عام على العاصفة.. عام من الحزم

منعت سقوط الدولة في يد «عملاء إيران»

يمنيون يحملون صورة ضخمة لخادم الحرمين الشريفين يعبرون فيها عن شكرهم وامتنانهم للملك سلمان لجهوده في إعادة الشرعية لبلادهم  ({الشرق الأوسط})
يمنيون يحملون صورة ضخمة لخادم الحرمين الشريفين يعبرون فيها عن شكرهم وامتنانهم للملك سلمان لجهوده في إعادة الشرعية لبلادهم ({الشرق الأوسط})
TT

عام على العاصفة.. عام من الحزم

يمنيون يحملون صورة ضخمة لخادم الحرمين الشريفين يعبرون فيها عن شكرهم وامتنانهم للملك سلمان لجهوده في إعادة الشرعية لبلادهم  ({الشرق الأوسط})
يمنيون يحملون صورة ضخمة لخادم الحرمين الشريفين يعبرون فيها عن شكرهم وامتنانهم للملك سلمان لجهوده في إعادة الشرعية لبلادهم ({الشرق الأوسط})

بعد مرور عام على انطلاق عملية «عاصفة الحزم» لدول التحالف لإعادة الشرعية إلى اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية، تحل هذه الذكرى وقد شهد اليمن تطورات عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية بالغة التعقيد، جراء الانقلاب الذي قاده الحوثيون وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وهو ما استدعى تدخل دول التحالف، بطلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، للحيلولة وابتلاع المتمردين لليمن بكامله.
وقبل أن تحل هذه الذكرى، بأيام قلائل، شهد العالم إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، عن استسلام الحوثيين وإذعانهم لتطبيق القرار الأممي «2216»، الذي ينص على إنهاء الانقلاب وعودة الشرعية، وهو الاستسلام، الذي إن كتب له النجاح والاستمرار فسوف يقود إلى تسوية سياسية تنهي عاما من الرعب في اليمن.
لقد عاش اليمن واليمنيون، طوال الأشهر التي سبقت عاصفة الحزم، حالة من التمرد والقتل وحالة من اليأس والتسليم بأن الدولة اليمنية ومشروعها الحضاري سقطا في براثن من يوصفون بـ«الإماميين»، وبـ«عملاء إيران» في اليمن، حتى جاءت العاصفة، بشقيها عاصفة الحزم، وعاصفة الأمل، لتقطع دابر الانقلاب والانقلابيين، كما يؤكد كثير من اليمنيين، وطوال عام انقضى، واصلت الميليشيات الانقلابية للحوثيين وصالح إصرارها العجيب على الاستمرار في خطف الدولة اليمنية، والإذعان لقرارات الشرعية الدولية، وخلال تلك الأشهر شهد اليمن تطورات دراماتيكية متلاحقة، على صعد مختلفة، فعسكريا تمكنت عاصفة الحزم من كسر شوكة الانقلابيين ومنع توسعهم في بقية المحافظات اليمنية، وقلصت قدراتهم العسكرية، إلى أن وصلوا إلى حقيقية الاستسلام أو الانتحار ومواصلة القتال، وبحسب ما أعلنه مبعوث الأمم المتحدة، فقد اختاروا طريق الاستسلام.
ومن خلال مراجعة بسيطة وسريعة لسيناريو ومجريات الأحداث في اليمن خلال الأشهر التي سبقت عاصفة الحزم ثم التي تلتها، سنجد أن المسألة بدأت بجدل سياسي، ثم انقلاب ورفض لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، الذي انتهى مطلع عام 2014، ووافقت عليه كل الأطراف المشاركة في المؤتمر، بما فيها حزب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح والميليشيات الحوثية، ففجأة رفضوا تلك المخرجات التي أشرفت الأمم المتحدة ودول الخليج الراعية للتسوية السياسية اليمنية، عبر المبادرة الخليجية، ثم تحول الجدل إلى عمل عسكري من صعدة إلى عمران شمالا، وحتى وصل إلى العاصمة صنعاء في 21 من سبتمبر (أيلول) 2014، ففي هذا التاريخ وافق الرئيس عبد ربه منصور هادي على التوقيع على ما سمي «اتفاق السلم والشراكة»، لتجنيب البلاد الاقتتال، كما أعلن حينها، وضمن ذلك الاتفاق للحوثيين مشاركة واسعة في السلطة والثروة.
لكن وفي يوم التوقيع نفسه انقلب الحوثيون على الاتفاق واحتلوا العاصمة صنعاء أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي ومبعوث الأمم المتحدة السابق إلى اليمن، جمال بنعمر، واستمرت التطورات حتى وصلت إلى احتلال دار الرئاسة واحتجاز الرئيس عبد ربه منصور هادي تحت الإقامة الجبرية في منزله، وكذلك الحال مع رئيس حكومة الكفاءات، خالد بحاح، وأعضاء حكومته. كان مشهدا لانقلاب سياسي وعسكري مكتمل الأركان، غير أن تمكن الرئيس هادي من الفرار من مقر إقامته الجبرية إلى عدن في 21 من فبراير (شباط)، غير المعادلة السياسية، وجعل تحالف الحوثي - صالح يهرع إلى احتلال المحافظات الجنوبية والشرقية، وابتلاع باقي المحافظات الشمالية، وقد سعى الانقلابيون حثيثا إلى قتل الرئيس هادي واستخدام الطيران الحربي في تلك العمليات.
قبل عاصفة الحزم كان المشهد مرعبا لليمنيين ولدول المنطقة، أن تسقط دولة بكاملها في يد ميليشيات وتبدأ الأخيرة في شن حرب على دول الجوار، وجاءت العاصفة بقيادة السعودية وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لتوقف هذا الزحف، وخلال الأشهر الماضية تمكنت من استعادة معظم المحافظات الجنوبية ومأرب والجوف، وباتت المعارك اليوم على بعد عشرات الكيلومترات من صنعاء، فيما تجري عمليات عسكرية كبيرة في تعز وبيحان بمحافظة شبوة، ويجري تطهير محافظة الجوف مديرية تلو الأخرى، فيما تشهد المناطق الحدودية تهدئة، بعد أن انصاع الحوثيون إلى نصائح القبائل على الحدود اليمنية - السعودية.
اليوم ورغم حالة التفاؤل الكبيرة التي سادت الشارع اليمني والمحيط الإقليمي في أن يصل اليمنيون إلى اتفاق ينهي الصراع الذي بدأه المتمردون بانقلابهم، من خلال العودة إلى طاولة المفاوضات، فإن مشهدا لا يقل أهمية واهتماما لدى اليمنيين يطغى على كثير من الاهتمامات وهو الاحتفاء الكبير في الشارع اليمني بذكرى عاصفة الحزم، التي يؤكدون أنه لولا أنها انطلقت بأوامر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لكان اليمن، برمته، بات ولاية إيرانية تدار من طهران أو قم، فبنظر عدد ممن تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، فإن «عاصفة الحزم أعادت إليهم الأمل، فيما ذهب البعض إلى المطالبة باستمرار العاصفة حتى جلاء الغمة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.