أميركا: تفجيرات بلجيكا.. وزوجات المرشحين

الصحف الأوروبية: لا صوت يعلو فوق صوت تفجيرات بروكسل

أميركا: تفجيرات بلجيكا.. وزوجات المرشحين
TT

أميركا: تفجيرات بلجيكا.. وزوجات المرشحين

أميركا: تفجيرات بلجيكا.. وزوجات المرشحين

حتى بعد قرابة أسبوع من تفجيرات بلجيكا، يظل الإعلام الأميركي يركز عليها، ويتابعها. لليوم الخامس على التوالي، يوم الأحد، تفرد صحيفة «واشنطن بوست» ثلاث أو أربع صفحات للتفجيرات. وتظل المناظر من بروكسل، الجديدة أو المكررة، تسيطر على نشرات أخبار التلفزيونات.
وكما هو متوقع، أدانت افتتاحيات الصحف الأميركية، الكبيرة والصغيرة، التفجيرات. وقالت افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز»: «صار هذا مزيجا من إرهاب وخوف. انفجرت القنابل في بروكسل، في المطار وفي قطار المترو. الآن، تنتشر حملة الاعتقالات، وتنتشر الشرطة المسلحة تسليحا عسكريا. في نفس الوقت، تشير الأسئلة إلى قلق وخوف: لماذا؟ كيف؟ خطط الدولة الإسلامية، التي أعلنت مسؤوليتها؟ خطة هذا الهجوم؟ ماذا نعرف؟ ماذا لا نعرف؟»
لكن، لم تقدر تغطية تفجيرات بلجيكا على التفوق على تغطية الحملة الانتخابية. خاصة لأنها صارت أكثر إثارة، بعد إدخال زوجات المرشحين في الحملة. وخصوصا بعد أن شتم المرشح الجمهوري دونالد ترامب زوجة زميله المرشح الجمهوري تيد كروز. وقالت افتتاحية صحيفة «دالاس مورنينغ نيوز»: «ظلت هذه الحملة الانتخابية غبية وقبيحة لعدة أشهر. لكن، نزلت الآن إلى قاع البئر. لا تريد ميلانيا ترامب، ولا هايدي كروز، زوجتا المتنافسين الجمهوريين، الترشيح لمناصب سياسية. تظل الزوجتان تتصرفان في لطف وهدوء. فلماذا لا يتركهما زوجاهما، والناس، بعيدا عن هذه الحملة القبيحة والغبية؟»
وكتبت افتتاحية صحيفة «يو إس إيه توداي» عن شكاوى كثير من المسافرين جوا من تردي وسائل راحتهم. وقالت: «صارت قائمة الإهانات داخل الطائرات ترتفع إلى عناء السماء. صارت مزعجة مثلما مألوفة. لكن، لا يقلل ذلك من الشكاوى: تقلص حجم المقاعد، تقلص المسافات بين مقعد ومقعد، وضع رسوم إضافية للعفش، تقديم الفول السوداني بدلا عن وجبات الطعام. ومع هذا، زيادة أسعار التذاكر. وكانت شركات الطائرات تريد من المسافرين تغريم أنفسهم على ظلمها لهم».
وسيطرت تداعيات هجمات بروكسل على الصحف الأوروبية. فنشرت الكثير من المقالات والتحقيقات والتحليلات التي تتناول جوانب هذه الهجمات. ونبدأ من لندن ونقرأ في صحيفة الـ«غارديان» مقالاً لجايسن بورك يحلل العلاقات التي تجمع بين المتشددين. وقال كاتب المقال إن «العلاقات العائلية وارتكاب الجرائم هي ما يجمع بين عناصر تنظيم داعش». وكشف كاتب المقال عن دراسة أجريت بين عامي 2009 - 2001 قبل بروز نجم تنظيم داعش، أن ربع المتشددين في أوروبا كانوا قد أدينوا بجرائم، وارتفعت هذه النسبة مع الوقت. وقال إن محمد مرعي الذي قتل 7 أشخاص في فرنسا، كان معروفًا بسرقة السيارات، أما مايكل أدوبويل الذي طعن جنديًا بريطانيا في عام 2013، كان سجينًا سابقًا بتهمة تجارة المخدرات. وختم بالقول إن «الإخوة البكراوي ارتكبا الكثير من الجرائم ومنها السرقة باستخدام السلاح والاتجار بالأسلحة.
أما صحيفة الـ«فاينانشيال تايمز» جعلت عنوان افتتاحيتها «هجوم على بروكسل، وعلى القيم الأوروبية». تقول الصحيفة «الهجمات في بروكسل هي بمثابة تذكير، إن كان هناك حاجة إلى تذكير بعد هجمات المتشددين الأخيرة على باريس، كم هو سهل على الخلايا الإرهابية الهجوم على عصب المدن الأوروبية وشلها».
وأشارت الافتتاحية إلى أن بروكسل ليست عاصمة بلجيكا فحسب، بل هي عاصمة الاتحاد الأوروبي، الذي وضع أمام تحد ليثبت أنه قادر ولديه المرونة على الصمود في وجه «داعش».
وتحت عنوان الحرب الطويلة ضد الإرهاب وفي صحيفة الـ«ديلي تلغراف» جاءت الافتتاحية العنوان وتستهل الصحيفة افتتاحيتها بالقول: «ليس من السهل تحديد وقت بدء هجمات (الإرهاب) على أهداف غربية، قد تكون البداية الهجوم على مترو باريس عام 1995، أو الهجوم على سفارات واشنطن في كينيا وتنزانيا عام 1998. لكن الأكيد أن الحرب طويلة، وتستمر فترة أطول من الحربين العالميتين معا. وتتابع الصحيفة «الهجمات في بروكسل تذكرنا أن لا نهاية قريبة تلوح في الأفق».
أما في الصحافة الفرنسية نقرأ في «لوموند» أن صلاح عبد السلام أدلى بتصريحات خاطئة للمحققين، فالمتهم في تفجيرات 13 من نوفمبر الماضي في باريس اعترف أنه من قام بنقل الانتحاريين الثلاثة إلى ملعب فرنسا وأنه من تكفل بإيجاد الفندق الذي أقام فيه الانتحاريون لكن صلاح عبد السلام، تقول «لوموند»، لم يتحمل مسؤولية مشاركته في عمليات باريس، بل ذهب ليقول للمحققين إن أخيه إبراهيم وهو أحد انتحاريي عمليات باريس هو من طلب منه حمل الحزام الناسف وتفجير نفسه.
وفي لوموند نقرأ أيضًا مقالا عن استعادة الجيش السوري لمناطق من مدينة تدمر الأثرية التي كانت تحت سيطرة تنظيم «داعش». وفي الملف السوري دائما نقرأ في لوموند أن المفاوضات المتعثرة في جنيف بين العارضة والنظام لم تلقِ بظلالها على اجتماع وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالرئيس الروسي فلاديمير يوتين لأن الرجلين تقدما في محادثاتهما عكس ما كان متوقعا.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.