«عاشوا أبطالا، وماتوا أبطالا».. هذا أصدق ما يقال عن الجنود السعوديين والخليجيين الذين «استشهدوا» على الحد الجنوبي دفاعا عن الوطن أو داخل المعركة في دعم الشرعية في اليمن، فعندما يخطو أي خليجي فوق هذه الأرض؛ لا ينسى أن هناك عشرات «الشهداء» ممن ضحوا بأرواحهم وسالت دماؤهم فوقها كي يحيا بقية الشعب بأمان، هؤلاء هم «الشهداء» الذي نسوا أسرهم وأبناءهم وتذكروا فقط «الوطن».
ذهبوا وبقيت سيرة شجاعتهم عطرة، ماتوا مع حب هذه الأرض الطاهرة، فامتزج حزن أسرهم مع الاعتزاز بهم، مرددين: «لا نملك أغلى من أرواح أبنائنا الشهداء، نقدمها في سبيل وطننا الذي يستحق أن تُبذل الأرواح الغالية فداء لترابه»، هؤلاء الأسر الذين زفوا أبناءهم «الشهداء» بالدموع والتقدير لما بذلوه من جهد للتضحية في سبيل الوطن.
فبقلب مؤمن، يتحدث والد «الشهيد» الجندي محمد علي أحمد حكمي، الذي «استشهد» أثناء أداء مهام عمله في الدفاع عن الحدود الجنوبية قبل نحو 9 أشهر، قائلا: «مثّل فقد ابني فاجعة كبيرة، لكنه شعور مختلط ما بين الألم والفخر في الوقت نفسه، فابني استشهد دفاعا عن الدين والوطن والشعب، وهذا محل فخر لي ولأهله جميعا».
وعودة للأحداث المؤسفة التي انتزعت «الشهيد» محمد من الحياة، فكانت قيادة القوات المشتركة قد أعلنت أنه عند الساعة الثامنة وأربعين دقيقة من صبيحة يوم الاثنين من شهر شعبان الماضي، تعرضت بعض المراكز الحدودية في ظهران الجنوب بمنطقة عسير لقذائف عسكرية من داخل الأراضي اليمنية، نتج عنها «استشهاد» الجندي محمد علي أحمد حكمي، من حرس الحدود.
ويوضح والد «الشهيد» حكمي لـ«الشرق الأوسط» أن العدوان الآثم خطف ابنه الذي كان قد أكمل للتو عامه الـ23، وكان يخطط لزواجه بعد أن أتم خطوبته قبل أشهر قليلة من هذه الحادثة، وهو ما اغتال أحلام وروح «الشهيد» محمد في عز انشغاله ببدء حياة جديدة، ويشير والده إلى أن محمد كان الابن الثالث من بين 6 أبناء، معتبرا الجنود البواسل المرابطين حاليا على الحد الجنوبي جميعا بمثابة أبنائه، قائلا: «لا أملك لهم إلا الدعاء بالنصر، فهم فخر الوطن».
أما قصة «الشهيد» مانع علي داحن اليامي، فمختلفة، لكنها تحمل ألم الفقد ذاته الذي تعيشه أسرته وهي تسترجع أحداث الفاجعة التي سرقت شباب «الشهيد» مانع، ففي نحو الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة من صبيحة يوم الأحد من شهر محرم الماضي، وأثناء أداء إحدى دوريات حرس الحدود بقطاع الطوال في منطقة جازان لمهامها المعتادة، تعرضت لإطلاق نار ومقذوفات عسكرية من داخل الأراضي اليمنية مما اقتضى الرد على مصدر النيران بالمثل والسيطرة على الموقف، وقد نتج عن ذلك «استشهاد» الجندي مانع علي داحن اليامي.
ويسترجع علي اليامي، والد «الشهيد»، ذكريات هذا اليوم في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قائلا: «كانت فاجعة كبيرة لنا، لكن قدر الله فوق كل شيء، وليس لنا إلا الصبر، والفخر بأن ابننا ذهب شهيدا للواجب والوطن». وبقلب الأب الموجوع، يتذكر اليامي مآثر ابنه مانع، قائلا: «كان رجلا لطيفا، حنونا على الصغير والكبير، وابنا بارا.. كان من خيرة الرجال».
و«الشهيد» مانع الذي رحل قبل أن يكمل عامه الـ27، كان الابن الأول في أسرة كبيرة تضم 4 أبناء و7 بنات، إلا أن والده يعبر عن صدق اعتزاز أفراد أسرته بما قام به ابنه، قائلا: «صحيح أنها فاجعة لكن هذا واجبه، وواجب كل أبناء الوطن»، وعن الرسالة التي يوجهها إلى الجنود المرابطين على الحد الجنوبي يقول: «أسأل الله أن يثبتهم وينصرهم.. نحن معهم قلبا وقالبا».
وفي منزل آخر، تعيش قصة «الشهيد» العريف أحمد جعفر حسن المجيشي، الذي «استشهد» برفقة 3 من زملائه رجال الأمن، من مركز المسيال بقطاع ظهران الجنوب بمنطقة عسير، إثر قذائف عسكرية كثيفة من داخل الأراضي اليمنية، حيث تم التعامل مع الموقف بما يقتضيه، وذلك بالتصدي للعدوان، والتنسيق مع القوات البرية للتعامل مع مصادر إطلاق القذائف بالأراضي اليمنية، وتم تدمير منصات إطلاق القذائف، والسيطرة على الموقف، ونتج عن ذلك «استشهاد» المجيشي.
وهنا يقول علي المجيشي، أخو «الشهيد»، لـ«الشرق الأوسط»، إن الراحل ذهب وترك وراءه 3 أبناء، أكبرهم ذو 10 سنوات وأصغرهم عمره 4 سنوات، وبينهما فتاة عمرها 8 سنوات، مشيرا إلى أن العدوان الآثم علم هؤلاء الأطفال معنى «اليُتم» منذ سن مبكرة، إلا أنه يؤكد في الوقت نفسه فخره وأبناء أسرته برحيل فقيدهم «شهيدا» للواجب ودفاعا عن الوطن.
ويجمع ذوو «الشهداء» أن «شهادة» أبنائهم في أرض الميدان وفي ثغر من ثغور الوطن إنما هي جزء بسيط من الواجب الذي على كل مواطن أن يقدمه لهذا الوطن الغالي، والأكثر وفاءً هو تأكيدهم أنهم على أتم استعداد لتقديم بقية أبنائهم وكل أموالهم فداء لشبر من أرض الوطن، الذي يعيش في قلب كل سعودي مخلص.
«شهداء الميدان».. حين يغسل «حب الوطن» وجع «الفقد»
حكايات ذويهم تؤكد أن «شجاعة الموقف» تبدد ألم «الرحيل»
«شهداء الميدان».. حين يغسل «حب الوطن» وجع «الفقد»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة