ما تبقى من أوراق كوبلر في ليبيا

لعبة «القط والفأر» بين المبعوث الأممي والميليشيات

ما تبقى من أوراق كوبلر في ليبيا
TT

ما تبقى من أوراق كوبلر في ليبيا

ما تبقى من أوراق كوبلر في ليبيا

شهدت الأيام الأخيرة الماضية مزيدًا من المؤشرات التي توحي بأن التسوية الدولية المعدّة للأزمة الليبية ما زالت تواجه بعض الصعوبات. إذ اضطر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر لإلغاء زيارته المقررة إلى طرابلس بهدف «تمهيد الطريق أمام المجلس الرئاسي» الليبي المنبثق عن اتفاق السلام الموقع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي في الصخيرات بالمغرب، وذلك بعدما قوبلت هذه الزيارة بالرفض من القوى المسيطرة على العاصمة. وفي المقابل، طالبت هذه القوى ممثلة بمن تصف نفسها بـ«حكومة الإنقاذ» الأمم المتحدة «بفتح تحقيق في سلوك مبعوثها في ليبيا»، واعتبر رئيسها خليفة الغويل أن كوبلر يدير الأزمة الليبية «بطريقة لا تمت بصلة للوضع في ليبيا»، وأن البعثة الأممية أدارت اجتماعات الصخيرات بطريقة الإقصاء.
كل هذا الجدل.. وكل هذه المناورات الجارية حول الطاولة، تشبه إلى حد بعيد لعبة «القط والفأر» بين المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، والميليشيات التي تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس، إضافة إلى قوى أخرى تظهر وتختفي من المشهد.
الرهان منذ البداية كان يعتمد على أوراق ميليشيات من مدينة مصراتة المجاورة، لمساندة «حكومة الوفاق» المقترحة من الأمم المتحدة، لكن ماذا تبقى من هذه الأوراق اليوم؟ فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، لم يتمكن حتى الآن من دخول طرابلس، لمباشرة أعماله. كما أن كوبلر نفسه حاول المجيء إلى هنا، لكن تهديدات المسلحين حالت دون ذلك.
رغم كل شيء ما زال هناك أمل. طرابلس مدينة كبيرة. والخطة الجارية على الأرض، والتي يشرف عليها كوبلر والسراج، وأطراف أخرى، تهدف إلى تأمين موقع معين يوجد على شاطئ البحر، يشبه «المنطقة الخضراء» في العاصمة العراقية بغداد، يكون مقرا للحكومة «الشرعية» حسب الاعتراف الدولي.
حتى الآن توجد ثلاثة نطاقات أمنية يجري تحضيرها على قدم وساق، لكي تتولى حراسة مكاتب السراج قبل قدومه من تونس إلى العاصمة. وقد يلحق به كوبلر فيما بعد. هذا أمر محفوف بكثير من المخاطر أيضا. لغة الرفض تبدو حادة وهناك قناصون جرى توزيعهم، قبل عدة أيام، على أسطح عدد من مباني العاصمة؛ في جنزور وقرب فندق المهاري وفي نطاق مستشفى السكري.
* علاقة توتر قديمة
العلاقة المتوترة بين الأمم المتحدة وبعض الميليشيات المسلحة ليست وليدة اليوم. والأمر لا يخص كوبلر كشخص، بل يتعلق بطريقة معالجة المنظمة الدولية للأزمة في ليبيا على ما يبدو. كل طرف في هذا البلد ينظر إلى القضية من زاوية خاصة. غالبا لا أحد يرى الهدف المشترك الذي يمكن أن يوحد الليبيين، ألا وهو إنقاذ الاقتصاد المنهار وحفظ الأمن وبناء الدولة.
لقد دخلت الأمم المتحدة على خط الأزمة الليبية مجددًا في أواخر عام 2014، أي بعد نحو أربع سنوات من القرارات السريعة التي كانت قد اتخذتها ضد نظام معمّر القذافي في 2011. بما فيها منح حلف شمال الأطلسي «ناتو» الضوء الأخضر للتصرف عسكريا في هذا البلد النفطي.
النتيجة منذ البداية كانت كارثية، وهو أمر تحدث عنه صراحة، في الشهور الماضية، رئيس أكبر دولة مجاورة لليبيا، وهي مصر، كما تطرق إليه رئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما.
بعد مقتل معمر القذافي تراجعت الأمم المتحدة خطوات للوراء، إلى أن وقع «الهجوم الإرهابي» على القنصلية الأميركية في بنغازي، ومقتل سفير الولايات المتحدة وثلاثة من رفاقه في مقر القنصلية، في سبتمبر (أيلول) 2012. ومع هذا الحادث، ظهر على السطح اسم أول مبعوث أممي لليبيا، هو الوزير اللبناني السابق الدكتور طارق متري. كما ظهر على المسرح أيضا حقيقة سطوة الميليشيات على حساب الجيش والشرطة. لقد تعرض الجيش الليبي لضربات من الناتو قصمت ظهره وشلت مفاصله. كما تهاوت مؤسسة الشرطة. عقب ذلك بدأ يظهر سؤال عما يمكن أن يصلح حال هذا البلد قبل فوات الأوان. شرع الدكتور علي زيدان، الذي جرى اختياره كرئيس للوزراء في ذلك الوقت، في وضع خطة، بالتعاون مع أطراف دولية، تقضي بنزع سلاح الميليشيات وتعضيد الجيش والشرطة.
لم يكتب لخطط زيدان المرتبكة النجاح، لأسباب كثيرة يطول شرحها، لكن أهمها يكمن في عدم جدية المجتمع الدولي، ودول جوار أيضا، في مواجهة الخطر المتنامي في ليبيا. وفي آخر أيامه في ليبيا كان زيدان في مرمى نيران الميليشيات، حتى اضطر في نهاية المطاف لترك منصبه في ظروف مأساوية.
سطوة المسلحين كانت أكبر بكثير.. أكبر مما يعتقد بعض القادة المحليين وبعض المراقبين الإقليميين والدوليين. ميزات رئيسية حصلت عليها الميليشيات بعد سقوط نظام القذافي، ولم يكن من المحتمل أن تتخلى عنها بسهولة، لا في ذلك الوقت المبكر، ولا اليوم، حيث يحاول كل من السراج وكوبلر، الضغط لحل الأزمة حتى لو وقعت بعض الكسور هنا أو هناك.
* بعد سقوط القذافي
حين سقط نظام القذافي، لم يلتفت الحكام الجدد لبناء المؤسسات التي تمثل العمود الفقري لأي دولة، ألا وهي الجيش والشرطة. في المقابل منح هؤلاء الحكام للميليشيات حق حماية الدُّور الحكومية وحدود الدولة، البرية والبحرية، مقابل مليارات الدولارات سنويا. هنا كشف أمراء الحرب من المنتمين للجماعات المتطرفة عن الوجه الحقيقي للمرحلة الجديدة، خاصة عقب معركة 2014 التي احترق فيها مطار طرابلس الدولي بما فيه من طائرات.
منذ ذلك الوقت اختلط الحابل بالنابل. دخل على الخط جماعات لتهريب السلاح والمقاتلين والمهاجرين غير الشرعيين، لدرجة أصبحت مقلقة لأوروبا وجيران ليبيا الآخرين. ومن جديد بدأ الضغط الدولي يتزايد في محاولة لرأب الصدع. فالبرلمان السابق (المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته في صيف 2014) لا يريد أن يعترف بالبرلمان الجديد، ولا بالقوات المسلحة التي أعاد الفريق أول خليفة حفتر تجميعها لمحاربة الميليشيات المتطرفة انطلاقا من شرق البلاد.
المخاوف من تحول ليبيا، الواقعة على السواحل الجنوبية للبحر المتوسط، إلى دولة فاشلة، جعل المنظمة الدولية تتدخل مرة أخرى، لكن يبدو أنها أمسكت بأوراق لا تحقق مكاسب تذكر على طاولة معقدة. قامت بتسمية ممثل جديد للأمين العام للأمم المتحدة، وهو الإسباني برناردينو ليون. كان ليون يسعى لعقد مصالحة بين البرلمان الجديد ونحو عشرين نائبا ممن يوالون سلطة الميلشيات المدعومة من المؤتمر الوطني العام الذي استمر في عقد جلساته في طرابلس.
تسببت لقاءات ليون مع الفرقاء الليبيين في حلحلة الكثير من الأمور، وتقريب بعض من وجهات النظر، انتهت إلى الشروع فيما أصبح يعرف بسلسلة مفاوضات «الصخيرات» المسماة على البلدة المغربية التي كانت تعقد فيها. ظهر لأول مرة اقتراح اسم السراج كرئيس لحكومة الوفاق.
منذ البداية كانت هناك علامة استفهام تحتاج لإجابة عن القوة التي سوف تحمي عمل الحكومة المقترحة. هل ستعتمد على الميليشيات المسلحة، وبالتالي العودة إلى المربع صفر، كما كان الحال عقب مقتل القذافي. أم يكون الاعتماد على الجيش بقيادة حفتر. أم ما بين هذا وذاك.
* بعد ليون.. كوبلر
انتهت مدة عمل ليون، وجاء من بعده كوبلر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ليجد نفس علامة الاستفهام وقد تضخمت وأصبحت أكبر من السابق. القوى الفاعلة على الأرض غير موجودة في مفاوضات الصخيرات. واللقاءات التي تعقد مع بعض قادتها، كل على حدة، تعقد في الخفاء.
المقصود بهذه القوى هي تلك التي تملك السلاح والعناصر المقاتلة. هي تكون من ثلاث جبهات.. الأولى قوات الجيش الوطني بقيادة حفتر. والثانية قوات الميليشيات، وأهمها الكتائب الأقرب إلى الشكل النظامي، وهذه موجودة لدى مدينة مصراتة وفي بعض ضواحي طرابلس، وفي منطقة الزنتان أيضا. والثالثة هي قوات ما يعرف باسم «جيش القبائل» وهو عبارة عن جيش تابع للقوات المسلحة الليبية، لكنه ظل لعدة أشهر لا يفضل الحرب تحت راية حفتر.
خيارات البعثة الأممية
لم يكن من بين خيارات البعثة الأممية في ليبيا العودة إلى الوراء لتصويب الأخطاء.. أي أنها فضلت الاستمرار في تجاهل المعادلة الخاصة بالقوات الممسكة بالأرض وكيفية التعامل معها مستقبلا. زار كوبلر الفريق أول حفتر، ونظمت المنظمة الدولية لقاءات مع قادة كتائب وبلديات من عدة مدن، لكن مسألة جمع هذه القوى في «بوتقة نظامية» واحدة، كان أمرا غير قابل للنقاش.
لهذا عاد السؤال مجددا. من سيحمي مسار كوبلر وحكومة التوافق التي اقترحها. الميليشيات أم الجيش؟ أم خليط مشترك وفق تصور جديد؟ وكيف يمكن الوصول إلى مخرج لهذه المعضلة؟ ومع ذلك ظل كوبلر يراهن على أن الجميع سيرضخ في نهاية المطاف لحلول الأمم المتحدة. أولا حكومة وفاق ثم إعادة ترتيب الوضع الأمني وضبطه.
أحيانا يقول أحدهم إن الأمر يشبه محاولة لتمرير فيل من خرم إبرة. هذا ممكن، لكنه يحتاج إلى كثير من الحيل والتربيطات. الفشل قد يتحول إلى كارثة. منذ نحو أربعة أشهر، يوجد مسار يبدو أنه الرهان الوحيد، بل الورقة الأخيرة، في يد ممثل المنظمة الدولية في ليبيا. قادة الميليشيات الرافضة للحكومة تعرف هذا. وكذلك قادة في الجيش. إنه الثقب نفسه.. يبدو أنه أخذ يتسع رويدا رويدا، بسبب الضغوط الدولية والتلويح بمعاقبة معرقلي حكومة الوفاق.
معلوم أن السراج من مواليد طرابلس، ولديه في عضوية مجلسه الرئاسي، قيادات من مصراتة ومن الجنوب، لها بعض السلطة على جانب من كتائب مدينتي طرابلس ومصراتة المجاورة لها. وعلى هذا الأساس جرى تشكيل لجنة أمنية لتهيئة طرابلس لمرحلة جديدة. لكن العاصمة فيها ما لا يقل عن 17 ميليشيا ترفض خطط كوبلر، ومن بين هذه الميليشيات من يوالي المؤتمر الوطني، والحكومة المنبثقة عنه والمعروفة باسم «حكومة الإنقاذ» برئاسة خليفة الغويل. كما توجد ميليشيات توالي الجماعة الليبية المقاتلة وأخرى توالي تنظيم داعش، وغيرها ممن يوالي الجناح الإخواني الرافض لحكومة التوافق أيضا. ولا يوجد تواجد للجيش الوطني بقيادة حفتر داخل طرابلس، لكن حتى هذا الجيش غير متحمس للحكومة المقترحة، ويرى بعض من قادته أنها «مجرد حكومة وصاية».
رغم كل هذه العراقيل، تمكن السراج، وبتعاون مع البعثة الأممية، من تشكيل «لجنة أمنية» تقوم في الوقت الحالي بالبناء على الموجود.. أي على المؤيدين للحكومة وخطط كوبلر، في كتائب من مصراتة ومن طرابلس. وحين حاول المبعوث الأممي دخول العاصمة، وجرى منعه من قبل المتشددين الرافضين له، كان يبدو أنه استعجل النتائج المتوقعة من «اللجنة الأمنية» المشار إليها.
ومع ذلك تمكنت هذه اللجنة من التوصل إلى وضع خطة تتكون من ثلاثة نطاقات أمنية، لكي تؤمن الحكومة، وتؤمن البعثة الأممية حين تأتي معها برئاسة كوبلر. ووفقا لأحدث معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصادر قريبة من قادة طرابلس، فإن المقترح لشغل النطاق الأمني الأول، كتيبة الحلبوص (أساسا من مدينة مصراتة)، على أن يكون في النطاق الأمني الثاني كتائب من طرابلس، بينما تختص قوات «مديرية أمن العاصمة» بالنطاق الأمني الثالث. كما ستشارك قوات من جهاز البحث الجنائي الليبي وقوات (يقال: إنهم مستشارو أمن) من عدة بلدان أوروبية، في تأمين مقر الحكومة.
* الوضع الحالي
الخطة بدأت تطبق على أرض الواقع. ففي اليومين الماضيين جرى مخاطبة 20 معسكرا للميليشيات والكتائب من طرابلس ومن مصراتة، لكي يرسل كل منها 15 عنصرا للتدريب على عملية التأمين، ومن ثم التوزيع على النطاقات الأمنية الثلاثة التي ستشكل طوقا حول مقر الحكومة لحمايته. ويقول مسؤول في هذه اللجنة إن «هذه دفعة أولى.. كل دفعة تتكون من 300 عنصر، وخلال اليومين المقبلين سيكون قد جرى الانتهاء من تدريب نحو ألف رجل لمساعدة باقي القوات على تأمين مقار الحكومة المقرر أن تكون في قرية سياحية قريبة من مقار الأمم المتحدة الأصلية في طرابلس».
ومع ذلك يبدو الوضع صعبا في ظل وجود كتائب وميليشيات وعناصر مسلحة أخرى رافضة للحكومة.. «حتى كتيبة الحلبوص فيها متشددون يرفضون الحكومة.. كما أن كتيبة المحجوب (من مصراتة أيضا) فيها قادة غير متحمسين لخطة كوبلر والسراج»، ناهيك عن قوات طرابلس الأخرى الرافضة لحكومة التوافق منذ البداية، ومنها المجاميع المسلحة الموالية لقيادات في المؤتمر الوطني المنتهية ولايته ولحكومة الإنقاذ وتجمع «لواء الصمود».
دخول السراج إلى طرابلس كرئيس لأعلى سلطة (المجلس الرئاسي) في هذا البلد، له دلالات أخرى مهمة. منها على سبيل المثال أنه سيكون أول حاكم لليبيا منذ مئات السنين يكون من مواليد طرابلس في غرب البلاد. معروف أنه بعد حقبة الحكم القرمنلي (التركي) ثم الإيطالي، جاء الملك إدريس في مطلع خمسينات القرن الماضي، من المنطقة الشرقية، ثم خلفه القذافي من مدينة سرت في الشمال الأوسط من البلاد. هذا، في بعض الأحيان، يتحول لموضوع مثير للحماس في جلسات طرابلس المسائية. من الخلف يواصل كوبلر ضغوطه لإنجاح مخرجات حوار الصخيرات.
هناك تلويح بفرض عقوبات دولية على رئيس المؤتمر الوطني وعلى حكومة الإنقاذ، وعلى البرلمان، وعلى قادة آخرين. كما يوجد عامل آخر مساعد يمكن أن يعجل بإنجاح مهمة كوبلر، وهو الواقع الاقتصادي السيئ الذي مسَّ بمرارته عموم الليبيين.. رغيف الخبز من الحجم الكبير ارتفع سعره خلال فترة قصيرة من ربع دينار إلى أربعة دنانير، كما أن الدولار ارتفع سعره في السوق السوداء من 1.28 دينار إلى أكثر من 3 دنانير، واليورو من 1.40 دينار إلى نحو 4 دنانير. وبينما يخشى قادة الميليشيات من انتفاضة في طرابلس ضد التدهور الاقتصادي والانفلات الأمني، وضد المسلحين، يواصل أمراء الحرب الرافضين للسراج تحدي المجتمع الدولي، ورفض دعوات كوبلر بمنح الحكومة فرصة.. حتى بعض الأطراف التي أيدت مخرجات الحوار، يوجد لديها تعاون من وراء الستار مع بعض المتطرفين، خوفا من المستقبل. فقد أعلنت حكومة الغويل النفير العام، بالتزامن مع تعليمات من قادة تنظيم داعش للتجمع في طرابلس لمنع دخول السراج للعاصمة.
**محطات كوبلر
* منذ تعيينه في موقع المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا في الرابع من نوفمبر الماضي، وقفت التنظيمات المتطرفة وغالبية الميليشيات المسلحة في طرابلس ضد مهمة مارتن كوبلر لإيجاد حكومة وفاق وطني. لكن الدبلوماسي الألماني المولود عام 1953 في شتوتغارت، أبدى تحديا لكي يخرج بليبيا إلى بر الأمان.
* أطراف ليبية شاركت في حوار بلدة الصخيرات المغربية طيلة نحو 18 شهرا، توصلت برعاية كوبلر للتوقيع على «اتفاق نهائي» في منتصف ديسمبر (كانون الأول) لتشكيل حكومة الوفاق، ومنذ ذلك الوقت بدا المبعوث الأممي متفائلا، خاصة بعد حضور ممثلين عن مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام ومجالس بلدية وأحزاب سياسية، لكن تغير مواقف البعض أصاب كوبلر بالغضب.
* يفترض أن تحظى حكومة السراج بثقة البرلمان الحالي الذي يعقد جلساته في طبرق، لكن هذه الخطوة تأخرت كثيرا فيما عده بعض المراقبين مماطلات، خاصة فيما يتعلق بمادة الاتفاق الخاصة بوضع القوات المسلحة، والدعوة لتعديلها. وقال كوبلر بعد توقيع اتفاق الصخيرات بنحو أربعين يوما، إن أي تعديل «يجب أن يكون متماشيا مع الآلية التي وضعها الاتفاق».
* بادر كوبلر بالترحيب بأول إعلان من المجلس الرئاسي الليبي لوزراء حكومة التوافق، في منتصف الشهر الماضي، وعده إنجازا كبيرا لبداية جديدة، وقال: إن أنظار الشعب الليبي تتجه صوب حكومة الوفاق لممارسة سلطاتها والعمل بإصرار من أجل إعادة توحيد مؤسسات الدولة واستعادة الاستقرار والأمن، إلا أنه، بعد ذلك، لم ينكر العقبات التي تواجه العملية برمتها.
* أول تحرك عملي ضد البعثة الأممية كان من جانب معارضي حكومة السراج في طرابلس، في الأسبوع الأول من هذا الشهر، وذلك حين جرى احتجاز ثلاثة من أعضاء اللجنة الأمنية المؤقتة في العاصمة. وأعرب كوبلر عن قلقه من هذا الاحتجاز الذي استمر لفترة وجيرة، وطالب «كافة الأطراف» و«السلطات المعنية على الأرض» إلى التعاون الكامل مع اللجنة الأمنية المؤقتة المنبثقة عن الحوار السياسي.
* قبل يومين كان كوبلر يعتزم زيارة طرابلس لتمهيد الطريق أمام وصول السراج وفريقه، لكن الحكومة المدعومة من الميليشيات في العاصمة (وغير المعترف بها دوليا) أعلنت عن منع طائرة المبعوث الأممي من الهبوط في طرابلس وإلغاء زيارته.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.