المعارضة السورية تنكب على إعداد أوراقها.. ومطمئنة لمفاوضات بعيدًا عن الأسد

فصائلها المسلحة تجتمع اليوم لتحديد موقفها من مشاورات جنيف

بلدة كفر بطنا بالغوطة الشرقية لدمشق والتي تسيطر عليها فصائل المعارضة، كما بدت أمس (أ.ف.ب)
بلدة كفر بطنا بالغوطة الشرقية لدمشق والتي تسيطر عليها فصائل المعارضة، كما بدت أمس (أ.ف.ب)
TT

المعارضة السورية تنكب على إعداد أوراقها.. ومطمئنة لمفاوضات بعيدًا عن الأسد

بلدة كفر بطنا بالغوطة الشرقية لدمشق والتي تسيطر عليها فصائل المعارضة، كما بدت أمس (أ.ف.ب)
بلدة كفر بطنا بالغوطة الشرقية لدمشق والتي تسيطر عليها فصائل المعارضة، كما بدت أمس (أ.ف.ب)

تستغل قوى المعارضة السورية السياسية كما تلك العسكرية «الوقت المستقطع» بين الجولة السابقة لمفاوضات جنيف غير المباشرة التي انتهت الأسبوع الماضي، وتلك التي من المفترض أن تنطلق في التاسع من الشهر المقبل لإعداد أوراقها وبلورة رؤية موحدة للتعامل مع المرحلة المقبلة، «بعد الاقتراب من الدخول في المفاصل الحساسة للمباحثات»، وهو ما أقر به مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، أمس، بالتزامن مع تصاعد الحديث عن كون «مصير الأسد» النقطة الأساسية التي ستبحثها المفاوضات المقبلة من بوابة البحث بالانتقال السياسي الذي تطرقت إليه وثيقة «مبادئ التسوية السياسية» التي أعدها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا.
ولا تجد المعارضة نفسها معنية بالتوقيع على هذه الوثيقة التي تضمنت 12 بندا، نصّ أبرزها على وجوب تنفيذ القرار «2254» الدولي باعتباره أساسا للانتقال السياسي، بالإضافة إلى وضع جدول زمني يشمل وضع دستور جديد وإجراء انتخابات حرة تحت إشراف الأمم المتحدة. فبحسب جورج صبرة، نائب رئيس وفد الهيئة العليا المفاوض في جنيف، «ليس المطلوب التوقيع على هذه الوثيقة باعتبار أنّها ثمرة جولة مفاوضات غير مباشرة جرى خلالها تبادل أفكار، ولم يتم التوصل إلى أي تفاهمات نهائية ينبغي التوقيع عليها». وقال صبرة لـ«الشرق الأوسط»: «نحن جادون بمتابعة المفاوضات بكل تفاصيلها، ونجد أنفسنا معنيين أكثر من أي وقت مضى بالدفع باتجاه تطبيق البنود 12 و13 و14 من القرار (2254)، باعتبار أن مشاركتنا في الجولة المقبلة من المباحثات رهن تحقيق تقدم في هذا المجال».
وشدّد صبرة على أن «الهدف الرئيسي للعملية السياسية القائمة حاليا تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، وفق ما نص عليه بيان جنيف1، فإذا كان هناك اتفاق على السير بعملية الانتقال السياسي للسلطة، فذلك سيمر اضطراريا من بوابة هيئة الحكم المذكورة». وأضاف: «أما الحديث عن اتفاق أميركي - روسي على تأجيل البحث بمصير الأسد، فلا نعتقد أنّه واقعي، خصوصا أننا تلقينا تأكيدات أميركية في وقت سابق أن المفاوضات الحالية تتم بعيدا عن الأسد».
وتستعد فصائل المعارضة المسلحة لعقد اجتماع اليوم لتحديد موقفها من مجريات الجولة السابقة من المفاوضات وما نتج عنها، بالإضافة إلى البحث في الخيارات المتاحة للتعامل مع الجولة المقبلة، وهو ما كشفه مدير مركز «جسور» السوري المتخصص محمد سرميني، لافتا إلى أن قوى المعارضة السياسية والعسكرية على حد سواء «تستغل المرحلة الحالية لتجهيز الرد المناسب على ما طرحه دي ميستورا وعُرف بالنقاط الـ12، كما تعمل على بلورة رؤية موحدة وإعداد أوراقها للتعامل مع المرحلة». وقال سرميني لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الساعة لا معطيات دقيقة حول نتائج اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في موسكو، خصوصا في ظل ما تردد عن رضوخ الولايات المتحدة لطرح روسيا تأجيل البحث بمصير الأسد في المرحلة الحالية»، مشددا على أنّه «صح ذلك أم لم يصح فإن هناك أكثر من مسار تستخدمه المعارضة لتحرير سوريا، فإذا لم ينجح الخيار السياسي فالخيار العسكري متاح».
وكان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف قال الأسبوع الماضي تعليقًا على نتائج زيارة كيري لروسيا، «إنه وإلى حد بعيد.. العملية السياسية الحالية أصبحت ممكنة، لأن موسكو وجدت تفهمًا في واشنطن، على المدى البعيد، لموقفنا الأساسي بأنه ينبغي ألا تطرح قضية مستقبل الرئيس السوري على جدول الأعمال بالمفاوضات في المرحلة الحالية».
وقد أثار هذا التصريح استياء في صفوف المعارضة، وهو ما عكسه الموقف الذي صدر عن محمد علوش، الممثل السياسي لـ«جيش الإسلام»، وكبير مفاوضي وفد الهيئة السورية العليا في جنيف الذي دعا القائد العام لـ«حركة أحرار الشام الإسلامية» مهند المصري إلى «توحيد الصفوف وإشعال الجبهات».
وتعوّل المعارضة على أن تكون الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مدن أوروبية دافعا لحسم القوى الدولية أمرها بالدفع الحقيقي لحل الأزمة في سوريا وبحسم ما يُعرف بـ«عقدة الأسد»، وهو ما عبّر عنه محمد يحيى مكتبي، الأمين العام السابق للائتلاف السوري المعارض، آملا أن تكون «التفجيرات الإرهابية المدانة التي تضرب أوروبا بمثابة دافع إضافي لأصدقائنا الأوروبيين، كي يضغطوا على الأطراف الداعمة للأسد فيتم وضع مسار المفاوضات في الاتجاه الصحيح بعيدا عن منطق المراوغة والتلاعب والمماطلة الذي يعتمد النظام وممثلاه إن كان وزير الخارجية وليد المعلم أو رئيس وفد الحكومة السورية في مفاوضات جنيف بشار الجعفري». وقال مكتبي، لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن هناك ضغوطا دولية متزايدة باتجاه عدم السماح بإفشال المفاوضات كما الهدنة، لكن المطلوب التوصل إلى قناعة بأن الحل السياسي لا يستقيم إلا ببداية جديدة لا يكون للأسد دور فيها، خصوصا أن التجربة اليمنية لا تزال ماثلة أمام أعيننا».
أما بشير عبد الفتاح، الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فرأى أن «مصير الأسد لا يزال أشبه بمعضلة حقيقية في ظل تمسك روسيا وإيران ببقائه ورفض المعارضة السورية وتركيا ودول الخليج جملة وتفصيلا للموضوع»، متوقعا أن «تبدي موسكو بعد انسحابها من سوريا وتموضعها الاستراتيجي البعيد المدى هناك وتحسين الموقع التفاوضي للأسد مرونة معينة فيما يتعلق بمستقبله». وقال عبد الفتاح، لـ«الشرق الأوسط»: «قد يتم التوصل قريبا إلى اتفاق يقضي بخروج تدريجي للأسد من السلطة مع ضمانات عدم محاسبته على كل ما اقترفه خلال السنوات الـ5 الماضية».



نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
TT

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نبّه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية. وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات نتيجة تغير المناخ، مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات.

وذكر ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك الدولي في مصر واليمن وجيبوتي، أن «اليمن يواجه تقاطعاً غير مسبوق للأزمات: النزاع، وتغير المناخ، والفقر». وطالب باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة «لتعزيز المرونة المناخية لأن ذلك مرتبط بحياة الملايين من اليمنيين». وقال إنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري، ويعزز المرونة، ويضع الأسس «لمسار نحو التعافي المستدام».

الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة تهدد ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

وفي تقرير لمجموعة البنك الدولي الذي حمل عنوان «المناخ والتنمية لليمن»، أكد أن البلاد تواجه تهديدات بيئية حادة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأمطار، والزيادة في الأحداث الجوية المتطرفة، والتي تؤثر بشكل كبير على أمن المياه والغذاء، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي.

ووفق ما جاء في التقرير الحديث، فإن نصف اليمنيين يواجهون بالفعل تهديدات من تغير المناخ مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات. ‏وتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المائة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، مما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات متنوعة

في حال تم تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة في اليمن، تحدث تقرير البنك الدولي عن «فرص استراتيجية» يمكن أن تسهم في تعزيز المرونة، وتحسين الأمن الغذائي والمائي. وقال إن التوقعات أظهرت أن الاستثمارات في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة التكيفية، قد تزيد الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 13.5 في المائة بين عامي 2041 و2050.

وامتدت تحذيرات البنك الدولي إلى قطاع الصيد، الذي يُعد أحد المصادر الأساسية للعيش في اليمن، وتوقع أن تتسبب زيادة درجات حرارة البحر في خسائر تصل إلى 23 في المائة في قطاع الصيد بحلول منتصف القرن، مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ويسهم في زيادة معاناة المجتمعات الساحلية.

التغيرات المناخية ستسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

واستعرض البنك في تقريره التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وقال إنه من المتوقع أن يكلف ذلك اليمن أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية الزائدة نتيجة للأمراض المرتبطة بالطقس مثل الملاريا والكوليرا، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من ضعف شديد.

ولهذا، نبّه التقرير إلى أهمية دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار التقرير إلى أن المناطق الحضرية ستكون الأكثر تأثراً بازدياد الفيضانات المفاجئة، مع تحذير من أن التدابير غير الكافية لمواجهة هذه المخاطر ستؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة تؤثر على المجتمعات الهشة.

وفيما يخص القطاع الخاص، أكد التقرير على أن دوره في معالجة التحديات التنموية العاجلة لا غنى عنه. وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص له دور حيوي في مواجهة التحديات التنموية العاجلة في اليمن. من خلال آليات التمويل المبتكرة، يمكن تحفيز الاستثمارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر خضرة ومرونة».

وتناول التقرير إمكانات اليمن «الكبيرة» في مجال الطاقة المتجددة، وقال إنها يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستجابته لتغير المناخ، لأن الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير بنية تحتية مرنة لدعم الخدمات الحيوية، مثل الصحة والمياه.

تنسيق دولي

أكد البنك الدولي على «أهمية التنسيق الدولي» لدعم اليمن في بناء مرونة مناخية مستدامة، مع ضرورة ضمان السلام المستدام كون ذلك شرطاً أساسياً لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

ورأى أن اتخاذ قرارات مرنة، وتكييف الإجراءات المناخية مع الواقع السياسي في اليمن، من العوامل الحاسمة في مواجهة التحديات، وقال إن التركيز على «السلام والازدهار» يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل.

وزير المياه والبيئة اليمني مشاركاً في فعاليات تغير المناخ (إعلام حكومي)

من جهته، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي في الجلسة الخاصة بمناقشة هذا التقرير، التي نظمها البنك الدولي على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أهمية دمج العمل المناخي في استراتيجية التنمية، والتكيف مع تقلبات المناخ، ومناقشة العلاقة بين المناخ والنزاع والتنمية.

وأشار وزير المياه والبيئة اليمني إلى أن تقرير المناخ والتنمية يشكل مساهمة جيدة لليمن في مواجهة تغير المناخ، وسيعمل على تسهيل الوصول لعدد من التمويلات المناخية في ظل الهشاشة الهيكلية والتقنية التي تعيشها المؤسسات جراء الحرب.

وقال الشرجبي إن التقرير يتماشى بشكل كبير مع الأولويات العاجلة لليمن، خصوصاً في مجال الأمن المائي والغذائي، وتعزيز سبل العيش، وتشجيع نهج التكيف المناخي القائم على المناطق، لافتاً إلى أهمية دور الشركاء التنمويين لليمن في تقديم المساعدة التكنولوجية والتقنية، وبناء القدرات.