​أوروبا تحبس أنفاسها على أعتاب ولاية ترمب الثانية

«جبهة إسناد» قوية من اليمين المتطرف للرئيس الأميركي الجديد

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
TT

​أوروبا تحبس أنفاسها على أعتاب ولاية ترمب الثانية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)

العالم الذي يبدأ فيه دونالد ترمب ولايته الثانية رئيساً للولايات المتحدة، لا يشبه كثيراً العالم الذي فاز فيه برئاسته الأولى عام 2016. في أوروبا تخوض روسيا حرباً ضروساً ضد أوكرانيا منذ ثلاث سنوات، والاتحاد الأوروبي ما زال يتردد في وضع الركائز الأساسية لاستراتيجية دفاعية موحدة تحجز له مقعداً في الصف الأمامي من المشهد الجيوسياسي الجديد، فيما تقضّ تصريحات ترمب المتعاقبة وتهديداته مضاجع المسؤولين في باريس وبرلين وبروكسل، وتطرب لها آذان القيادات الحاكمة في روما وبودابست ومن لفّ لفيفها من القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة، التي تتطلع إلى «عصر ذهبي» تتفتح براعمه خلال الحقبة الترمبية الثانية.

لم تعد المؤسسات الأوروبية الكبرى تخفي قلقها من تداعيات الرياح الأميركية الجديدة، التي بدأت تهب على العالم حتى قبل جلوس ترمب في المكتب البيضوي، وها هو رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يعلن قُبيل سفره إلى واشنطن لحضور حفل التنصيب، أن ولاية ترمب الثانية ستطلق أجنحة اليمين الأوروبي الجديد، ويبشّر أوربان بحقبة ذهبية في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ويقول: «أعلن انطلاق المرحلة الثانية من الهجوم الكبير الذي يهدف إلى احتلال أوروبا».

أميركي يعتمر قبعة عليها صورة ترمب بواشنطن الاثنين (رويترز)

وخلافاً لما كان عليه الوضع إبّان ولايته الأولى، حين كانت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا مجرد مشاريع هامشية في المشهد السياسي، أصبح حلفاء ترمب الأوروبيون اليوم على جانب من النفوذ، في الحكم وخارجه، وعلى تناغم تام مع أفكاره ومواقفه الراديكالية حول الهجرة والبيئة والقضايا الاجتماعية، ويشاطرون رؤيته الجيوسياسية لعالم تقوم فيه التحالفات على المصالح التجارية وليس على الأفكار والمعتقدات السياسية. ولم يعد سراً أن المخاوف الأوروبية الكبرى ليست مقصورة على التدابير التجارية المزمعة للرئيس الأميركي الجديد، بل إن أخطرها قد يأتي من «وصفته» لإنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا، ومن مصير العباءة الدفاعية التي يؤمنها الحلف الأطلسي للدول الأوروبية.

العهد الأميركي الجديد يعرف أن «أحصنة طروادة» التي تفاخر بنصرته في أوروبا لم تعد تلك الأحزاب المنبوذة، التي فرضت عليها القوى التقليدية حجراً صحياً منذ عقود، ومنعت وصولها إلى مواقع القرار والسلطة، بل أصبحت في مراكز الحكم وتتوثّب اليوم، مدعومة بسخاء من الأوليغارشية الرقمية، لتوسيع دائرة شعبيتها ونفوذها المباشر بعد أن صارت تشكّل الكتلة الثالثة في البرلمان الأوروبي.

اجتماع سابق لترمب مع قادة «الناتو» في بروكسل (أرشيفية - رويترز)

وهي لم تنم فحسب على الصعيد الانتخابي، في ألمانيا وفرنسا والنمسا وإيطاليا وإسبانيا ورومانيا، بل إن أفكارها وطروحاتها أصبحت تلقى تجاوباً واسعاً في أوساط الرأي العام، وتكاد تتطابق مع تلك التي يطلقها ترمب مثلاً حول الهجرة، أو حول الحرب في أوكرانيا. فكرة الجدار لمنع دخول المهاجرين مثلاً كانت مرفوضة على امتداد المشهد السياسي والاجتماعي في أوروبا، أما اليوم فإن عدداً من الدول الأوروبية يدرس سياسات لمنع الهجرة غير الشرعية التي لا تقلّ راديكالية عن فكرة الجدار.

الانتخابات الأوروبية، التي أجريت مطالع الصيف الماضي أظهرت مدى صعود الموجة اليمينية المتطرفة، وزعزعت أركان الحكم في فرنسا وألمانيا، وأثمرت البرلمان الأوروبي الأكثر جنوحاً نحو اليمين منذ تأسيسه. لكن ذلك لم يكن سوى انعكاس مباشر لواقع ملموس منذ سنوات في الدول الأعضاء، وأصبح اليمين المتطرف اليوم طرفاً في ائتلافات حاكمة، أو طرفاً أساسياً داعماً لها، في إيطاليا والسويد وفنلندا والجمهورية التشيكية وهولندا والمجر وكرواتيا، وهو يتفاوض حالياً للوصول إلى الحكم في النمسا، فضلاً عن أن القوى اليمينية المتطرفة تتطلع إلى زيادة شعبيتها ونفوذها في الانتخابات الألمانية أواخر الشهر المقبل، والرومانية في الربيع، والتشيكية في خريف العام الحالي.

دونالد ترمب يتحدث إلى جانب فلاديمير بوتين خلال لقاء جمعهما في اليابان 28 يونيو 2019 (أرشيفية - رويترز)

تكفي نظرة سريعة على قائمة المدعوين الأوروبيين إلى حفل التنصيب في واشنطن، لنتبيّن حجم «جبهة الإسناد» الأوروبية لترمب داخل الاتحاد الأوروبي: من الإيطالية جورجيا ميلوني إلى المجري فيكتور أوربان، ومن الإسباني سانتياغو أباسكال، إلى تينو شروبالا من «البديل من أجل ألمانيا»، ومن الفرنسي إريك زمور إلى البرتغالي أندريه فينتورا. ميلوني هي الوحيدة بين قادة الاتحاد التي قررت حضور حفل التنصيب، فاتحة بذلك ثغرة جديدة مع شركائها الأوروبيين، يرجح أن تتعمق أكثر في الأشهر المقبلة. لكن الأخطر من ذلك هو أن عودة ترمب تمنح هذه الأحزاب جواز عبور إلى المشهد السياسي الطبيعي في أوروبا، وتتيح للإدارة الجديدة التأثير المباشر في السياسات الأوروبية، والقدرة على زرع الشقاق لفتح الطريق أمام سياساتها التجارية والتكنولوجية، خاصة بعد دخول اصطفاف الشركات التكنولوجية الضخمة إلى جانب الرئيس الأميركي الجديد، ومساعيها المعروفة للالتفاف على القواعد الأوروبية.

ترمب من جهته أوضح غير مرة أنه يريد تصحيح الخلل في الميزان التجاري مع أوروبا، عن طريق رفع الرسوم الجمركية، وزيادة الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة، فضلاً عن مطالبته برفع نسبة مساهمات الأعضاء الأوروبيين في ميزانية الحلف الأطلسي، وزيادة مشاركتهم في جهود إعمار أوكرانيا. لكن الهاجس الأوروبي الأكبر يبقى في الحفاظ على وحدة الصف والموقف أمام الضغوط والتهديدات الأميركية.


مقالات ذات صلة

أوروبا: لا سلام عادلا ومستداما في أوكرانيا من دون مشاركتنا

أوروبا وزراء خارجية ست دول أوروبية وأوكرانيا خلال اجتماعهم في باريس (رويترز)

أوروبا: لا سلام عادلا ومستداما في أوكرانيا من دون مشاركتنا

أكّد وزراء خارجية ست دول أوروبية وأوكرانيا خلال اجتماع في باريس ليل الأربعاء أنّ أوروبا وكييف ينبغي أن «تشاركا في أيّ مفاوضات» لوقف الحرب بين موسكو وكييف.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا أمين عام «الناتو» ووزير دفاع إستونيا ووزير الدفاع الأميركي خلال اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية الخاصة بأوكرانيا في مقر الحلف (أ.ب)

ترمب وبوتين يتفقان على «بدء فوري» لمفاوضات إنهاء حرب أوكرانيا

اتصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنظيريه الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس (الأربعاء)، معلناً اتفاقه معهما على البدء «فوراً» في مفاوضات

راغدة بهنام (ميونيخ) «الشرق الأوسط» (واشنطن - موسكو)
العالم الرئيسان الأميركي والروسي خلال لقاء على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا عام 2019 (د.ب.أ)

ترمب يعلن أنه سيلتقي بوتين في السعودية

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأربعاء، أنه سيعقد اجتماعه الأول مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في السعودية، في إطار مساعيه لوضع حد للغزو الروسي لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ب)

فرنسا: لا سلام عادلاً في أوكرانيا دون مشاركة الأوروبيين

أكد وزراء خارجية إسبانيا وألمانيا وفرنسا الأربعاء في باريس أن أي قرار في شأن أوكرانيا لا يمكن اتخاذه بمعزل عن كييف ومن دون مشاركة الأوروبيين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الاستعدادات الأمنية في ميونيخ قبيل انطلاق مؤتمر الأمن يوم الجمعة (د.ب.أ)

مؤتمر ميونيخ للأمن يستعد لعاصفة من الجدل يحملها معهم ممثلو إدارة ترمب

مؤتمر ميونيخ للأمن يستعد لعاصفة من الجدل يحملها معهم ممثلو إدارة ترمب، وفانس يرأس الوفد الأميركي، وكلام عن طرح خطة أميركية للسلام في أوكرانيا.

راغدة بهنام (برلين)

أوروبا: لا سلام عادلا ومستداما في أوكرانيا من دون مشاركتنا

وزراء خارجية ست دول أوروبية وأوكرانيا خلال اجتماعهم في باريس (رويترز)
وزراء خارجية ست دول أوروبية وأوكرانيا خلال اجتماعهم في باريس (رويترز)
TT

أوروبا: لا سلام عادلا ومستداما في أوكرانيا من دون مشاركتنا

وزراء خارجية ست دول أوروبية وأوكرانيا خلال اجتماعهم في باريس (رويترز)
وزراء خارجية ست دول أوروبية وأوكرانيا خلال اجتماعهم في باريس (رويترز)

أكّد وزراء خارجية ست دول أوروبية وأوكرانيا خلال اجتماع في باريس ليل الأربعاء أنّ أوروبا وكييف ينبغي أن «تشاركا في أيّ مفاوضات» لوقف الحرب بين موسكو وكييف، وذلك إثر توافق الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين على بدء محادثات «فورية« بهذا الشأن.

وقال وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبولندا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وأوكرانيا في بيان مشترك «نرغب في أن نتباحث مع حلفائنا الأميركيين في الطريق الواجب اتخاذه» لوقف الحرب. وأضاف الوزراء السبعة في البيان الذي أصدروه بعد اجتماع استمر ساعات عدّة «يجب أن تكون أهدافنا المشتركة وضع أوكرانيا في موقف قوة. يجب على أوكرانيا وأوروبا أن تشاركا في أيّ مفاوضات».

وإذ ذكّر البيان بالتزام الدول الأوروبية «استقلال وسيادة وسلامة أراضي» أوكرانيا «في مواجهة العدوان الروسي»، شدّد على أنّ «أوكرانيا يجب أن تستفيد من ضمانات أمنية قوية». وشدّد البيان على أنّ تحقيق«سلام عادل ودائم في أوكرانيا هو شرط ضروري لأمن قوي عبر الأطلسي».

وقبيل الاجتماع، قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل-بارو «لن يكون هناك سلام عادل ومستدام في أوكرانيا من دون مشاركة الأوروبيين»، فيما أكدت نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك ونظيره الإسباني خوسيه مانويل الباريس بوينو أنّ أيّ قرار حول أوكرانيا لا يمكن اتخاذه «من دون أوكرانيا». وقال الباريس بوينو «نحن نتحدث عن بلد سيّد ذي حكومة منتخبة ديموقراطيا. كذلك، لا يمكن اتّخاذ أي قرار يؤثر على الأمن الأوروبي - والعدوان الروسي على أوكرانيا يهدد الأمن الأوروبي بشكل مباشر - من دون أوروبا».

بعده بدقائق قليلة كرّرت بيربوك موقفها بشأن عدم جواز «اتّخاذ أي قرار بشأن أوكرانيا من دون أوكرانيا»، وشدّدت على أن أوروبا يجب أن «تبقى موحدة». وشدّد الوزير البولندي رادوسلاف سيكورسكي على الحاجة إلى تعزيز الدعم لأوكرانيا، داعيا إلى «تعاون وثيق عبر الأطلسي».

وعقد الوزراء اجتماعا في باريس حول الدفاع الأوروبي وأوكرانيا بالتزامن مع محادثة هاتفية استمرت ساعة ونيّفا بين ترامب وبوتين اللذين اتفقا، بحسب الرئاسة الأميركية، على بدء مفاوضات «فورية» لإنهاء النزاع في أوكرانيا. وقال نويل-بارو إن «التخلي عن أوكرانيا، وإجبار أوكرانيا على الاستسلام، سيكون بمثابة تكريس نهائي لقانون الأقوى ودعوة موجّهة إلى جميع الطغاة على هذا الكوكب لغزو جيرانهم والإفلات من العقاب». وقال وزير الخارجية الإسباني إن العالم ليس «غابة»، وتابع «لدينا نظام عالمي يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة فاعل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لمصلحة الجميع».

في الأثناء، حدّد وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث خلال زيارة إلى بروكسل الأربعاء الخطوط الحمر بالنسبة لترمب في ما يتّصل بحلف شمال الأطلسي وأوكرانيا. واعتبر هيغسيث أنه من «غير الواقعي» تصوّر عودة أوكرانيا إلى حدودها قبل العام 2014، أي بما في ذلك شبه جزيرة القرم. كذلك، فإنّ انضمام أوكرانيا إلى التحالف الأطلسي بعد مفاوضات السلام «غير واقعي»، وفق هيغسيث.