{أوكسفام}: البلدان الغنية وطنت 1.39 % فقط من السوريين

المنظمة الخيرية انتقدت استخدام إعادة التوطين كورقة مساومة في الاتفاقيات السياسية

مهاجرون ولاجئون يصعدون إلى قارب سواحل يوناني في ميناء ميتليني بجزيرة ليسبوس أمس بعد أن تم إنقاذهم (أ.ف.ب)
مهاجرون ولاجئون يصعدون إلى قارب سواحل يوناني في ميناء ميتليني بجزيرة ليسبوس أمس بعد أن تم إنقاذهم (أ.ف.ب)
TT

{أوكسفام}: البلدان الغنية وطنت 1.39 % فقط من السوريين

مهاجرون ولاجئون يصعدون إلى قارب سواحل يوناني في ميناء ميتليني بجزيرة ليسبوس أمس بعد أن تم إنقاذهم (أ.ف.ب)
مهاجرون ولاجئون يصعدون إلى قارب سواحل يوناني في ميناء ميتليني بجزيرة ليسبوس أمس بعد أن تم إنقاذهم (أ.ف.ب)

أكدت منظمة أوكسفام البريطانية غير الحكومية في تقرير لها صدر أمس، أن الدول الغنية لم «تعد توطين» سوى 1.39 في المائة من نحو خمسة ملايين لاجئ سوري، وهي نسبة أدنى بكثير من العشرة في المائة من عدد الناس الذين هم بحاجة ماسة إلى مكان آمن، داعية إلى زيادة هذه النسبة وتقاسم عبء هؤلاء المهاجرين.
وأكدت أوكسفام أنها «تحث هذه الدول على مضاعفة جهودها من أجل تقديم حصتها العادلة من الدعم لمئات الآلاف من اللاجئين» الفارين من سوريا. وقالت إنه «مع دخول هذه الأزمة الرهيبة سنتها السادسة، تجاوز عدد اللاجئين السوريين 4.8 مليون يتوزعون على تركيا ولبنان والأردن وغيرها من دول الجوار».
ونشرت المنظمة التي تعمل في المجال الإنساني تقريرها قبل انعقاد مؤتمر دولي ينطلق اليوم، برعاية الأمم المتحدة في جنيف، سيطلب خلاله من الدول توفير أماكن لاستقبال اللاجئين السوريين.
وطالبت المنظمة الدول الغنية بمضاعفة جهودها لاستقبال عشرة في المائة على الأقل من اللاجئين السوريين المسجلين في الدول المجاورة لسوريا. وقالت إنها «تدعو إلى إعادة التوطين والأشكال الأخرى من القبول الإنساني في الدول الغنية لعشرة في المائة من اللاجئين المسجلين بحلول نهاية عام 2016 أي ما يقرب من 480 ألف شخص».
وأضافت المنظمة من خلال تقريرها الذي نشرته وكالة الصحافة الفرنسية، أن «الدول الغنية استجابت للأزمة من خلال تقديم التمويل للمساعدات الإنسانية وتوفير إعادة التوطين ولكن بصورة غير كافية».
وانتقدت المنظمة «بعض المحاولات لاستخدام إعادة التوطين كورقة مساومة في الاتفاقيات السياسية، كما هو الحال في الاتفاق الأخير بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والتي تثير الريبة وتطرح تساؤلات سياسية وأخلاقية ولا شك قانونية أيضا». ومع دخول النزاع عامه السادس، لا تزال غالبية هؤلاء اللاجئين في الدولة المجاورة لسوريا، أي تركيا ولبنان والأردن والعراق.
ومع تصاعد النزاع وتدهور الأوضاع في هذه البلدان، بات السوريون يتطلعون إلى أوروبا حيث يشكلون غالبية من أكثر من مليون لاجئ جازفوا بحياتهم لعبور المتوسط العام الماضي. وهم يشكلون أيضا جزءا كبيرا من أكثر من 7500 شخص بينهم أطفال، لقوا حتفهم خلال عمليات العبور هذه منذ 2014.
ويهدف المؤتمر الذي سيفتتحه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى «تقاسم المسؤولية العالمية» المرتبطة بأزمة اللاجئين التي نجمت عن النزاع الدائر في سوريا الذي أسفر عن سقوط أكثر من 270 ألف قتيل.
وقال تقرير أوكسفام: «حتى الآن كان الرد على الدعوات لإعادة توطين عدد أكبر من اللاجئين الضعفاء، مخيبا للآمال، والمؤتمر يشكل فرصة للدول لتغيير هذا الوضع».
وأضافت أن «ثلاث دول فقط هي كندا وألمانيا والنرويج تجاوزت حصتها العادلة من إعادة التوطين، والتي تحتسب على قدر حجم اقتصاد كل الدولة، بينما قدمت خمس دول هي أستراليا وفنلندا وآيسلندا والسويد ونيوزيلندا، أكثر من نصف حصتها».
وتابعت أن «باقي الدول العشرين الواردة في التحليل ما زال عليها أن تظهر المزيد من الإرادة في فتح طرق آمنة وشرعية للاجئين الفارّين من النزاع في سوريا، وذلك من خلال زيادة حصصها من إعادة التوطين لتصل إلى مستويات أكثر عدلاً».
وذكرت «على سبيل المثل فرنسا التي لم تقم بتغطية سوى 4 في المائة وهولندا والولايات المتحدة 7 في المائة والدنمارك 15 في المائة والمملكة المتحدة 22 في المائة فقط من حصصها العادلة».
وقالت ويني بيانييما المديرة التنفيذية لأوكسفام الدولية: «علينا أن نظهر للسوريين تضامننا معهم بالأفعال وليس بالأقوال الجوفاء». وأضافت «يمكن أن تعيد الدول التي تتمتع باقتصادات قوية وخدمات جيدة وبنى تحتية متطورة توطين نصف مليون لاجئ فورا إذا ما أرادت فعلاً، أي ما يعادل أقل من تعداد سكان مدينة واشنطن».
وتابعت أن «بعض الدول تخطت حصصها العادلة أو وصلت إليها وعلى الدول الأخرى أن تتبع مثلها»، مشيرة إلى أن «عدد اللاجئين في لبنان يبلغ خمس التعداد السكاني، فيما يشكلون 10 في المائة من السكان في الأردن، حيث يمثّل مخيّم الزعتري رابع أكبر المدن».
وأوضحت بيانييما أن «هذه الدول تعاني من اقتصادات هشة وبنى تحتية ضعيفة، ولم يعد بإمكانها عمليا تحمل هذه المسؤولية وحدها». وأكدت أن «اجتماع جنيف يجب أن ينتج عنه حلول فورية توفر للسوريين طرقا آمنة وشرعية لاستقبالهم في دول أخرى».



​أوروبا تحبس أنفاسها على أعتاب ولاية ترمب الثانية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
TT

​أوروبا تحبس أنفاسها على أعتاب ولاية ترمب الثانية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)

العالم الذي يبدأ فيه دونالد ترمب ولايته الثانية رئيساً للولايات المتحدة، لا يشبه كثيراً العالم الذي فاز فيه برئاسته الأولى عام 2016. في أوروبا تخوض روسيا حرباً ضروساً ضد أوكرانيا منذ ثلاث سنوات، والاتحاد الأوروبي ما زال يتردد في وضع الركائز الأساسية لاستراتيجية دفاعية موحدة تحجز له مقعداً في الصف الأمامي من المشهد الجيوسياسي الجديد، فيما تقضّ تصريحات ترمب المتعاقبة وتهديداته مضاجع المسؤولين في باريس وبرلين وبروكسل، وتطرب لها آذان القيادات الحاكمة في روما وبودابست ومن لفّ لفيفها من القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تتطلع إلى «عصر ذهبي» تتفتح براعمه خلال الحقبة الترمبية الثانية.

لم تعد المؤسسات الأوروبية الكبرى تخفي قلقها من تداعيات الرياح الأميركية الجديدة، التي بدأت تهب على العالم حتى قبل جلوس ترمب في المكتب البيضوي، وها هو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يعلن قُبيل سفره إلى واشنطن لحضور حفل التنصيب، أن ولاية ترمب الثانية ستطلق أجنحة اليمين الأوروبي الجديد، ويبشّر أوربان بحقبة ذهبية في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ويقول: «أعلن انطلاق المرحلة الثانية من الهجوم الكبير الذي يهدف إلى احتلال أوروبا».

أميركي يعتمر قبعة عليها صورة ترمب بواشنطن الاثنين (رويترز)

وخلافاً لما كان عليه الوضع إبّان ولايته الأولى، حين كانت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا مجرد مشاريع هامشية في المشهد السياسي، أصبح حلفاء ترمب الأوروبيون اليوم على جانب من النفوذ، في الحكم وخارجه، وعلى تناغم تام مع أفكاره ومواقفه الراديكالية حول الهجرة والبيئة والقضايا الاجتماعية، ويشاطرون رؤيته الجيوسياسية لعالم تقوم فيه التحالفات على المصالح التجارية وليس على الأفكار والمعتقدات السياسية. ولم يعد سراً أن المخاوف الأوروبية الكبرى ليست مقصورة على التدابير التجارية المزمعة للرئيس الأميركي الجديد، بل إن أخطرها قد يأتي من «وصفته» لإنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا، ومن مصير العباءة الدفاعية التي يؤمنها الحلف الأطلسي للدول الأوروبية.

العهد الأميركي الجديد يعرف أن «أحصنة طروادة» التي تفاخر بنصرته في أوروبا لم تعد تلك الأحزاب المنبوذة، التي فرضت عليها القوى التقليدية حجراً صحياً منذ عقود، ومنعت وصولها إلى مواقع القرار والسلطة، بل أصبحت في مراكز الحكم وتتوثّب اليوم، مدعومة بسخاء من الأوليغارشية الرقمية، لتوسيع دائرة شعبيتها ونفوذها المباشر بعد أن صارت تشكّل الكتلة الثالثة في البرلمان الأوروبي.

اجتماع سابق لترمب مع قادة «الناتو» في بروكسل (أرشيفية - رويترز)

وهي لم تنم فحسب على الصعيد الانتخابي، في ألمانيا وفرنسا والنمسا وإيطاليا وإسبانيا ورومانيا، بل إن أفكارها وطروحاتها أصبحت تلقى تجاوباً واسعاً في أوساط الرأي العام، وتكاد تتطابق مع تلك التي يطلقها ترمب مثلاً حول الهجرة، أو حول الحرب في أوكرانيا. فكرة الجدار لمنع دخول المهاجرين مثلاً كانت مرفوضة على امتداد المشهد السياسي والاجتماعي في أوروبا، أما اليوم فإن عدداً من الدول الأوروبية يدرس سياسات لمنع الهجرة غير الشرعية التي لا تقلّ راديكالية عن فكرة الجدار.

الانتخابات الأوروبية، التي أجريت مطالع الصيف الماضي أظهرت مدى صعود الموجة اليمينية المتطرفة، وزعزعت أركان الحكم في فرنسا وألمانيا، وأثمرت البرلمان الأوروبي الأكثر جنوحاً نحو اليمين منذ تأسيسه. لكن ذلك لم يكن سوى انعكاس مباشر لواقع ملموس منذ سنوات في الدول الأعضاء، وأصبح اليمين المتطرف اليوم طرفاً في ائتلافات حاكمة، أو طرفاً أساسياً داعماً لها، في إيطاليا والسويد وفنلندا والجمهورية التشيكية وهولندا والمجر وكرواتيا، وهو يتفاوض حالياً للوصول إلى الحكم في النمسا، فضلاً عن أن القوى اليمينية المتطرفة تتطلع إلى زيادة شعبيتها ونفوذها في الانتخابات الألمانية أواخر الشهر المقبل، والرومانية في الربيع، والتشيكية في خريف العام الحالي.

دونالد ترمب يتحدث إلى جانب فلاديمير بوتين خلال لقاء جمعهما في اليابان 28 يونيو 2019 (أرشيفية - رويترز)

تكفي نظرة سريعة على قائمة المدعوين الأوروبيين إلى حفل التنصيب في واشنطن، لنتبيّن حجم «جبهة الإسناد» الأوروبية لترمب داخل الاتحاد الأوروبي: من الإيطالية جورجيا ميلوني إلى المجري فيكتور أوربان، ومن الإسباني سانتياغو أباسكال، إلى تينو شروبالا من «البديل من أجل ألمانيا»، ومن الفرنسي إريك زمور إلى البرتغالي أندريه فينتورا. ميلوني هي الوحيدة بين قادة الاتحاد التي قررت حضور حفل التنصيب، فاتحة بذلك ثغرة جديدة مع شركائها الأوروبيين، يرجح أن تتعمق أكثر في الأشهر المقبلة. لكن الأخطر من ذلك هو أن عودة ترمب تمنح هذه الأحزاب جواز عبور إلى المشهد السياسي الطبيعي في أوروبا، وتتيح للإدارة الجديدة التأثير المباشر في السياسات الأوروبية، والقدرة على زرع الشقاق لفتح الطريق أمام سياساتها التجارية والتكنولوجية، خاصة بعد دخول اصطفاف الشركات التكنولوجية الضخمة إلى جانب الرئيس الأميركي الجديد، ومساعيها المعروفة للالتفاف على القواعد الأوروبية.

ترمب من جهته أوضح غير مرة أنه يريد تصحيح الخلل في الميزان التجاري مع أوروبا، عن طريق رفع الرسوم الجمركية، وزيادة الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة، فضلاً عن مطالبته برفع نسبة مساهمات الأعضاء الأوروبيين في ميزانية الحلف الأطلسي، وزيادة مشاركتهم في جهود إعمار أوكرانيا. لكن الهاجس الأوروبي الأكبر يبقى في الحفاظ على وحدة الصف والموقف أمام الضغوط والتهديدات الأميركية.