ما تبقى من أوراق كوبلر في ليبيا

لعبة «القط والفأر» بين المبعوث الأممي والميليشيات

ما تبقى من أوراق كوبلر في ليبيا
TT

ما تبقى من أوراق كوبلر في ليبيا

ما تبقى من أوراق كوبلر في ليبيا

شهدت الأيام الأخيرة الماضية مزيدًا من المؤشرات التي توحي بأن التسوية الدولية المعدّة للأزمة الليبية ما زالت تواجه بعض الصعوبات. إذ اضطر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر لإلغاء زيارته المقررة إلى طرابلس بهدف «تمهيد الطريق أمام المجلس الرئاسي» الليبي المنبثق عن اتفاق السلام الموقع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي في الصخيرات بالمغرب، وذلك بعدما قوبلت هذه الزيارة بالرفض من القوى المسيطرة على العاصمة. وفي المقابل، طالبت هذه القوى ممثلة بمن تصف نفسها بـ«حكومة الإنقاذ» الأمم المتحدة «بفتح تحقيق في سلوك مبعوثها في ليبيا»، واعتبر رئيسها خليفة الغويل أن كوبلر يدير الأزمة الليبية «بطريقة لا تمت بصلة للوضع في ليبيا»، وأن البعثة الأممية أدارت اجتماعات الصخيرات بطريقة الإقصاء.
كل هذا الجدل.. وكل هذه المناورات الجارية حول الطاولة، تشبه إلى حد بعيد لعبة «القط والفأر» بين المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، والميليشيات التي تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس، إضافة إلى قوى أخرى تظهر وتختفي من المشهد.
الرهان منذ البداية كان يعتمد على أوراق ميليشيات من مدينة مصراتة المجاورة، لمساندة «حكومة الوفاق» المقترحة من الأمم المتحدة، لكن ماذا تبقى من هذه الأوراق اليوم؟ فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، لم يتمكن حتى الآن من دخول طرابلس، لمباشرة أعماله. كما أن كوبلر نفسه حاول المجيء إلى هنا، لكن تهديدات المسلحين حالت دون ذلك.
رغم كل شيء ما زال هناك أمل. طرابلس مدينة كبيرة. والخطة الجارية على الأرض، والتي يشرف عليها كوبلر والسراج، وأطراف أخرى، تهدف إلى تأمين موقع معين يوجد على شاطئ البحر، يشبه «المنطقة الخضراء» في العاصمة العراقية بغداد، يكون مقرا للحكومة «الشرعية» حسب الاعتراف الدولي.
حتى الآن توجد ثلاثة نطاقات أمنية يجري تحضيرها على قدم وساق، لكي تتولى حراسة مكاتب السراج قبل قدومه من تونس إلى العاصمة. وقد يلحق به كوبلر فيما بعد. هذا أمر محفوف بكثير من المخاطر أيضا. لغة الرفض تبدو حادة وهناك قناصون جرى توزيعهم، قبل عدة أيام، على أسطح عدد من مباني العاصمة؛ في جنزور وقرب فندق المهاري وفي نطاق مستشفى السكري.
* علاقة توتر قديمة
العلاقة المتوترة بين الأمم المتحدة وبعض الميليشيات المسلحة ليست وليدة اليوم. والأمر لا يخص كوبلر كشخص، بل يتعلق بطريقة معالجة المنظمة الدولية للأزمة في ليبيا على ما يبدو. كل طرف في هذا البلد ينظر إلى القضية من زاوية خاصة. غالبا لا أحد يرى الهدف المشترك الذي يمكن أن يوحد الليبيين، ألا وهو إنقاذ الاقتصاد المنهار وحفظ الأمن وبناء الدولة.
لقد دخلت الأمم المتحدة على خط الأزمة الليبية مجددًا في أواخر عام 2014، أي بعد نحو أربع سنوات من القرارات السريعة التي كانت قد اتخذتها ضد نظام معمّر القذافي في 2011. بما فيها منح حلف شمال الأطلسي «ناتو» الضوء الأخضر للتصرف عسكريا في هذا البلد النفطي.
النتيجة منذ البداية كانت كارثية، وهو أمر تحدث عنه صراحة، في الشهور الماضية، رئيس أكبر دولة مجاورة لليبيا، وهي مصر، كما تطرق إليه رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما.
بعد مقتل معمر القذافي تراجعت الأمم المتحدة خطوات للوراء، إلى أن وقع «الهجوم الإرهابي» على القنصلية الأميركية في بنغازي، ومقتل سفير الولايات المتحدة وثلاثة من رفاقه في مقر القنصلية، في سبتمبر (أيلول) 2012. ومع هذا الحادث، ظهر على السطح اسم أول مبعوث أممي لليبيا، هو الوزير اللبناني السابق الدكتور طارق متري. كما ظهر على المسرح أيضا حقيقة سطوة الميليشيات على حساب الجيش والشرطة. لقد تعرض الجيش الليبي لضربات من الناتو قصمت ظهره وشلت مفاصله. كما تهاوت مؤسسة الشرطة. عقب ذلك بدأ يظهر سؤال عما يمكن أن يصلح حال هذا البلد قبل فوات الأوان. شرع الدكتور علي زيدان، الذي جرى اختياره كرئيس للوزراء في ذلك الوقت، في وضع خطة، بالتعاون مع أطراف دولية، تقضي بنزع سلاح الميليشيات وتعضيد الجيش والشرطة.
لم يكتب لخطط زيدان المرتبكة النجاح، لأسباب كثيرة يطول شرحها، لكن أهمها يكمن في عدم جدية المجتمع الدولي، ودول جوار أيضا، في مواجهة الخطر المتنامي في ليبيا. وفي آخر أيامه في ليبيا كان زيدان في مرمى نيران الميليشيات، حتى اضطر في نهاية المطاف لترك منصبه في ظروف مأساوية.
سطوة المسلحين كانت أكبر بكثير.. أكبر مما يعتقد بعض القادة المحليين وبعض المراقبين الإقليميين والدوليين. ميزات رئيسية حصلت عليها الميليشيات بعد سقوط نظام القذافي، ولم يكن من المحتمل أن تتخلى عنها بسهولة، لا في ذلك الوقت المبكر، ولا اليوم، حيث يحاول كل من السراج وكوبلر، الضغط لحل الأزمة حتى لو وقعت بعض الكسور هنا أو هناك.
* بعد سقوط القذافي
حين سقط نظام القذافي، لم يلتفت الحكام الجدد لبناء المؤسسات التي تمثل العمود الفقري لأي دولة، ألا وهي الجيش والشرطة. في المقابل منح هؤلاء الحكام للميليشيات حق حماية الدُّور الحكومية وحدود الدولة، البرية والبحرية، مقابل مليارات الدولارات سنويا. هنا كشف أمراء الحرب من المنتمين للجماعات المتطرفة عن الوجه الحقيقي للمرحلة الجديدة، خاصة عقب معركة 2014 التي احترق فيها مطار طرابلس الدولي بما فيه من طائرات.
منذ ذلك الوقت اختلط الحابل بالنابل. دخل على الخط جماعات لتهريب السلاح والمقاتلين والمهاجرين غير الشرعيين، لدرجة أصبحت مقلقة لأوروبا وجيران ليبيا الآخرين. ومن جديد بدأ الضغط الدولي يتزايد في محاولة لرأب الصدع. فالبرلمان السابق (المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته في صيف 2014) لا يريد أن يعترف بالبرلمان الجديد، ولا بالقوات المسلحة التي أعاد الفريق أول خليفة حفتر تجميعها لمحاربة الميليشيات المتطرفة انطلاقا من شرق البلاد.
المخاوف من تحول ليبيا، الواقعة على السواحل الجنوبية للبحر المتوسط، إلى دولة فاشلة، جعل المنظمة الدولية تتدخل مرة أخرى، لكن يبدو أنها أمسكت بأوراق لا تحقق مكاسب تذكر على طاولة معقدة. قامت بتسمية ممثل جديد للأمين العام للأمم المتحدة، وهو الإسباني برناردينو ليون. كان ليون يسعى لعقد مصالحة بين البرلمان الجديد ونحو عشرين نائبا ممن يوالون سلطة الميلشيات المدعومة من المؤتمر الوطني العام الذي استمر في عقد جلساته في طرابلس.
تسببت لقاءات ليون مع الفرقاء الليبيين في حلحلة الكثير من الأمور، وتقريب بعض من وجهات النظر، انتهت إلى الشروع فيما أصبح يعرف بسلسلة مفاوضات «الصخيرات» المسماة على البلدة المغربية التي كانت تعقد فيها. ظهر لأول مرة اقتراح اسم السراج كرئيس لحكومة الوفاق.
منذ البداية كانت هناك علامة استفهام تحتاج لإجابة عن القوة التي سوف تحمي عمل الحكومة المقترحة. هل ستعتمد على الميليشيات المسلحة، وبالتالي العودة إلى المربع صفر، كما كان الحال عقب مقتل القذافي. أم يكون الاعتماد على الجيش بقيادة حفتر. أم ما بين هذا وذاك.
* بعد ليون.. كوبلر
انتهت مدة عمل ليون، وجاء من بعده كوبلر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ليجد نفس علامة الاستفهام وقد تضخمت وأصبحت أكبر من السابق. القوى الفاعلة على الأرض غير موجودة في مفاوضات الصخيرات. واللقاءات التي تعقد مع بعض قادتها، كل على حدة، تعقد في الخفاء.
المقصود بهذه القوى هي تلك التي تملك السلاح والعناصر المقاتلة. هي تكون من ثلاث جبهات.. الأولى قوات الجيش الوطني بقيادة حفتر. والثانية قوات الميليشيات، وأهمها الكتائب الأقرب إلى الشكل النظامي، وهذه موجودة لدى مدينة مصراتة وفي بعض ضواحي طرابلس، وفي منطقة الزنتان أيضا. والثالثة هي قوات ما يعرف باسم «جيش القبائل» وهو عبارة عن جيش تابع للقوات المسلحة الليبية، لكنه ظل لعدة أشهر لا يفضل الحرب تحت راية حفتر.
خيارات البعثة الأممية
لم يكن من بين خيارات البعثة الأممية في ليبيا العودة إلى الوراء لتصويب الأخطاء.. أي أنها فضلت الاستمرار في تجاهل المعادلة الخاصة بالقوات الممسكة بالأرض وكيفية التعامل معها مستقبلا. زار كوبلر الفريق أول حفتر، ونظمت المنظمة الدولية لقاءات مع قادة كتائب وبلديات من عدة مدن، لكن مسألة جمع هذه القوى في «بوتقة نظامية» واحدة، كان أمرا غير قابل للنقاش.
لهذا عاد السؤال مجددا. من سيحمي مسار كوبلر وحكومة التوافق التي اقترحها. الميليشيات أم الجيش؟ أم خليط مشترك وفق تصور جديد؟ وكيف يمكن الوصول إلى مخرج لهذه المعضلة؟ ومع ذلك ظل كوبلر يراهن على أن الجميع سيرضخ في نهاية المطاف لحلول الأمم المتحدة. أولا حكومة وفاق ثم إعادة ترتيب الوضع الأمني وضبطه.
أحيانا يقول أحدهم إن الأمر يشبه محاولة لتمرير فيل من خرم إبرة. هذا ممكن، لكنه يحتاج إلى كثير من الحيل والتربيطات. الفشل قد يتحول إلى كارثة. منذ نحو أربعة أشهر، يوجد مسار يبدو أنه الرهان الوحيد، بل الورقة الأخيرة، في يد ممثل المنظمة الدولية في ليبيا. قادة الميليشيات الرافضة للحكومة تعرف هذا. وكذلك قادة في الجيش. إنه الثقب نفسه.. يبدو أنه أخذ يتسع رويدا رويدا، بسبب الضغوط الدولية والتلويح بمعاقبة معرقلي حكومة الوفاق.
معلوم أن السراج من مواليد طرابلس، ولديه في عضوية مجلسه الرئاسي، قيادات من مصراتة ومن الجنوب، لها بعض السلطة على جانب من كتائب مدينتي طرابلس ومصراتة المجاورة لها. وعلى هذا الأساس جرى تشكيل لجنة أمنية لتهيئة طرابلس لمرحلة جديدة. لكن العاصمة فيها ما لا يقل عن 17 ميليشيا ترفض خطط كوبلر، ومن بين هذه الميليشيات من يوالي المؤتمر الوطني، والحكومة المنبثقة عنه والمعروفة باسم «حكومة الإنقاذ» برئاسة خليفة الغويل. كما توجد ميليشيات توالي الجماعة الليبية المقاتلة وأخرى توالي تنظيم داعش، وغيرها ممن يوالي الجناح الإخواني الرافض لحكومة التوافق أيضا. ولا يوجد تواجد للجيش الوطني بقيادة حفتر داخل طرابلس، لكن حتى هذا الجيش غير متحمس للحكومة المقترحة، ويرى بعض من قادته أنها «مجرد حكومة وصاية».
رغم كل هذه العراقيل، تمكن السراج، وبتعاون مع البعثة الأممية، من تشكيل «لجنة أمنية» تقوم في الوقت الحالي بالبناء على الموجود.. أي على المؤيدين للحكومة وخطط كوبلر، في كتائب من مصراتة ومن طرابلس. وحين حاول المبعوث الأممي دخول العاصمة، وجرى منعه من قبل المتشددين الرافضين له، كان يبدو أنه استعجل النتائج المتوقعة من «اللجنة الأمنية» المشار إليها.
ومع ذلك تمكنت هذه اللجنة من التوصل إلى وضع خطة تتكون من ثلاثة نطاقات أمنية، لكي تؤمن الحكومة، وتؤمن البعثة الأممية حين تأتي معها برئاسة كوبلر. ووفقا لأحدث معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصادر قريبة من قادة طرابلس، فإن المقترح لشغل النطاق الأمني الأول، كتيبة الحلبوص (أساسا من مدينة مصراتة)، على أن يكون في النطاق الأمني الثاني كتائب من طرابلس، بينما تختص قوات «مديرية أمن العاصمة» بالنطاق الأمني الثالث. كما ستشارك قوات من جهاز البحث الجنائي الليبي وقوات (يقال: إنهم مستشارو أمن) من عدة بلدان أوروبية، في تأمين مقر الحكومة.
* الوضع الحالي
الخطة بدأت تطبق على أرض الواقع. ففي اليومين الماضيين جرى مخاطبة 20 معسكرا للميليشيات والكتائب من طرابلس ومن مصراتة، لكي يرسل كل منها 15 عنصرا للتدريب على عملية التأمين، ومن ثم التوزيع على النطاقات الأمنية الثلاثة التي ستشكل طوقا حول مقر الحكومة لحمايته. ويقول مسؤول في هذه اللجنة إن «هذه دفعة أولى.. كل دفعة تتكون من 300 عنصر، وخلال اليومين المقبلين سيكون قد جرى الانتهاء من تدريب نحو ألف رجل لمساعدة باقي القوات على تأمين مقار الحكومة المقرر أن تكون في قرية سياحية قريبة من مقار الأمم المتحدة الأصلية في طرابلس».
ومع ذلك يبدو الوضع صعبا في ظل وجود كتائب وميليشيات وعناصر مسلحة أخرى رافضة للحكومة.. «حتى كتيبة الحلبوص فيها متشددون يرفضون الحكومة.. كما أن كتيبة المحجوب (من مصراتة أيضا) فيها قادة غير متحمسين لخطة كوبلر والسراج»، ناهيك عن قوات طرابلس الأخرى الرافضة لحكومة التوافق منذ البداية، ومنها المجاميع المسلحة الموالية لقيادات في المؤتمر الوطني المنتهية ولايته ولحكومة الإنقاذ وتجمع «لواء الصمود».
دخول السراج إلى طرابلس كرئيس لأعلى سلطة (المجلس الرئاسي) في هذا البلد، له دلالات أخرى مهمة. منها على سبيل المثال أنه سيكون أول حاكم لليبيا منذ مئات السنين يكون من مواليد طرابلس في غرب البلاد. معروف أنه بعد حقبة الحكم القرمنلي (التركي) ثم الإيطالي، جاء الملك إدريس في مطلع خمسينات القرن الماضي، من المنطقة الشرقية، ثم خلفه القذافي من مدينة سرت في الشمال الأوسط من البلاد. هذا، في بعض الأحيان، يتحول لموضوع مثير للحماس في جلسات طرابلس المسائية. من الخلف يواصل كوبلر ضغوطه لإنجاح مخرجات حوار الصخيرات.
هناك تلويح بفرض عقوبات دولية على رئيس المؤتمر الوطني وعلى حكومة الإنقاذ، وعلى البرلمان، وعلى قادة آخرين. كما يوجد عامل آخر مساعد يمكن أن يعجل بإنجاح مهمة كوبلر، وهو الواقع الاقتصادي السيئ الذي مسَّ بمرارته عموم الليبيين.. رغيف الخبز من الحجم الكبير ارتفع سعره خلال فترة قصيرة من ربع دينار إلى أربعة دنانير، كما أن الدولار ارتفع سعره في السوق السوداء من 1.28 دينار إلى أكثر من 3 دنانير، واليورو من 1.40 دينار إلى نحو 4 دنانير. وبينما يخشى قادة الميليشيات من انتفاضة في طرابلس ضد التدهور الاقتصادي والانفلات الأمني، وضد المسلحين، يواصل أمراء الحرب الرافضين للسراج تحدي المجتمع الدولي، ورفض دعوات كوبلر بمنح الحكومة فرصة.. حتى بعض الأطراف التي أيدت مخرجات الحوار، يوجد لديها تعاون من وراء الستار مع بعض المتطرفين، خوفا من المستقبل. فقد أعلنت حكومة الغويل النفير العام، بالتزامن مع تعليمات من قادة تنظيم داعش للتجمع في طرابلس لمنع دخول السراج للعاصمة.
**محطات كوبلر
* منذ تعيينه في موقع المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا في الرابع من نوفمبر الماضي، وقفت التنظيمات المتطرفة وغالبية الميليشيات المسلحة في طرابلس ضد مهمة مارتن كوبلر لإيجاد حكومة وفاق وطني. لكن الدبلوماسي الألماني المولود عام 1953 في شتوتغارت، أبدى تحديا لكي يخرج بليبيا إلى بر الأمان.
* أطراف ليبية شاركت في حوار بلدة الصخيرات المغربية طيلة نحو 18 شهرا، توصلت برعاية كوبلر للتوقيع على «اتفاق نهائي» في منتصف ديسمبر (كانون الأول) لتشكيل حكومة الوفاق، ومنذ ذلك الوقت بدا المبعوث الأممي متفائلا، خاصة بعد حضور ممثلين عن مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام ومجالس بلدية وأحزاب سياسية، لكن تغير مواقف البعض أصاب كوبلر بالغضب.
* يفترض أن تحظى حكومة السراج بثقة البرلمان الحالي الذي يعقد جلساته في طبرق، لكن هذه الخطوة تأخرت كثيرا فيما عده بعض المراقبين مماطلات، خاصة فيما يتعلق بمادة الاتفاق الخاصة بوضع القوات المسلحة، والدعوة لتعديلها. وقال كوبلر بعد توقيع اتفاق الصخيرات بنحو أربعين يوما، إن أي تعديل «يجب أن يكون متماشيا مع الآلية التي وضعها الاتفاق».
* بادر كوبلر بالترحيب بأول إعلان من المجلس الرئاسي الليبي لوزراء حكومة التوافق، في منتصف الشهر الماضي، وعده إنجازا كبيرا لبداية جديدة، وقال: إن أنظار الشعب الليبي تتجه صوب حكومة الوفاق لممارسة سلطاتها والعمل بإصرار من أجل إعادة توحيد مؤسسات الدولة واستعادة الاستقرار والأمن، إلا أنه، بعد ذلك، لم ينكر العقبات التي تواجه العملية برمتها.
* أول تحرك عملي ضد البعثة الأممية كان من جانب معارضي حكومة السراج في طرابلس، في الأسبوع الأول من هذا الشهر، وذلك حين جرى احتجاز ثلاثة من أعضاء اللجنة الأمنية المؤقتة في العاصمة. وأعرب كوبلر عن قلقه من هذا الاحتجاز الذي استمر لفترة وجيرة، وطالب «كافة الأطراف» و«السلطات المعنية على الأرض» إلى التعاون الكامل مع اللجنة الأمنية المؤقتة المنبثقة عن الحوار السياسي.
* قبل يومين كان كوبلر يعتزم زيارة طرابلس لتمهيد الطريق أمام وصول السراج وفريقه، لكن الحكومة المدعومة من الميليشيات في العاصمة (وغير المعترف بها دوليا) أعلنت عن منع طائرة المبعوث الأممي من الهبوط في طرابلس وإلغاء زيارته.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.