إعلان حكومة الوفاق الليبية يثير تساؤلات حول كيفية ممارسة عملها

ولادتها المثيرة للجدل وضعت علامات استفهام عن تمتعها بالشرعية الداخلية والخارجية

عشرات الليبيين يقفون أمس أمام مدخل بنك في العاصمة طرابلس لسحب أموالهم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد وانعدام الأمن (أ.ف.ب)
عشرات الليبيين يقفون أمس أمام مدخل بنك في العاصمة طرابلس لسحب أموالهم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد وانعدام الأمن (أ.ف.ب)
TT

إعلان حكومة الوفاق الليبية يثير تساؤلات حول كيفية ممارسة عملها

عشرات الليبيين يقفون أمس أمام مدخل بنك في العاصمة طرابلس لسحب أموالهم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد وانعدام الأمن (أ.ف.ب)
عشرات الليبيين يقفون أمس أمام مدخل بنك في العاصمة طرابلس لسحب أموالهم في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد وانعدام الأمن (أ.ف.ب)

يثير إعلان «حكومة الوفاق الوطني» الليبية، المدعومة من الأمم المتحدة، تساؤلات كثيرة حول كيفية ممارسة هذه الحكومة لعملها في ظل وجود حكومتين منافستين، وحول مدى تمتعها بالشرعية الداخلية والخارجية بعد ولادتها المثيرة للجدل.
وينص الاتفاق السياسي الموقع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، برعاية الأمم المتحدة، على أن عمل «حكومة الوفاق الوطني» يبدأ مع نيلها ثقة مجلس النواب المعترف به دوليا، والذي يوجد مقره في مدينة طبرق في شرق ليبيا. لكن «حكومة الوفاق» أعلنت بدء عملها استنادا إلى بيان تأييد موقع من قبل مائة نائب بين 198 نائبا، وذلك بعد فشلها في الحصول على الثقة تحت قبة مجلس النواب، إثر محاولات متكررة انتهت بالعجز عن الوصول إلى النصاب القانوني لعقد الجلسات.
وبهذا الخصوص يقول وليفييه ريبلينك، الباحث في معهد «تي إم سي - آسر» للقانون الدولي في لاهاي، لوكالة الصحافة الفرنسية إن هناك «جانبين مختلفين لمقاربة مسألة شرعية حكومة الوفاق: الشرعية القانونية، والشرعية المرتبطة بمدى الاعتراف بها». ويوضح أنه «من الناحية القانونية في ليبيا، ينظر إليها بالتأكيد على أنها غير شرعية، لكن الكثير من دول مجلس الأمن الدولي تعتبر أن أغلبية أعضاء البرلمان (المعترف به) تدعم الاتفاق السياسي والحكومة».
ورغم أن حكومة الوفاق تحظى بدعم الأمم المتحدة ودول كبرى، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي، فإن ماتييا توالدو، الخبير في الشؤون الليبية في معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، يرى أن «شرعيتها السياسية والقانونية ستبقى منقوصة ما لم يكن هناك تصويت في مجلس النواب». وفي هذا السياق يقول ريبلينك إن «حقيقة أنها تطلق على نفسها اسم حكومة لا يعني بالضرورة أنها حكومة، وأنها تمسك بزمام الأمور.. ولذلك علينا أن ننتظر لنرى ما سيفعله المجتمع الدولي».
وكانت «حكومة الوفاق الوطني» قد حظيت بدعم دولي كبير قبل ولادتها، مع استعجال المجتمع الدولي التعامل مع حكومة توحد السلطتين المتنازعتين على الحكم في مواجهة خطر تمدد تنظيم داعش في ليبيا. وقد تعهدت الدول الكبرى، إلى جانب الاعتراف بشرعيتها وحصر التعامل معها، بتقديم الدعم المالي لها، والنظر في مساندتها عسكريا في مواجهة تنظيم داعش، الذي يسيطر على مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، الواقعة على مسافة نحو 300 كلم من سواحل أوروبا.
ومنذ الإعلان عن بدء عملها في 12 من مارس (آذار) الحالي لم تعقد «حكومة الوفاق الوطني» أي اجتماع لها في ظل وجود وزرائها في مناطق ليبية مختلفة، وإقامة بعضهم في الخارج، وعدم توفر مقر فعلي لها داخل ليبيا. كما تواجه «حكومة الوفاق» عقبة رئيسية تتمثل في تمسك الحكومتين المنافستين بسلطتيهما، ما يعني أنها تفتقد القدرة الفعلية للعمل على الأرض، خاصة في ظل استحالة دخول وزرائها إلى مقرات الوزارات في طرابلس، وفي مدينة البيضاء في الشرق.
لكن تقارير صحافية محلية في ليبيا أفادت مؤخرا أن رئاسة «حكومة الوفاق» تسعى إلى الإقامة في منتجع سياحي في منطقة جنزور عند الأطراف الغربية لطرابلس، على أن تمارس الحكومة أعمالها من هناك من دون أن توجد في مقرات رسمية.
ويرى خبراء في الشأن الليبي أن الضغط على السلطتين المتنازعتين لتسليم الحكم إلى «حكومة الوفاق» قد يشمل منحها مقاليد التحكم بالأموال الليبية في الخارج. كما أنه من المحتمل أن تذهب الدول الكبرى، وخلفها مجلس الأمن الدولي، نحو تقييد حركة الدخول والخروج من وإلى ليبيا، عبر منع مطارات الدول القليلة التي لا تزال تستقبل الطائرات الليبية من ذلك.
وكان الاتحاد الأوروبي قد شرع في موازاة ذلك في فرض عقوبات على مسؤولين في السلطتين، يعتبر أنهم يعرقلون عمل «حكومة الوفاق»، وهي عقوبات تشمل تجميد الأرصدة والمنع من السفر. لكن عددا من سكان طرابلس يخشون أن تؤدي هذه الخطوة إلى اشتباك بين الجماعات المسلحة المؤيدة للسلطات في العاصمة، والجماعات التي قد تندفع نحو دعم وحماية «حكومة الوفاق».
وفي هذا السياق يرى محمد الجارح، المحلل السياسي الليبي في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، أن «خطوة الدخول إلى طرابلس تمثل مخاطرة أمنية كبيرة جدا وقد تدفع نحو اندلاع اشتباكات»، ويتابع موضحا «على المجتمع الدولي أن يكون مستعدا لحماية هذه الحكومة عسكريا إذا طلبت، فهل سيتدخل في حال دعي إلى ذلك؟».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.