عقوبات أميركية جديدة ضد إيران على صلة بالبرنامج الباليستي

واشنطن تتهم طهران رسميًا بشن هجمات إلكترونية على بنوك ومؤسسات مالية

مسؤولون في القضاء الأميركي خلال مؤتمر صحافي أمس أثناء إعلانهم هوية المتهمين الإيرانيين بالتجسس الإلكتروني (أ.ف.ب)
مسؤولون في القضاء الأميركي خلال مؤتمر صحافي أمس أثناء إعلانهم هوية المتهمين الإيرانيين بالتجسس الإلكتروني (أ.ف.ب)
TT

عقوبات أميركية جديدة ضد إيران على صلة بالبرنامج الباليستي

مسؤولون في القضاء الأميركي خلال مؤتمر صحافي أمس أثناء إعلانهم هوية المتهمين الإيرانيين بالتجسس الإلكتروني (أ.ف.ب)
مسؤولون في القضاء الأميركي خلال مؤتمر صحافي أمس أثناء إعلانهم هوية المتهمين الإيرانيين بالتجسس الإلكتروني (أ.ف.ب)

أضافت الخزانة الأميركية عددًا جديدًا من الإيرانيين والشركات الإيرانية والأجنبية على لائحة العقوبات على صلة بالبرنامج الصاروخي الإيراني، وكذلك انتهاك العقوبات المفروضة على إيران، فيما وجه القضاء الأميركي تهما ضد إيرانيين على صلة بالحرس الثوري الإيراني لشنهم هجمات إلكترونية ضد مؤسسات مالية ومنشآت أميركية.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية إدراج شركتين إيرانيتين على القائمة السوداء للوزارة ومعاقبة اثنين من رجال الأعمال البريطانيين واتهامهما بمساندة إيران في برنامجها للصواريخ البالستية ومساعدة شركة طيران «ماهان إير» التابعة للحرس الثوري الإيراني.
وأوضحت وزارة الخزانة الأميركية، صباح أمس (الخميس)، أنها أدرجت شركتي «شهيد نوري» و«شهيد موسوي» الصناعيتين لعملهما في مساندة مجموعة «شهيد همت» الصناعية التي تقول الولايات المتحدة إنها الشركة المسؤولة عن برامج إيران للصواريخ البالستية وإمداد البرنامج بالوقود السائل. وتمتد العقوبات لتشمل مركز قيادة «الغدير» للصواريخ التابع للحرس الثوري الإيراني الذي تقول الولايات المتحدة إنه الجهة التي تملك السيطرة التشغيلية للصواريخ البالستية في إيران.
وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية اثنين من رجال الأعمال البريطانيين هما جيفري جون جيمس أشفيلد، وجون إدوارد ميدوز، لقيامهما بإدارة أعمال تقدم الدعم إلى شركة «ماهان إير» للطيران وبيع قطع غيار للطائرات، وهي الشركة التي تتهمها الولايات المتحدة بنقل الأموال والأسلحة للحرس الثوري الإيراني.
وقالت وزارة الخزانة إن شركة «ماهان إير» للطيران مدرجة على القائمة السوداء للعقوبات، لأنها لا تزال تدعم الإجراءات الحكومية الإيرانية لزعزعة الاستقرار في المنطقة من خلال القيام بطلعات جوية إلى سوريا، من أجل نقل المقاتلين والأموال واتهامها بالتعاون مع «فيلق القدس» الإيراني.
على صعيد متصل، قال آدم زوبين، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، إن «برنامج إيران للصواريخ البالستية ودعمها للإرهاب يشكل تهديدا مستمرا للمنطقة وللولايات المتحدة وإلى شركائنا في جميع أنحاء العالم، وسنواصل استخدام كل أدواتنا بما في ذلك فرض العقوبات لمواجهة برنامج إيران للصواريخ البالستية ودعمها للأنشطة الإرهابية».
وبإدراج الشركات والأفراد على القائمة السوداء للعقوبات فإنه يتم بموجبها تجميد أي أصول (تملكها الشركات أو الأفراد الواقعون تحت العقوبات) داخل الولايات المتحدة، ويتم حظر العمل بينهم وبين الشركات الأميركية والأفراد. وتأتي هذه الخطوة بعد أن قامت إيران والحرس الثوري بتجارب صواريخ بالستية يومي 8 و9 مارس (آذار) الحالي في انتهاك للاتفاق النووي وقرارات الأمم المتحدة بمنع إيران من إطلاق تجارب صواريخ بالستية قادرة على حمل أسلحة نووية.
وكان المرشد الأعلى علي خامنئي قد هاجم الخزانة الأميركية، بسبب إعلانها فرض عقوبات جديدة على إيران عقب اختبار صواريخ بالستية الشهر الماضي، واتهم خامنئي أميركا بالتخلي عن الاتفاق النووي، كما وصف الاتفاق النووي ضمنيا بالخسارة لبلاده على الرغم من موافقته سابقا على تنفيذ الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى.
إلى ذلك، وجهت الإدارة الأميركية اتهامات إلى إيران بشن هجمات قرصنة إلكترونية في الفترة ما بين عامي 2011 و2013 على العشرات من البنوك والمؤسسات المالية الأميركية وسد صغير خارج مدينة نيويورك. وأعلنت وزارة العدل الأميركية لائحة الاتهام رسميا ضد سبعة إيرانيين يعتقد أنهم يعملون نيابة عن الحكومة الإيرانية، ووصفتهم لائحة الاتهام بأنهم قراصنة كومبيوتر من ذوي الخبرة.
وقالت وزيرة العدل الأميركية، إينش لورينا لينش، في مؤتمر صحافي صباح أمس (الخميس)، إنه «من خلال عملنا في إدارة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي ومكاتب المدعي العام الأميركي في جميع أنحاء البلاد سوف نستمر في متابعة التهديدات الإلكترونية واستخدام كل الوسائل المتاحة بما في ذلك توجيه اتهامات جنائية كما نقوم اليوم، ضد الأفراد الذين ينخرطون في أنشطة قرصنة وسلوك إجرامي، وسنسعى لاعتقالهم وملاحقتهم قضائيا في المحاكم الأميركية».
في الصدد ذاته، قال جيمس كوبي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، إن «الرسالة التي نواجهها أننا سنلاحق كل من يقف وراء الهجمات الإلكترونية ومحاسبتهم، وسنواجههم برد قوي أينما كانوا، ومهما حاولوا إخفاء هويتهم، وأقول لهم إنه لا يوجد لهم مكان آمن في هذا العالم الصغير».
وأشار مسؤولو وزارة العدل، في مؤتمر صحافي صباح أمس (الخميس)، إلى أن الهجمات الإلكترونية التي شنها الإيرانيون شملت ما لا يقل عن 46 مؤسسة مالية كبري وشركات القطاع المالي الأميركي، حيث قام القراصنة الإيرانيون بهجمات على أهداف مالية مثل «بنك أوف أميركا»، وبنك «كابيتول وان»، وشركة «جي بي مورجان» المالية، وبنك «تشيس»، وبورصتي نيويورك، وناسداك، وشركة الاتصالات «إيه تي آند تي» لإبطاء أنظمة الكومبيوتر، إضافة إلى محطات للمياه والتحرك في الفيضانات قرب مدينة نيويورك.
وقال مسؤولو وزارة العدل الأميركية إن أحد القراصنة، وهو حامد فيروزي، يواجه تهمة الدخول غير المصرح به إلى جهاز التحكم في سد «بومان» في مقاطعة «وستشستر» الذي يقع على بعد ثلاثين ميلا من شمال مدينة نيويورك، بهدف وقف عملياته، لكنه تمكن فقط من الدخول على الأنظمة المعاونة وليس على النظام التشغيلي للسد، إضافة إلى شن هجمات إلكترونية على عدد من الشركات المالية.
وقال المسؤولون إن المتهمين الإيرانيين عملوا على تعطيل خوادم الكومبيوتر (سيرفر)، في محاولة لمنع الشركات المالية الأميركية من ممارسة الأعمال التجارية مع عملائها عبر الإنترنت. وأدت تلك القرصنة إلى خسائر بعشرات الملايين من الدولارات، وأجبرت المصارف على اتخاذ خطوات إضافية لحماية أنظمتها الإلكترونية.
وشملت لائحة الاتهام أسماء لإيرانيين يعملون في اثنتين من الشركات الخاصة (هما شركتا «آي تي سكتيم» و«مرصد» الإلكترونية) المرتبطة بالحكومة الإيرانية و«فيلق القدس» والحرس الثوري الإيراني، ووجهت الاتهام إلى كل من أحمد فتحي، وحميد فيروزي، وأمين شوكوحي في شركة «آي تي سكتيم»، وكل من صديق أحمد زاديجان، وعميد جرفرنيان، وسينا قيصر، ونادر ساعدي في شركة «مرصد»، ويواجه الإيرانيون عقوبة السجن عشر سنوات عقب إدانتهم.
وتعد هذه هي المرة الثانية التي وجهت فيها الولايات المتحدة رسميا إلى دولة أخرى اتهاما بالقرصنة الإلكترونية. وقد سبق أن وجهت الولايات المتحدة في عام 2014 تهما للصين وخمسة من أعضاء جيش التحرير الشعبي الصيني بشن هجمات قرصنة ضد الشركات الأميركية وسرقة الأسرار التجارية، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية على مسؤولين في حكومة كوريا الشمالية، ردا على هجوم إلكتروني على شركة «سوني» للأفلام السينمائية العام الماضي.
ولعدة سنوات ظلت الحكومة الأميركية تتعامل مع القرصنة الإلكترونية التي تقوم بها الحكومات الأجنبية باعتبارها إحدى قضايا الأمن القومي، ولا يتم توجيه اتهامات رسمية مباشرة إما لأسباب دبلوماسية وإما استخباراتية.
ويقول المسؤولون بوزارة العدل إن الأمر مختلف وأكثر خطورة في القرصنة الإيرانية، وأشاروا إلى أن لائحة الاتهام ضد إيران تنطوي على استهداف للبنية التحتية الحيوية الأميركية. ويتكهن المسؤولون أن الإيرانيين قد شنوا تلك الهجمات الإلكترونية مرارا وتكرارا منذ عام 2012 مع البنوك ومحطات الطاقة والمطارات. ويأتي الاتهام على خلفية تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بعد إبرام الاتفاق النووي الإيراني مع الجمهورية الإيرانية.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.