العلوم الإنسانية ومشكلة الموضوعية

الإنسان عصي على الدراسة والتحكم بسلوكياته والتنبؤ بها

غلاف قواعد المنج في علم الاجتماع
غلاف قواعد المنج في علم الاجتماع
TT

العلوم الإنسانية ومشكلة الموضوعية

غلاف قواعد المنج في علم الاجتماع
غلاف قواعد المنج في علم الاجتماع

حققت العلوم الطبيعية والفيزيائية انتصارات في مجال الكشف عن القوانين المكونة للظاهرة الطبيعية. هذه الانتصارات التي حققتها العلوم الفيزيائية، والطبيعية، مارست إغراء على الفلاسفة والباحثين، دفعتهم إلى التفكير في إمكانية قيام علوم تستطيع دراسة الإنسان عبر المناهج نفسها التي تدرس بها العلوم الطبيعة.
وقد تبلورت هذه النزعة، في البداية، مع الفلسفة الوضعية، كما مثلها روادها المؤسسون، سواء هربرت سبنسر، أو أوغست كونت وإميل دوركايم، ممن دافعوا عن إمكانية قيام علوم إنسانية وضعية، تدرس المجتمع الإنساني وتفسره، وتحلله تحليلا وضعيا، بعيدا عن الذاتية، واستنادا إلى خطوات منهجية، تقوم على الملاحظة الخالصة والتجريب الدقيق. لكن الإشكال المطروح، هو هل يمكن موضعة الظاهرة الإنسانية؟ بمعنى، هل يمكننا عزل الظاهرة الإنسانية التي يتداخل فيها ما هو نفسي واجتماعي وثقافي، ودراستها دراسة موضوعية كما ندرس الموضوعات الطبيعية في العلوم التجريبية؟ هل يمكن أن يكون الإنسان وما صدر عنه من أفعال وسلوكيات وتصرفات موضوعا لدراسة علمية، مع العلم أن منتج هذه الأفعال الذي هو الإنسان يكون دارسا وموضوعا للدراسة؟
بالعودة إلى تاريخ العلوم الإنسانية وتكونها في القرن التاسع عشر، نلمس كثيرا من الدعوات، التي كانت ممتعضة من الثورة الفرنسية، والاضطرابات الاجتماعية، بدأت تفكر في تأسيس علوم تهتم بدراسة الظاهرة الإنسانية، دراسة علمية قصد التنبؤ بها وتوجيهها، والتحكم فيها، وفي هذا الصدد، نجد النظرية الوظيفية كما تبلورت مع مؤسسها أوغست كونت، الذي أكد في كتابه «دروس في الفلسفة الوضعية»، أن دراسة الظواهر الإنسانية دراسة موضوعية ممكنة، شريطة أن يتحرر الباحث من كل التصورات اللاهوتية والميتافيزيقية، لأنها تنتمي إلى مرحلة لم تعمل إلا على عرقلة العلم، وبالتالي فالمرحلة الوضعية تمكن الباحث من خلال مناهجها وتقنياتها، من تفسير وتحليل الظواهر الإنسانية عموما والاجتماعية خصوصا. وفي هذا الصدد، دافع كونت عن تأسيس علم اجتماع يستند إلى مبدأ السببية والملاحظة، وغايته الكشف على القوانين والعلاقات القائمة بين الظواهر. وقد بلغ الإغراء الكبير الذي مارسته العلوم الحقة على رواد العلوم الإنسانية، مرحلة جعلت أوغست كونت يسمي العلم الذي سيهتم بدراسة المجتمع والظواهر الاجتماعية (ثورات - انحرافات - جرائم..)، بـ«الفيزياء الاجتماعية» الذي استبدل، لاحقا، «السوسيولوجيا» به.
في السياق نفسه، سيعمل إميل دوركايم، باعتباره وريث المدرسة الفرنسية في العلوم الإنسانية، على الدفاع عن إمكانية موضعة الظاهرة الإنسانية في علم الاجتماع. لذلك دافع في كتابه «قواعد المنهج السوسيولوجي»، عن أن الظواهر الاجتماعية يجب أن ننظر إليها باعتبارها أشياء ووقائع مادية، توجد في استقلال عن وعي الأفراد، وعن وجودهم المستقل، وتمارس قهرا عليهم، والأهمية العلمية لدوركايم، باعتباره أحد مؤسسي علم الاجتماع، تتمثل في محاولته صياغة قواعد علمية، تكون منطلقا لعلم جديد اسمه علم الاجتماع. وهذه القواعد حسب إميل دوركايم، التي تمكن العلوم الإنسانية من موضعة الظاهرة الإنسانية، تبدأ بالنظر إلى الظاهرة الاجتماعية باعتبارها شيئا له وجوده المستقل عن الوجود الفردي.
وبالتالي، يمكننا ملاحظتها ودراستها دراسة علمية وموضوعية، شريطة أن يقطع الباحث مع تمثلاته وأفكاره المسبقة عن الموضوع المدروس ضمانا للموضوعية، وهي القاعدة الثانية. فمثلا، إذا كنا نرى عالم الطبيعة يستعيض عن الإحساسات الغامضة التي يثيرها لديه الطقس، أو الكهرباء، بملاحظته للذبذبات التي يسجلها كل من الترمومتر - الإلكترومتر - مقياس الكهرباء، فعالم الاجتماع أيضا عليه أن يحترم هذه القاعدة وأن يتخذ هذه الحيطة نفسها. وما يقصده دوركايم هنا، هو استعانة الباحث بتقنيات منهاجية مثل الاستمارات والمسجل الصوتي وكل التقنيات التي تتيح له جمع المعطيات التي يحتاجها في دراسته. أما القاعدة الرابعة فهي خاصة بتفسير الظواهر الاجتماعية. وعلى من يحاول تفسير إحدى الظواهر الاجتماعية، أن يبحث عن كل من السبب الفعال الذي يدعو إلى وجود هذه الظاهرة والوظيفة التي تؤديها، وأن طريق البرهان في العلوم الإنسانية وعلم الاجتماع خاصة، هو طريق المقارنة والملاحظة، وبالتالي فموضعة الظاهرة الإنسانية ممكنة.
إذا كان ظهور العلوم الإنسانية قد جعل النزعة الوضعية والاتجاهات الوظيفية تعتقد بإمكانية موضعة الظاهرة الإنسانية وفصلها، ودراستها دراسة تجريبية وفق مناهج العلوم التجريبية، فإن قيام الإبستمولوجية (فلسفة العلوم) باعتبارها الدراسة النقدية للمعارف العلمية وتوسيعها لمجالها، جعلها تهتم كذلك بالعلوم الإنسانية دارسة ناقدة للمعارف التي تنتجها والمناهج التي توظفها في بناء معرفتها. فمثلا نجد من بين الإبستمولوجيين داخل العلوم الإنسانية، جان بياجيه، رائد الإبستمولوجية التكوينية، الذي أكد أن مشكلة العلوم الإنسانية هي الذاتية التي يصعب التخلص منها، لأن الذات العارفة (العالم في العلوم الإنسانية)، هو نفسه موضوع للمعرفة. كما أن الآيديولوجية لديها تأثيرها وحضورها.
ففي مجال الفيزياء أو الرياضيات، يظل حضور الآيديولوجية غير طاغٍ، لأن العالم يتعامل مع ظواهر مستقلة ومعزولة. بينما في العلوم الإنسانية، يتعامل العالم مع مواضيع حية تنتمي إليه نفسيا أو آيديولوجيا أو عقديا. لذلك تحضر الأحاسيس والانطباعات الشخصية والأحكام المسبقة لتوجه البحث وتؤثر فيه، ما يحول دون تحقيق الموضوعية. فمثلا، حينما يكون موضوع البحث هو الدين أو السياسة أو الانتحار، فإن الباحث قد لا يستطيع الفصل بين أفكاره الخاصة عن الموضوع وخصائص الموضوع المدروس، كما هو في المجتمع.
وفي هذا الصدد يلخص بياجيه هذين العائقين الإبستمولوجيين، اللذين يجعلان تحقيق الموضوعية صعبا، في قوله: «إذا كان هذا الواقع (واقع التزام الباحث)، أقل تأثيرا في الأبحاث الرياضية والفيزيائية، وحتى البيولوجية، فإن تأثيره يبقى كبيرا في دراسة الظواهر الإنسانية من طرف العلوم الإنسانية».
وفق هذا التصور، عمل لوسيان غولدمان في كتابه «العلوم الإنسانية والفلسفة»، على توضيح الاختلاف بين عمل العلماء الفيزيائيين والسوسيولوجيين مثلا. فهو ليس اختلافا في الدرجة، بمعنى من هو الأكثر علمية من الآخر: العلوم الفيزيائية أم السوسيولوجية؟ بل هو اختلاف في الطبيعة. فطبيعة الميدان الذي يشتغل فيه الفيزيائي، ليس هو الميدان الذي يشتغل فيه السوسيولوجي. فالفيزيائي في اشتغاله يصطدم فقط بالموضوع المدروس. بينما الباحث السوسيولوجي يصطدم بأبعاد متعددة، آيديولوجية وسياسية وطبقية ومصالح، ما يجعل العلوم الإنسانية حقلا للصراع الآيديولوجي، ما يفرز تعدد المقولات والمفاهيم.
وهي كلها عوائق إبستمولوجية تسد الطريق أمام الفهم الموضوعي للموضوع المدروس. كما أن الفرق الثاني بين المجالين، هو كون العلوم الفيزيائية والتجريبية قادرة على أن تصوغ قوانينها الخاصة التي تستطيع، من خلالها، تعميم تفسيرات يمكننا، من خلالها، التنبؤ والتوقع متى تحدث الظاهرة. بينما في العلوم الإنسانية، يظل التنبؤ بالموضوع صعبا، ما جعل مشيل فوكو يقول، إن الأفعال الإنسانية مهما أنتجنا حولها من مقولات وتفسيرات تظل رهينة بزمن إنتاجها، لأن الإنسان كائن منتج ومتغير.
يمكن القول إن العائق الإبستمولوجي الذي يحول دون موضعة الظاهرة الإنسانية، هو العائق الذاتي. لأن فصل الذات العارفة عن موضوع المعرفة، هو أساس الموضوعية العلمية في العلوم الحقة. لكن ألا يمكن القول إن الركون إلى هذا المعيار، قد يسقطنا في وهم الانغلاق والمحاكاة للعلوم الطبيعية، فنعيد إنتاج أزمتها داخل العلوم الإنسانية؟ لقد لاحظنا كيف أن العقلانية العلمية في إحدى لحظاتها لم تعد عقلانية منغلقة، بل منفتحة على الذات وعلى الواقع. كما أن الشروط التجريبية يبنيها العالم وفق نموذج معين، ما يؤكد أن الذاتية هي صفة ملازمة لكل نشاط معرفي. لكن يجب التسلح بالحذر الإبستمولوجي حتى نتمكن من تقديم تحليل ودراسة موضوعية، وهنا لن تكون الموضوعية التي تنتجها العلوم الإنسانية شبيهة بالموضوعية في العلوم الفيزيائية. بل ستنتج العلوم الإنسانية تصورها الخاص للموضوعية، الذي يتلاءم وطبيعة المواضيع التي تدرسها. لكن على الرغم من ذلك، يظل الإنسان عصيا على الدراسة والتحكم والتنبؤ بسلوكياته. فمن توقع أن إحراق بائع للخضراوات لذاته في تونس، سيدك نظاما سياسيا برمته ويسقطه؟

* أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي



محمود البريكان... شعرية الاغتراب

محمود البريكان... شعرية الاغتراب
TT

محمود البريكان... شعرية الاغتراب

محمود البريكان... شعرية الاغتراب

تجربة الشاعر محمود البريكان، بوصفه أحد شعراء الحداثة العراقيين، المجايلين للشاعر الرائد بدر شاكر السياب، منذ خمسينات القرن الماضي، تجربة شعرية متفردة إلى حدٍ كبير، وكما يقال فالشاعر نسيج وحده. وهذه التجربة الفنية والعميقة تتيح للناقد والقارئ، على حدٍ سواء، الفرصة للولوج إلى عالمه السراني، وربما الإشراقي، وشبه الكابوسي، من مداخل عدة، تشجع على تقديم مقاربات نقدية وثقافية جديدة من زوايا يتفرد بها البريكان وقصيدته معاً.

فمثلما ظل الشاعر في حياته اليومية حبيس بيته، وربما رهين محبسه الأليف، مثل المعري، كما أشار الشاعر نفسه إلى ذلك في إحدى المرات، ظلت قصائده حبيسة أسراره وشعريته.

هذا التعاضل في الكتابة الشعرية، بقدر ما يشكل معضلة شائكة للناقد، فإنه يتيح له إمكانية الحفر عميقاً في الأُسس اللسانية والمعرفية والفلسفية لتجربة الشاعر. والناقد أمام معضلة القراءة وتفكيك شفرات النص الشعري لشعر البريكان يجد نفسه في امتحان عسير وتحدٍ غير مسبوق، ولذا فهو يجتهد في أن يرى ما لا يرى، ما دام يجد نفسه في حضرة شاعر رؤيوي visionary بكل معنى الكلمة.

الشاعر محمود البريكان شاعر إشكالي problematic، بمعنى أنه لا يستطيع أن يتصالح بسهولة مع العالم الخارجي، ولذا فهو يصطنع له قوة ذاتية وروحية يحتمي بها من الآخر والمجتمع. فهو يعيش بصورة دائمة في حالة اغتراب روحي، حيث نلحظ تماهياً كبيراً بين شخصية الشاعر وشعره. إنه يعاني من «فوبيا» الآخر و«فوبيا» الخارج، معاً، وهذا ما يتجسد بشكل مثير في تجربته الشعرية.

حياة الشاعر وتجربته الشعرية، يعانيان معاً من حالة اغتراب alienation شامل، وهو اغتراب زماني ومكاني وسيكولوجي وفلسفي في آن واحد.

ولذلك لكي يحتمي الشاعر من ضغوط الخارج يصطنع له قوقعة خاصة يتمترس داخها، وهي قوقعة الذات، وقوقعة القصيدة الملغزة، التي تعاني مثل الشاعر حالة انكفاء وإحباط، وخوف يصل حد الرعب من كل شيء. ومثلما كان الشاعر على المستوى الحياتي واليومي يغلق أبوابه أمام الآخرين نراه أيضاً يغلق الأبواب أمام قراء قصائده الذين يضطرون إلى ولوج باب التأويل بحثاً عن الأسرار المخبأة.

شعرية محمود البريكان المركبة تنطوي على عدة طبقات للمعنى والدلالة، وهو ما يدعو الناقد إلى البحث عن مفاتيح جديدة نقدية وسيميائية قد يتمكن بها من فتح مغاليق قصائد الشاعر، التي تبدو أحياناً عصية على البوح والاستنطاق والاستسلام لمجسات النقد.

وتطفو في قصائد الشاعر ظاهرة الاغتراب كواحدة من ثيمات الشاعر المركزية. واستطاع البريكان بفضل هذه الآلية في الكتابة الشعرية، أن يخلق له عبر كتاباته الشعرية وحياته، أسطورته الخاصة، التي لا تشبه غيرها من الأساطير.

ويمكن أن نعد قصيدته «البدوي» مانيفستو اغترابه.

«ضائع في الزمان

ضائع في العوالم

فاقدٌ للبصيص من الذاكرة

سادرٌ في شوارع لا يتذكر أسماءها

تائه في زحام المدن».

ويتوسل الشاعر بالرب أن يساعده في استعادة روحه الضائعة وفي استعادة وجهه الغريب:

«هبني الشجاعة» أن أتأمل وجهي الغريب

أعني لكي أتنفس ثانية في سمائي

لكي أستعيد روائح أرضي

أعني لكي أعثر يوماً على روحي الضائعة

أعني لكي أعبر الفاجعة».

يتقمص البريكان قناع البدوي ومحنته في مواجهة الصحراء والمجهول والضياع، فقد كتب الله ألا يموت هذا البدوي وألا يرى وجهه أحد:

«وجهه الأول المستدير البهي

الذي غضنته المهالك وافترسته الحروب

وحطت عليه المآسي علاماتها». (المجموعة الكاملة، ص150)

إنه يعيش غربة هذا البدوي الذي رفضته الصحارى والقصور

«أنا هو ذاك

أنا البدوي الذي لفظته الصحارى

الذي رفضته القصور

الذي أنكرته الشموس». (ص150)

في هذه القصيدة التي هي قصيدة قناع، يبحث الشاعر عن اسمه ومسقط رأسه، وقد ضاع منه كل شيء.

وفي قصيدة «حارس الفنار» يتقمص الشاعر شخصية حارس الفنار الذي ينتظر على الشاطئ، دون جدوى، سفينة الأشباح:

«أنا في انتظار سفينة الأشباح تحدوها الرياح». (ص51).

لكنه لا يلمح ظلاً لأي سفينة:

«الأفق الطويل خالٍ وليس هناك ظل سفينة». (ص51).

ويعلن أنه «الشاهد الوحيد» الذي رأى كل المآسي والحروب:

«شاهدت ما يكفي وكنت الشاهد الحي الوحيد في ألف مجزرة بلا ذكرى

وقفت مع المساء». (ص53).

ويظل ربما مثل غودو في انتظار عبثي لا نهاية له:

«أنا في انتظار اللحظة العظمى

سينغلق المدار/ سينغلق المدار

الساعة السوداء سوف تُشلُّ تجمد في المدار». (ص54).

وفي قصيدة «تدمير رجل ما» (ص92) يشعر بأنه أمسى غريباً على ذاته، بعد أن ملَّ من الانتظار:

«هنا رجلٌ تم تدميرهُ/ والهب بالسم تفكيرهُ

هنا رجلٌ ملَّ ما ينتظر/ وأمسى غريباً على ذاته

ففي كل ثانية ينشطر

وما من مدى لانقساماته». (ص92).

وفي إحدى قصائده يتحدث الشاعر عن موت الإنسان في داخله خلافاً لبقية المخلوقات، حيث يقترب هذا الموت بغيبوبة الذكرى:

«وحده يموت في داخله الإنسان

في العالم الباطن

في مركز السريرة الساكن

يموت في غيبوبته الذكرى

يموت في لحظة

يكابد القيامة الكبرى». (ص158).

ينظر البريكان إلى العالم عبر منظور فلسفي شخصي اجترحه لنفسه أداةً ومجساً لسبر غور العالم الخارجي. لذا يمكن أن نصفه بالشاعر المتفلسف أو الشاعر الفيلسوف. فكل المرئيات والوقائع والشخصيات تمر عبر عدسة الفيلسوف الشعرية.

وشعر محمود البريكان مغموس بفلسفة شخصية عميقة هي فلسفة الشاعر في الحياة على وفق قيمه وثقافته وخبرته اليومية، حتى ليمكن أن ندرج شعره ضمن الشعر الفلسفي أو الشعر المتفلسف، أو الشعر الذي يحلق بجناحي الخيال والفلسفة معاً.

لو قيض لشعرية محمود البريكان أن تكتشف وتنتشر في وقت مبكر، قبل السياب، أو بالتزامن معه، ربما لأعيدت كتابة تاريخ حداثة الشعر، وجرى التساؤل حول الريادة في الشعر الحداثي في العراق.

يخيل لي أن تجربة البريكان أعمق وأغزر وأخصب من تجارب الكثير من مجايليه وربما يقف، في هذا، منافساً خطيراً للسياب نفسه، وهو يختلف عن السياب الذي كان يفتقد هذا الانغماس في الهم الفلسفي والرؤيوي والكوني، المجرد أحياناً.

تجربة البريكان تبتعد إلى حدٍ كبير عن النزعة الغنائية، التي وجدناها حاضرة أيضاً في شعر بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي، فالشاعر ينحو نحو لون من الموضوعية التي دعا إليها في وقت مبكر في مطلع القرن العشرين الشاعر ت. س. إليوت بوصفها أحد أبرز مقومات الحداثة في الشعر. لكن موضوعية البريكان تنحو منحى أسطورياً ورؤيوياً وفلسفياً أيضاً، ولكنها لا تتجاوز الأطر السردية لحكاية الخلق والتكوين، فهي معجونة بهذه الكينونة السرية التي تتلبس كل شيء.

كما نجد لدى الشاعر، من جهة أخرى، ميلاً إلى التجريد واختزال الكائنات والمرئيات إلى علامات مجردة تتلاشى في سيرورة التاريخ والزمن. واللغة التي هي تشكيل علامي تبدو له مخادعة:

«فزعت من خديعة اللغة

هنيهة؟ من ملمس العالم في القرار

وكتلة الموت الهلامية». (ص198،ج1).

في قصيدة «أسطورة حقيقية»، يشعر الشاعر بالغربة المطلقة، حيث تنكره الأشياء، وينكره الواقع، ويبدو طافياً فوق بحيرة ذاكرة آفلة:

«عدت إلى بيتي

فلم أجد بيتي في مكانه المعهود

وهزّ بي الجميع

رؤوسهم

بيت كهذا لم يكن موجوداً

قلت لهم بيتي أمام الشجرة

كان هنا

قالوا جميعاً ولم تكن هناك يوماً شجرة». (ص215).

ويزداد رعب الشاعر وهو يواجه هذا الإقصاء في المكان والزمان، فراح يتساءل بوجع فاجع:

«والآن ماذا ينبغي علي أن أفعل؟

وكيف لي أن أنسف الذاكرة» (ص 213).

ويتساءل الشاعر بخوف فيما إذا كان كل شيء مجرد عبث. فالأسود والأبيض على حدٍ سواء، عواطف الآباء والأمهات، وقوة اللغات، عبث ليس إلا:

«أكان الحزن والفرح

ذاكرة من التاريخ

وقوة اللغات

جميعها عبث؟» (ص223).

يحس الشاعر أحياناً، بأن العالم قد مزقه مزقاً، فقد جاء أناس واقتسموا جسده، وجاء الأصدقاء فسرقوا هويته، وارتدوا ثيابه:

«وجاء أصدقائي

فاختلسوا هويتي

ثم ارتدوا ثيابي». (ص228).

شعرية محمود البريكان المركبة تنطوي على عدة طبقات للمعنى والدلالة

وفي قصيدة «في إعدام الأبنية» يشعر الشاعر بأنه نسي كل شيء حتى وجهه:

«هل أتذكر بعض الوجوه

هل أتذكر وجهي؟» (ص26).

فالعالم بالنسبة للشاعر مجرد وهم:

«هل يتذكر أحدٌ أحداً

في هذا الأفق المتحرك؟

في هذا العالم

الممحو كوهم؟» (ص261).

وفي قصيدة «ظهور ناقص» يحدد البريكان وظيفة الشاعر السرية،

وحلمه الأبدي، في اقتناص الزمن وتجسيم رؤيته عبر مرايا الزمن:

«إنه حلم الشاعر الأبدي

اقتناص الزمن

أن يجسم رؤيته ودوي عوالمه دفعة واحدة». (ص281).

ومن الثيمات المركزية المهمة في شعر البريكان ثيمة الموت، فكل الأشعار آيلة إلى الموت: الملوك والعبيد والسماسرة كلهم آفلون. ولذا غالباً ما يقترن الاغتراب بالموت:

«الحب والعقاب

دبيب موت خافت ورعشة اغتراب». (ص235).

ويقترن الضياع والاغتراب لدى الشاعر بفقدان الذاكرة، حيث يفقد الشاعر ذاكرته:

«سادرٌ في شوارع لا يتذكر أسماءها

تائه في زحام المدن

يتعثر في حدقات العيون

عسى أن يرى يوماً صديقاً

قديماً سيعرفه

ويعرّفه باسمه

ويساعده في الوصول إلى بيته

والى أهله الشاحبين». (ص339).

ويتمنى الشاعر أن تأتيه الشجاعة ليتأمل وجهه الغريب:

«هبني الشجاعة أن أتأمل وجهي الغريب

أعني لكي أتنفس ثانية في سمائي

لكي أستعيد روائح أرضي

أعني لأعثر يوماً على روحي الضائعة». (ص340).

وأقسى شكل من أشكال الغربة، عند الشاعرعندما يكتشف أنه غريب حتى عن نفسه، ويتحرك بلا وعي أو إرادة:

«مسحوراً بنداء لا يفهمه

منتزعاً في مملكة الأفراح الأرضية

مغترباً حتى عن نفسه

يخطو نحو الباب». (ص348).

ويحتفي البريكان بالأشياء الآفلة، التي تسير نحو الفناء أو التلاشي أو الموت. ففي قصيدة «احتفاء بالأشياء الآفلة» نجد هذا الانشغال بما هو زائل:

«أجمل ما في العالم

مشهده العابر».

ويختتم ذلك بسيرورة الزوال:

«طوبي لك

إن كنت بسيط القلب

فستفهم مجد الأرض».

ثم تأتي الضربة الحاسمة، عندما يعانق الشاعر لحظة الأفول والزوال:

«وجمال أواصر لا تبقى

وسعادة ما هو زائل». (ص358).

يشعر الشاعر هنا أن وجهه لا يشبه أياً من الوجوه، الرجل الذي يحمل هداياه، المريض الداخل غرفة العمليات، الطفل المهزول من الجوع، فهو غريب ولا مكان له في هذا العالم:

«لا يشبهك أحد ولا أمل لك أن تشبه أحداً»

فهو مجرد كائن مُسَجّى، ورقي ليس إلا:

«ليس العالم مكانك،

بل المعجم، فحتى وجهك، ليس هو وجهك». (ص416).

محمود البريكان، مثل طلسم محاط بالأسرار والأقفال، وهو بحاجة إلى جهاز نقدي خاص لتحليل وتفكيك وتأويل شعريته ذات الطبيعة الإشراقية وربما الغنوصية.

محمود البريكان، العصي على الاستكناه، شاعر لم ولن يتكرر في تاريخ الشعرية العراقية، وحان الوقت لكي يستعيد مكانته التي يستحق.


قصص قصيرة من أفريقيا

قصص قصيرة من أفريقيا
TT

قصص قصيرة من أفريقيا

قصص قصيرة من أفريقيا

ضمن سلسلة «آفاق عالمية» التي تصدرها «الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة»، صدرت «أنطولوجيا القصة القصيرة السواحيلية» التي تضم عدداً من النصوص الإبداعية لمجموعة متنوعة من الأدباء مكتوبة جميعاً باللغة السواحيلية التي تميز دول شرق أفريقيا، ترجمة وتقديم الدكتور محمد يسري محمد.

وتتعدد القضايا والهموم التي يطرحها مؤلفو المجموعة، من القتل المجَّاني، وعنف الحروب الأهلية، إلى التعبير الشاعري عن الطبيعة، والتدين الشكلي، ونفاق البعض للسلطة، وتوتر العلاقات الأسرية، وصراع الأجيال، وتبدُّل المفاهيم بين الماضي والحاضر.

وأشار المترجم في مقدمته إلى أن الترجمة هي الوسيلة الأكثر فاعلية التي من خلالها تمتد جسور التواصل بين الشعوب والثقافات المختلفة، لافتاً إلى أن اللغة السواحيلية لغة أصيلة في الشرق الأفريقي تتحدث بها تنزانيا وكينيا وأوغندا ورواندا وبروندي (دول منابع النيل)، كما أنها تعد اللغة الثانية في القارة الأفريقية بعد العربية؛ لافتاً إلى أن السواحيلية تعد كذلك اللغة الأولى لعدد من الأدباء الأفارقة المرموقين الواردة نصوصهم في الكتاب، مثل: كلارا موماني، وشافي آدم، وجون هابوي، وكيالو أميتيلا، وواريا تيمامي، وغيرهم ممن قدموا أعمالاً أدبية في جميع فروع الأدب المكتوب، من قصة قصيرة ومسرح ورواية وشعر.

وتعد تلك المختارات القصصية بمنزلة خطوة أولى على درب الترجمة عن السواحيلية، وما تتضمنه من أدب مجهول لدى القراء العرب، يتماس مع البيئات العربية بشكل أو بآخر، ولا سيما أن الأدب الأفريقي لا يزال خصباً، وفي حاجة إلى مزيد من البحث والتنقيب؛ خصوصاً بعد أن حاز الأفريقي التنزاني عبد الرازق قرنح جائزة نوبل في الأدب عام 2021. ومن أجواء المجموعة القصصية نقرأ في قصة «اللاجئ» للكاتب الكيني جون هابوى:

«حين غادر قطاع الطرق المنزل بعد انتهائهم من جريمتهم الوحشية، غادرتُ الردهة، وتحركتُ في منزلنا الذي أصبح مكشوفاً؛ إذ دُمرت أبواب المنزل كلها، واستطعت أن أرى جثث إخوتي بالإضافة إلى جثة أمي الحبيبة التي توفيت بمرارة شديدة وهي تعض على شفتها السفلى بأسنانها، وعيناها جاحظتان كالتي كانت تحارب العالم الذي أعطاها ظهره.

أصابت جسدي البرودة الشديدة برؤية تلك الجثث، وقفت مصدوماً مدة، حتى سمعت صوتاً من الخارج، فتملَّكني الخوف فجأة، وهرولت خارج المبنى الذي كان منزلنا منذ مدة قصيرة قد مضت.

مررتُ بسرعة ودخلت غابة كانت موجودة أسفل المنزل، وأخفيت نفسي بداخلها. رأيت مجموعة من الخنازير البرية التي تجري هنا وهناك، وقد أدخلت في نفسي حالة من الخوف. تمنيت الهروب إلى مكان آخر بسبب الرعب الذي أدخلته عليَّ تلك الحيوانات ذات الأسنان الحادة البارزة إلى الخارج كالمقص، ولكن أين سأهرب؟ لم يعد هناك أي مكان آخر يُطلق عليه منزل. أصبحت بلا إخوة أو حتى أبوَيَّ، أصبحت وحيداً».


الشاعر البصري والروحية الحداثية

TT

الشاعر البصري والروحية الحداثية

جرى الإعلان منذ أيام عن عرض قريب لفيلم سينمائي جديد لتيرنس ماليك اسمه «طريق الرياح»، يدور حول حياة المسيح، ولذا سنكتب شيئاً عن هذا الذي أسمّيه «الشاعر البصري». هذا الفنان الفريد في تاريخ السينما المعاصرة، يعيد صياغة الوجود عبر الكاميرا والصورة والضوء والإيقاع، ويجعل من الشاشة مجالاً لتجربة تأملية تمسّ تخوم السؤال الفلسفي والروحي معاً. فسينماه لا تُبنى على منطق الحكاية بقدر ما تتأسس على منطق الكشف، ولا تسعى إلى سرد أحداث بقدر ما تفتح أفقاً إدراكياً يُعاد فيه تأمل الحياة بوصفها لغزاً محيّراً، لا حدثاً عابراً. هنا تصبح الصورة ضرباً من التفلسف الصامت، وتغدو اللقطة لحظة انكشاف تتجاور فيها الحساسية الشعرية مع القلق الوجودي.

ينتمي عالم ماليك إلى ذلك النمط من الرؤية، حيث نجد الإنسان كائناً مقذوفاً به في العالم، محمولاً بين حضور هشّ ومصير غامض، وهو ما يقرّبه بوضوح من التصور الهايدغري للدازين، الإنسان المهموم بوجوده، ذلك الكائن الذي لا يعيش العالم بوصفه موضوعاً محايداً، بل بوصفه زمناً منفتحاً على القلق والموت والمعنى المؤجَّل. غير أن ماليك لا يترجم هذه الرؤية بمفاهيم فلسفية مباشرة، رغم أنه أستاذ فلسفة ومترجم، بل يجعلها تتجسد في حركة كاميرا شبيهة بالتنفس، وفي أصوات داخلية هامسة لا تفسّر الواقع بل تلامسه، كمن يمرّ على الأشياء بإصغاء رحيم لا بسطوة تحليلية.

تتجلى السمة الأساسية في فنه في هيمنة الصوت الداخلي، الذي يشبه المناجاة الصامتة أو الصلاة المترددة، حيث لا تتكلم الشخصيات بلسان السرد، بل بلسان الضياع. إنه صوت كائن يبحث عن موضعه بين النعمة والسقوط، بين الطبيعة والروح، بين القسوة والرأفة. هذه الثنائية، التي تظهر بوضوح في «شجرة الحياة» تُحيل إلى تصور أخلاقي عميق يربط سلوك الإنسان بموقعه الوجودي، والصراع ليس بين خير وشرّ بسيطَين، بل بين نمطَين من الوجود: نمط يثقل الروح ويشدّها إلى الأرض، وآخر يفتحها على الضوء واللطف والشفافية.

إن علاقة ماليك بالطبيعة ليست تجميلية ولا توثيقية، بل وجودية في جوهرها، إذ تتحول الأشجار والمياه والغيوم إلى شهود صامتين على هشاشة الإنسان وانكساره الذي كان دائماً يعود، نراه في مرايا تعكس صراعه مع الزمن والفناء. الزمن ليس خطاً متسلسلاً، بل نسيج مشروخ من الذكريات، حيث تتقاطع الطفولة مع الشيخوخة، والحلم مع الواقع، والندم مع الرجاء. هذا التمزق الزمني ليس تقنية سردية فحسب، بل تعبير عن كينونة قلقة لم تعد تثق بتتابع الزمن، بل تعيشه بوصفه تياراً داخلياً متكسّراً.

سينما ماليك تستحضر مناخاً قريباً مما يسميه الصوفية «الليل المظلم للروح»، فهي كثيراً ما تتحرّك في تلك المنطقة الرمادية بين النور والانطفاء، بين الرجاء والتيه، حيث تُمحى السيطرة العقلية وتتفتت الأنا أمام إحساس بحضورٍ أعظم منها. غير أنّ هذا الحضور، بخلاف الخبرة الصوفية، لا يتجلّى في صورة رؤيا ولا يقود إلى يقين ختامي، بل يظهر في صمتٍ طويل وامتداد بصري يجعل المشاهد شريكاً في تجربة التوقف والإنصات والتساؤل، دون أن يَعِده بكشفٍ نهائي أو طمأنينة مكتملة.

من هنا يمكن القول إن تيرنس ماليك لا يصنع سينما بل يبني تجربة وجودية تُرى أكثر مما تُفهم، وتُحسّ أكثر مما تُفسَّر. إنه شاعر بصري يعيد للفن قدرته على التأمل، ويذكّرنا بأن السينما ليست فقط وسيلة للتحدث، بل إمكانية عيش للدهشة، ومدخل إلى مواجهة الذات أمام الزمن والمصير والجمال. إنها تقيم في السؤال، ونحن معه، على تخوم المعنى، حيث يتجاور الضوء مع الظل، والحنين مع الفقد، والإنسان مع هاوية وجوده، في لحظة شفيفة تذكّرنا بأننا لا نعيش لنفهم العالم فحسب، بل لننصت إلى سره الخفي أيضاً. أن ندعه يتكلم.

ومما يميّز تجربة ماليك كذلك ذلك الإصرار على تفكيك مركزية الإنسان وعقله، وإزاحته عن موقع السيادة لصالح رؤية أوسع ترى في الوجود شبكة مترابطة من العلاقات، وليس مسرحاً لهيمنة بشرية مغلقة على ذاتها. فالكاميرا كثيراً ما تنصرف عن الوجه الإنساني إلى تفاصيل مهملة: حشرة تزحف على ورقة، ذبذبة ضوء على سطح ماء، عشب ينحني تحت وطأة الريح. هذه اللقطات ليست زينة جمالية، بل إشارات فلسفية تذكّر بأن الإنسان ليس محور الكون، بل جزء هشّ من نسيج كوني أوسع وأعمق منه.

كما أن الحضور الدائم للموت في أفلامه لا يُقدَّم بوصفه نهاية مأساوية، بل بوصفه أفقاً وجودياً يضفي على الحياة معناها الهشّ والعابر. فالموت عند ماليك ليس قطيعة مفاجئة، بل ظلٌّ صامت يرافق كل لحظة من لحظات الجمال، ويجعلها أكثر شفافية وأشدّ إيلاماً في الوقت نفسه. وهذا الحضور يعمّق البعد الوجودي لفنه، ويضع المشاهد أمام وعي مؤلم بأن كل ما يُحَبّ معرّض للزوال، وأن الجمال ذاته محكومٌ بالتلاشي.

بهذا المعنى، تصبح سينما ماليك ممارسة روحية حداثية، لا تعظ ولا تُبشّر، لكنها تفتح نافذة على ما سمّاه هايدغر «انكشاف الكينونة»، وعلى ما عبّر عنه الصوفيون بوصفه «لحظة تماس مع المطلق»، وعلى ما عبّر عنه إنغمار برغمان بوصفه «صمت السماء أمام صراخ الإنسان». غير أن ماليك يختار طريقاً أكثر رهافة، يمرّ عبر الضوء والسكينة والحنين، لا عبر العنف أو المواجهة أو الانكسار الدرامي الفجّ.

ومن هنا يترسخ موقعه بوصفه شاعراً يجد للشعر وسيلة كاشفة جديدة. لا يكتفي بأن يصوّر العالم، بل يعيد مساءلته من الداخل، ويقترح على المتلقي أن يرى بعين أبطأ، وقلب أرهف، ووعي أكثر استعداداً للدهشة. فمشاهدة أفلامه ليست تجربة استهلاك، بل رحلة بطيئة في عمق الزمن، حيث تذوب الحدود بين الفن والفلسفة، بين الصورة والتأمل، بين الواقع والحلم، ليغدو السؤال نفسه هو الغاية، والدهشة هي المعنى، والإنصات هو الطريق.