سيف سبيعي: دراما البيئة الشامية لا ترتبط مع التاريخ بشكل صحيح

المخرج نفى وجود شللية في الدراما السورية.. وأعتبر دخول بعض مخرجي السينما على خط الإخراج التلفزيوني أمرا طبيعيا

سيف سبيعي خلال  تصوير أحد المسلسلات
سيف سبيعي خلال تصوير أحد المسلسلات
TT

سيف سبيعي: دراما البيئة الشامية لا ترتبط مع التاريخ بشكل صحيح

سيف سبيعي خلال  تصوير أحد المسلسلات
سيف سبيعي خلال تصوير أحد المسلسلات

أنهى مؤخرًا المخرج السوري سيف سبيعي أعمال التصوير والمونتاج لمسلسله الجديد «منبتدي منين الحكاية» الذي ينتمي لفئة المسلسلات الاجتماعية المعاصرة. وفي حوار معه، يكشف سيف سبيعي لـ«الشرق الأوسط» عن موضوع مسلسله الجديد وعن مشاريعه المقبلة، موضحًا: «(منبتدي منين الحكاية) عبارة عن قصة حب قديم تعود لخمسة عشر عامًا بين رجل وامرأة، حيث عمر الرجل 55 عامًا والمرأة 40 عامًا، والحب بينهما استمر 15 سنة، ويحاولان استعادة لحظات هذا الحب والفراق، والاثنان لم يستطع كلاهما التخلي عن الآخر، وذلك ضمن أجواء رومانسية. لقد استمتعت بهذا المسلسل وأنا أخرجه، وهو للكاتب فادي قوشقجي، وقد أصبح جاهزًا للعرض. ولدي مشروع مسلسل مقبل، وهو بعنوان (الحرملك)، ويتحدث عن العصر المملوكي في مدينتي دمشق والقاهرة، وسيكون في المحصلة حكاية، وليس تاريخيًا بالمطلق؛ أي هناك (حدوتة)، وهناك إطار تاريخي، وهذا يدخل ضمن أسلوبي ومشروعي الإخراجي، وسنبدأ بتصويره في العام الحالي، ولكن لن يعرض إلا في العام المقبل، وهو مؤلف من تسعين حلقة بثلاثة أجزاء، وما زلنا في طور الإعداد له، وأعتقد خلال شهرين سنطلق العمل به؛ حيث سيصوّر في الإمارات العربية المتحدة».
وهو على الرغم من أنه مخرج تلفزيوني، فإنه انتهى مؤخرًا من كتابة سيناريو فيلم سينمائي طويل بعنوان: «ليلة هادئة»، وينتظر موافقة المؤسسة العامة للسينما، للمباشرة بإخراجه، يبتسم سيف: «أخوض لأول مرة مجال السينما، وأنا متحمس له كمشروع جديد لي».. وأسأل سيف عن سبب اختياره ازدواجية كتابة الفيلم والإخراج أيضًا، وهذا ما فعله كثير من المخرجين السينمائيين السوريين، يجيب: «أنا كتبت فيلمًا، وليس كما فعل معظم المخرجين الذين كتبوا عن مدنهم ونشأتهم، فليس لدي ما أقوله عن نشأتي».
وحول دخول بعض مخرجي السينما على خط الإخراج التلفزيوني مؤخرًا، يرى سيف أن «الأمر طبيعي؛ ففي مصر جاءوا بمخرجين سينمائيين شباب ليخرجوا مسلسلات تلفزيونية، وكانت النتائج أكثر من ممتازة، فالجميع هنا يعمل باللغة نفسها، وهي لغة السينما، وهذا حصل منذ فترة طويلة، وكانت البداية مع المخرج هيثم حقي من خلال مشروع نقل اللغة السينمائية للتلفزيون، والأدوات نفسها، ولكن الفرق هنا هو في البنية النصية والتكثيف في السينما ونوع الكاميرا.. وبرأيي هو مكسب للتلفزيون عندما يعمل مخرجون سينمائيون في الدراما التلفزيونية مثل ما يقوم به حاليًا المخرج جود سعيد؛ حيث يخرج مسلسلاً تلفزيونيًا، فالعين السينمائية تبقى لديها ذائقة خاصة».
وعن رأيه فيما وصلت إليه دراما البيئة الشامية وهو الذي أخرج كثيرا من المسلسلات، يقول سيف: «أنا لا أخرج بيئة شامية، وما قدمته وأقدمه هو تاريخي عن دمشق أو أي مدينة أخرى. ما يهمني هنا أن يكون النص موثقًا، مع وجود الحكاية فيه، وليس تاريخيًا فقط، ومشكلة دراما البيئة الشامية أنها لا ترتبط مع التاريخ بشكل صحيح، فعندما نريد تقديم مسلسل عن دمشق يتحدث عن ثلاثينات أو أربعينات القرن الماضي، فيجب أن نأخذ بعين الاعتبار الظرف التاريخي لمدينة دمشق في ذلك العصر، وهذا الشيء لا تلتزم به مسلسلات الدراما الشامية، بالنسبة لي مثلاً عندما قدّمت مسلسل (طالع الفضة) وهو يتحدث عن بدايات القرن العشرين، أتيت بمكان موجود اسمه (طالع الفضة) وهو عبارة عن حارة ما زالت موجودة بدمشق القديمة، فلم أخترع حارة لا يُعرف من أين جاءت وليس لها وجود، أنا أتيت بظرف تاريخي وقدمت من خلاله (حدوتة) قد لا تكون تاريخية، ولكن تبقى حكاية».
وحول عمله ممثلاً ومؤديًا بالغناء أحيانًا مع الإخراج، قال سيف ضاحكًا: «أنا لست مغنيًا، وصوتي ليس جميلاً، والإخراج هو مشروعي الأساسي، أما التمثيل فعندما يكون لدي وقت فراغ فأمثل». وعن تجارب بعض الممثلين في مجال الإخراج، يقول سيف: «هناك تجارب نجحت، وأخرى فشلت، وهناك ممثلون لم يكملوا تجربتهم الإخراجية، أو بالعكس استمروا وتميزوا، وتحضرني هنا تجربة حاتم علي، فمن ممثل جيد إلى مخرج ممتاز، واستمر بالإخراج. بينما هناك ممثلون أخرجوا مسلسلاً واحدًا أو مسلسلين ولم يستمروا.. قد يكون السبب أنه لم يعجبهم العمل الإخراجي. فالإخراج ليس كالتمثيل؛ فالممثل هنا قد يتكثف العمل لديه لأسبوعين مثلاً، ولكنه يرتاح بعد ذلك لخمسة أيام، أما في الإخراج، فالموضوع مختلف جدًا».
وما أدوات المخرج الناجح؟ يتنهد سيف: «الإخراج عمل متعب وصعب، وأهم أدوات المخرج هي الثقافة أولاً وأخيرا، فهي الأساس والركيزة لأي مخرج ناجح، فلا أعتقد أن هناك مخرجًا ناجحًا إذا لم يقرأ 300 رواية على الأقل وبعمق وفهم، حتى يستطيع تحويل الكلام المكتوب إلى صورة، وبالتأكيد الدراسة الأكاديمية مهمة وتقدم أرضا أكثر صلابة، ولكن لا تعني شيئًا دون الثقافة، فمن السهل تعلم التقنيات».
ولسيف رأي في الممثلين اللبنانيين الذين عملوا في الدراما السورية والمشتركة خصوصا في السنوات الخمس الأخيرة، يوضحه قائلاً: «الدراما اللبنانية تشبهنا، وكان هناك ممثلون متميزون فرضوا أنفسهم بقوة وبشكل دائم، وآخرون عاديون، وهذا ما ينطبق على الممثلين السوريين أيضًا».
وحول ما يقال عن تعمق ظاهرة الشللية في الدراما السورية في السنوات الأخيرة، يقول سيف: «أنا لا أؤمن بمقولة الشللية، ولا أسميها شللية، فهناك أناس يرتاح المخرج للعمل معهم، ويتواصل معهم بطريقة أفضل وأسرع، فمن الطبيعي أن يكونوا من خياراته. بالنسبة لي لا أفكر بالشلة، فأي شخص أراه الأنسب للعمل معي أختاره، حتى لو كنت مختلفًا معه في رأي أو أسلوب ما».
وعن تناول المسلسلات السورية للأزمة الحالية في موضوعاتها، يرى سيف أنه من المبكّر التحدث عن الأزمة، «فلا أحد يعرف ماذا يحصل، فلا يمكن الحديث عن الأحداث السياسية بشكل واضح، لأننا لا نعرف ما الذي يحصل، ولا يجوز أن نطلق أحكامًا؛ هذا صح وذاك خطأ، من الممكن وبعد عشر سنوات من انتهاء الأزمة قد تنكشف الوثائق في وقتها ونعرف بشكل أفضل وأدق ماذا حصل، وقد نكتشف أن وراء الأكمة ما وراءها، على سبيل المثال أثناء الحرب اللبنانية، لم يكن أحد يعرف ماذا يحصل، أما حاليًا فصار الجميع يعرف، وصار يمكن الكتابة بدقة عنها بعد سنوات من انتهائها، ولكن من الممكن التحدث عن انعكاس هذه الأزمة على الناس خصوصا على وضعهم الاجتماعي».
وأسأل سيف المتعدد الهوايات؛ ماذا لو عرض عليه تقديم برنامج تلفزيوني، هل يقبل، وما نوع البرنامج الأحب إليه؟ يضحك سيف: «سيزعل مني باسم ياخور، فأنا أفضل تقديم برنامج (أمير الشعراء) لأنني أحب الشعر، فأتمنى تقديم برنامج شبيه بـ(أمير الشعراء)».
وحول علاقته مع طليقته الفنانة سلافة معمار وابنتيهما، يقول سيف: «العلاقة ممتازة، نحن صديقان، وهناك تواصل واحترام متبادل، و(دهب) هي الحياة كلّها».



ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».