العلوم الإنسانية ومشكلة الموضوعية

الإنسان عصي على الدراسة والتحكم بسلوكياته والتنبؤ بها

غلاف قواعد المنج في علم الاجتماع
غلاف قواعد المنج في علم الاجتماع
TT

العلوم الإنسانية ومشكلة الموضوعية

غلاف قواعد المنج في علم الاجتماع
غلاف قواعد المنج في علم الاجتماع

حققت العلوم الطبيعية والفيزيائية انتصارات في مجال الكشف عن القوانين المكونة للظاهرة الطبيعية. هذه الانتصارات التي حققتها العلوم الفيزيائية، والطبيعية، مارست إغراء على الفلاسفة والباحثين، دفعتهم إلى التفكير في إمكانية قيام علوم تستطيع دراسة الإنسان عبر المناهج نفسها التي تدرس بها العلوم الطبيعة.
وقد تبلورت هذه النزعة، في البداية، مع الفلسفة الوضعية، كما مثلها روادها المؤسسون، سواء هربرت سبنسر، أو أوغست كونت وإميل دوركايم، ممن دافعوا عن إمكانية قيام علوم إنسانية وضعية، تدرس المجتمع الإنساني وتفسره، وتحلله تحليلا وضعيا، بعيدا عن الذاتية، واستنادا إلى خطوات منهجية، تقوم على الملاحظة الخالصة والتجريب الدقيق. لكن الإشكال المطروح، هو هل يمكن موضعة الظاهرة الإنسانية؟ بمعنى، هل يمكننا عزل الظاهرة الإنسانية التي يتداخل فيها ما هو نفسي واجتماعي وثقافي، ودراستها دراسة موضوعية كما ندرس الموضوعات الطبيعية في العلوم التجريبية؟ هل يمكن أن يكون الإنسان وما صدر عنه من أفعال وسلوكيات وتصرفات موضوعا لدراسة علمية، مع العلم أن منتج هذه الأفعال الذي هو الإنسان يكون دارسا وموضوعا للدراسة؟
بالعودة إلى تاريخ العلوم الإنسانية وتكونها في القرن التاسع عشر، نلمس كثيرا من الدعوات، التي كانت ممتعضة من الثورة الفرنسية، والاضطرابات الاجتماعية، بدأت تفكر في تأسيس علوم تهتم بدراسة الظاهرة الإنسانية، دراسة علمية قصد التنبؤ بها وتوجيهها، والتحكم فيها، وفي هذا الصدد، نجد النظرية الوظيفية كما تبلورت مع مؤسسها أوغست كونت، الذي أكد في كتابه «دروس في الفلسفة الوضعية»، أن دراسة الظواهر الإنسانية دراسة موضوعية ممكنة، شريطة أن يتحرر الباحث من كل التصورات اللاهوتية والميتافيزيقية، لأنها تنتمي إلى مرحلة لم تعمل إلا على عرقلة العلم، وبالتالي فالمرحلة الوضعية تمكن الباحث من خلال مناهجها وتقنياتها، من تفسير وتحليل الظواهر الإنسانية عموما والاجتماعية خصوصا. وفي هذا الصدد، دافع كونت عن تأسيس علم اجتماع يستند إلى مبدأ السببية والملاحظة، وغايته الكشف على القوانين والعلاقات القائمة بين الظواهر. وقد بلغ الإغراء الكبير الذي مارسته العلوم الحقة على رواد العلوم الإنسانية، مرحلة جعلت أوغست كونت يسمي العلم الذي سيهتم بدراسة المجتمع والظواهر الاجتماعية (ثورات - انحرافات - جرائم..)، بـ«الفيزياء الاجتماعية» الذي استبدل، لاحقا، «السوسيولوجيا» به.
في السياق نفسه، سيعمل إميل دوركايم، باعتباره وريث المدرسة الفرنسية في العلوم الإنسانية، على الدفاع عن إمكانية موضعة الظاهرة الإنسانية في علم الاجتماع. لذلك دافع في كتابه «قواعد المنهج السوسيولوجي»، عن أن الظواهر الاجتماعية يجب أن ننظر إليها باعتبارها أشياء ووقائع مادية، توجد في استقلال عن وعي الأفراد، وعن وجودهم المستقل، وتمارس قهرا عليهم، والأهمية العلمية لدوركايم، باعتباره أحد مؤسسي علم الاجتماع، تتمثل في محاولته صياغة قواعد علمية، تكون منطلقا لعلم جديد اسمه علم الاجتماع. وهذه القواعد حسب إميل دوركايم، التي تمكن العلوم الإنسانية من موضعة الظاهرة الإنسانية، تبدأ بالنظر إلى الظاهرة الاجتماعية باعتبارها شيئا له وجوده المستقل عن الوجود الفردي.
وبالتالي، يمكننا ملاحظتها ودراستها دراسة علمية وموضوعية، شريطة أن يقطع الباحث مع تمثلاته وأفكاره المسبقة عن الموضوع المدروس ضمانا للموضوعية، وهي القاعدة الثانية. فمثلا، إذا كنا نرى عالم الطبيعة يستعيض عن الإحساسات الغامضة التي يثيرها لديه الطقس، أو الكهرباء، بملاحظته للذبذبات التي يسجلها كل من الترمومتر - الإلكترومتر - مقياس الكهرباء، فعالم الاجتماع أيضا عليه أن يحترم هذه القاعدة وأن يتخذ هذه الحيطة نفسها. وما يقصده دوركايم هنا، هو استعانة الباحث بتقنيات منهاجية مثل الاستمارات والمسجل الصوتي وكل التقنيات التي تتيح له جمع المعطيات التي يحتاجها في دراسته. أما القاعدة الرابعة فهي خاصة بتفسير الظواهر الاجتماعية. وعلى من يحاول تفسير إحدى الظواهر الاجتماعية، أن يبحث عن كل من السبب الفعال الذي يدعو إلى وجود هذه الظاهرة والوظيفة التي تؤديها، وأن طريق البرهان في العلوم الإنسانية وعلم الاجتماع خاصة، هو طريق المقارنة والملاحظة، وبالتالي فموضعة الظاهرة الإنسانية ممكنة.
إذا كان ظهور العلوم الإنسانية قد جعل النزعة الوضعية والاتجاهات الوظيفية تعتقد بإمكانية موضعة الظاهرة الإنسانية وفصلها، ودراستها دراسة تجريبية وفق مناهج العلوم التجريبية، فإن قيام الإبستمولوجية (فلسفة العلوم) باعتبارها الدراسة النقدية للمعارف العلمية وتوسيعها لمجالها، جعلها تهتم كذلك بالعلوم الإنسانية دارسة ناقدة للمعارف التي تنتجها والمناهج التي توظفها في بناء معرفتها. فمثلا نجد من بين الإبستمولوجيين داخل العلوم الإنسانية، جان بياجيه، رائد الإبستمولوجية التكوينية، الذي أكد أن مشكلة العلوم الإنسانية هي الذاتية التي يصعب التخلص منها، لأن الذات العارفة (العالم في العلوم الإنسانية)، هو نفسه موضوع للمعرفة. كما أن الآيديولوجية لديها تأثيرها وحضورها.
ففي مجال الفيزياء أو الرياضيات، يظل حضور الآيديولوجية غير طاغٍ، لأن العالم يتعامل مع ظواهر مستقلة ومعزولة. بينما في العلوم الإنسانية، يتعامل العالم مع مواضيع حية تنتمي إليه نفسيا أو آيديولوجيا أو عقديا. لذلك تحضر الأحاسيس والانطباعات الشخصية والأحكام المسبقة لتوجه البحث وتؤثر فيه، ما يحول دون تحقيق الموضوعية. فمثلا، حينما يكون موضوع البحث هو الدين أو السياسة أو الانتحار، فإن الباحث قد لا يستطيع الفصل بين أفكاره الخاصة عن الموضوع وخصائص الموضوع المدروس، كما هو في المجتمع.
وفي هذا الصدد يلخص بياجيه هذين العائقين الإبستمولوجيين، اللذين يجعلان تحقيق الموضوعية صعبا، في قوله: «إذا كان هذا الواقع (واقع التزام الباحث)، أقل تأثيرا في الأبحاث الرياضية والفيزيائية، وحتى البيولوجية، فإن تأثيره يبقى كبيرا في دراسة الظواهر الإنسانية من طرف العلوم الإنسانية».
وفق هذا التصور، عمل لوسيان غولدمان في كتابه «العلوم الإنسانية والفلسفة»، على توضيح الاختلاف بين عمل العلماء الفيزيائيين والسوسيولوجيين مثلا. فهو ليس اختلافا في الدرجة، بمعنى من هو الأكثر علمية من الآخر: العلوم الفيزيائية أم السوسيولوجية؟ بل هو اختلاف في الطبيعة. فطبيعة الميدان الذي يشتغل فيه الفيزيائي، ليس هو الميدان الذي يشتغل فيه السوسيولوجي. فالفيزيائي في اشتغاله يصطدم فقط بالموضوع المدروس. بينما الباحث السوسيولوجي يصطدم بأبعاد متعددة، آيديولوجية وسياسية وطبقية ومصالح، ما يجعل العلوم الإنسانية حقلا للصراع الآيديولوجي، ما يفرز تعدد المقولات والمفاهيم.
وهي كلها عوائق إبستمولوجية تسد الطريق أمام الفهم الموضوعي للموضوع المدروس. كما أن الفرق الثاني بين المجالين، هو كون العلوم الفيزيائية والتجريبية قادرة على أن تصوغ قوانينها الخاصة التي تستطيع، من خلالها، تعميم تفسيرات يمكننا، من خلالها، التنبؤ والتوقع متى تحدث الظاهرة. بينما في العلوم الإنسانية، يظل التنبؤ بالموضوع صعبا، ما جعل مشيل فوكو يقول، إن الأفعال الإنسانية مهما أنتجنا حولها من مقولات وتفسيرات تظل رهينة بزمن إنتاجها، لأن الإنسان كائن منتج ومتغير.
يمكن القول إن العائق الإبستمولوجي الذي يحول دون موضعة الظاهرة الإنسانية، هو العائق الذاتي. لأن فصل الذات العارفة عن موضوع المعرفة، هو أساس الموضوعية العلمية في العلوم الحقة. لكن ألا يمكن القول إن الركون إلى هذا المعيار، قد يسقطنا في وهم الانغلاق والمحاكاة للعلوم الطبيعية، فنعيد إنتاج أزمتها داخل العلوم الإنسانية؟ لقد لاحظنا كيف أن العقلانية العلمية في إحدى لحظاتها لم تعد عقلانية منغلقة، بل منفتحة على الذات وعلى الواقع. كما أن الشروط التجريبية يبنيها العالم وفق نموذج معين، ما يؤكد أن الذاتية هي صفة ملازمة لكل نشاط معرفي. لكن يجب التسلح بالحذر الإبستمولوجي حتى نتمكن من تقديم تحليل ودراسة موضوعية، وهنا لن تكون الموضوعية التي تنتجها العلوم الإنسانية شبيهة بالموضوعية في العلوم الفيزيائية. بل ستنتج العلوم الإنسانية تصورها الخاص للموضوعية، الذي يتلاءم وطبيعة المواضيع التي تدرسها. لكن على الرغم من ذلك، يظل الإنسان عصيا على الدراسة والتحكم والتنبؤ بسلوكياته. فمن توقع أن إحراق بائع للخضراوات لذاته في تونس، سيدك نظاما سياسيا برمته ويسقطه؟

* أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.