من أجل بناء أي معرفة حقيقية حول العالم وحول الموجودات التي يحتويها ويتألف منها.
في مقابل هذه التصورات، التي كانت تعطي القيمة للتجربة بمعناها الحسي الخام والتلقائي، سيعرف الفكر العلمي، منذ مطلع القرن السادس عشر، شكلا آخر من التجربة، هو التجربة المبنية والمشيدة والموجهة بمقتضيات نظرية محددة سلفا، التي ستسمى التجربة العلمية. فأمام الانتقادات والمراجعات التي تعرض لها العلم الأرسطي، منذ بيكون وتيكوبراهي وغاليليو وغيرهم، كان لزاما على العلماء التفكير في المنهج الذي يمكنهم من بلوغ المعرفة والحقيقة. وهو ما أفضى إلى ظهور ما يعرف بالمنهج التجريبي، القائم على الملاحظة الموجهة والمبنية. فالعالم لم يعد يلاحظ (التجربة - الواقع) أولا، ثم يفكر ثانيا (النظرية - العقل)، كما كان الأمر مع أرسطو. وإنما العكس، أصبح العالم يحدد لنفسه مشكلة، وفي ضوئها يتجه إلى الواقع لملاحظته، حيث لا يلاحظ أي شيء وكيفما اتفق، وإنما يلاحظ فقط، ما يفيده في الجواب عن ذلك المشكل الذي بناه بفكره. فمثلا، ظل العلماء على مر الزمان، يراقبون السماء ويلاحظون ما يجري فيها، لكن وحده تكوبراهي من لاحظ تكون نجم جديد في السماء، وأن بعض المذنبات تصعد حتى تقترب من الشمس ثم تعود لتقترب من الأرض، وسبب ذلك ليس تطور الأدوات التي كان يستخدمها، وإنما كون ملاحظاته كانت موجهة بمشكلات نظرية محددة، وهي: هل عالم ما فوق القمر يطاله الكون والفساد، أم أنه كما اعتقد أرسطو ثابت لا تغير فيه؟ فوجود مثل هذه التساؤلات في ذهن العالم، هو الذي جعله يدرك، بملاحظته للسماء، أن المذنبات تخترق في مسارها السماء، وأن هناك عالم ما فوق القمر، نجوم جديدة تتكون وأخرى قديمة تختفي، وما ينطبق على عالم ما فوق القمر، ينطبق على أي عالم آخر. فمن دون تساؤلات يحملها العالم في ذهنه، ومن دون خطة مسبقة توجه الملاحظة، لا يمكن لأي ملاحظة أن تكون منتجة وعلمية.
وهكذا أضحى التجريب، عبارة عن جملة من الإجراءات المختبرية المحددة أدواتها وخطواتها مسبقا. إنها عبارة عن عمليات مقصودة ينجزها العالم نفسه، بناء على المعطيات النظرية التي يريد فحصها، واعتمادا على وسائل وتقنيات هي نفسها نتاج وحصيلة لنظريات معينة سابقة. وتبعا لهذا، فالتجربة بمفهومها العلمي الحديث، عبارة عن استنطاق ومساءلة للواقع وليست مجرد إنصات وملاحظة عمياء. فمثلا كلود برنار، أكد في كتابه «مدخل لدراسة الطب التجريبي»، على أن معرفة قوانين الطبيعة وبلوغ المعرفة العلمية، يقتضيان من الباحث، ملاحظة الظاهرة بشكل منظم ودقيق. وانطلاقا من ملاحظتها، يصوغ مجموعة من الفرضيات التي تظل مجرد احتمالات، قد تكون صادقة أو كاذبة. ومن أجل التأكد منها، يلجأ إلى اختبارها، ما يتيح له في النهاية، القبض على الفرضية الصحيحة التي يؤسس عليها قانونا مفسرا للظاهرة بشكل عام. من هنا، يتضح لنا أن قيمة هذا المنهج، تكمن في كونه لا يدع فرصة للباحث كي يلقي بميوله وذاتيته على الظواهر التي يدرسها. بل كل خطوات المنهج، تكون خاضعة لتنظيم قبلي يضعه وينتجه العالم من أجل تفادي أي معارف تلقائية أو ظنون. بل يتم الاحتكام إلى التجربة العلمية المبنية، فما أكدته يعتبر علميا وما فندته يتم التخلي عنه.
إن التجريب العلمي، باعتباره مساءلة منهجية للواقع، ساهم في تطور العلم وتقدمه، عكس التجربة العفوية والتلقائية والحسية. وهكذا أصبح العالم كما يقول كانط في كتابه «نقد العقل الخالص»: «يواجه الطبيعة وهو يحمل مبادئه التي هي وحدها قادرة على أن تمنح الظواهر المتطابقة قوانين صارمة، ويحمل من جهة ثانية التجريب الذي تخيل صورته وفقا لهذه المبادئ. إذ عليه أن يواجه الطبيعة لكي يتعلم منها، ولكن ليس بوصفه تلميذا يتقبل كل ما يريده المعلم، بل بوصفه قاضيا يحث الشهود على الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها عليهم». وفي ظل التحولات التي عرفها العلم المعاصر، وظهور معطيات جديدة، حيث انتقلنا من الماكروفيزياء إلى الميكروفيزياء، مع اكتشاف الجراثيم، والباكتيريات، واكتشاف الإلكترونات والفوتونات التي لا نملك التقنيات والوسائل للكشف عنها، لكن العالم يقر بوجودها، لذلك لم يعد التجريب كافيا للتحقق من صحة فرضية ما، بل أصبح بإمكان العلماء أن يلجأوا إلى الاعتماد على الخيال للقيام بتجارب ذهنية، ولقد سبق أن وجه روني طوم نقدا لاذعا للقائلين بإطلاقية المنهج التجريبي وصلاحيته اللامتناهية، وبإمكانية شموليته لجميع الظواهر، كما ذهب إلى ذلك فرنسيس بيكون، وهو ما اعتبره روني طوم مجرد وهم، لذلك أكد طوم على أن التجربة لا تكون علمية إلا إذا كنا قادرين على إعادة صنعها في مكان وزمان آخرين. كما يربط عملية التجربة العلمية بالأهداف النفعية التي تسعى لتحقيقها. وفي هذا السياق، يؤكد روني طوم على محدودية الواقع في قوله: «إن التجريب وحده عاجز عن اكتشاف سبب أو أسباب ظاهرة ما، ففي جميع الأحوال ينبغي إكمال الواقعي بالخيالي، هذه القفزة نحو الخيالي هي أساسا عملية ذهنية، أو تجربة ذهنية، ولا يمكن لأي جهاز علمي أن يعوضها».
نخلص إلى أن فلسفة العلوم، على وعي تام اليوم بالتحولات الكبرى التي يعرفها العلم، والتي تطورت معها آليات اشتغاله وإنتاجه معارفه العلمية حول الظواهر التي يدرسها. فإذا كانت المعارف العلمية على العموم، هي نتاج حوار مستمر بين النظرية والتجربة، فإن التجربة التي تحدثنا عنها، والتي ساهمت في تطور العلم ليست التجربة الحسية، بل التجريب العلمي باعتباره مساءلة منهجية للواقع. فلم يعد العالم يتعامل مع الواقع بعفوية، بل انطلاقا من تفكير نظري. فإذا كانت التجربة هي معطى خام قائم بذاته في الواقع، وسابق على كل تفكير نظري، فإن التجريب هو عبارة عن فعل وإنجاز يقوم بهما العالم نفسه بناء على معارف يمتلكها سلفا، وقد يتدخل فيها الخيال، لأن التطور المعاصر والاكتشافات العلمية المعاصرة للجزيئات الذرية وللإلكترون الذي يحوم حول النواة وغيرها من الاكتشافات، أثبتت محدودية المنهج التجريبي، وأعادت الاعتبار للتجربة الذهنية التي تقوم على الخيال الخلاق والمبدع كما يقول آينشتاين.

* أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي



الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي
TT

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

تصدر قريباً الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي كمال سبتي (1955 - 2006)، أحد أهم شعراء ما عُرف بجيل السبعينات في العراق. متضمنة ثمانية دواوين، مستهلةً بديوان «وردة البحر ـ 1980»، ومختتمةً بـ«صبراً قالت الطبائع الأربع ـ 2006». هنا نص مقدمة هذه الأعمال التي ستصدر عن «دار جبرا للنشر والتوزيع ـ الأردن»، وبالتعاون مع «دار النخبة للتأليف والترجمة والنشر - لبنان».

وقد كتب مقدمة المجموعة الكاملة الشاعر العراقي باسم المرعبي، التي جاءت بعنوان «كمال سبتي... المرافعة عن الشعر» ويقول فيها:

«يحتاج شعر كمال سبتي، بالمجمل، إلى جَلَد عند قراءته، فهو على نقيض الكثير مما هو شائع من تقنيات شعرية تعتمد البساطة والعفوية والمباشرة، مع عدم تسفيه هذه النزعات الأسلوبية، طالما أن الشعر كقيمة وجوهر يبقى مُصاناً، غير منتهَك به. على أنّ إشاحة الشاعر عن مثل هذا الاتجاه ومخالفته، لم يجعل شعره غامضاً أو عصيّاً.

شعر مثقل بالمعنى ومزدحم به، لأنه ذو مهمة توصيلية، وهو يتطلب إصغاءً وإعمال فكر. والقصيدة لدى كمال معمار ذهني - فكري ونفسي، في الآن ذاته، يستمدّ فيها الشاعر مادته من مغاور النفس والسيرة الشخصية، فضلاً عن استثمار راهن التجربة الحياتية، مشظّياً كلّ ذلك في النص، صراحةً أو رمزاً. دون أن يستثني مادة الحلم من استثماره الفني والموضوعي، وهو ما يُتبيَّن أثره في نصوصه، لا سيّما النصوص النثرية الطويلة، المتأخرة، ليتصادى ذلك مع قراءات الشاعر في الرواية أو اعتماده السينما مصدراً مفعّلاً في كتابته الشعرية. وعن هذه الأخيرة قد أشار إلى ذلك الشاعر نفسه في واحد من الحوارات التي أُجريت معه، ليرقى كلّ ذلك إلى أن يكون جزءاً عضوياً من تجربته الحياتية، الذهنية هذه المرة، مُسقَطة بالمحصلة على القصيدة، لتنعكس خلالها حركةً وتوتراً درامياً. وهو ما ينسحب بالقدر ذاته على نزوع الشاعر في سنواته الأخيرة إلى قراءات في التصوف والقرآن والتراث، ما نجمَ أثره بشكل جلي، في مجموعته الأخيرة «صبراً قالت الطبائع الأربع»، وإلى حد ما في المجموعة السابقة لها. وهو فارق يلمسه القارئ، إجمالاً، بين المنحى الذي اتخذه شعر كمال سبتي في السبعينات أو الثمانينات وما صار إليه في التسعينات وما بعدها. وعلى الرغم مما ذهب إليه الشاعر من مدى أقصى في التجريب الكتابي مسنوداً برؤية يميزها قلق إبداعي، شأن كلّ شاعر مجدّد، إلا أنه وبدافع من القلق ذاته عاد إلى القصيدة الموزونة، كما تجسد في كتابيه الأخيرين. وكان لقراءاته المذكورة آنفاً، دورها في بسط المناخ الملائم لانتعاش هذه القصيدة، ثانيةً، وقد بدت محافظة في شكلها، لكن بالاحتفاظ بقدر عال ورفيع من الشعرية المتينة، المعهودة في شعر كمال سبتي، وبدافع من روح المعنى الذي بقي مهيمناً حتى السطر الأخير، لأن الشعر لديه مأخوذ بجدية حدّ القداسة، وهو قضية في ذاتها، قضية رافع عنها الشاعر طوال حياته بدم القلب.

تصدر هذه الأعمال في غياب شاعرها، وهو ما يجعل من حدث كهذا مثلوماً، إذ عُرف عن كمال اهتمامه المفرط بنتاجه وتدقيقه ومتابعته، واحتفائه به قبل النشر وبعده، لأن الشعر كان كل حياته، هذه الحياة التي عاشها شعراً. فكم كان مبهجاً، لو أن مجموع أعماله هذا قد صدر تحت ناظريه.

ولأهمية هذه الأعمال وضروة أن لا تبقى رهينة التفرّق والغياب، أي في طبعاتها الأولى المتباعدة، غير المتاحة للتداول إلّا فيما ندر، ولأهمية أن تأخذ مكانها في مكتبة الشعر، عراقياً وعربياً، كانت هذه الخطوة في جمعها ومراجعتها وتقديمها للنشر. وقد كان لوفاء الصديق، الفنان المسرحي رياض سبتي، لشقيقه وتراثه الشعري، دوره الحاسم في حفظ مجموعات الشاعر، ومن ثمّ إتاحتها لكاتب سطور هذه المقدمة، حين تم طرح فكرة طباعتها ونشرها، إسهاماً في صون هذا الشعر وجعله قابلاً للانتشار من جديد، بما يجدر به».

من المجموعة الكاملة:

«الشاعر في التاريخ»

الرجل الجالسُ في المكتبة

مورّخٌ يكتبُ عن شاعرٍ

الرجل الهاربُ في سيرةٍ

مشرّدٌ في الليل كالليلِ

رغيفهُ باردْ

رغيفهُ واحدْ

عنوانه مصطبة

محطّةٌ مغلقةُ البابِ

الرجلُ الخائفُ في سيرةٍ

يغيّر الشكلَ تباعاً، فمرّةً

بلحية كثةٍ

ومرّةً بشاربٍ، ثمّ مرّةْ

بنصفِ قلبٍ حائرٍ في الطريقْ

يسيرُ فوقَ جمرةٍ، ثمّ جمرةْ

تلقيه فوقَ جمرةٍ، في الطريقْ.