شدد ريمون دومينيك خلال حديثه على أنه «الآن، لم أعد العدو الأول لفرنسا، وإنما تراجعت للمرتبة الثانية، بعد ساركوزي (الرئيس السابق لفرنسا)»، وقد أطلق هذه العبارة بروح مرحة، وذلك لأن حالته النفسية تحسنت كثيرًا الآن عما كانت عليه لدى عودته من الإخفاق المروع الذي منيت به فرنسا خلال بطولة كأس العالم لعام 2010، والذي أثار كراهية بالغة ضده كمدرب لدرجة أنه لدى عودته للمنزل بادر طفله البالغ ثلاث سنوات لسؤاله: «أبي، هل ستذهب إلى السجن؟».
ورغم أنه أعفي من مصير السجن، تظل الحقيقة أن مسيرة دومينيك في تدريب الفريق الوطني كتبت لها أسوأ وأقسى نهاية ممكنة. وأثار الأداء المتردي للفريق الوطني الفرنسي ضده موجة غير مسبوقة من الاحتقار والسخرية. ومع أن السنوات الست التي قضاها مع الفريق الوطني الفرنسي تجعله في الترتيب الثالث بين المدربين الذين قضوا أطول فترة مع الفريق على مدار تاريخه، وكاد يعود لباريس حاملاً كأس العالم عام 2006 التي ربما لم يفصله عنها سوى «نطحة» بالرأس من النجم زين الدين زيدان، واجه دومينيك على امتداد الفترة الأطول من عمله مع الفريق انتقادات بأن أداءه دون المستوى المتوقع، بل ونعته البعض بالـ«أحمق».
وتفاقمت الشكوك حيال قدراته التدريبية بسبب اعتراضات على بعض تصرفاته الشخصية، مثل طلبه الزواج من حبيبته على الهواء مباشرة في أعقاب خروج فرنسا المبكر من بطولة «يورو 2008»، وسخريته الواضحة من جمهورية آيرلندا بعد الكرة الشهيرة التي لعبها تيري هنري بيده عام 2009 (هيأ تييري هنري لاعب منتخب فرنسا كرة لنفسه بيده قبل أن يمررها إلى مواطنه ويليام غالاس ليسجل هدفًا في مرمى جمهورية آيرلندا في إياب الملحق الأوروبي المؤهل إلى نهائيات كأس العالم في جنوب أفريقيا 2010. وتصعد فرنسا إلى المونديال بتفوقها «2 - 1» في مجموع المباراتين). إضافة إلى قراره بإلقاء بيان أمام وسائل الإعلام نيابة عن لاعبين منشقين في جنوب أفريقيا - وهي جميعها مواقف أسهمت بجانب أخرى في خلق سمعة حوله بأنه شخص يميل للتفوه بالعبارات الخاطئة في الوقت الخطأ.
الآن، يبلغ دومينيك 64 عامًا، ولم يمارس التدريب منذ طرده من الفريق الوطني الفرنسي عام 2010. إلا أن مشاعر الغضب العام ضده خفت حدتها الآن. وقد قضى قرابة ثلاث سنوات يلعق جراحه قبل أن يصدر سردًا للسنوات التي قضاها في تدريب الفريق الوطني لبلاده في كتاب بعنوان «وحيد تمامًا»، حقق أعلى مبيعات في فرنسا وخلق درجة من التعاطف تجاهه. وخلال الكتاب، أقر باقتراف أخطاء، مع طرح شرح للإطار الذي وقعت فيه، بما في ذلك ذكره لمواقف غير أخلاقية اتخذها أناس كان يفترض أنهم أصدقاؤه. وحاليًا، يستمتع دومينيك بعمله في التعليق الرياضي في قناة «ما شين سبورت» الفرنسية.
وقال دومينيك: «كثيرون اعترفوا لي أثناء حفل التوقيع على الكتاب والمناسبات المشابهة بأنهم كانوا يمقتونني بشدة قبل قراءة الكتاب». وكنت دومًا أجيب: «ما دمتم قرأتم الكتاب فهذا يعني أنكم لم تكونوا تكرهونني بهذا القدر، لكنكم لم تكونوا مدركين لذلك». وأضاف: «الآن اتضحت حقيقة ما حدث بالفعل، وجرى توزيع المسؤوليات بمكانها الصحيح. لقد ترددت حيال كتابة هذا الكتاب لعلمي أنه يعني العودة لمعارك ومناقشات محتدمة، لكن في اللحظة التي أغلقت باب مكتب الناشر، قلت لنفسي إنني بذلك أغلق الباب أمام الأمر برمته وأستعد للمضي قدمًا نحو بداية جديدة. في الواقع، لقد شعرت بالتحرر. وخلال الكتاب، أفرغت كل ما بداخلي، ثم مضيت في طريقي. وكان لسان حالي يقول: «إذا كنت ترغب في مطالعة كتابي، تفضل. وإذا كنت ترغب في الاستمرار في توجيه سهام النقد إلي، فأنا لا أكترث لذلك، فهذه لم تعد مشكلتي بعد الآن».
ورغم مقته للدفاع عن نفسه والرد على الانتقادات، فإنه وافق على الرد على شائعة أن اختياره لفريقه تأثر بعلم الفلك والتنجيم، مع سقوط روبير بيريز ضحية لذلك. وذكر دومينيك في كتابه الذي ترجم إلى البولندية واليابانية، لكن لم يترجم للإنجليزية بعد، وهو أمر شديد الغرابة، أنه استبعد بيريز في تشكيل الفريق الوطني عام 2006 لشعوره بأن أداء اللاعب الذي كان يبلغ حينها 30 عامًا، في تراجع، وأنه يميل لإثارة المشكلات والانقسامات. ويأتي هذا كمحاولة من جانب دومينيك لدحض المزاعم بأن استبعاد بيريز كان بسب خلاف شخصي أو انتمائه لبرج العقرب. وقد نفى دومينيك هذه الشائعات تمامًا، رغم دفاعه عن اهتمامه بعلم الفلك والتنجيم. وقال: «إنني شخص شديد الفضول. ولطالما كنت مهتمًا بكل شيء بإمكانه المعاونة في فهم البشر. وقد درست جميع أساليب التواصل والتحليل التفاعلي وما إلى غير ذلك. كما درست علم الفلك وعلم الاستدلال الخطي. ولو أنني ذكرت أنني أمارس علم الاستدلال الخطي، لكن يكن أحد ليعترض على ذلك، لما يحمله ذلك من جانب علمي. أما الفلك والتنجيم، فيتسم بطابع غامض، وبمجرد أن ذكرته شرع الناس في الاعتقاد بأنني أرتدي قبعة ساحر على رأسي وأحدق في بلورة سحرية. في الواقع، لعلم الفلك أهميته في التعرف على طبائع الناس، وليس التنبؤ بالمستقبل أو أي شيء من هذا القبيل».
كما أصر دومينيك على أن الكثير من الانتقادات التي وجهت إليه كانت جائرة، أججتها وسائل إعلام معادية له منذ اللحظة الأولى لأنه، حسب قوله، توقف عن إتاحة المعلومات بسهولة أمام وسائل الإعلام، على خلاف المعتاد منه عندما كان يتولى تدريب الفريق الوطني تحت 21 عامًا.
وبعد أول مباراة له، وكانت في فرنسا أمام البوسنة والهرسك، وانتهت بالتعادل بهدف لكل من الجانبين، جرى تصوير دومينيك بأنه شخص اختير لموقع يفوق قدراته كثيرًا بعدما طلب من كل لاعب داخل غرفة تغيير الملابس الوقوف أمام زملائه وتحليل أدائه خلال المباراة. وما زاد الوضع صعوبة أن رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، جان بيير إسكاليت، لم يكن يرغب في تعيينه لتدريب الفريق الوطني من الأساس، مفضلاً عليه لوران بلان، المدير الفني الحالي لباريس سان جيرمان. وقال دومينيك إنه خلال السنوات الصعبة التي مر بها، دعمه إسكاليت «على النحو الذي يدعم به الحبل الشخص المشنوق».
ومع ذلك، فإن دومينيك يؤكد أن ما زاد من تعقيد مهمته أكثر من عداء وسائل الإعلام والتناحر السياسي، ما وصفه بأنه جيل من لاعبي كرة القدم يتسمون بالنرجسية والجهل وغياب الشعور بالمسؤولية. وأثار سرده لعدد من مواقف سمير نصري ونيكولا أنيلكا وفرانك ريبيري التعاطف لدي البعض تجاهه، وأشعل مزيدًا من الكراهية تجاه اللاعبين. ولا شك أن من الأمور التي خدمت دومينيك أن بعض اللاعبين الفرنسيين الذين عملوا تحت قيادته استمروا في تصدر العناوين الرئيسة بفضائحهم بعد رحيل المدرب السابق للفريق الوطني، مع تعرض نصري للإيقاف بعد إهانته الصحافيين بعد الأداء الواهن للفريق الفرنسي في بطولة «يورو 2012»، وتورط ريبيري وكريم بنزيمة في فضائح أخلاقية مدوية.
وقال دومينيك: «إنه أمر محزن، لأن المشكلة لا تزال قائمة. إن أسلوب تعامل الجيل الحالي يزيد الوضع تعقيدًا بدرجة بالغة، خصوصًا داخل فرنسا»، والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا: لماذا فرنسا على وجه الخصوص؟ وأجاب دومينيك: «حقيقة الأمر ليست لدينا إجابة عن هذا التساؤل، لأن اللاعبين أنفسهم يشاركون في أندية كبرى في إنجلترا وغيرها، ولا يثيرون هناك أية مشكلات. أعتقد ربما كان السبب ثقل الأندية الهائل أو نفوذ اتحاد كرة القدم الإنجليزي الذي يشدد على معايير معينة، ما يجبر اللاعبين على تجنب أمور يفعلونها داخل فرنسا».
لكن لماذا تفتقر فرنسا إلى الثقل أو النفوذ ذاته؟ وهنا، أجاب دومينيك: «الحل لهذا الأمر غير واضح. ما الأسلحة التي يمكننا الوصول إليها لجذب اللاعبين بالاتجاه الصحيح؟ الملاحظ أن المدرب الحالي ديدييه ديشامب يبلي بلاءً أفضل بعض الشيء لأنه يتمتع بكامل دعم اتحاد كرة القدم ووسائل الإعلام. إن بطولة الأمم الأوروبية 2016 تقترب، ويرغب الجميع في اللحاق بها، لذا أصبحت الأوضاع أكثر هدوءا بعض الشيء داخل صفوف الفريق الوطني - وإن كان هذا الهدوء لم يمتد لما يحيط الفريق، كما رأينا».
أيضًا، يتمتع ديشامب بمكانة كبيرة في أعين اللاعبين نظرًا لمشواره المهني الناجح. وكذلك الحال بالطبع مع زين الدين زيدان، وهو أحد الأسباب التي دفعت دومينيك لتوقع نجاح قائد فريقه السابق في النجاح داخل ريال مدريد، حيث شكل زيدان جزءًا لا يتجزأ من النجاحات التي حققها دومينيك كمدرب، وكذلك أكبر خساراته على الإطلاق. وقد نجح المدرب في إقناع كل من زيدان وليليان تورام وكلود ماكيليلي للتراجع عن اعتزالهم اللعب دوليًا عام 2005 من أجل بث الروح في سعي فرنسا للتأهل لبطولة كأس العالم، الأمر الذي نجحوا في تحقيقه بالفعل، حيث ساعدوا الفريق على المشاركة بالبطولة التي استضافتها ألمانيا، ثم مضوا معه طيلة مسيرته حتى مباراة النهائي حيث خسروا بركلات الترجيح بعدما تعرض زيدان للطرد لاعتدائه على ماركو ماتيراتزي ببطحة رأس.
وكثيرًا ما سأل دومينيك نفسه حول ما إذا كان بإمكانه الحيلولة دون وقوع صانع الأهداف بفريقه في هذا الخطأ، بل وتساءل داخله حول ما إذا كان زيدان، الذي يتميز بشخصيته المتواضعة المهذبة، قد حمل بداخله رغبة لاواعية في إنهاء مسيرته الكروية بمثل هذا الموقف المخزي لشعوره بوطأة الضغوط الجماهيرية الهائلة على عاتقه، لكن المدرب السابق قال إنه أخيرًا ترك تلك التساؤلات التي لا إجابة لها ترقد في سلام، مضيفًا: «لقد قلبت الصفحة، ولم أعد أتطلع إلى الوراء»، كما قال أيضًا إنه لم يعد يسعى لدحض الادعاءات بأنه باعتباره المدرب لم يكن له دور يذكر في النجاح الذي حققته فرنسا عام 2006، وأن الفضل بأكمله يعود إلى زيدان. وعن هذا، قال: «لا يمكنك الهروب من هذا الأمر عندما يكون تحت قيادتك لاعب رائع. إن العبارة التي ظل ميشال هيدالغو (درب منتخب فرنسا لكرة القدم منذ عام 1976 وحتى عام 1984) يسمعها طيلة حياته، هي: ميشال بلاتيني هو من أدار هذا الفريق»، وكل المدربين الذين تولوا قيادة فرق بها يوهان كرويف (قاد المنتخب الهولندي من عام 1966 إلى عام 1977 وتوفي أمس)، اضطروا للتكيف مع سماع الجماهير تقول إن «كرويف هو المسؤول عن هذا الفريق، فهو يتولى إدارة جلسات التدريب ويتحدث إلى اللاعبين وكل شيء آخر، لا يمكنك الفرار من هذا الأمر. لذا، فإن محاولة التصدي له وتفنيده لا جدوى من ورائها».
وقال دومينيك إن أغلى الذكريات لديه هي الفوز على البرازيل بهدف واحد في مونديال عام 2006 بدور الثمانية. وأعرب عن اعتقاده بأن خطته التي قامت على الضغط على البرازيليين في وقت مبكر من المباراة لإجبار مهاجمي البرازيل على القيام بأكثر الأدوار التي يترددون حيال الاضطلاع بها - وهي الدفاع - شكلت عاملاً محوريًا في الفوز. وقال: «كانت تلك المباراة المثالية. ولا أزال أتذكر حديثي إلى الفريق. وقد توليت وفريق العمل المعاون لي إعداد كل شيء، وبالفعل سارت المباراة على النحو الذي رغبناه، بل وأخبرت اللاعبين قبل المباراة: (سترون بأنفسكم أنهم قرب النهاية سيدفعون بكل مهاجميهم، وحينها ستدركون أنكم فزتم لأن رصيدهم من الأفكار قد نفد)، وقد حدث هذا بالضبط، حيث دفعت البرازيل بأدريانو وروبينهو بعدما وضع هنري فرنسا في المقدمة في الشوط الثاني. إنني سعيد بأنني كنت مدرب الفريق الفرنسي في هذه المباراة، حيث سارت الأمور كلها كما توقعنا. لقد كنت أشبه بمساعد سائق في سباق للسيارات، أخبر سائق سيارة السباق: (ستقابل منعطفًا إلى اليمين عند سرعة 120 ميلاً في الساعة)، وهكذا، لقد كان الأمر على هذا النحو بالضبط. وأنا فخور بذلك».
ومن أجل هذه اللحظة، ولحظات أخرى معدودة، لا يشعر دومينيك بالندم إزاء توليه تدريب الفريق الوطني الفرنسي، رغم اعترافه بأنه أحيانًا يعتقد أنه كان ليشعر بسعادة أكبر لو أنه تولى تدريب الفريق الوطني الآيرلندي بدلاً من الفرنسي. وقال إن الفرصة واتته للقيام بذلك عام 2003، قبل أن يتولى تدريب الفريق الفرنسي. وأضاف: «وقع الاختيار عليّ مع اثنين آخرين باعتبارنا المرشحين الأبرز لتولي تدريب الفريق الآيرلندي. وبالفعل، أجريت مقابلة معي في باريس لهذا الغرض».
واستطرد بقوله: «في النهاية، قرروا تعيين مدرب آيرلندي، وهو براين كير، لكنني كنت سأشعر بسعادة بالغة لو كنت حصلت على هذه الفرصة. أحببت آيرلندا وشعبها، وأحببت المناخ العام هناك، وما زلت أتذكر عندما لعبنا في ملعب (لاندسداون رود) عام 2005، وفزنا بفضل الهدف الذي سجله هنري. نشرت الصحافة بعض التعليقات الملتوية التي صرحت بها قبل اللقاء، وبعد اللقاء سرت بين حشد من الجماهير. ترددت بينما كنت أفكر وقلت لنفسي: (ا للهول، قد يتسبب هذا في مشكلة، ولكنني واصلت وربت البعض على كتفي، قائلين: أحسنت، كانت مباراة رائعة، ولم أصدق ما حدث. كنت أقول لنفسي: حسنا، لقد لعبنا، وخسرنا، دعونا نتناول شرابا معًا، أحب هذا المنطق في العمل، كان أمرًا عظيمًا أن تصبح مدربًا لفريق آيرلندا، وكنت أشعر دوما بالحزن عندما لا يصلون لبطولة كبري». هل حدث هذا في عام 2009 عندما تسبب خروج آيرلندا من المنافسات بسبب الكرة التي لمسها هنري بيده، وأوصلت فرنسا لكأس العالم بدلا من فريقك؟ «نعم، كنت محبطًا وحزينًا لهم، فقد كان أداؤهم رائعًا في باريس، لكن لا تنسَ أنه كان المفروض أن نفوز عليهم 2 - صفر أو 3 - صفر في مباراة الذهاب ليكون هناك نوع من التوازن المنطقي».
يتخيل دومينيك صيفًا ممتعًا، لكنه لا يستبعد العودة للمخبأ. تلقى دومينيك بعض عروض العمل منها عرضان من دول أفريقية لكن لم تجتذبه أي من تلك العروض، غير أن لقب مدرب في الدوري الإنجليزي الممتاز أمر قد يروق له كثيرًا.
دومينيك: الفوز على البرازيل في مونديال 2006 أغلى الذكريات.. والهزيمة في النهائي أقساها
مدرب المنتخب السابق لفرنسا ينفي أنه كان يختار لاعبيه وفقًا لـ«أبراج حظهم»
دومينيك: الفوز على البرازيل في مونديال 2006 أغلى الذكريات.. والهزيمة في النهائي أقساها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة